التصنيفات
الغذاء والتغذية داء السكري

القمح ومقاومة الأنسولين | السكري

لقد تعاركنا معه بشتى السبل، ولكن دعنا الآن نواجه ذلك الشيء الذي يسمى بالسكري.

القمح زعيم الكربوهيدرات

والقمح كذلك هو زعيم جماعة لا يحسد عليها، فهو أسوأ أنواع الكربوهيدرات، النوع الأكثر ترجيحا في قيادتنا نحو مرض السكري. القمح هو رئيس نادي حساء العظام الخاص به، وهو زعيم الكربوهيدرات. ودائما ما يكون ثملا، وذا رائحة فم كريهة، وغير مستحم، ولا يزال يرتدي قميص الأسبوع الماضي، ولكنه يرتفع في المكانة حين يكون “غنيا بالألياف”، أو “الكربوهيدرات المعقدة”، أو “الحبوب الكاملة الصحية” عن طريق جميع الوكالات التي تتحفنا بنصائحها الغذائية.

بسبب قدرة القمح المدهشة على رفع مستويات السكر في الدم، وإدخالك في دوامة الجلوكوز والأنسولين الذي يثير الشهية، ويولد الإكسورفينات التي تنشط المخ وتبعث على الإدمان، وتؤدي إلى ترسب الدهون الحشوية، فإنه هو الغذاء الرئيسي الوحيد الذي يعتبر التخلص منه محاولة جادة لمنع مرض السكري أو تخفيفه أو القضاء عليه. بإمكانك التوقف عن تناول الجوز أو البقان، ولكن لن يكون لذلك أي تأثير على خطر السكري. وبإمكانك التوقف عن تناول السبانخ أو الخيار، ولكن لن يكون لذلك أي تأثير على خطر السكري. بإمكانك إزالة جميع أنواع اللحوم من على مائدتك ولكن مجددا لن يكون لذلك أي تأثير.

ولكنك بإمكانك إزالة القمح وسيترتب على ذلك تغييرات تسلسلية كاملة: استثارة أقل لارتفاع نسبة السكر في الدم، التخلص من الإكسورفينات التي تدفع بك لاستهلاك مزيد من الطعام، إلغاء ما يحفز دورة الجلوكوز – الأنسولين التي تؤثر في الشهية. وفي حالة عدم وجود دورة الجلوكوز – الأنسولين، فلن يكون لديك سوى القليل لتحفيز شهيتك باستثناء حاجتك الفسيولوجية الحقيقية للتقوُّت، لا إشباع نزواتك. وعندما تقل الشهية، تنخفض السعرات الحرارية، وتختفي الدهون الحشوية، وتتحسن مقاومة الأنسولين، وينخفض مستوى السكر في الدم. ويمكن لمرضى السكري الشفاء منه، كما يمكن لمريض ما قبل السكري أن يشفى كذلك. كما ستتبدد جميع الظواهر المرتبطة بسوء استقلاب الجلوكوز، بما في ذلك ارتفاع ضغط الدم، والإصابة بالالتهابات، والتسكّر، وتكون جزيئات الكوليسترول الصغيرة، والدهون الثلاثية.

باختصار، تخلصك من القمح سيؤدي بالتالي إلى إلغاء كوكبة من الظواهر التي من شأنها أن تؤدي إلى مرض السكري، والمعاناة من جميع العواقب الصحية المرتبطة به، وتقيدك بثلاثة أو أربعة أنواع من الأدوية إن لم تكن سبعة، وضياع سنوات من عمرك هباء.

فكّر في ذلك للحظة: إن التكاليف الشخصية والمجتمعية للإصابة بالسكري عالية. في المتوسط، يتحمل مريض السكري الواحد من ١٨٠ ألف دولار وحتى ٢٥٠ ألف دولار كتكاليف للرعاية الصحية المباشرة وغير المباشرة إذا تم تشخيصه بذلك في سن الخمسين، كما أنه يموت أبكر بثماني سنوات من الشخص غير المصاب بالسكري. وهذا يقدر بربع مليون دولار، بالإضافة إلى التضحية بنصف وقتك الذي تقضيه في رعاية أطفالك بينما يكبرون بسبب هذا المرض، وهو مرض ينجم إلى حد كبير بسبب الطعام – وعلى وجه الخصوص، بسبب قائمة محددة من الطعام. إنه رئيس نادي حساء العظام: أي القمح.

لا تزال البيانات الإكلينيكية التي توثق آثار التخلص من القمح على مرض السكري مشوشة إلى حد ما بسبب وضع القمح ضمن فئة الكربوهيدرات الأكبر. وعادة، ما يقوم الأشخاص الذين يتمتعون بالوعي الصحي، ويتبعون النصائح الغذائية التقليدية للحد من الدهون وتناول المزيد من “الحبوب الكاملة الصحية” باستهلاك ما يقرب من ٧٥٪ من السعرات الحرارية من الكربوهيدرات من منتجات القمح؛ وهذا أكثر من كاف للتواصل المباشر مع نادي حساء العظام الذي سيودي بك لتعاني التكاليف الطبية المرتفعة، والمضاعفات الصحية، وتقصير عمرك الافتراضي بسبب داء السكري. وكما يعني أيضا أنك إذا تخلصت من رأس الأفعى، فسوف تتخلص من عواقب سمومها.

بول له طعم العسل

يرتبط القمح بالسكر بصورة وثيقة. في نواح كثيرة، فإن تاريخ القمح هو تاريخ السكري كذلك. وحيثما يوجد القمح، يوجد السكري، وحيثما يوجد السكري، يوجد القمح. ولكن لم يصبح السكري مرضا يصيب جميع فئات المجتمع، وليس الأغنياء الكسولين فقط، إلا مع حلول العصر الحديث. لقد أصبح السكري مرضا يصيب الجميع.

لم يكن السكري مرضا معروفا عمليًّا في العصر الحجري الحديث، عندما بدأ النطوفيون في حصاد القمح البرّي وحيد الحبة. ولم يعرف بالتأكيد في العصر الحجري القديم، عبر ملايين السنوات التي سبقت طموحات النطوفيين الزراعية في العصر الحجري الحديث. إن السجلات والملاحظات الأثرية الخاصة بالمجتمعات البدائية الحديثة تشير إلى أن البشر لم يصابوا تقريبا بمرض السكري ولم يموتوا جراء مضاعفات السكري قبل دخول الحبوب في النظام الغذائي. وأعقب اعتماد الحبوب في نظام الإنسان الغذائي أدلة تاريخية على زيادة الالتهابات، وأمراض العظام كهشاشة العظام، وزيادة معدل وفيات الرضع، وانخفاض معدل العمر الافتراضي، وكذلك ظهور مرض السكري.

على سبيل المثال، في عام ١٥٣٤ قبل الميلاد في “بردية إبيرس” المصرية، التي اكتشفت في مدينة طيبة الجنائزية، وترجع إلى الفترة التي أدرج فيها المصريون القمح القديم في نظامهم الغذائي، نجد وصفا للإفراط في إدرار البول بسبب مرض السكري. ولقد أطلق الطبيب الهندي ” سارشوتا” في القرن الخامس قبل الميلاد على سكري البالغين (النوع الثاني) اسم “مادهوميها”، أو “بول مثل العسل”، وذلك بسبب مذاقه الحلو (نعم، كان مرض السكري يشخص عن طريق تذوق البول)، والطريقة التي يجتذب بها البول السكري النمل والذباب. كما قام “سارشوتا” كذلك بربط السكري بالسمنة والخمول ونصح بالعلاج بواسطة ممارسة الرياضة.

وقد أطلق الطبيب اليوناني “أريتايوس” على هذا المرض الغامض اسم diabetes، ومعناه “التبول كأنك سيفون”. وبعد عدة قرون، قام اختصاصي تشخيص آخر خبير في مذاق البول وهو الدكتور “توماس ويليس” بإضافة لفظة mellitus، التي تعني “مذاقًا كالعسل”. نعم، إدرار بول له مذاق العسل كأنك سِيفون”.

ابتداء من فترة عشرينيات القرن العشرين، حدثت طفرة هائلة باكتشاف الأنسولين، الذي أنقذ حياة الأطفال مرضى السكري. يعاني مرضى السكري من الأطفال تلف خلايا بيتا المنتجة للأنسولين في البنكرياس، ما يعوق قدرتهم على إفرازه. ويرتفع السكر في الدم إلى مستويات خطيرة دون رادع، حيث يعمل كمدر للبول (يسبب فقدان الماء عن طريق إدرار البول). ويضعف التمثيل الغذائي، وذلك يرجع إلى عدم قدرة الجلوكوز على الولوج إلى خلايا الجسم بسبب نقص الأنسولين. وما لم يتم العلاج بالأنسولين، يصاب المريض بحالة تسمى بالحماض الكيتوني السكري، يعقبها الدخول في غيبوبة ثم الموت. وقد أدى اكتشاف الطبيب الكندي “فريدريك بانتينج” للأنسولين إلى منحه جائزة نوبل في عام ١٩٢٣، وبدأ عصر يمكن فيه لجميع مرضى السكري الأطفال والبالغين أن يتداووا بالأنسولين.

وفي حين أن اكتشاف الأنسولين أدى إلى إنقاذ حياة الأطفال بالفعل، إلا أنه أدى لانحراف مفهوم سكري البالغين عن مساره لعدة عقود. وبعد اكتشاف الأنسولين، ظل التمييز بين النوع الأول والثاني من داء السكري أمرا مبهما. لذا كانت مفاجأة في الخمسينيات عندما تم اكتشاف أن مرضى السكري البالغين من النوع الثاني لا يفتقرون إلى الأنسولين حتى مراحل متقدمة من المرض. في الواقع، إن معظم مرضى السكري البالغين من النوع الثاني لديهم كميات كبيرة من الأنسولين (وفي معظم الأحيان أكثر من المعتاد). ففي الثمانينيات فقط تم اكتشاف مفهوم مقاومة الأنسولين، والذي أوضح السبب الكامن وراء ارتفاع مستوياته بشكل غير طبيعي لدى مرضى السكري البالغين.

للأسف، أخفق اكتشاف مقاومة الأنسولين في تنوير العالم الطبي بسبب الفكرة التي انتشرت في الثمانينيات وهي تقليل الدهون والدهون المشبعة في النظام الغذائي، والذي فتح الباب على مصراعيه أمام الكربوهيدرات. وعلى وجه الخصوص، أدى ذلك إلى فكرة أن “الحبوب الكاملة الصحية” سوف تنقذ صحة الأمريكيين الذين يُعتقد أنهم في خطر بسبب الإفراط في الدهون، وأدى عن غير قصد إلى معاناة هؤلاء الأشخاص الذين قللوا من الدهون ولكنهم استبدلوا بالسعرات الحرارية المفقودة من الدهون “الحبوب الكاملة الصحية” مثل القمح طوال ثلاثين عاما.

وكانت النتيجة: زيادة الوزن، والسمنة، وانتفاخ البطن بسبب الدهون الحشوية، وانتشار أمراض مقدمات السكري والسكري على نطاق غير مسبوق، وذلك أصاب الذكور والإناث، الأغنياء والفقراء، الحيوانات العاشبة واللاحمة على حد السواء، حيث تفشت لدى جميع الأجناس والأعمار، الذين يقومون جميعهم “بإدرار بول له مذاق العسل كأنهم سِيفون”.

أمّة الحبوب الكاملة

كان سكري البالغين في الغالب مرضا خاصًّا بالأثرياء على مر العصور ممن لم يكن عليهم البحث عن غذائهم، أو زراعة الأرض، أو إعداد وجباتهم. فكِّر في الملك “هنري” الثامن، الذي كان مصابا بالنقرس والبدانة، وكان محيط خصره يبلغ ١٣٧ سم، ويلتهم ليلا موائده التي امتلأت بحلوى المارزيبان، وأرغفة الخبز، والبودنج، والبيرة. وخلال النصف الأخير من القرن التاسع عشر وحتى القرن العشرين فقط – عندما زاد استهلاك السكروز (سكر المائدة) لدى جميع المستويات المجتمعية، وهو عامل تصاعدي مشترك – أصبح داء السكري أكثر انتشارا.

لذا شهدت المرحلة الانتقالية من القرن التاسع عشر إلى القرن العشرين زيادة في مرض السكري، وظلت ثابتة بعد ذلك لسنوات عديدة. وخلال معظم سنوات القرن العشرين، ظلت الإصابة بمرض سكري البالغين ثابتة نسبيًّا في الولايات المتحدة حتى منتصف الثمانينيات. ثم أخذت الأمور منعطفا مفاجئا نحو الأسوأ.

واليوم، أصبح داء السكري وباءًا على قدر الشناعة نفسه التي تتسم بها الصحف الصفراء. في عام ٢٠٠٩، كان عدد الأمريكيين المصابين بالسكري أربعة وعشرين مليونا، وهو رقم يمثل نموًّا هائلا بالمقارنة بعددهم قبل بضع سنوات. إن عدد الأمريكيين المصابين بداء السكري ينمو بوتيرة أسرع من أي مرض آخر باستثناء السمنة (إذا كنت تعتبر السمنة مرضا). وإذا لم تكن مريضا بالسكري، فإنك على الأرجح لديك أصدقاء مرضى به، وزملاء عمل مرضى به، وجيران مرضى به. ونظرا لارتفاع معدله بشكل استثنائي لدى كبار السن، فإنه من المرجح أن والديك مصابان بالسكري (أو كانا كذلك).

ويعتبر داء السكري مجرد غيض من فيض. فأمام كل مريض بالسكري، هناك ثلاثة أو أربعة أشخاص يعانون أعراض مرحلة ما قبل السكري (والتي تتضمن اختلال منسوب السكر في الدم عند الصيام، وضعف تحمّل الجلوكوز، ومتلازمة التمثيل الغذائي) ينتظرون دورهم في الإصابة به. وبحسب التعريف الذي تستخدمه، فإن نسبة البالغين في الولايات المتحدة ممن لديهم مقدمات السكري تبلغ من ٢٢٪ وحتى ٣٩٪ من مجموع عدد البالغين. وكان إجمالي المصابين بداء السكري ومقدمات السكري في عام ٢٠٠٨ واحدًا وثمانين مليونا، أي واحدًا من كل ثلاثة بالغين فوق الثامنة عشرة؛ وهذا أكثر من العدد الإجمالي لجميع الأشخاص، بالغين وأطفال، مصابين بالسكري وغير مصابين به – جميع من عاش في الولايات المتحدة في عام ١٩٠٠.

إذا قمت كذلك بحساب عدد الأشخاص الذين لم يستوفوا المعايير الكاملة لمقدمات السكري ولكنهم يظهرون ارتفاعا في مستوى السكر في الدم بعد تناول الوجبات، وارتفاعا في نسبة الدهون الثلاثية وجزيئات الكوليسترول الصغيرة، وضعف القدرة على الاستجابة للأنسولين (مقاومة الأنسولين) – وهي الظواهر التي لا تزال تؤدي إلى أمراض القلب، وإعتام عدسة العين، وأمراض الكلى، وأخيرا داء السكري – سوف تجد عددا قليلا من الناس في العصر الحديث لا ينتمون إلى هذه المجموعة، بمن في ذلك الأطفال.

لا يقتصر هذا المرض على السمنة والحاجة إلى تناول الأدوية فقط، بل يؤدي إلى مضاعفات خطيرة، مثل الفشل الكلوي (فالسكري هو السبب وراء ٤٠٪ من حالات الفشل الكلوي)، وبتر الأطراف (تبتر أطراف مرضى السكري أكثر من أي مرض آخر). نحن نتحدث عن أمر خطير جدًّا.

إنها ظاهرة حديثة مخيفة، وانتشار واسع النطاق لمرض شاع سابقا بين جميع الفئات. فما النصيحة التي تبث على نطاق واسع لوضع حد لذلك؟ ممارسة الرياضة بصورة أكبر، تناول وجبات خفيفة أقل… وتناول المزيد من “الحبوب الكاملة الصحية”.

هجوم البنكرياس وأذاه

لقد توازى الانتشار الهائل لمرضي السكري ومقدمات السكري مع زيادة عدد الأشخاص الذين يعانون زيادة الوزن والبدانة.

في الواقع، فإنه سيكون أكثر دقة أن نقول إن الانتشار الهائل لمرض السكري ومقدمات السكري كان ناجما إلى حد كبير عن الانتشار الهائل لزيادة الوزن والسمنة، حيث إن زيادة الوزن تؤدي إلى حدوث خلل في الحساسية للأنسولين، وزيادة احتمال تراكم الدهون الحشوية، وهما شرطان رئيسيان للإصابة بداء السكري. وكلما أصبح الأمريكيون أكثر بدانة، ازداد عدد مرضى ما قبل السكري والسكري. ففي عام ٢٠٠٩، اندرج ٢٦.٧٪ من البالغين في الولايات المتحدة، أي خمسة وسبعون مليون شخص، تحت فئة البدانة – أي من كان مؤشر كتلة الجسم (BMI) لديهم ٣٠ فأكثر – مع وجود عدد أكبر يندرجون تحت فئة زيادة الوزن (مؤشر كتلة الجسم لديهم من ٢٥ وحتى ٢٩.٩). لم تصل أي دولة بعد، أو تقترب، من الوصول لمعدل ١٥٪ من حالات السمنة، وهو الهدف الذي تضمنته دعوة جمعية الجراحين العموميين الأمريكيين إلى العمل على منع زيادة الوزن والسمنة أو تخفيفها (ونتيجة لذلك، أكد مكتب الجراح العام مرارا وتكرارا أن الأمريكيين بحاجة إلى زيادة مستوى النشاط البدني، وتناول المزيد من الأطعمة قليلة الدسم، و – نعم – زيادة استهلاك الحبوب الكاملة).

وكما هو متوقع، ترافق زيادة الوزن لدى مرضى السكري وما قبل السكري خطر العنصر الوراثي، على الرغم من أن نقطة الوزن الدقيقة التي يصلون إليها يمكن أن تختلف من فرد إلى آخر. فربما تصاب امرأة يبلغ طولها ١٦٥ سم بالسكري وهي تزن ١٠٨ كجم، في حين أن امرأة أخرى يبلغ طولها ١٦٥ سم كذلك تصاب بالسكري وهي تزن ٦٣ كجم. يتم تحديد هذا الاختلاف وراثيًّا.

وحين أن نسبة الأمريكيين الذين يعانون زيادة الوزن ظلت ثابتة، فإن نسبة الأمريكيين الذين يعانون البدانة قد تضخمت، كما ارتفعت نسبة الأمريكيين الذين يعانون البدانة المفرطة كذلك بمعدل ينذر بالخطر.

إن التكلفة الاقتصادية المترتبة على مثل هذه التوجهات تعتبر صاعقة. فزيادة الوزن أمر مكلف جدًّا، سواء من حيث تكاليف الرعاية الصحية أو خسارة الصحة. وتشير بعض التقديرات إلى أنه خلال السنوات العشرين المقبلة، سوف تخصص نسبة قدرها من ١٦٪ حتى ١٨٪ من جميع تكاليف الرعاية الصحية إلى الحالات الصحية الناجمة عن زيادة الوزن: ليس بسبب عيب وراثي أو خلقي، وليس بسبب الأمراض النفسية، أو الحروق، وليس بسبب اضطراب ما بعد الصدمة بسبب الحروب – لا، بل من البدانة فحسب. وسيصبح ثمن معاناة الأمريكيين من البدانة المفرطة والقصر المبالغ فيه هو ما يتم انفاقه نفسه على السرطان. وسيكون المبلغ المنفق على إصلاح الآثار الصحية المترتبة على البدانة أكثر مما سينفق على التعليم.

وثمة عامل آخر يوازي اتجاهات مسار أمراض السكري، وما قبل السكري، وزيادة الوزن – نعم، تخمينك صائب: إنه استهلاك القمح، وسواء كان ذلك لأنه طعام مناسب، أو لطعمه الطيب، أو ظنا منا أنهم بذلك يحافظون على صحتهم، فإن الأمريكيين قد أصبحوا مدمنين على القمح بلا حول ولا قوة، بحيث ارتفع متوسط استهلاك الفرد السنوي من منتجاته (الخبز الأبيض وخبز القمح، وقمح المكرونة القاسي) بمقدار ١١ كجم منذ عام ١٩٧٠. فإذا وضعنا متوسطا لاستهلاك القمح عند جميع الأمريكيين – الرضع والأطفال والمراهقين والبالغين وكبار السن – سنجد أن الأمريكي العادي يستهلك سنويًّا ما يوازي

٦٠ كجم من القمح (لاحظ أن ٦٠ كجم من دقيق القمح يساوي تقريبا مائتي رغيف من الخبز، أي أكثر قليلا من نصف رغيف يوميًّا). وبطبيعة الحال، فإن هذا يعني أن العديد من البالغين يأكلون أكثر بكثير من هذه الكمية؛ لأنه لا يمكن لرضيع أو لطفل صغير مدرج في هذا المتوسط أن يتناول سنويًّا ٦٠ كجم من القمح.

وطبقا لذلك، فإننا نجد أن الرضع يتناولون القمح، والأطفال يتناولون القمح، والمراهقون يتناولون القمح، والبالغون يتناولون القمح، والمسنون يتناولون القمح. كما أن لكل فئة لديها منتجات معينة تفضلها – كأطعمة الرضع، وبسكويت أشكال الحيوانات، والكعك، وشطائر زبدة الفول السوداني، والبيتزا، وبسكويت “أوريوز”، ومكرونة القمح الكامل، وخبز الحبوب الكاملة، والخبز المحمص الجاف، ومقرمشات “ريتز”- ولكنها في النهاية كلها سواء. وبالتوازي مع زيادة استهلاك القمح، استبدلنا بالقمح الطري الذي بلغ طوله١.٢ متر سلالات القمح القزم ذي الإنتاجية العالية للمحصول، وبنية الجلوتين الجديدة التي لم يستهلكها البشر مسبقا، وذلك في سرية مطلقة.

من الناحية الفسيولوجية، فإن علاقة القمح بمرض السكري علاقة منطقية تماما. فمنتجات القمح تهيمن على نظامنا الغذائي، وترفع من نسبة السكر في الدم بصورة أعلى من جميع الأغذية الأخرى تقريبا. وهذا يرفع نسبة اختبارات مثل اختبار الهيموجلوبين الجليكوزيلاتي (الذي يوضح معدل السكر في الدم قبل ٦٠: ٩٠ يوما). ويتسبب وصول دورة الجلوكوز والأنسولين إلى مستويات عالية عدة مرات يوميًّا في تحفيز ترسب الدهون الحشوية. وترتبط الدهون الحشوية – أو كرش القمح – ارتباطا وثيقا بمقاومة الأنسولين، والتي تؤدي بدورها إلى ارتفاع معدل الجلوكوز والأنسولين.

وتترافق المرحلة المبكرة لزيادة الدهون الحشوية ومرض السكري بزيادة خلايا بيتا في البنكرياس بنسبة ٥٠٪، وهي المسئولة عن إنتاج الأنسولين، وهو نوع من التكيف الفيسيولوجي من أجل تلبية المتطلبات الهائلة للجسم المقاوم للأنسولين. لكن تكيف خلايا بيتا له حدوده.

إن نسبة السكر المرتفعة في الدم، مثل تلك التي تحدث بعد تناول فطيرة لذيذة محشوة بالتوت البري في طريقك إلى العمل بالسيارة، تثير ظاهرة يطلق عليها “التأثير السمّي للسكر على البنكرياس”، والتي تعني الضرر الفعلي الواقع على خلايا بيتا البنكرياسية المنتجة للأنسولين بسبب ارتفاع السكر في الدم. وكلما ارتفعت نسبة السكر في الدم، لحق بخلايا بيتا المزيد من الضرر. وتأثير ذلك يحدث بشكل متدرج، ويبدأ حين يصبح مستوى الجلوكوز ١٠٠ ملج / دل، وهي نسبة يعتبرها العديد من الأطباء عادية. بعد تناول شريحتين من خبز القمح الكامل مع قطع صدور الديك الرومي المنخفضة الدهون، يصبح المستوى النموذجي للسكر في الدم ١٤٠: ١٨٠ ملج / دل عند البالغين غير المصابين بالسكري، وهي نسبة أكثر من كافية للقضاء على بعض خلايا بيتا الثمينة التي لا يمكن استبدالها.

وينال خلايا بيتا البنكرياسية المسكينة والضعيفة المزيد من الضرر بسبب عملية تعرف بالتأثير السمّي للدهون على البنكرياس، وهي فقدان خلايا بيتا بسبب زيادة الدهون الثلاثية والأحماض الدهنية، مثل تلك التي تنتج عن التناول المتكرر للكربوهيدرات. تذكر أن اتباع نظام غذائي يميل نحو الكربوهيدرات يتسبب في نمو جزيئات البروتينات الشحمية منخفضة الكثافة، والدهون الثلاثية التي تستمر في فترات ما بعد الوجبات وبين الوجبات، وهي حالات تزيد من استنزاف سميّة الدهون لخلايا بيتا البنكرياسية.

ويتفاقم الضرر الذي يتعرض له البنكرياس عن طريق الالتهاب، مثل الإجهاد التأكسدي، وبروتين اللبتين، والمحفزات الكريضية المختلفة، وعامل نخر الورم، وكلها تنتج عن الدهون الحشوية وهي معقل الالتهاب، وجميعها خواص مرضَيْ ما قبل السكري والسكري.

بمرور الزمن، وتكرار هجمات سميّة السكر، وسميّة الدهون، والالتهابات المدمرة، تذبل خلايا بيتا وتموت، ويتناقص عدد خلايا بيتا تدريجيًّا ليصل إلى معدل أقل من ٥٠٪ من عددها في البداية. وعندئذ يصاب الجسم بالسكري بصورة لا رجعة فيها.

باختصار، فإن الكربوهيدرات، وخاصة الموجودة في منتجات القمح، والتي تزيد من نسبة السكر والأنسولين في الدم إلى أقصاها، تتسبب في سلسلة من الظواهر الأيضية التي تؤدي في النهاية إلى خسارة البنكرياس قدرته على تصنيع الأنسولين بصورة لا رجعة فيها: أي الإصابة بالسكري.

هل نحارب الكربوهيدرات بالكربوهيدرات؟

ربما كانت وجبة إفطار البشر في العصر الحجري القديم أو الحديث تتكون من الأسماك، أو الزواحف، أو الطيور، أو الطرائد الأخرى (التي لا يتم طهوها دائما)، أو الأوراق، أو الجذور، أو التوت، أو الحشرات. اليوم سيكون إفطارهم على الأرجح مكونا من وعاء من الحبوب ومنها دقيق القمح، والذرة، والشوفان، وشراب الذرة عالي الفركتوز، والسكروز. ولن يطلق عليها ” دقيق القمح ودقيق الذرة، والشوفان، وشراب الذرة عالي الفركتوز، والسكروز بالطبع، بل اسما أكثر جاذبية مثل رقائق “كرنشي هيلث كرسترز” أو “فروتي مانشي سكويرز”. أو ربما يكون الإفطار عبارة عن كعكات الوافل والفطائر مع شراب القيقب. أو قد يكون فطيرة إنجليزية محمّصة مليئة بالمواد الحافظة، أو خبز بومبيرنيكيل مع جبن قليل الدسم. بالنسبة لمعظم الأمريكيين، يبدأ التطرف في تناول الكربوهيدرات في وقت مبكر ويستمر طوال اليوم.

لا ينبغي لنا أن نكون مصدومين على الإطلاق، كما أن حياتنا الحديثة أصبحت أقل تطلبا – متى كانت آخر مرة قمت فيها بسلخ حيوان، أو ذبحه، أو قطعت أخشابًا تكفي طوال فصل الشتاء، أو غسلت مئزرك في النهر بيديك؟ – ما يسفر عن الاستقلاب السريع للأطعمة بسبب الراحة والإكثار من تناول الأطعمة من أجل المتعة وازدياد الأمراض.

لا يصاب أحد بالسكري من خلال التهام الكثير من الحيوانات البرية التي قام بصيدها، أو الثوم البري والتوت البري الذي قام بجمعه… أو عن طريق تناول المزيد من عجة الخضراوات، أو السلمون، أو اللفت، أو شرائح الفلفل، أو الخيار. ولكن الكثير من الناس يصابون بالسكري بسبب تناول الكثير من الكعك، والخبز، وحبوب الإفطار، وفطائر المافن، والوافل، والمعجنات، والبسكويت، والكيك، والكب كيك، والكرواسون، والدونات، والفطائر.

كما ناقشنا، الأطعمة التي تزيد من نسبة السكر في الدم تسبب مرض السكري. إنه تسلسل بسيط: الكربوهيدرات تؤدي إلى إفراز الأنسولين من البنكرياس، ما يتسبب في نمو الدهون الحشوية. والدهون الحشوية تؤدي إلى مقاومة الأنسولين والالتهابات. أما السكريات والدهون الثلاثية، والأحماض الدهنية في الدم فهي تتلف البنكرياس. وبعد سنوات من الإجهاد، يستسلم البنكرياس للهزيمة التي تلحقها به سميّة السكر، وسميّة الدهون، والالتهابات، “فيتوقف عن عمله” بشكل أساسي، تاركا نقصا في الأنسولين وارتفاعا في مستوى السكر في الدم – أي مرض السكري.

إن علاج مرض السكري يعكس هذا التفاقم. ويتم وصف أدوية مثل بيوجليتازوني (أكتوس) للحد من مقاومة الأنسولين في المرحلة المبكرة من مرض السكري. كما يتم وصف عقار الميتفورمين كذلك في مرحلة مبكرة، حيث يقلل من إنتاج الكبد للجلوكوز. وبمجرد استنفاد البنكرياس بعد سنوات من هجمات سميّة السكر، وسميّة الدهون، والالتهابات، فإنه لا يعد يستطيع إنتاج الأنسولين، فيتم وصف حقن الأنسولين.

وهناك جزء من المعيار السائد للرعاية الطبية الخاصة بمنع مرض السكري وعلاجه، والأمراض الناجمة عن استهلاك الكربوهيدرات إلى حد كبير… وهو نصح المرضى بزيادة استهلاك الكربوهيدرات.

منذ سنوات، كنت أنصح مرضى السكري لديَّ بالنظام الغذائي الخاص بالجمعية الأمريكية لمرض السكري(ADA). وبناء على نصيحة هذه الجمعية بتناول الكربوهيدرات، فإنني شاهدت مرضاي يكتسبون الوزن، ويعانون تدهور مستوى الجلوكوز في الدم، وزيادة احتياجهم إلى الدواء، و مضاعفات السكري مثل الإصابة بأمراض الكلى واعتلال الأعصاب. ومثلما كان الطبيب “أجناتس سيملفيس” سببا في تلاشي حمى النفاس تقريبا من عيادته عن طريق غسل يديه فحسب، فإن تجاهل النظام الخاص بجمعية السكري الأمريكية والتقليل من تناول الكربوهيدرات يؤدي إلى تحسن السيطرة على نسبة السكر في الدم، وانخفاض نسبة اختبار الهيموجلوبين الجليكوزيلاتي HbAlc، وفقدان هائل في الوزن، وتحسن الفوضى الأيضية التي يتسبب فيها مرض السكري مثل ارتفاع ضغط الدم وزيادة نسبة الدهون الثلاثية.

وتنصح جمعية السكري الأمريكية مرضى السكري بتقليل الدهون، والحد من الدهون المشبعة، وتناول ما يتراوح بين ٤٥: ٦٠ جراما من الكربوهيدرات – ويفضل أن تكون من “الحبوب الكاملة الصحية” – في كل وجبة، أو ما يعادل ١٨٠:١٣٥ جراما من الكربوهيدرات في كل يوم، ولا يتضمن ذلك الوجبات الخفيفة. وهذا النظام، في جوهره، هو نظام الخوف من الدهون، والتركيز على الكربوهيدرات التي تصل نسبة السعرات الحرارية منها إلى ٥٥٪: ٦٥٪ من الكربوهيدرات. وإذا كان لي أن ألخص وجهة نظر جمعية السكري الأمريكية عن الحمية الغذائية، سيكون: فلتأكل السكريات والأطعمة التي تزيد من نسبة السكر في الدم، ولكن تأكد فقط من ضبط نسبة دوائك لتعويض ذلك.

ولكن في حين أن “محاربة النار بالنار” قد تنجح مع مكافحة الآفات أو في مواجهة جار عدواني، فإنك لا يمكنك الإفلات من ديون بطاقات ائتمانك، كما لا يمكنك تناول الكربوهيدرات للتخلص من مرض السكري.

إن جمعية السكري الأمريكية لها تأثير كبير على صياغة المواقف القومية تجاه التغذية. وعندما يتم تشخيص شخص بمريض السكري، يتم إرساله إلى شخص مُثَقِّف في مجال السكري أو إلى ممرضة، فينصحونه باتباع مبادئ النظام الغذائي الخاص بجمعية السكري الأمريكية. إذا أُودع مريض بالسكري المستشفى، ينصحه الطبيب باتباع “حمية جمعية السكري الأمريكية.” إن هذه “المبادئ التوجيهية” الغذائية، لشدة تأثيرها، يمكن أن يصل الأمر لأن يسن عليها في “قوانين” الصحة. لقد رأيت ممرضات ومُثَقِّفين في مجال السكري، حين يدركون أن الكربوهيدرات تتسبب في مرض السكري، يضربون بنصائح جمعية السكري الأمريكية عرض الحائط ويطالبون بالحد من استهلاك الكربوهيدرات. وبسبب أن مثل هذه المشورة تعارض المبادئ التوجيهية الخاصة بجمعية السكري الأمريكية، فإن المؤسسة الطبية قد أوضحت ارتيابها حينما قامت بطرد هؤلاء الموظفين الفاسدين. فلا تقلل من شأن القناعات التقليدية، ولا سيما في مجال الطب.

قائمة الأطعمة التي توصي بها الجمعية الأمريكية لمرض السكري:

• الخبز والحبوب الكاملة، مثل القمح الكامل أو الشعير

• الحبوب الكاملة، والحبوب الغنية بالألياف

• الحبوب المطبوخة مثل: الشوفان، أو البرغل، أو عصيدة الذرة، أو السميد

• الأرز، والمكرونة، والتورتيلا

• الفاصوليا والبازلاء المطبوخة، مثل الفاصوليا المنقطة أو لوبياء العين السوداء

• البطاطا والبازلاء الخضراء والذرة والفاصوليا والبطاطا الحلوة، والقرع

• المقرمشات منخفضة الدهون، ورقائق البطاطس، والمعجنات، والفشار الخالي من الدهون

باختصار، تناول القمح، ومزيدًا من القمح، مع الذرة، والأرز، ثم مزيدًا من القمح.

اسأل أي مصاب بالسكري حول آثار هذا النظام الغذائي، وسوف يخبرك بأن أيًّا من هذه الأطعمة تزيد من نسبة السكر في الدم إلى مدى قد يصل إلى ٢٠٠: ٣٠٠ ملج / دل أو أعلى. ووفقا لنصيحة جمعية السكري الأمريكية، يبدو أن هذا أمر مناسب… ولكن يجب التأكد من تتبع نسبة السكر في الدم والتحدث إلى طبيبك حول إجراء تعديلات على الأنسولين أو الدواء.

هل يسهم النظام الغذائي الخاص بجمعية السكري الأمريكية في علاج مرض السكري؟ هناك حملات تسويق لا مبرر لها تدعي “العمل من أجل التوصل إلى العلاج”. ولكن، أهناك حديث حقيقي حول وجود علاج؟

دفاعا عنهم، إنني لا أعتقد أن معظم الأشخاص الذين يقفون وراء جمعية السكري الأمريكية أشخاص سيئون. في الواقع، إن الكثير منهم يكرسون جهودهم للمساعدة على تمويل الجهود الرامية إلى اكتشاف علاج لمرض السكري في مرحلة الطفولة، ولكنني أعتقد أنهم انحرفوا عن مسارهم الصحيح عندما قدموا نصيحتهم الحمقاء باتباع نظام غذائي منخفض الدهون، ما أدى إلى انحراف جميع الولايات المتحدة عن مسارها.

حتى يومنا هذا، فإن مفهوم علاج مرض السكري عن طريق زيادة استهلاك الأطعمة التي تسبب هذا المرض في المقام الأول، ثم علاج فوضى السكر في الدم عن طريق الأدوية، لا يزال قائما.

نحن نتمتع بميزة، بالطبع بعد فوات الأوان، وهي قدرتنا على مشاهدة آثار هذا الخطأ الغذائي الشنيع، وكأنه فيلم منخفض التكاليف على جهاز الفيديو. دعونا نرجع الشريط كاملا بكل ما يحتويه من صور مهزوزة: فلنتخلص من الكربوهيدرات، ولا سيما “الحبوب الكاملة الصحية”، حتى نتعافى من آثار الكثير من هذه الأمراض الحديثة.

ديجا فو من جديد

في القرن الخامس ق.م، نصح الطبيب الهندي “سارشوتا” مرضاه الذين عانوا السمنة المفرطة والسكري بممارسة الرياضة، في الوقت الذي كان فيه زملاؤه يبحثون عن الطالع في ظواهر الطبيعة أو مواقع النجوم لتشخيص آلام مرضاهم. كما لاحظ الطبيب الفرنسي “أبولينير بوشار” في القرن التاسع عشر انخفاض نسبة سكر البول لدى مرضاه في أثناء حصار الجيش البروسي لباريس، الذي استمر أربعة أشهر طوال في عام ١٨٧٠، عندما كان الغذاء، وخاصة الخبز، غير متوافر بالقدر الكافي. وبعد فكّ الحصار، قام بعمل محاكاة لنفس التأثير من خلال نصحه المرضى بالحد من استهلاك الخبز والنشويات الأخرى والصيام بشكل متقطع لعلاجهم من السكري، على الرغم من نصائح الأطباء الآخرين بزيادة استهلاكهم للنشويات.

في القرن العشرين، وفي كتابه الإرشادي، ينصح الدكتور “ويليام أوسلر”، وهو المثقف طبيًّا وأحد المؤسسين الأربعة لمستشفى “جونز هوبكنز”، مرضى السكر باتباع نظام غذائي لا يحتوى سوى على ٢٪ من الكربوهيدرات. ويصف الدكتور “فريدريك بانتينج” في كتابه الذي نشر للمرة الأولى في عام ١٩٢٢، تجاربه الأولى في حقن الأطفال مرضى السكري بخلاصة البنكرياس، ولاحظ أن النظام الغذائي الخاص بالمستشفى يساعد على السيطرة على الجلوكوز في البول، حيث كانت هناك قيود صارمة على الكربوهيدرات بحيث تتعدى نسبتها ١٠ جرامات يوميًّا.

قد يكون من المستحيل التوصل إلى علاج باستخدام أساليب بدائية مثل مشاهدة إذا ما كان الذباب يتجمع حول البول أم لا، أو التجارب التي أجريت بدون أدوات حديثة مثل اختبار السكر في الدم أو اختبار الهيموجلوبين الجليكوزيلاتي. فقد كانت هذه هي طرق الاختبار المتاحة، وأعتقد أن تحسّن نتائج السكري كان دليلا واضحا بالطبع. أما الدعوات الحديثة في هذا العصر بالحد من تناول الدهون، وتناول المزيد من الحبوب الكاملة الصحية فقد تسبب في أننا نسينا الدروس المستفادة من ملاحظين مخضرمين أمثال “أوسلر” و”بانتينج”. ومثل العديد من الدروس، فإن فكرة وضع قيود على تناول الكربوهيدرات من أجل علاج مرض السكري هو الدرس الذي سوف نحتاج إلى إعادة تعلمه.

إنني أرى بصيصا من الضوء في نهاية النفق. ففكرة أننا ينبغي أن ننظر إلى مرض السكري على أنه مرض عدم تحمل الكربوهيدرات قد بدأت في اكتساب أرضية في المجتمع الطبي. إن فكرة نتاج مرض السكري من الكربوهيدرات صارت تجد الأطباء والباحثين النشطين الذين يدافعون عنها بهمّة مثل الدكتور “إريك ويستمان” بجامعة “ديوك”؛ والدكتورة “ماري فيرنون”، المدير الطبي السابق لبرنامج مراقبة الوزن بجامعة “كانساس” والرئيس السابق للجمعية الأمريكية لأطباء جراحات السمنة؛ والباحث غزير الإنتاج الدكتور “جيف فوليك” بجامعة كونيتيكت. فقد أبلغ كل من د. “ويستمان” و د. “فيرنون”، على سبيل المثال، أنهما عادة ما يحتاجان إلى تقليل جرعة الأنسولين بنسبة ٥٠٪ في اليوم الأول الذي يبدأ المريض فيه في الحد من الكربوهيدرات لتجنب انخفاض السكر في الدم بدرجة مفرطة. وقد أثبت الدكتور “فوليك” وفريقه مرارا وتكرارا، في كل من البشر والحيوانات، أن الانخفاض الحاد في الكربوهيدرات يلغي مقاومة الأنسولين، وتشوهات ما بعد الأكل، وترسّب الدهون الحشوية.

وقد أظهرت العديد من الدراسات التي أجريت على مدار العقد الماضي أن الحد من الكربوهيدرات يؤدي إلى فقدان الوزن وتحسين نسبة السكر في الدم لدى مرضى السكري. وفي إحدى هذه الدراسات، تم تخفيض الكربوهيدرات إلى ٣٠ جم يوميًّا، ما أدى إلى فقدان الوزن بمقدار ٥ كجم في المتوسط، وانخفاض نتيجة اختبار الهيموجلوبين الجليكوزيلاتي (الذي يوضح معدل السكر في الدم قبل ٦٠: ٩٠ يوما) من ٧.٤ ٪ إلى ٦.٦٪ خلال عام. وأظهرت دراسة أجريت بجامعة تمبل حول مرضى السكري الذين يعانون السمنة المفرطة أن تخفيض الكربوهيدرات إلى ٢١ جراما يوميًّا أدى إلى فقدان ١.٦ كجم من الوزن في المتوسط خلال أسبوعين، بالإضافة إلى انخفاض نتيجة اختبار الهيموجلوبين الجليكوزيلاتي من ٧.٣ ٪ إلى ٦.٨٪ وتحسن قدره ٧٥٪ في استجابات الأنسولين.

وقد نجح د. “ويستمان” في إثبات ما تعلمه العديد منا من خلال ممارسة الطب في العيادات: إن التخلص الفعلي من الكربوهيدرات، بما في ذلك مصدر الكربوهيدرات “المسيطر” على الحميات “الصحية”، وهو القمح، لا يؤدي فقط إلى تحسن نسبة السكر في الدم، ولكنه بإمكانه كذلك إزالة الحاجة إلى الأنسولين وأدوية السكري لدى مرضى السكري البالغين – أي علاجه بعبارة أخرى.

وفي إحدى دراسات د. “ويستمان” الحديثة، اتبع ٨٤ مريضا بالسكري يعانون السمنة المفرطة حمية صارمة منخفضة الكربوهيدرات -حيث مُنعوا فيها من تناول القمح، أو نشا الذرة، أو السكريات، أو البطاطس، أو الأرز، أو الفاكهة، وخفضوا استهلاك الكربوهيدرات إلى ٢٠ جم في اليوم (وهو نظام مشابه لما نصح به الطبيبان “أوسلر” و”بانتينج”). وبعد ستة أشهر، تقلصت أحجام الخصور (والتي تمثل الدهون الحشوية) بمقدار ١٢ سم، وانخفضت نسبة الدهون الثلاثية بمقدار ٧٠ ملج / دل، وانخفضت الأوزان بمقدار ١١.١١كجم، كما انخفضت نتيجة اختبار الهيموجلوبين الجليكوزيلاتي من ٨.٨٪ إلى ٧.٣٪. واستطاع ٩٥٪ من المشاركين التقليل من تناول أدوية السكري، في حين تمكن ٢٥٪ منهم من التخلص منها تماما، بما في ذلك الأنسولين.

وبعبارة أخرى، باستخدام بروتوكول التغذية الخاص بالدكتور “ويستمان” – لا الأدوية – فإن ٢٥٪ من المشاركين لم يعودوا مرضى بالسكري، أو على الأقل تحسنت سيطرتهم على نسبة السكر في الدم بما فيه الكفاية لمعالجة المرض باتباع نظام غذائي فقط، في حين أن من تبقى، وبرغم كونهم لا يزالون مصابين بالسكري، فإنهم صاروا يتمتعون بمستوى أفضل للجلوكوز في الدم، بالإضافة إلى أن احتياجهم إلى الأنسولين والأدوية الأخرى قد تضاءل كثيرا.

لقد أثبتت الدراسات حتى الآن صحّة هذه الفكرة: إن الحدّ من الكربوهيدرات يحسن سلوك السكر في الدم، ما يقلل من الميل للإصابة بالسكري. وإذا ما تم التخلص منها نهائيًّا، يصبح من الممكن التخلص من أدوية السكري في ستة أشهر فقط. وفي بعض الحالات، أعتقد أنه من الأسلم أن نعتبر ذلك علاجا، شريطة عدم دخول الكربوهيدرات الزائدة مجددا في النظام الغذائي. اسمحوا لي بأن أعيد ما قلت: إذا كان هناك ما يكفي بعد من خلايا بيتا في البنكرياس، ولم تتدمر تماما بسبب سميّة السكر، وسميّة الدهون، والالتهاب طويل الأمد، فمن الممكن بالنسبة لبعض مرضى السكري وما قبل السكري، إن لم يكن معظمهم، الشفاء من مرضهم، وهو الأمر الذي يكاد ألا يحدث باتباع النظام الغذائي التقليدي منخفض الدهون كالذي تنادي به الجمعية الأمريكية للسكري.

كما أنها تقترح كذلك أن الوقاية من مرض السكري، لا الشفاء منه، يمكن أن تتحقق بأقل الجهود الغذائية تشددا. على كل حال، فإن بعض مصادر الكربوهيدرات، كالعنب البرّي والتوت والخوخ، والبطاطا الحلوة، توفر العناصر الغذائية المهمة ولا تزيد نسبة السكر في الدم بالقدر نفسه الذي يمكن لمصدر الكربوهيدرات “البغيض” أن يفعله (أنت تعرف عم أتحدث).

ماذا لو أننا قمنا باتباع البرنامج الخاص بدراسة “ويستمان” والذي ليس على القدر نفسه من الصرامة “لعلاج مرض السكري”، ولكن التخلص فقط من الغذاء الأكثر انتشارا وسيطرة على النظم الغذائية، والأكثر رفعا لنسبة السكر في الدم؟ في تجربتي، سوف تنخفض نسبتَا السكر في الدم والهيموجلوبين الجليكوزيلاتي، ويتم التخلص من الدهون الحشوية (كرش القمح)، تحرر نفسك من خطر المشاركة في هذا الوباء القومي من السمنة، ومقدمات السكري، والسكري. فذلك سيستعيد نسبة السكري إلى ما كانت عليه قبل عام ١٩٨٥، وسيستعيد المقاسات القديمة من الأثواب والسراويل التي كانت في الخمسينيات من القرن الماضي، بل وسيسمح لك بالجلوس في ارتياح مجددا في أثناء رحلات شركات الطيران بجانب آخرين من ذوي الوزن الطبيعي.

“إذا كانت هناك ثغرة، فيجب عليك تبرئته”

إن القمح بصفته مذنبا في التسبب في مرضي السمنة والسكري يذكرني بمحاكمة “أو. جيه. سيمبسون” بجريمة القتل: الأدلة التي عُثر عليها في مسرح الجريمة، والسلوك المريب للمتهم، والقفاز الملطخ بالدم الذي يربط القاتل بالضحية، والدافع، والفرصة… ولكنه تمت تبرأته من خلال حيلة قانونية ذكية.

إن القمح بكل تأكيد هو الطرف المذنب في التسبب في مرض السكري: إنه يزيد من نسبة السكر في الدم بنسبة أكبر من جميع الأطعمة الأخرى تقريبا، ما أتاح فرصة كبرى لحدوث سميّة السكر، وسميّة الدهون، والالتهابات؛ ويشجع على تراكم الدهون الحشوية؛ كما أن هناك علاقة وثيقة بين زيادة الوزن ومنحى السمنة على مدى السنوات الثلاثين الماضية، ورغم ذلك فقد برأته “فرق الأحلام” في وزارة الزراعة وجمعية مرض السكري الأمريكية، وجمعية مرضى السكري الأمريكية وغيرها، من كل الجرائم التي اقترفها، وجميعهم متفقون على أن القمح يجب أن يستهلك بكميات سخية. لا أعتقد أن المحامي “جوني كوشران” يمكنه أن يقوم بما هو أفضل من ذلك.

هل يمكنك أن تعلن “بطلان الدعوى”؟ في مجال صحة الإنسان، مع ذلك، لديك الفرصة لتصحيح الخطأ عن طريق إدانة المذنب وطرد القمح من حياتك

اسأل طبيب مجاناً