التصنيفات
طب نفسي | علم النفس

أنشطة نظام دافع النوم وفهم الساعة البيولوجية | تحسين النوم

توجد ثلاث مقومات أساسية للحصول على نوم هانئ ليلاً. وقد تعتقد أن كل ما تحتاج إلى فعله لتنام على نحو أفضل هو “تهدئة عقلك”، ومع ذلك، ربما تُصعب عليك عادات نومك الحالية أن تنام على أساس منتظم، أو ربما تفعل أمورًا أخرى معينة تحول دون حصولك على نوم هانئ ليلاً. وهذه الأمور من اليسير تغييرها، وإذا ضبطت نظام نومك، فقد تنحل مشكلة العقل المزعج من تلقاء نفسها.

ولكي تعلم ما إذا كنت بحاجة إلى ضبط نظام نوم أم لا، فمن المفيد لك معرفة طريقة النوم الهانئ وفهم الأنشطة الأساسية الخاصة بنظام النوم في الجسد. ويقدم هذا الموضوع شرحًا بسيطًا لعملية النوم، ومقدمة لفكرة كيفية جعل النوم يراودك بدلاً من أن تراوده أنت. وهدوء العقل يصبح أقرب منالاً إذا “هَيَّأْتَ الظروف” لنيل قسط جيد من النوم ووضعت توقعات واقعية للنوم العادي.

كُفَّ عن محاولة النوم جيدًا

سل أحد الذين ينعمون بنوم هانئ: “ما الطريقة التي تتبعها لنيل نوم هانئ؟”، ومن الراجح أن ينظر إليك نظرة حائرة، أو قد يقول لك شيئًا مثل: “أنا لا أفعل أي أشيء، بل أذهب إلى فراشي، وأغرق في النوم في النهاية”. وسل عشرات الأشخاص الذين يحصلون على قسط سيئ من النوم عن طريقتهم في النوم، وسوف تحصل – رغم هذا – على عشرات الإجابات المختلفة مثل:

• “أستخدم خلفيات صوتية خافتة وغطاء للعين “.
• “أتناول بعض المشروبات الدافئة”.
• “أستلقي في فراشي مبكرًا وأشاهد التلفاز”.
• “إذا لم أنم في غضون ساعة، سأتناول أقراصًا منومة”.
• “أتناول نوعًا معينًا من الشاي، والذي يفترض له أن يدفعني إلى النعاس”.
• “إذا مررت بليلة سيئة، أنام حتى وقت متأخر من الصباح التالي محاولاً إدراك ما فاتني من النوم”.
• “أتناول قرصًا منومًا في أكثر الليالي، ولكن بعد مروري ببضع ليالٍ سيئة، تناولت نوعًا مختلفًا من الأقراص المنومة”.
• “أستمع إلى أصوات نداءات الحيتان وأنام في غرفة منفصلة عن التي ينام فيها زوجي”.
• “أنصت إلى أسطوانة مضغوطة خاصة بالتنويم المغناطيسي الذاتي”.
• “أنام إلى وقت متأخر من الصباح في أيام العطلات الأسبوعية محاولاً إدراك ما فاتني من النوم”.
• “أمارس بعض التمارين قبيل النوم مباشرة”.
• “أشرب لبنًا دافئًا”.
• “أتناول عقار الميلاتونين التكميلي”.

ما القاسم المشترك بين كل هذه الإستراتيجيات؟ إنه الجهد؛ فمن لديهم مشكلات في النوم يبذلون جهودًا هائلة في تهيئة الظروف الملائمة للنوم، ولكن من المؤسف أن هذا هو نقيض ما نحتاج إلى فعله للخلود إلى النوم. ويوجد في جسدك نظام داخلي لتعويض فترات النوم السيئة، وأنت بحاجة إلى عدم بذل أي جهد على الإطلاق للنوم أو لتعويض ما فاتك منه. وفي الحقيقة، هذه الجهود تؤثر في هذا النظام وحسب، وتجعل من الأرجح أن تستمر مشكلات النوم التي لديك. وفضلاً عن ذلك، ربما تعتقد أن مشكلتك الوحيدة هي أن عقلك لا “يتوقف عن التفكير” ليلاً، ورغم هذا، قد تكون غير مدرك بأن المشكلة تتعلق بنظام نومك، وأن حالة إفراط النشاط العقلي تحدث لأنك ببساطة تكون مستيقظًا بالفعل وأنت في فراشك. وسوف نقدم لك طريقة للنوم الهانئ؛ حتى يمكنك التعرف على أي شيء من شأنه أن يسبب لك مشكلات في نومك.

تَعَرَّفْ على كيفية عمل نظام النوم لديك

هناك نظامان أساسيان يعملان معًا لإجراء عملية النوم، ألا وهما: الساعة البيولوجية والدافع إلى النوم.

الساعة البيولوجية

تتحكم الساعة البيولوجية، والتي تدعى بالنظام اليَوْمَاوي أيضًا، في موعد الشعور بالنعاس وموعد الشعور باليقظة. والساعة البيولوجية عبارة عن نظام يتكون من ساعات تنتشر في كل أنحاء جسدك، ويجرى التنسيق بينها بواسطة ساعة توجد في مخك. وإذا كنت كغالبية البالغين، فسوف تصدر ساعتك البيولوجية إشارات كيميائية خلال النهار تشعرك باليقظة، وخلال الليل، سوف تتلاشى هذه الإشارات. وهذا يعني أن هذه فترة مسائية من الأفضل لك فيها أن تنام، و”فترة النوم” هذه تظل ثابتة إلى أن يغير شيء ما من هذا النظام. والأحداث التي تغير من هذا النظام تشمل الانتقال من منطقة زمنية إلى أخرى، أو حدوث تغيير في توقيت تعرضك لضوء الشمس. هل سبق لك أن سافرت إلى مناطق زمنية مختلفة في يوم واحد؟ إذا سبق لك هذا، ما الذي لاحظته في اليوم التالي فيما يتعلق بموعد شعورك بالجوع؟ وموعد شعورك بالنعاس؟ وتأثير ضوء الشمس (أو عدم وجوده) فيك؟ ومن المهم أن تلاحظ أن أول مقوم من المقومات الأساسية للنوم الهانئ هو: فرصة الحصول على نوم منتظم ومثالي التوقيت (فترة ما قبل الاستغراق في النوم).

النظام الدافع إلى النوم

يُجْرَى التحكم في النوم أيضًا بواسطة نظام دافع إلى النوم يدعى نظام الاتزان الداخلي. والنظام الدافع إلى النوم يوازن بين النوم واليقظة. وهو ينشئ دافعًا إلى النوم العميق منذ اللحظة التي تستيقظ فيها وتنهض من فراشك. وكلما طالت فترة يقظتك وزاد نشاطك، زادت لديك قوة الدافع إلى نوم عميق متواصل في الليلة التالية. وعندما تشعر بالأرق، تتزايد حدة هذا الدافع، ولكن الإشارات المنبهة التي تصدرها ساعتك البيولوجية تظل قادرة على تمكينك من العمل خلال النهار. ورغم هذا، عندما تسنح لك الفرصة للنوم بعد بنائك لدافع النوم هذا، تنام بتعمق أكبر. وهذه هي العملية الداخلية التي تعوضك عن فترات النوم السيئة، ولاحظ أنه كاستجابة لعدم النوم، لا يدفعك جسدك بالضرورة إلى مزيد من النوم، بل إلى نوم أعمق. والنوم الأعمق يساعدك على الشعور بمزيد من الراحة بعد فترات الأرق. والسكون الجسدي أو إمضاء المزيد من الوقت في الفراش يمنع دافع النوم من التزايد. وقد ينتج عن نقص دافع النوم استغراقك لوقت أطول للخلود إلى النوم، أو قد يصبح نومك أكثر خفة، وقد تصبح أكثر عرضة للاستيقاظ المتكرر في أثنائه.

استهدف الكيف لا الكم

حان الوقت للنظر في المقارنة بين كم النوم وكيفه. أي من الأمرين التاليين تفضل؟

أ. ست ساعات من النوم عالي الجودة.
ب. ثماني ساعات من النوم السيئ.

في المجتمع الغربي، تُمْنَحُ كمية النوم قيمة عظمى، مقارنة بكيفيته. وقد تعتقد أنك بحاجة إلى ثماني ساعات من النوم لكي تعمل على نحو مناسب، ولكن الحقيقة هي أن هناك اختلافات كثيرة حول مقدار النوم الذي تحتاج إليه للعمل على النحو المناسب.

وقد أوصلت إلينا وسائل الإعلام رسالة مفادها أن نيل مقادير غير كافية من النوم قد يكون مهلكًا. وبالنسبة لمن لديهم مشكلات في النوم، سببت لهم هذه الرسالة حالة من القلق، ولكن الصورة الحقيقية ليست كئيبة كما تظن؛ فأولاً، من المهم أن تلاحظ أن الدراسات التي أظهرت وجود آثار ضارة لقلة فرص النوم نادرًا ما أجريت على أشخاص مصابين بالأرق فقط، وهذه الدراسات لم تميز بين الأنواع العديدة لاضطرابات النوم، ولم تميز أيضًا بين من يقللون من فرصة نومهم طواعية وبين غيرهم. وعلى سبيل المثال، يمضي بعض الناس وقتًا أقل في الفراش عن عمد، ويقللون من فرص نومهم لكي ينجزوا المزيد من الأعمال خلال يومهم أو للعمل بعدة وظائف. والتقليل المتعمد لساعات نومك، أو تهيئة ظروف تحد من ساعات نومك، يعرضك بالفعل لمخاطر صحية.

ورغم هذا، فإن أكثر المصابين بالأرق لا يحدون من فرص نومهم. ويميل المصابون بالأرق إلى فعل نقيض هذا، أي إنهم يمضون في الفراش وقتًا أطول مما ينامونه حقًّا. وفضلاً عن ذلك، كثيرًا ما ينام هؤلاء المصابون بالأرق لفترات طويلة عادية (فيميلون إلى إمضاء ست ساعات أو أكثر من النوم، في المتوسط)، رغم أنهم يستغرقون وقتًا أطول للخلود إلى النوم، أو قد يظلون يقظين لوقت أطول في الليل.

وهناك قاعدة توجيهية جيدة تقول إن عليك أن تنام نسبة 85% من الوقت الذي تمضيه في الفراش. ويمكنك الاستعانة بمفكرة نوم (انظر في الصفحات التالية) لمساعدتك على اكتشاف متوسط نسبتك. وإذا كنت تنام لأكثر من 90-95% من الوقت الذي تمضيه في الفراش، فأنت ربما تعاني قلة النوم، وقد تكون بحاجة إلى إمضاء المزيد من الوقت في الفراش كل ليلة. وإذا كنت تنام ما يقل عن 80% من الوقت الذي تمضيه في الفراش، فمن المحتمل أنك تمضي الكثير جدًّا من الوقت في فراشك.

ولعلك تتذكر المرات التي نمت فيها ساعات قليلة جدًّا وشعرت بالراحة، ولعلك تتذكر أيضًا تلك المرات التي نمت فيها وقتًا أطول من المعتاد وشعرت بالنعاس بعدها. وتحسين كيفية نومك يعد هدفًا أفضل من زيادة مقداره.

احتفظ بمفكرة نوم

غالبية النصائح التي سنقدمها لك هنا لمساعدتك في تحسين نومك تعتمد عليك أنت في متابعة نومك بمنهجية؛ لأن الناس يميلون إلى الاستخفاف بمقدار النوم الذي ينالونه. وفي أسرع وقت ممكن، ابدأ في الاحتفاظ بمفكرة خاصة بعاداتك في النوم. ويمكنك استخدام الجدول أدناه أو دَوِّنْ ملاحظاتك في صفحات منفصلة كل يوم. ولتسجل المعلومات التالية عن نومك في الليلة الماضية. وفعل هذا الأمر فور استيقاظك صباحًا قد يساعدك على تذكر هذه التفاصيل بدقة أكبر. ولتدَوِّنْ الآتي:

1. الوقت الذي أويت فيه إلى الفراش (وقد لا يكون هذا هو الوقت الذي بدأت فيه “محاولة” الخلود إلى النوم).
2. مقدار الوقت الذي استغرقته في الخلود إلى النوم.
3. المقدار الإجمالي لفترات استيقاظك في أثناء النوم بداية من وقت استغراقك في النوم وحتى استيقاظك الأخير في الصباح.
4. الوقت الذي استيقظت فيه في النهاية، أي آخر مرة استيقظت فيها لتبدأ يومك.
5. الوقت الذي نهضت فيه عن الفراش.

حاول أداء التجربة التالية: احتفظ بمفكرة نوم، وبعد مرور أسبوع، حدد إجمالي الوقت الذي أمضيته في الفراش. وقسم هذا الوقت الإجمالي على العدد 7 لكي تحسب متوسط الوقت الذي أمضيته في الفراش كل ليلة. والآن، أضف كل الوقت الذي أمضيته مستيقظًا، بما في ذلك الوقت الذي أمضيته في بداية كل ليلة (النقطة رقم 2)، وفي منتصفها (النقطة رقم 3)، وفي ساعات الصباح (الفرق بين النقطتين رقم 4 و5)، ثم اطرحه من ذلك الوقت الإجمالي. وبعد ذلك اقسم الناتج على العدد 7 لتحسب متوسط الوقت الذي نمته في كل ليلة. وإذا أردت أن تحصل على النسبة المئوية لها، يمكنك أن تطرح هذا على الوقت الذي أمضيته في الفراش كل ليلة، ثم اضرب الناتج في 100.

وقد تفترض أنك تعاني نقصًا في النوم، ومن ثم يتحتم عليك بناء دافع جيد إلى النوم، ورغم هذا، فلتلقِ نظرة على الوقت الذي أمضيته في الفراش وقارنه بمقدار الوقت الذي أمضيته في النوم. هل الفارق كبير؟ وهل متوسط الوقت الذي أمضيته في الفراش يساوي ثماني ساعات أم أكثر؟ لنفترض أن بوسعك النوم لمدة خمس ساعات ونصف فقط في المتوسط، فإذا أمضيت ثماني ساعات في الفراش (أي إذا كنت تنام 69% فقط من الوقت الممضى في الفراش)، فسوف يعوق هذا الأمر بناء دافع كافٍ إلى النوم للحصول على نوم عميق في الليلة التالية. وفضلاً عن هذا، ربما يمكنك محاولة تعويض ما شعرت به من سوء في اليوم التالي بإلغائك لخططك (أي أن تصبح أقل فعالية)، أو تقليل التمارين، أو محاولة أخذ غفوة، أو النوم حتى وقت متأخر في الصباح، أو الإيواء إلى الفراش في وقت مبكر عما هو معتاد. وكل هذه الأمور تمنع وجود دافع قوي إلى النوم العميق. من المهم أن تتذكر أن ثاني مقوم من المقومات الأساسية للنوم الهانئ هو: وجود دافع قوي إلى النوم.

نظام اليقظة أو النشاط

تتعاون الساعة البيولوجية مع دافع النوم على توفير نوم جيد، ومعرفة كيفية التعامل مع هذين النظامين يمكنه أن يساعدنا على نيل نوم مُرْضٍ، ورغم هذا، هناك أمر واحد يمكنه التغلب على هذين النظامين وإحداث مشكلات نوم، ألا وهو نظام اليقظة. ونظام اليقظة، وهو المسئول عن إشعارك بمزيد من اليقظة عند الضرورة، يكون أقل نشاطًا في أثناء النوم. ومن المهم أن يكون نظام اليقظة قادرًا على السيطرة على النوم في الحالات الطارئة – أي حالات الخطر (كأن يتعرض منزلك للسطو)- لكي يمكنك الاستيقاظ واتخاذ الفعل المناسب (كالاتصال بالشرطة). ورغم هذا، يعمل نظام اليقظة المفرط النشاط على إعاقة النوم؛ خاصة لكونه لا يجيد تحديد: أي الأخطار حقيقي وأيها طارئ متطلب لليقظة. وعلى سبيل المثال، إذا أخبرنا المشاركين في تجربة بحثية ما بأنهم سوف يكون عليهم إلقاء خطبة عامة في الصباح، فبوسعنا أن نتوقع أن نومهم سيكون أسوأ منه في حال إذا لم نُحْدِثْ لديهم هذا القلق. والخطبة العامة المفترضة هذه لن تلقى إلا في الصباح، ولكن المشاركة في أمر مثير للتوتر يمكنها أن تحدث حالة من اليقظة وتعوق النوم.

اكتشف الأمور التي تعوق النوم (وعالجها)

اليقظة عبارة عن حالة نشاط عاطفي، أو بدني، أو عقلي تتعارض مع النوم. ولتتصفح القائمة التالية، أي الأمور التالية تعتقد أنه يحدث يقظة كبيرة وإعاقة للنوم؟ ومن جانب آخر، أيها يحدث الاسترخاء ويعزز من الحصول على نوم أفضل؟

• الكحول
• البقاء في الفراش رغم اليقظة
• غرفة النوم الباردة
• التفكير في النوم
• السجائر
• التحدث في الهاتف في أثناء البقاء في الفراش
• القراءة في الفراش
• وضع قائمة بالمهام المطلوبة
• القلق
• التوتر
• غرفة النوم الحارة
• وجود حيوانات أليفة في الفراش
• المخدرات
• أدوية علاج البرد
• ممارسة التمارين قبل الذهاب إلى الفراش

وقد تشعر بالدهشة عند علمك أن كل هذه الأمور يمكنها أن تكون معوقة للنوم.

وأيضًا، بينما من المعروف جدًّا أن تناول مادة الكافيين (الموجود في الشوكولاتة، والشاي، والقهوة، والصودا مثلاً) قبل موعد النوم يمكنه أن يؤثر في جودة النوم، فإن أكثر الناس لا يعلمون أن تناول الكافيين حتى بعد الظهيرة يمكنه أن يؤثر سلبًا في النوم. وقد يصعب عليك قياس مقدار الكافيين الذي تستهلكه ومدى كفاءة جسدك في التخلص منه قبل موعد النوم؛ فالناس متفاوتون في هذا الأمر. وحتى المواد التي قد تراها مهدئة ربما تكون سببًا في يقظتك. وعلى سبيل المثال، يعتقد عديد من الناس أن السجائر مهدئة؛ لأن عديدًا منهم شعروا بخفة في حدة التوتر بمجرد إشعالهم لها. ورغم هذا، ليس انخفاض التوتر هذا سوى قلة في أعراض انسحاب مادة النيكوتين من الجسد، والتي ظلت تتزايد منذ تعاطي السيجارة السابقة. والسجائر منشطة في الحقيقة، وانسحاب النيكوتين من الجسد يسبب حالة من الهياج. وقد يكون هذا من آليات إدمان السجائر، أي الاعتقاد بأنك بحاجة إلى إشعال سيجارة لكي تهدأ، بينما عادة التدخين هذه تسبب التوتر في الحقيقة.

وعلى نحو مشابه، ويعتقد عديد من الناس على نحو خاطئ أن المخدرات والكحول أشياء معززة للنوم؛ لأنه يمكنها أحيانًا تقليل الوقت الذي يستغرقونه للدخول في مرحلة النوم. ورغم هذا، فالنتيجة الحقيقية لهذه المواد هو سوء النوم. وهذه المواد تمنع مرحلة حركة العين السريعة في النوم في الجزء الأول من الليل، وعندما ينتهي أثر المكونات الفعالة فيها ويجري التخلص منها خلال عملية الأيض في أثناء الليل، يحدث الكثير من حركات العين السريعة في النوم. ومرحلة حركة العين السريعة في النوم ليست من مراحل النوم العميق. وفي الحقيقة، اعتاد الأطباء تسميتها بالنوم التناقضي؛ لأن نشاط المخ خلال هذه المرحلة يشبه نشاطه خلال اليقظة إلى حد كبير. وفي أثناء مرحلة حركة العين السريعة في النوم، يكون نومك أكثر خفة، وتكون أكثر ميلاً إلى الاستيقاظ، والتعرق، ورؤية أحلام مزعجة.

وهناك العديد من الأدوية التي قد تسبب مشكلات في النوم أو تجعلها أسوأ. وعلى سبيل المثال، بعض أدوية البرد والحساسية – وخاصة المحتوية على مزيلات الاحتقان – قد تسبب الأرق. وبعض أدوية الربو أو القلب (مثل حاصرات بيتا) يمكنها أن تسبب الأرق. وعندما تبدأ في تناول أي دواء جديد، اقرأ النشرة الملحقة به لتعرف ما إذا كان الأرق من بين الآثار الجانبية المحتملة لهذا الدواء أم لا. وتحدَّثْ إلى طبيبك عما إذا كان الأرق من بين الآثار الجانبية لأي من الأدوية التي تتناولها حاليًّا.

ومن المشوق أن أحد الأمور المذكورة في القائمة السابقة يمكنه أن يكون معززًا للنوم أو معززًا لليقظة، ألا وهو ممارسة التمارين الرياضية. والمران المنتظم يحسن من النوم، ورغم هذا، فإن بعض روتينات التمارين منشطة وممدة بالطاقة، ومن ثم لا ينبغي ممارستها في المساء. ونحن نوصيك بأن تمارس تمارين منتظمة أو ربما قاسية، ولكن لا تمارسها في غضون ساعتين قبل موعد نومك. ويحاول عديد من الناس إنهاك أنفسهم جسديًّا حتى يناموا، ولكنهم يجدون أن هذا الأمر لا يدفعهم إلا إلى المزيد من اليقظة. والتمارين التي تتضمن تمديد الجسد وحركات بطيئة، كاليوجا أو التاي تشي، يمكنها أن تعزز من الاسترخاء، ولا بأس من أدائها كجزء من تمارين الاسترخاء قبل الذهاب إلى الفراش.

والبيئة التي تنام فيها قد يكون لها هي أيضًا أثر في يقظتك؛ فالحرارة أو البرودة المفرطتان قد تؤديان إلى استيقاظك طوال الليل أو قد تؤخران بداية النوم. ويعتقد بعض الناس أنهم يحتاجون إلى أن تكون غرفهم إما حارة أو باردة كي يمكنهم النوم، ورغم هذا، يمر جسدك بعديد من التغيرات الحرارية طوال الليل، وإذا كانت غرفة النوم شديدة الحرارة أو البرودة، فقد يسبب هذا يقظتك. ومن المهم أن تحافظ على درجة حرارة مناسبة للغرفة؛ لكي يمكنك أن تنام وتظل نائمًا طوال الليل. وهل تسمح للحيوانات المدللة بالنوم معك على فراشك؟ قد تكون الحيوانات المدللة جزءًا من عائلتك ومصدرًا عظيمًا للراحة، ورغم هذا، قد يكون لها أثر سلبي في عمق نومك. وقد تصدر هذه الحيوانات الأليفة شخيرًا أو تصدر ضوضاء طوال الليل، وقد تصر على إخراجك لها من الغرفة في منتصف الليل لتناول وجبة خفيفة، وهي أيضًا تغير من أوضاعها على نحو متكرر، ولا تهتم بحصولك على قسط مناسب من النوم! وإذا كان حيوانك الأليف يؤثر في نومك؛ وذلك بأن يوقظك بضوضائه أو باتخاذه لوضعية نوم مريحة له، فربما حان الوقت لتجرِّب شيئًا جديدًا.

وبصورة عامة، ينبغي أن يكون فراشك مهيئًا للنوم، وينبغي أن تكون هناك محمية مخصصة له. وعند وجودك على فراشك، إذا أديت أنشطة اعتدت أداءها في حال يقظتك – كالقراءة، وتصفح الإنترنت، ووضع قائمة بالمهام المطلوبة، أو الأكل، أو مشاهدة التلفاز، أو التحدث عبر الهاتف، أو التحقق من صندوق الرسائل – فسوف تمرن جسدك دون قصد على البقاء يقظًا وأنت في الفراش. وكل ما تفعله على فراشك ويمكنك فعله في حال “يقظتك” من شأنه أن يسبب لك الأرق أو يزيده سوءًا في النهاية. وعلى نحو مشابه، إذا أمضيت وقتًا طويلاً في الفراش وأنت يقظ، وخاصة إذا كنت منزعجًا، فسوف يصبح فراشك موضعًا لليقظة، والانتباه، والإحباط. ومنذ عدة سنوات، أجرى الدكتور “إيفان بافلوف” تجارب كان يظهر فيها قطعة لحم لأحد الكلاب، فيسيل لعاب هذا الكلب. وليس هذا بالأمر المثير للدهشة؛ فالطعام، وخاصة اللحم، يسيل لعاب الكلاب. وقد فعل الدكتور “بافلوف” شيئًا مختلفًا في المرات التالية؛ فقد كان يدق جرسًا في أثناء إظهاره لقطعة اللحم للكلب عدة مرات، وفي كل مرة كان لعاب الكلب يسيل. وبعد قرانه بين صوت الجرس ورؤية اللحم مرات كثيرة، قام بدق الجرس دون إظهار قطعة لحم له. وما هي النتيجة؟ سال لعاب الكلب. لماذا؟ لأن الجرس أصبح مثيرًا شرطيًّا، أو محفزًا، للعاب. ولتفكر في الأثر الواقع عليك من جراء القران بين فراشك وبين اليقظة والإحباط ليلة بعد ليلة. وسوف يفقد فراشك قوته كمثير شرطي للنوم، وسيصبح بدلاً من ذلك مثيرًا شرطيًّا لليقظة. وهذا من شأنه أن يزيد الأرق سوءًا.

وقد تجد أن الأنشطة المذكورة سابقًا (أي القراءة، وتصفح الإنترنت، وغيرها) محدثة للاسترخاء، ومن ثم قد لا يكون الحل هو الكف عن هذه العادات، بل نقلها إلى مكان ووقت مختلفين.

وقد آن الحديث عن العوامل الأكثر وضوحًا لإثارة اليقظة، وهي: التوتر، والقلق، والهم. وموعد النوم قد يكون أفضل وقت يتيح لك التفكير الهادئ غير المشتت، ومن المؤسف أن هذا قد يجعله وقتًا مناسبًا لحل المشكلات، ووضع قوائم المهام، والتخطيط. وكل هذه أنشطة مناسبة للنهار، ولكن التفكير في ما سيحدث غدًا قد يثير قلقك.

الخلاصة

يعرفك هذا الموضوع على أنشطة نظام النوم لديك. وفهم الساعة البيولوجية ونظام دافع النوم هو الخطوة الأولى نحو تحسين نومك. وأنت تعلم الآن مثلاً أن إمضاء الكثير جدًّا من الوقت في الفراش قد يمنعك من الحصول على قسط كافٍ من النوم الجيد، وأن بعض الأمور التي كنت تعتقد أنها تساعد على النوم يمكنها أن تعوق حصولك على الراحة في ليلة هادئة. وإذا استطعت التقليل – أو التخلص – من الأنشطة والمواد التي تثير نشاطك العاطفي، أو البدني، أو العقلي والتي يمكنها التأثير في نومك، فلن تحتاج إلى بذل جهد كبير جدًّا للنوم. تذكر دائمًا أن مقوماتنا الثلاثة الأساسية للنوم هي:

1. فرصة الحصول على نوم منتظم ومثالي التوقيت (فترة ما قبل الاستغراق في النوم).
2. وجود دافع قوي إلى النوم.
3. العقل والجسد الهادئان، وبيئة النوم المريحة.