التصنيفات
طب نفسي | علم النفس

ركز على النهار ليساعدك على النوم في الليل

لا يقتصر تأثير مشكلاتك الخاصة بالنوم على لياليك، بل تؤثر في نهارك وتتأثر به. وأكثر من يعانون الأرق يَشْكُونَ بقدر أقل مما يشعرون به في ليلهم، ويشكون بقدر أكبر مما يشعرون به خلال نهارهم. ولكن الانشغال المسبق بالنوم خلال النهار لا يحل مشكلة الأرق – مع أن هذا أمر معقول – بل يزيدها سوءًا ويطيل معاناتهم لها. ويقدم لك هذا الموضوع أدوات لتعديل أفكارك وأفعالك النهارية لتحسين لياليك، ومن بين هذه الطرق تقليل القلق، وتعزيز تقبلك للأمور، وتحدي المعتقدات غير النافعة الخاصة بالنوم. وسوف يعلمك هذا الموضوع أيضًا المهارات الإدراكية التي يمكنك استخدامها لمساعدتك على تقليل تعبك، ويقدم لك بعض الاقتراحات لأمور يمكنك فعلها خلال نهارك لتقليل آثار النوم السيئ.

تحدَّ الأسطورة القائلة إن القلق ضروري أو مفيد

يمكن للقلق ليلاً أن يعوق نومك. ويمكن للقلق الذي يصيبك خلال نهارك أن ينتقل إلى ليلك. وعندما تواجه القلق، اطرح على نفسك ثلاثة أسئلة:

1. هل هذا القلق بشأن أمر ذي احتمالية قليلة لتحققه بالفعل؟
2. هل هذا القلق بشأن أمر خارج عن نطاق سيطرتي؟
3. هل هذا القلق غير واقعي أو مبالغ فيه؟

إذا كانت إجابتك عن أي من هذه الأسئلة هي نعم، فاعلم حينها أن قلقك هذا ليس بَنَّاءً، وأنه حان وقت تحدي هذه العادة غير المفيدة. وإذا كانت إجاباتك عن كل الأسئلة السابقة هي لا، فقد يكون من المفيد لك أن تحوِّل انتباهك من القلق إلى موقف عملي بقدر أكبر، ألا وهو حل المشكلات. ولتخصص “وقتًا للقلق” في جدولك لتناول المشكلات في عقلك (ولكن ليس في غضون ساعة أو نحوها قبل موعد نومك). ويمكنك تناول المشكلات من خلال تجزئة الحلول إلى خطوات يسيرة وتحديد الخطوات التالية (الفورية) التي ينبغي اتخاذها. ومن الأخطاء الشائعة تجاهل الخطوات التوسطية المحتملة، والأشخاص الذين يرتكبون هذا الخطأ يميلون إلى أن يصبحوا حائرين، ومن ثم يفقدون ثقتهم في قدرتهم على حل المشكلات. والتفكير في الخطوة التالية التي يمكنك اتخاذها اليوم، أو غدًا، أو خلال هذا الأسبوع يساعدك في الاقتراب من حلها.

وإذا كانت إجابتك عن أي من الأسئلة السالفة هي نعم، فاعلم حينها أنك تشعر بقلق غير مجدٍ. وربما يعتريك هذا النوع من القلق لأنك تؤمن إلى حد ما بأن هناك قدرًا من الفائدة في القلق. ولتحدد مدى إيمانك بكل جملة من الجمل التالية:

كل هذه الاعتقادات وهمية. والقلق حيال أمر لا سلطة لك عليه لن يمنعه من الوقوع. ولو كان القلق يمنع وقوع الأمور السيئة، فلا فائدة من قلقك الآن لتقليل حزن مستقبلي. ورغم أن شعورك بالهم حيال الأمور التي تهم الأشخاص الذين تحبهم يعد صورة من صور التعبير عن اهتمامك بهم، فإن قلقك نحو أمور لا يمكنك فعل شيء لها يحجم طاقتك التي يمكنك استثمارها بطرق أخرى أكثر جدوى في التعبير عن اهتمامك بهم. وعندما تكون قلقًا ومهمومًا، تكون أقل نفعًا لمن حولك. وأخيرًا، رغم أن القلق يمكن أن يفيد في إيجاد حلول للمشكلات القابلة للحل، فإن الأمور الخارجة عن نطاق سيطرتك أو التي تقل احتمالية وقوعها ليست مشكلات قابلة للحل. وفضلاً عن ذلك، يمكن للقلق المفرط أن يعوق إيجاد الحلول الجيدة.

وأول خطوة لعلاج القلق المفرط غير المجدي، سواء أكان بشأن النوم أو بشأن عدد لا حصر له من الأمور الأخرى، هي أن تدرك أن القلق عادة تستحق التغيير. وتغيير هذه العادة يتطلب الالتزام بتحدي المعتقدات القائلة إن القلق يخدم أية غاية نافعة ومن المحال الكف عنه.

لا تتقبل الأساطير الخاصة بالأرق على أنها حقائق

والقلق الأكثر شيوعًا بين الناس والمتعلق بالأرق هو أنهم يقلقون من أن يصبحوا عاجزين عن التعامل مع عواقب ضياع أوقات نومهم. وإذا كنت مصابًا بالأرق، فقد تقلق من أن يؤدي بك إلى عواقب صحية أو وظيفية سلبية طويلة المدى. وفوق كل هذا، النوم وظيفة أساسية لدى الإنسان، ومن الطبيعي أن تصبح قلقًا عندما تشعر بالعجز عن النوم. ورغم هذا، بالنسبة لأكثر المصابين بالأرق يتفاقم القلق؛ فهم يبالغون في تقدير بعض العواقب المستقبلية السيئة. وسل نفسك: ما الدليل على أن أرقي سوف يؤدي بي إلى العجز أو بعض النتائج السلبية الأخرى؟ وما الأمراض الفظيعة التي التقطت عدواها نتيجة إصابتي بالأرق؟ الغالبية العظمى من المصابين بالأرق السريري لم يتم علاجهم أو ظلوا يعالجون الأرق لسنوات دون حدوث عواقب صحية كبرى لديهم. وإذا سمعت في وسائل الإعلام أن النوم لمدة أربع ساعات أو أقل في الليلة يتعلق بقصر العمر، فمن المهم أن تعلم أن مثل هذه الدراسات لا تقيِّم الأرق، وهي لذلك ليست واضحة بشأن ما إذا كان الأرق أو الأسباب الأخرى الخاصة بقصر فترة النوم هي التي تشكل الأساس في هذه العلاقة (كما ذكر “جاليتشيو” و”كاليسان” في عام 2009). وفضلاً عن ذلك أفاد هذا النوع ذاته من الدراسات أن النوم بمتوسط عشر ساعات أو أكثر تتعلق أيضًا بتوقع قصر العمر. وعديد من المصابين بالأرق لا ينامون لفترة تقل عن أربع ساعات فقط بشكل دائم، وقد يمرون بليالٍ من النوم السيئ جدًّا، والتي ينالون فيها القليل من النوم، ولكنهم يحظون أيضًا ببعض الليالي التي ينالون فيها المزيد من النوم، ومتوسط فترات نومهم عادة ما يزيد على أربع ساعات.

ولمساعدتك في الحصول على منظور عقلاني نحو قلقك من أن يكون للأرق عواقب وخيمة، فكر في نصيحة تسديها لأحد أصدقائك أو أفراد عائلتك عن الموقف ذاته. هل ستنصحه بأن يقلقك حياله؟ وهل ستقول له:”نعم، ربما تكون محقًّا، وأنت مقبل على كارثة وشيكة الحدوث…”؟ ربما لا. ومن الأرجح أنك تعي أن مثل هذه العبارة من شأنها أن تزيد من قلقه وتزيد نومه صعوبة وحسب. ولعلك تدرك أن قلق صديقك أو أخيك هذا مبالغ فيه. ونظرًا لأن الأرق مشكلة شائعة، فلعلك تعرف بعض الأشخاص المصابين به. هل تلاحظ وجود معدلات عالية من المرض والعجز والموت بين أصدقائك وأفراد عائلتك الذين يجدون متاعب في النوم؟ وهل تعتقد أن صديقك المصاب بالأرق عرضة للإصابة بعدوى أحد الأمراض أو للوفاة المبكرة بسبب مشكلاته الخاصة بالنوم؟ ربما لا. وينبغي لهذا التحقق أن ييسر لك الرد بأسلوب هادئ وداعم على الأصدقاء والإخوة الذين يتوقعون حدوث عواقب وخيمة لنومهم السيئ، وييسر لك مساعدتهم في النظر إلى الأمور من مناظير عقلانية. وهل يمكنك التفكير في طريقة مماثلة لمعتقداتك الخاصة؟

والتمرين الافتراضي السابق يسلط الضوء على نقطتين هما: أن المعتقدات الخاصة بحدوث نتائج وخيمة للنوم السيئ ليست دقيقة تمامًا، وأنها ليست مفيدة جدًّا. والقلق يزيد من احتمالية شعورك بالقلق الشديد نحو عدم النوم جيدًا. وفضلاً عن ذلك، يزيد القلق من توتر العضلات، وهو ما يؤدي إلى الإرهاق الجسدي. والقلق يستنزف المصادر العقلية القيمة؛ مما يؤدي إلى الإرهاق الذهني. وبمرور الوقت، قد يصبح القلق نحو عواقب النوم السيئ السبب الأساسي في الإصابة بالأرق المزمن. وهذه نقطة مهمة تثير دهشة الجميع، أي إنه بصرف النظر عن السبب الأساسي في مشكلاتك الخاصة بالنوم، قد يصبح القلق بشأن النوم العامل الأول في دوام مشكلاتك الحالية الخاصة به. وهذا هو السبب في أهمية إيجادك لطرق لتقليل قلقك بشأن النوم. وليست هذه بالمهمة السهلة. ونأمل أن تكون مناقشتنا التالية للموضوع مفيدة لك في هذا الشأن.

تحدَّ معتقداتك بأن تفعل نقيضها

الأشخاص الذين يعانون مشكلات خاصة بالنوم يتصرفون أحيانًا بطرق تعزز دون عمد من معتقداتهم غير المجدية المتعلقة بنومهم. وعلى سبيل المثال، إذا كنت تعتقد بأن لديك قدرة محدودة على التعامل مع عواقب سوء النوم التي تلحق بنهارك، وتميل إلى إلغاء خططك أو تجنب الأنشطة بعد مرورك بليلة من النوم السيئ، فإنك حينها تؤكد على الفكرة القائلة بعجزك عن التعامل مع مشكلة ضياع أوقات النوم. وإذا استمررت في الاستجابة لسوء النوم بهذه الإستراتيجية، فسوف يصبح جدولك الزمني غير منظم بقدر أكبر، وقد تصبح أقل نشاطًا، بل وربما تصبح ميالاً إلى إمضاء المزيد من الوقت في الفراش. وقد تم اكتشاف أن كل هذه السلوكيات تطيل مدة مشكلات النوم التي تحاول حلها.

ومن الطرق البديلة، والتي يحتمل أن تكون أفضل، أن تتحدى اعتقادك الخاص بقدرتك المحدودة على التعامل مع عواقب سوء النوم التي تلحق بنهارك، وذلك بأن تؤدي أنشطتك المعتادة رغم حقيقة أنك لم تنم جيدًا. وقد يتطلب هذا الأمر منك أن تغير من عقليتك، وأن تستخدم إستراتيجيات جديدة للتعامل معها. وعلى سبيل المثال، احرص على الأكل جيدًا وبانتظام، وعلى شرب المياه، وخطط لأخذ فترات استراحة عندما تؤدي أنشطة مملة أو تتسم بالرتابة، واحرص على إدخال بعض المرح على يومك أيضًا. ومن ينعمون بنوم هنيء يواجهون الليالي السيئة دون تأجيل، ويؤدون أنشطتهم المجدولة بانتظام. وإذا كنت غير قادر على اتباع هذه النصيحة لأنك تؤمن بشدة بأن لديك قدرًا ضئيلاً وثابتًا من الطاقة التي تستخدمها خلال يومك، فلتختبر هذا الاعتقاد بإمضاء أسبوع في الحفاظ على طاقتك طوال يومك، وكل يوم. ولتسترح بقدر ما تستطيع، وراقب مستويات طاقتك، وحالتك المزاجية، وجودة نومك كل ساعة. ثم أمضِ أسبوعًا في زيادة طاقتك، وافعل الأمور التي ستفعلها لو نمت جيدًا، حتى وإن شعرت كما لو أن مخزون طاقتك منخفض. ولتراقب مستويات طاقتك، ونومك، وحالتك المزاجية طوال هذا الأسبوع أيضًا، ومن المحتمل أن تشعر بالدهشة لما تعلمه.

إياك والإرهاق، لا تدعه يوقفك!

يعد الإرهاق – أي الشعور بالتعب الذهني، أو الجسدي، أو العاطفي – هو أول ما يشكو منه من لديهم مشكلات تتعلق بالنوم. وفي الظروف العادية، يساعد أخذ فترة راحة أو غفوة على إزالة الإرهاق، ولكن عندما تصبح صعوبة النوم مزمنة، فنادرًا ما يساعد أخذ فترة من الراحة على تحسين مستويات الطاقة، وقد تزيد من احتمالية استمرار مشكلات الإرهاق والنوم لديك أو تزيدها سوءًا، كما ذكرنا في الفقرة السابقة.

وإذا شعرت بالإرهاق الذهني بعد مرورك بليلة من النوم السيئ، فقد تشكك في قدرتك على أداء واجباتك اليومية على نحو مناسب. وقد تقلق أن ترتكب خطأ ما في العمل يجعلك تبدو سيئًا أو تفقد وظيفتك. وإذا كنت مسئولاً عن رعاية أطفال صغار، فقد تقلق بشأن قدرتك على الانتباه لهم بقدر كافٍ للحفاظ على سلامتهم.

ومن حسن الحظ أننا نعلم أنه رغم ضرورة بذل جهد أكبر من المعتاد، فإن من لديهم مشكلات نوم يستمرون في أداء مهامهم العقلية الروتينية على نحو طبيعي. ورغم كونك قد لا تبدو شديد الذكاء بعد مرورك بليلة من النوم السيئ، فمن غير المحتمل أن تتضرر عند تأديتك لأنشطتك الروتينية. وإذا كنت مهمومًا بشأن تدهور ذاكرتك، فقد ترغب في استخدام طرق مساعدة خارجية لإعانة ذاكرتك مثل إعداد قوائم بالمهام المطلوبة، أو ترك أوراق مفكرة لاصقة في أماكن واضحة لتذكرتك بفعل شيء ما، أو أن تطلب من شخص ما تذكرتك به. والتمسك بروتيناتك – باستخدام أدوات مساعدة كهذه عند الحاجة – أفضل من ادعائك الملل من العمل أو تجنب القيام بمسئولياتك. تذكر أن تجنب أداء الأنشطة أو إلغاءها يمكنه أن يعزز من الفكرة القائلة إنك غير قادر على التغلب على مشكلة ضياع أوقات نومك، وهو اعتقاد سوف يزيدك قلقًا بشأن مشكلاتك المتعلقة بالنوم.

والشعور بالإرهاق الجسدي قد يجعل نهوضك عن الفراش في الصباح صعبًا؛ لذا، فلتبقَ بعيدًا عن الفراش مساءً، ومارس بعض الأنشطة البدنية العادية، وتجنب محاولة أخذ غفوة. وبينما من الطبيعي أن تأخذ فترة راحة لعلاج الإرهاق، فبالنسبة لمشكلات النوم، نادرًا ما تشعرك الاستراحة بتحسن، بل قد تشعرك بمزيد من الإرهاق؛ والسبب في هذا هو أن انعدام النشاط يؤدي إلى مزيد من الخمول. والجسم الثابت يميل إلى الاستمرار في ثباته. أو بعبارة أكثر دقة، الجسم الموضوع على الأريكة يميل إلى الاستمرار في تواجده على أريكته. وقد يكون لانعدام النشاط آثار سلبية في النوم، وقد يزيد الإرهاق سوءًا. ولتحافظ على روتينك المعتاد إذا استطعت ذلك، وتناول أسباب الإرهاق الشائعة المذكورة في نهاية هذا الموضوع.

وبعض الأشخاص الذين ينالون نومًا سيئًا يميلون إلى الظن بأنهم عندما يشعرون بسوء خلال يومهم، أو عندما يعملون على نحو سيئ، فلابد أن السبب في ذلك هو سوء نومهم، ويتغاضون عن الأسباب الأخرى المحتملة. ولا تتخذ عدم حصولك على نوم جيد ككبش فداء، فرغم كل هذا، ألم يسبق لك أن حظيت بأيام حسنة بعد مرورك بليالٍ من النوم السيئ؟ وعلى العكس لذلك، ألم يسبق لك أن شعرت بسوء نحو نفسك أو نحو أدائك في العمل بعد أن حظيت بليالٍ من النوم الجيد؟ وهل دائمًا ما يمنعك حصولك على نوم جيد ليلاً من الشعور بالسوء خلال نهارك؟ الحقيقة هي أن مشكلات النهار والنوم ليست مرتبطة تمامًا كما قد تظن. ومن المهم أن تعرف أن هناك عواقب سلبية للاعتذار بسوء الحالة المزاجية، والإرهاق، وللتركيز على المشكلات بصورة مبالغة تلحق بالنوم. وإليك بعض النصائح التي يمكنها مساعدتك في تجنب هذا الشَّرَكِ.

تجنب تقييم نومك في غضون ساعة من استيقاظك

خلال الفترة الأولى بعد استيقاظك، والتي تمتد من ثلاثين إلى ستين دقيقة، قد تشعر بما يسمى بخمول النوم أو همود النوم. والشعور بفقدان الوعي والتعب فور الاستيقاظ من النوم قد لا تكون له علاقة بمقدار نومك أو بكيفيته؛ فربما استيقظت من مرحلة نوم عميقة، أو من حلم. ونوع ساعتك البيولوجية قد يسهم أيضًا في حدوث حالة خمول النوم لديك. وعند مقارنة الكائن الليلي بالشخص المبكر (أي “الطائر المبكر”) الذي يميل إلى الشعور باليقظة التامة والانتباه الشديد فور استيقاظه من النوم، يستغرق الشخص الساهر (أي “البومة الليلية”) وقتًا طويلاً للشعور باليقظة المثالية. وجميع ما سبق، وغيره كثير، يصلح كتفسيرات محتملة لشعورك بالسوء فور الاستيقاظ صباحًا. ومن ثم، من الخطأ استنتاج أن هذا الشعور بالسوء يعني أن نومك كان سيئًا أو غير كافٍ.

وتخيل أن هناك شخصين، “دان” و”ستان”، وكل منهما قد استيقظ على جرس جهاز التنبيه الخاص به من مرحلة نوم عميقة. وقال “دان”: “هوه، أشعر بالنعاس؛ لابد أني نمت نومًا عميقًا. ومن الأفضل لي أن أستحم وأتخلص من هذا الشعور”. أما “ستان”، فقال: “هوه، أشعر بالنعاس؛ لابد أني مررت بليلة سيئة أخرى. ومن الأفضل لي أن أظل في فراشي وأحصل على المزيد من النوم”. أي من ردي الفعل هذين من الراجح أن يؤدي إلى الشعور بالسوء خلال النهار؟ وَمَنْ مِنَ الشخصين لديه قدر أكبر من القلق بشأن النوم، “دان” أم “سان”؟ وأيهما من الأرجح أن تحدث لديه مشكلات نوم في المستقبل؟

تناول أسباب الإرهاق الشائعة

هناك أسباب عديدة للشعور بالإرهاق علاوة على عدم كفاية النوم أو سوئه. ومما يبعث على السرور أن أكثر هذه العوامل خاضعة لسيطرتك تمامًا، وقد تكون يسيرة المعالجة. ولتتفهم أسباب الإرهاق الشائعة التالية، ولتتناولها بالتحليل.

التأثير “المرتد” للكافيين. أنت ربما تعتمد على المشروبات المحتوية على الكافيين كمشروبات الطاقة، أو المياه الغازية، أو الشاي، أو القهوة في إشعارك بمزيد من الانتباه عندما يعتريك الإرهاق. وقد تشعرك هذه المشروبات في البداية بزيادة في الطاقة. ورغم هذا، قد تشعر بعد ذلك بانخفاض شديد في طاقتك، أو ما يسمى بـ”انهيار” الكافيين. والأسوأ من هذا أن ذلك الانهيار قد يُفَسَّرُ (أو بالأحرى يُسَاءُ تفسيره) على أنه نتيجة لمشكلات النوم، بدلاً من إرجاعه إلى عملية الأيض، والتي ليست لها أية علاقة بالنوم. وبعبارة أخرى، قد تشعر بالإرهاق في منتصف الصباح وتحصل على كوب من القهوة لمساعدتك على مواصلة العمل، ثم بعد مرور عدة ساعات، تشعر بالإرهاق ثانية وتقول في نفسك:”أنا لا أستطيع أن أفهم كيف تؤثر مشكلاتي الخاصة بالنوم في إشعاري بالإرهاق طوال الوقت”. وهذا التأويل وغيره من التأويلات غير الدقيقة يزيد من قلقك بشأن النوم، ويجعل من الصعب عليك الخلود إلى النوم بطريقة عادية سهلة (كمن ينعم بنوم هنيء). وفضلاً عن ذلك، إذا استمررت في استهلاك الكافيين حتى وقت متأخر من اليوم، فقد يعوق الكافيين قدرتك على النوم، وفقًا لمدى قرب تناولك له من موعد نومك، ووفقًا لمدى حساسيتك لآثاره المنبهة. ولتفكر في تقليل تعاطيك للكافيين، أو الكف عنه.

“انخفاض ما بعد الغداء”. هل سبق لك ملاحظة حدوث انخفاض في طاقتك، أو انتباهك، أو حالتك المزاجية في بداية فترة ما بعد الظهيرة؟ أكثر الناس يعزون هذه الظاهرة إلى تناول المرء لكمية ضخمة من الطعام في الغداء. ورغم هذا، ينبغي عليك معرفة أن مستوى انتباهك يخضع بقدر ما لتحكم ساعتك البيولوجية. ودرجات حرارة جسدك ترتفع وتنخفض طبيعيًّا على مدار اليوم، وأنت تشعر بأكبر قدر من النعاس عندما تنخفض درجات حرارتك. ويتجلى انخفاض درجات حرارة جسدك في أوضح صورها في الليل، ولكن هناك فترة وجيزة خلال النهار تنخفض فيها درجة حرارة الجسد قليلاً لدى أكثر الناس، وهذه الفترة عادةً ما تقع بين بداية الظهيرة والساعة الثالثة ظهرًا. وهذا الانخفاض في مستويات الطاقة مؤقت. والآن، توجد طريقتان للاستجابة لهذا الانخفاض، هما:

1. الاعتقاد بأن انخفاض طاقتك في منتصف نهارك يعني أن إرهاقك يتزايد، وأن هذا علامة على أنك لم تنم جيدًا أو لمدة كافية.
2. الاعتقاد بأن هذا الانخفاض أمر طبيعي مؤقت ولن يستغرق وقتًا طويلاً، ولا علاقة له بمشكلات نومك.

أي من هاتين الاستجابتين تحدث مزيدًا من القلق بشأن النوم؟ وأيهما من الأرجح أن تنتج عنها سلوكيات مفيدة مناسبة؟ وبالنظر إلى المناقشة السابقة بشأن الكافيين، أي من هاتين الاستجابتين تؤدي بالناس إلى إعادة التزود بالكافيين بعد الغداء؟ إذا استطعت النجاة من “انخفاض ما بعد الغداء” بدون الاستعانة بالكافيين، فسوف ترى مستويات طاقتك ترتفع مرة أخرى على نحو طبيعي، وسيكون من الأرجح لك نيل نوم جيد لاحقًا.

انعدام النشاط. كم من الأمور تشعر برغبة في أدائها عندما تكون مرهقًا؟ ربما ليس الكثير. وعندما تكون مرهقًا، فمن المعقول أن تستريح. ورغم هذا، عندما تكون لديك مشكلات مزمنة خاصة بالنوم، يؤدي هذا الميل الطبيعي إلى الاستراحة إلى مستويات أعلى من الإرهاق. وفي علم الفيزياء – كما أشرنا سابقًا – الجسم الثابت يميل إلى الاستمرار في ثباته؛ بسبب قصوره الذاتي. ويصح الأمر ذاته على الناس الذين يظلون في حالة من الراحة. ما السبب في هذا؟ السبب هو أن انعدام النشاط يزيد من الإرهاق إلى أن يصل إلى درجة يصعب معها فعل أي شيء لعلاجه.

وعندما تؤدي نشاطًا بدنيًّا، تزداد سرعة عملية الأيض لديك، ويفرز جسدك هرمون الإندورفين، وهذان الأمران يمنحانك المزيد من الطاقة. ولممارسة التمارين الرياضية فوائد صحية وأخرى خاصة بالنوم، ولكن فرط النشاط والإجهاد البدني يسببان الإرهاق؛ لذا حاول تحقيق التوازن. والحركة والنشاط البدني الخفيف المنتظم يعدان بداية جيدة لتقليل الإرهاق وتحسين النوم.

سوء التغذية وعدم الحصول على الوجبات بانتظام. أنت بحاجة إلى الحصول على عناصر غذائية مناسبة من الأطعمة لكي تحافظ على الطاقة في جسدك. وبعض أنظمة الحمية المستخدمة لخسارة الوزن – كتلك التي تشتمل على أطعمة قليلة الكربوهيدرات – قد تحرم جسدك من العناصر الغذائية الحيوية والوقود الذي تحتاج إليه لتواصل يومك.

ولتقلل بشدة من الطعام، وسوف تنخفض نسبة السكر في دمك؛ أو أفرط في الطعام، وسوف ترتفع معدلات السكر في دمك بشدة. والحمية المحتوية على نسبة عالية من السكر سوف تؤثر سلبًا على مستويات السكر في دمك، وستنتج عنها مستويات عليا من الإرهاق والضبابية الذهنية. والحصول على وجبات منتظمة متكاملة العناصر الغذائية سوف يعالج الإرهاق المتعلق بمستويات السكر في الدم.

وعدم انتظام حركات الأمعاء له علاقة بعديد من المشكلات والأعراض الصحية كالإرهاق. وعندما يحدث لك إمساك، فاعلم أن السموم التي في جسدك لا يجري التخلص منها على نحو صحيح. ومن ثم، قد تتراكم هذه السموم وتستهلك المزيد من طاقتك الجسدية لمعالجتها وتخزينها. وغالبًا ما يمكن تخفيف الإمساك بإحداث تغييرات في أنظمة الحمية. ولتستشر مقدم الرعاية الصحية الخاص بك في حال حدوث الإمساك لديك بصورة متكررة.

الأنيميا. يحتاج الجسم إلى الحديد لتأدية وظائفه على نحو صحيح. وإذا كانت مستويات الحديد في جسدك منخفضة (وهي حالة صحية تسمى بالأنيميا)، فربما يحصل قلبك وغيره من الأعضاء الحيوية الأخرى على قدر من الأوكسجين يقل عما ينبغي، وهو ما يؤدي إلى استنزاف طاقتك ويسبب لك إرهاقًا شديدًا أو متوسط الشدة. وإذا كان المرء يعاني قرحًا في المعدة، أو كثرة نزيف الدورة الشهرية (بالنسبة للسيدات)، أو البواسير، أو يتناول أدوية مضادات الالتهابات لاستيرويديّة مثل الأيبوبروفين، فقد يكون أكثر عرضة للإصابة بالأنيميا. ويمكن لطبيبك أن يتحقق من إصابتك بالأنيميا من خلال فحص بسيط لدمك، ويمكنك أيضًا أن تطلب منه التحقق من وجود نقص لديك في بعض الفيتامينات مثل ب 12. ومستويات فيتامين ب 12 تتناقص على نحو طبيعي بتقادم العمر، وخاصة لدى الرجال، وانخفاض مستويات هذا الفيتامين قد تكون له علاقة بالشعور بمستويات عليا من الإرهاق. وإذا سبقت لك الإصابة بالأنيميا في الماضي، فمن المهم لك أن تعلم أن الأنيميا قد تعاودك، وغالبًا ما ستعاودك.

الجفاف. يتكون أكثر جسدك من المياه، وأنت بحاجة إلى الحفاظ على تجددها. وقد تحتاج إلى شرب ثمانية أكواب من المياه يوميًّا، وقد لا تحتاج إلى هذا القدر، ولكن من الحقيقي أن الناس يميلون إلى عدم تناول قدر كافٍ من المياه. وإذا كنت تتناول المياه بكمية قليلة جدًّا، فقد تصاب بالجفاف، وهو الأمر الذي يؤثر في مستويات طاقتك. ومن ثم، تعد الوقاية من الجفاف – والتي هي شديدة الأهمية لصحتك العامة – إستراتيجية فعالة للسيطرة على الإرهاق. واعلم أن المشروبات المحتوية على الكافيين مدرة للبول (أي للتخلص من المياه)؛ لذا يحتاج من يشربونها إلى كميات من المياه تفوق ما يتناولها غيرهم؛ لتعويض المياه المفقودة.

الملل. كثيرًا ما يستخف الناس بالملل أن يعدوه مصدرًا للإرهاق. وإذا لم تكن تعتقد بأن أداء الأمور البسيطة دون أخذ فترات استراحة مناسبة قد تكون مرهقة، ففكر في شعورك لو ظللت تحملق في شاشة الحاسوب لساعات متواصلة. ولا شيء مرهق بدنيًّا في استخدامك للحاسوب؛ فأنت تجلس مستريحًا عند استخدامك له، فلماذا إذن يشعرك بإرهاق كبير؟ السبب في ذلك هو أن النشاط المتواصل قد يسبب آلامًا في العضلات وإجهادًا للعين، وقد يؤدي إلى الإرهاق الذهني والبدني. ولتأخذ فترات استراحة منتظمة عند أدائك للأنشطة البسيطة، وخاصة تلك المتعلقة بالعينين.

المشكلات القابلة للحل الخاصة بالحالة المزاجية. من المؤكد أنه إذا كنت مصابًا بالاكتئاب – وحتى إذا لم تكن مصابًا به – فهناك علاقة وثيقة بين تدني الحالة المزاجية وتدني الطاقة. وعندما تشعر بالاكتئاب، فمن الأرجح أن تشعر بالإرهاق. وهناك علاقة دائرية ضارة وهي أنه كلما تدنت الحالة المزاجية، زاد شعورك بالإرهاق، وقلت رغبتك في عمل أي شيء، وكلما قل عملك، زادت احتمالية شعورك بالإرهاق. ولتناهض التدني المؤقت في حالتك المزاجية بأن تسلي نفسك بأداء أمور تجعلك أكثر إيجابية. وإذا كانت حالتك المزاجية أكثر حدة، فقد تشعر بالاكتئاب، وينبغي عليك حينها السعي إلى طلب المساعدة؛ فالاكتئاب قابل للعلاج.

عدم علاج الألم أو السيطرة عليه على نحو مناسب. يتطلب التعامل مع الألم طاقة جسدية وعاطفية، وهو ما قد يسبب لديك شعورًا بالإرهاق. وفضلاً عن ذلك، قد تسبب بعض الحالات الصحية المحدثة للآلام الشعور بالإرهاق أيضًا.

ولتسعَ إلى العثور على علاج للألم. ويمكن السيطرة على الألم من خلال طرق متنوعة. وقد تشمل هذه الطرق استخدام الأدوية الخاصة بعلاج الآلام، وتوجد عدة أدوية غير محتوية على عناصر مخدرة، وهي متوفرة إذا كنت لا ترغب في تناول أدوية قد تسبب لك الإدمان. وعلاوة على ذلك، هناك طرق علاجية نفسية ثبت نجاحها، ومن بينها العلاج السلوكي الإدراكي للألم، وغيره من الأساليب التقنية، والعقلية، والسلوكية المستخدمة لعلاجه.

ولتستشرْ مقدم الرعاية الصحية الخاص بك بشأن استخدام طرق آمنة تساعدك على البقاء نشطًا رغم الألم، وسوف تساعدك هذه الطرق في السيطرة على الإرهاق لكونه ألمًا ثانويًّا (أي الألم الذي يحدث نتيجة نشاط غير مناسب مثل توتر العضلات أو إجهادها).

القلق والتوتر. قد توجد علاقة دائرية تكون لديك فيها مشكلات نوم تثير قلقك أو توترك، والقلق أو التوتر الناتج عنها يزداد سوءًا ويديم مشكلات نومك. وينطبق الأمر ذاته على القلق بشأن الإرهاق؛ فكلما زاد قلقك بشأن تأثير الإرهاق في أدائك المستقبلي، زاد ارتفاع مستويات الإرهاق لديك. وحتى إذا لم تكن قلقًا أو متوترًا بشكل واضح بشأن مشكلات نومك، فقد تكون ممن يشعرون بمستويات عليا من التوتر والقلق. ومن يفرطون في القلق أو التوتر يبقون أجسادهم في حالة من اليقظة المفرطة. وغالبًا ما يستخدم الجسد هرمون الأدرينالين في التعامل مع القلق والتوتر، وهو ما يؤدي بمرور الوقت إلى التخلص من الإرهاق. وقد يتعلق الإرهاق أيضًا بتوتر العضلات المزمن. وعزو الإرهاق إلى المشكلات الخاصة بالنوم بدلاً من عزوه إلى القلق قد يمنعك من علاج المشكلات المتعلقة بالقلق أو التوتر.

الجهاز المناعي أو الاستجابة الأرجية. يمكن للإرهاق أن يحدث نتيجة الإصابة بعدوى بكتيرية أو فيروسية مثل البرد والأنفلونزا، واستجابات الجهاز المناعي التلقائية، والحساسية نحو بعض الأطعمة. ويستخدم جسدك الكثير من الطاقة لمحاربة العدوى والتعامل مع ما تم تحديده على أنه أجسام غريبة منفرة، ومن ثم يشعرك بالإرهاق. ومن المهم ألا تفترض وجود علاقة بين الإرهاق وسوء النوم في حين يمكنك إيجاد علاقة بينه وبين عدوى أو حساسية معينة قابلة للعلاج.

مشكلات متعلقة بالهرمونات. في أكثر الحالات، يعد الإرهاق عَرَضًا حميدًا، ولكنه يعد أيضًا عرضًا عامًّا يتصل بعديد من الاضطرابات الصحية المزعجة. ومتى واجهت إرهاقًا مزمنًا، فلتخبر طبيبك عنه. واطلب من طبيبك أن يفحص وجود بعض الاضطرابات الصحية الشائعة المتصلة بالخلل الهرموني مثل قصور الغدة الدرقية، والذي يتسم بضعف نشاطها. وقصور الغدة الدرقية قد يسبب الإرهاق، ويمكن علاجه بسهولة من خلال الأدوية.

الخلاصة

يناقش هذا الموضوع كيفية تناول منظور آخر نحو معتقداتك القائلة إن القلق مفيد، وأن قضاء ليلة دون نوم سوف يعوقك خلال النهار، والذي من شأنه أن يساعدك على تحسين نومك في المستقبل. وهو ينبهك أيضًا إلى أن مشكلاتك ربما تتصل بشيء آخر أهم من النوم (أو عدمه). وعندما تتخذ خطوات لمعالجة أسباب الإرهاق الأخرى المحتملة، ولمحاولة البقاء نشطًا وإمضاء يومك على النحو المعتاد رغم الأرق، فسوف تستفيد. ولا تنسَ الآتي:

• تحقق من أمورك المقلقة.
• فتش عن جميع أسباب الإرهاق الأخرى الشائعة، بدلاً من إلقاء اللوم على النوم وحده عما تشعر به خلال يومك.
• من الطبيعي أن تشعر بالنعاس أحيانًا لمدة تصل إلى ساعة بعد استيقاظك في الصباح.
• اشرب الكثير من المياه، وتناول وجبات متوازنة منتظمة، وأجرِ فحوصات بدنية منتظمة لتحري المشكلات المتعلقة بإرهاقك مثل نقص الفيتامينات أو قصور الغدة الدرقية.
• تجنب أخذ استراحة أو الكف عن النشاط كاستجابة للإرهاق الناتج عن الأرق.
• تصدَّ للإرهاق الناتج عن الملل أو إجهاد العينين بأن تأخذ فترات استراحة خلال أداء الأنشطة البسيطة.