التصنيفات
صحة ورعاية الطفل

الغيرة عند الأطفال

إن الشعور بالغيرة من الأمور الخطيرة على حياة كل من الطفل الصغير والراشد الكبير، فالغيرة تسبب وجود صراعات خفية في الحياة النفسية للفرد، كما أنها تمثل خطراً على علاقات الفرد الاجتماعية. فالطفل الذي يغار من الناس المحيطين به ينال دائماً سخطهم وعدم رضاهم عنه، لذلك فإن الغيرة تسبب صعوبة في التكيف الاجتماعي للفرد. وقد يشعر الفرد بالغيرة عندما يرى غيره من الأشخاص يتمتعون بقوة أو ملك أو جاه أو مركز اجتماعي مرموق. ومن شأن ذلك أن يجعل الفرد يشعر بالنقص والضعف أمام الناس الذين يغار منهم، وتبدو غيرته في محاولاته لعرقلة ما يقوم به من محاولات وجهد لتحقيق أهداف مرغوب فيها، سواء كانت هذه الأهداف تؤدي إلى الفشل أم إلى النجاح.

من الأمور التي تجعل صاحبها يشعر بالذلة والمهانة، ويفقد الشعور بالثقة بنفسه وقدراته، وبدلاً من أن يسعى سعياً حقيقياً للحصول على إشباع حاجاته تجده يلجأ إلى الحقد والغيرة. وغالباً تكون دوافعه لا شعورية، لا يعترف بها. وإذا شعر بها وأدركها، فإنه يسعى إلى تدميرها حتى لا تؤذيه.

تعتبر الغيرة مسؤولة عن الكثير من المشكلات النفسية، كالشعور بعدم الاستقرار وعدم الرضا والعجز عن حياة التعاون والأخذ والعطاء والشعور بالانطواء والعزلة.

معنى الغيرة

الغيرة في الواقع شعور مركب ومعقد، وليس بسيطاً. فالطفل الذي يشعر بالغيرة يعاني عدم الثقة بالنفس بشكل شعوري أو لا شعوري، كذلك فإن الشعور بالغيرة يتضمن الشعور بالغضب والثورة نتيجة للفشل والإحباط، كذلك فإنه يحتوي على الرغبة في الحصول على شيء لدى الشخص رغبة في امتلاكه.

لكن ليس للغيرة رد فعل واحد بعينه بل له مظاهر متعددة، فقد يظهر في شكل عدوان وتخريب، وقد يظهر في شكل تمرد وعصيان، وقد يظهر في شكل انطواء وانعزال، وقد يظهر في شكل ثورة وغضب، وكذلك قد يظهر في شكل طاعة وامتثال، وذلك للحصول على رضا الوالدين وحبهما.

مظاهر الغيرة

يلاحظ أن هنالك ارتباطاً وثيقاً بين شعور الطفل بالغيرة وبين عدم شعوره بالثقة في البيئة المادية والاجتماعية المحيطة به. وتظهر هذه العلاقة بوضوح في حالة غيرة الأزواج. وكذلك يقل احتمال ظهور انفعال الغيرة إذا كان الفرد شديد الثقة بنفسه، وينطبق هذا على الشخص الكبير كما ينطبق على الطفل الصغير. وأشد أنواع الغيرة ظهوراً في حالة عدم وجود القدرات الجسمية والعقلية التي تمكن الفرد من تحقيق رغباته والحصول على ما يريد، أو في حالة عدم توفر قسط وافر من الجمال.

الغيرة لها وجوه عديدة يمكن أن تظهر في الروح التنافسية الدائمة، أو في تجنب جميع أنواع الخلاف، أو في الشعبية والقبول المفرط عند الناس أو في الخنوع والوداعة، أو في الكرم أو التهور أو الشجاع الذي لا يرحمهم. وكما قلنا سابقاً، فإن الغيرة تظهر في شكل ثورة وغضب أو انطواء أو انعزال أو عدوان أو تخريب أو تمرد وعصيان…الخ.

أصل الغيرة عند الطفل

تتأصل الغيرة في رغبة الطفل في أن يكون المحبوب المدلل الوحيد لأمه، إن هذه الرغبة امتلاك لدرجة أنها لا تسمح لأي منافسة. وعندما يصل الأخوة والأخوات يبدأ الطفل في منافستهم على حقه في حب والديه المقصور عليه فقط. وقد تكون المنافسة صريحة أو خفيفة، بحسب موقف الأبوين من الغيرة، ويحاولون إقناع أطفالهم بأنهم محبوبون بشكل متساوي، ولذلك لا مدعاة لغيرتهم، ويقدرون الهدايا، والمديح والإجازات والامتيازات والملابس والطعام ويوزعونها على الجميع بالعدل والمساواة. ومع ذلك لاشيء من هذه الطرق يخفف من وطأة الغيرة والحسد، ولا العقاب المتساوي ولا المديح المتعادل يمكن أن يطفئ الرغبة في الحب الاستحواذي. وطالما أن مثل هذه الرغبات غير قابلة للتحقيق، فلا يمكن منع الغيرة كليّةً ومع ذلك سواء كانت نار الغيرة ستومض بالأمان أم ستتوهج بالخطر، فسيعتمد الأمر على مواقفنا وأفعالنا.

مواقف تولد الغيرة

في الظروف الطبيعية قد تسببها اختلافات العمر والجنس بين الأخوة والأخوات، فالأخ الأكبر يُحسد، لأن لديه مزيداً من الامتيازات ومزيداً من الاستقلال، الرضيع يُحسد، لأنه أكثر رعاية، والبنت تحسد أخاها، لأن لديه ذكورة بارزة وله حرية أكبر، والولد يحسد أخته، لأنها تحصل على معاملة خاصة. وينمو الخطر عندما يعطي الآباء الاختلافات في العمر والجنس تأكيداً متميزاً.

أسباب الغيرة عند الأطفال

ترجع الغيرة عند الأطفال لأسباب كثيرة نذكر منها:

1. سوء معاملة الأبوين للطفل: فالقسوة في المعاملة والإهمال أو العقاب، كل ذلك قد يؤدي إلى شعوره بالنقص وبالغيرة من أخوته الذين ينالون معاملة أفضل وتحقيق رغباتهم والنشاط المحبب لهم.

2. ولادة طفل جديد للأسرة: حيث يتحول انتباه الأسرة إليه، وكثيراً ما تبعد الأسرة طفلها أثناء وضع أمه، فقد تنقله للبقاء مع الأقارب أو مع الأصدقاء بعيداً عن الأبوين. ولكنه يعود إلى منزله بعد أن يطول به الانتظار، فيجد الدنيا قد تغيرت من حوله، ويجد أمه تحتضن طفلاً آخر استولى على مكانته المرسومة بعد أن غزا البيت.

3. اتجاه الآباء نحو مقارنة الطفل بغيره من الأطفال: يميل الآباء إلى الحط من شأن طفلهم والإطراء والمديح على الأطفال الآخرين، وقد ينشأ نتيجة التلطف واللعب مع أحد أخوته أو تبادل مشاعر الحب بين الأبوين أمام الطفل شعور الغيرة عند الطفل.

4. شعور الطفل بأن حقوقه مهدورة: إن الطفل يشعر بأحقية أكثر من غيره في التمتع ببعض المزايا، أو المراكز الاجتماعية، أو فقدان الفرد بعض الامتيازات التي سبق أن حصل عليها. فالطفل الصغير يلقى عطف أمه ورعايتها، ولكنه يفقدها عندما ترزق الأم بمولود جديد.

الغيرة بين الجنسين

تبدو قمة الغيرة فيما بين سن ثلاث أو أربع سنوات من عمر الطفولة. وتبين الدراسات أن نسبة الغيرة عند البنات أكثر منها عند الذكورة. كذلك فإنها عند الأذكياء أكثر منها عند قليلي الذكاء. لذلك جاءت نتيجة الدراسات أن الغيرة تكون بنسبة أكبر بين الأطفال التي لا توجد فوارق كبيرة بينهم في السن، أي أنها توجد بين الأطفال المتقاربين في السن، وهذا واضح. لأن الشاب الكبير الأكثر غيرة، لن يتنافس مع أخيه الرضيع، كذلك وجد أن الطفل الكبير أكثر غيرة من الأطفال الذين يأتون بعده، لأنه في يوم ما كان يمثل مركز اهتمام الأسرة.

الفرق بين الغيرة والحسد

إن الغيرة تكاد تكون عامة بين جميع الأطفال. وتختلف عن الحسد، لأن الحاسد يحسد شخصاً آخر على شيء يمتلكه هذا الشخص ولا يمتلكه هو، أما الغيور فإنه يغار لأنه يمتلك شيئاً ما، ويخشى أن يأخذه غيره منه.

فالطفل الأكبر عندما ترزق أسرته بمولود جديد لا يرغب أن يشاركه فيما يتمتع به من مزايا، وقد يعبر عن غيرته هذه بالعدوان الجسمي عليه أو بإهماله أو بعدم الاعتراف بماله من مزايا. وقد يعبر عن غيرته هذه في شكل تبول
لا إرادي، أو مص الأصابع، أو في شكل رفض تناول الطعام، أو الشقاوة، أو بالتظاهر بالمرض والخوف. وهو يرغب في الحصول على انتباه الأم كما يرغب في احتكارها لنفسه فقط واستحواذها دون أخوة.

التنفيس الانفعالي

يعبر الأطفال عن غيرتهم بشكل ليس فيه لباقة على الإطلاق. فيطلبون موت الرضيع، ويقترحون إعادته إلى المستشفى أو وضعه في محل القمامة، والصغار الأكثر خيالاً ومغامرة قد ينغمسون  في عمليات حربية ضد هذا القادم الجديد، فقد يغيرون عليه بلا هوادة، ويحضنونه كما تحضن الأفعى الكبيرة فريستها، وقد يدفعونه أو يقرصونه كلما يحين لهم ذلك. وفي حالات متطرفة يمكن للأخت أو الأخ الغيور أن يتسبب في ضرر بالغ. وبوصفنا آباء لا يمكننا أن نسمح لطفل أن يستأثر بأخيه أو أخته. والهجمات السادية سواء البدنية أو الكلامية يجب أن توقف، لأنها تؤذي كلاً من الطفل وأخيه، كلا الطرفين في حاجة إلى رعايتنا. ولحسن الحظ نحن لا نحتاج لحماية الأمان البدني للطفل الصغير أن نهاجم الأمان العاطفي الأكبر، فعندما نمسك بطفل عمره ثلاث سنوات يتحرش بالرضيع، يجب أن نوقفه هو ودوافعه في الحال، ونذكر له بصراحة.

• إنك لا تحب الرضيع.

• إنك غاضب منه.

• بين لي كيف أنت غاضب وسألاحظ غضبك، ويجب أن نعطي الطفل دمية كبيرة نسمح له بأن ينفس عن غضبه فيها، فيمكن أن يدس أصبعه في عينها، ويلقي بها على الأرض، ويدوس عليها.

ونحن لا نقترح على الطفل ما يفعله، إن دورنا هو أن نراقب بعين محايدة ونستجيب بلسان حنون، سوف لن نصدم لضراوة مشاعره أو لقسوة هيجانه، فالمشاعر أمينة والهجوم غير مؤذٍ. ومن الأفضل أن ينفس عن غضبه بشكل رمزي ضد شيء جماد، بدلاً من أن ينفس عنه بشكل مباشر في الطفل الرضيع نفسه، أو بشكل عَرضي ضد نفسه.

إرشادات موجهة للأسرة لكي تجنب أطفالها

الشعور بالغيرة

1. عدم عقد المقارنات والموازنات بين الطفل وغيره من الأطفال.

2. العمل على تنويع أوجه النشاط التي يمكن أن يقوم بها الطفل، لضمان وجود المناشط التي تقع في دائرة قدراته الطبيعية التي يستطيع القيام بها.

3. تشجيع الطفل إذا أحرز تقدماً بالنسبة لمستواه الاجتماعي والدراسي، وتذكيره بما قدمه في الماضي من إنجازات وتفوق.

4. يجب معاملة جميع الأطفال على قدر المساواة، وعدم تفضيل الطفل على غيره من الأطفال.

5. يجب أن تُعلم الطفل التعاون، فمن خلال التعاون يثبت أنه محبوب.

6. يمكن أن تنظم الأسرة إنجاب الأطفال فلا يكون هنالك فاصل زمني كبير بين الأول والثاني، حتى لا يشعر الأول بالوحدة وتمنحه الأسرة الامتيازات، ثم تسحبها عند قدوم الطفل الأصغر منه.

7. تعاطف مع طفلك، وابحث عن الذي جعله يشعر بالغيرة، وحاول أن تفهم حقيقة ما يضايقه.

8. يجب أن تتاح للطفل الفرصة لإقامة علاقات مع غيره من الأطفال، لأن علاقة الطفل مع الطفل تقوم على أساس المساواة.

9. النمذجة، وتعني اتخاذ شخص معين كنموذج وقدوة يقتدي بها الطفل على أن يكون هذا الشخص ناجحاً ومصدر ثقة من قبل الطفل.

علاج الغيرة عند الأطفال

1. خطوط عامة للخطة العلاجية:

• زيادة الثقة في نفس الطفل وتحقيق شخصيته، كأن نشجع المواهب والمهارات التي يمتلكها الطفل، ونقوم بتنميتها والتركيز على ممارستها والثناء عليه.

• تنمية المهارات الأساسية والتشجيع في اكتساب هذه المهارات، كأن نستعمل النموذج والأمثلة. ويجب أن نكون هنا حذرين من إجراء المقارنة بين النموذج والطفل، حتى لا يغار منه الطفل. وإنما نشجعه.

• إتاحة الفرصة للطفل لكي يقوم بأمور ناجحة ومفيدة بشكل متكرر، مما ينمي ثقته بنفسه، كأن يساعد الأم في المطبخ، تقديم الشاي أو القهوة، الذهاب إلى السوق بصحبة الأهل، رواية طرفة.. وأشياء أخرى.

• التنفيس عن الأفكار والمشاعر ومناقشتها، لأن ذلك يريح الطفل ويجعله يُنفس عما يدور بداخله.

2. الثواب والعقاب:

• الابتعاد عن العقاب الجسدي قدر الإمكان، لأن ذلك قد يزيد من تعقيد المشكلة بدلاً من حلها.

• تشجيع السلوك الإيجابي مباشرة، كأن أشكره شكراً مميزاً أو أقدم له طعام يحبه أو هدية صورة نجوم أو أشياء يحبها.

• عقاب السلوك الخاطئ مباشرة، بعد أن أوضح له سبب هذا العقاب، وأبُسط له الخطأ المرتكب، وأن هذا السلوك غير مقبول من قبل الجميع.

• اختيار العقوبات بشكل مسبق ومناقشتها، كأن أعزله ربع ساعة في غرفة، أو أحرمه من مشاهدة التلفاز أو الذهاب إلى السوق..الخ.

• تسجيل التطورات والأساليب الجديدة وكل ما يحدث لمدة ثلاثة أسابيع ومناقشتها.

وأخيراً على الآباء أن يفترضوا وجود الغيرة في أطفالهم حتى يكونوا في جانب الأمان، حتى لو كانت الغيرة غير ظاهرة. وإذا عرفنا مكونات الغيرة يجب تجنب ومعالجة مكوناتها التي كشف عنها “فرويد” كونها انفعالاً مركباً من عدد من  الانفعالات الكريهة والبغيضة يرفض الفرد الاعتراف بها، ويحاول أن يخفيها. وأهم هذه الانفعالات هي الغضب والحسد والخوف والشعور بالكآبة والحزن و الإعجاب. إن الطفل الغيور يعاني من:

1. خوف من فقدان من يُحب.

2. كره الطفل لمنافسه ورغبته في إيذائه.

3. شعور الطفل بالنقص.

4. نقد الذات الحاد الذي قد يتحول إلى الشعور بالذنب.

وتتصف إرادة الطفل الغيور بالتالي:

1. التشنج الإرادي: يضرب نفسه أو يضرب من يصادفه.

2. التخشب الإرادي: يسقط على الأرض متخشباً لفترات، ويشمل تخشب الجسم والفكر.

3. افتقاد التوافق النفسي والاجتماعي. لا يستطيع أن ينسجم أو أن يتوافق مع نفسه، أو مع الواقع الاجتماعي المحيط به.

الغيرة إحدى حقائق الحياة التي يجب أن نتقبلها، ولن نستطيع أن نتخلص منها تماماً. بل إن بعض الثقافات تُنميها وتحث على وجودها عند أفرادها. وإلى درجة أبعد من ذلك، إن وجودها لدى الشخص بدرجة ما هو أحد مظاهر الصحة النفسية السوية. إذ أنها لو انعدمت لأصبح الشخص عديم الحساسية الانفعالية ومتبلد المشاعر، ومع ذلك فإنها إذا ما وجدت عند شخص ما بدرجة عالية أو نتيجة إدراك خاطئ للموقف، فإننا نستطيع أن نساعده على تحويلها إلى مشاعر أخرى أقل إيلاماً وأكثر نفعاً.

تأليف: أنس شكشك