التصنيفات
طب نفسي | علم النفس

التحرر من المواقف المثيرة للضغوط

كثيرًا ما تعني الضغوط أننا لا نستطيع أن نرى أي طريق للخروج من أحد المواقف التي تسبب لنا الشعور بالأسى، وهذا يعني أننا نشعر بأننا وقعنا في شراك أحد المواقف؛ مما يمكن أن يؤدي إلى زيادة الضغوط بشكل رهيب. وتوجد مجموعة من الأساليب التي يمكننا استخدامها من أجل تخفيف حدة الضغوط أو تقليلها، ولكن في بعض الأوقات تتمثل أهم الطرق في التعامل النهائي مع المواقف المثيرة للضغوط في التحرر من الموقف وقبول حدودنا فيما يمكننا أن نتوقع تغييره بطريقة معقولة.

التحدي

يرى بعض الأشخاص الذين يواجهون ضغوطًا هائلة في حياتهم، أن التحرر مثل الاستسلام أو التنازل للضغوط؛ فهم يرون أنه علامة على الضعف، لأننا لا نستطيع التأقلم بشكل مناسب مع الضغوط بطريقة بالغة. ولكن، غالبًا ما يكون التحرر أفضل طريقة للتأقلم مع مثيرات الضغوط. ولا يعني التحرر بالضرورة أن تعترف بالهزيمة، ولكنك تصل إلى تفاهم مع الضغوط عن طريق القيام بأول خطوة منطقية. وينطبق هذا الأمر بشكل خاص على المواقف التي نشعر فيها بانخفاض مستوى تحكمنا أو انعدامه، مثل الأجواء الكريهة في العمل أو المشكلات العائلية، ويتمثل التحدي في إدراك الطبيعة الحقيقية للتحرر مع الأساليب الأخرى للتعامل مع الضغوط ورؤية الكيفية التي يمكننا أن نستفيد من خلالها من هذه العملية. ويمكننا غالبًا أن نقوم بأكثر الأعمال إيجابية في التعامل مع الضغوط، عن طريق الإقرار بأننا لا نستطيع التحكم بها، ويمكننا أن نضعها جانبًا فحسب. هذا هو التحرر، الذي ربما يكون أحد الجوانب المهمة في حياتنا عندما لا نبالغ في استخدامه.

الحقائق

ربما تشعر بالسوء حيال التحرر، ولكنك يجب أن تفهم أن الخبراء في مجال علاج الضغوط يعتقدون أن التحرر هو اتخاذ قرار عدم السماح لشيء من ماضيك بالتأثير على حياتك الحالية أو بتقليل إحساسك الداخلي بالسلام والصحة. إن التحرر يتيح لك العيش في الوقت الحالي، ولكنه ربما يكون معقدًا؛ لأننا نحمل العديد من المعتقدات التي تمنعنا الاستمتاع بالحاضر.

ويتمثل الجانب الأهم في التحرر في عدم التمسك بأي شيء أكثر من مدته الفعلية. وهذا يعني أن ما حدث منذ خمس دقائق قد انتهى، ويجب نبذه، مع الاستمرار في التعلم منه. ويجب أن تتخلى عن التوجه القائل بأن الأشياء تحدث لك، ولكن تتبنى التوجه القائل إنها تحدث منك أو بسببك، ويجب أن تقبل تحمل المسئولية عن أفعالك، ثم تستعد للمضي قدمًا.

إصدار الأحكام على أفعال شخص آخر والشعور بالاستياء الشخصي منها يعني أنك تزيد من شعورك بالغضب نحو موقف مزعج. ومن الأفضل أن تتحدث بطريقة محايدة، وتعلم أن ما يحدث لك يحدث لشخص آخر أيضًا، بغض النظر عن درجة إصابته.

ورغم أن العديد من الأشخاص لديهم تحفظات حيال استخدام أساليب التحرر من مثيرات الضغوط ووضع الأحكام جانبًا في حياتهم، فإن هناك العديد من الفوائد الكبرى في التحرر التي تجعل ممارسته تستحق الجهد المبذول:

–  نكتسب إحساسًا أكبر بالتواجد في الوقت الحاضر، ونلبي احتياجاتنا بشكل فعلي.
–  يساعدنا التحرر من التوقعات غير المعقولة والأحكام القاسية على العثور على الإحساس بالهدوء والسلام الداخلي لأننا تخلصنا من الصراع مع ما نعتقد أن الأشياء يجب أن تكون عليه. هل تتذكر ما كنت تشعر به من رعب قبل أحد المواقف المثيرة للضغوط أو بعده مباشرة؟ ولكن، خلال الموقف الحقيقي، عادة ما تضع هذه المخاوف جانبًا وتكون قادرًا على التعامل مع التجربة.
–  نتحلى بدرجة أكبر من قبول الآخرين، وبذلك نقدم إسهامًا أكبر في رفع وعيهم، والشعور بإحساس أفضل نحو السير مع التيار.
–  نشعر بدرجة أكبر من المتعة في التحرر من كل ما نقوم به. ويساعدنا التحرر على إعادة اكتشاف المرح والمتعة في حياتنا.

إن التحرر لا يعني أن تقوم بمراجعة حياتك فحسب. بل إنه غالبًا ما يتضمن فن إعادة تركيز طاقاتك. وتظهر صحة هذا الأمر بشكل خاص عندما تجد أنك توجه الكثير من الطاقة إلى شيء لا يستحق، وأن الأمور التي تعيد شحن بطاريات حياتك بالطاقة بالفعل قليلة للغاية.

الحلول

إن التحرر لا يعني التسليم بالهزيمة أمام تأثير الضغوط؛ ففي العديد من المرات، نتعرض لإغراء مقاومة مثيرات الضغوط عن طريق اتخاذ خطوات فعلية في الحياة الواقعية أو البحث عن طرق لبناء آليات التأقلم, ورغم أهمية الاعتراف بمثيرات الضغوط الموجودة في حياتنا، والاستعداد للتعامل معها، فإنه من المحتمل ألا يمكننا التعامل معها بشكل مناسب، ويصبح خيارنا الوحيد لاستعادة نوع من الإحساس بالصحة هو وضعها جانبًا ومعالجة الأمور التي يمكننا التحكم فيها بشكل معقول.

إن التحرر يمثل قرارًا مهمًّا، ويجب الوصول إليه مع استشارة أحد الأطباء أو معالج مؤهل. ويستطيع هؤلاء المتخصصون مساعدتك على تحليل دورة استجابتك نحو الضغوط، وما يمكن القيام به، من وجهة نظرهم، بشكل معقول من أجل مقاومتها، والوقت الذي تضع فيه رهانك الرابح لاستعادة توازنك على التحرر. إن القرار النهائي يعود إليك، ولكن استشارة المتخصصين يمكن أن تساعدك على اتخاذ القرار.

ويمكنك التعلم من الجانب الفكري من شيء حدث في حياتك، وتستخدم هذا التعلم في مساعدتك في المستقبل، ولكن يجب عليك ألا تتمسك بالاستجابة الانفعالية. وهذا هو العنصر الأساسي في الأحداث الماضية الذي يجب أن تتحرر منه. وتتيح لك تجربة التعلم تحقيق النمو دون مطاردة الوساوس الانفعالية التي يمكن أن تثيرها الأحداث الصادمة في بعض الأوقات.

نحن كائنات حكمية، وفي بعض الأوقات، نحتفظ بأقسى أحكامنا على أفعالنا الخاصة. إننا جميعًا نرتكب أخطاء، ونقوم باختيارات ربما لا تحقق نجاحًا. هذا جزء من العيش والنمو. إن التحرر يعني عدم التقيد بالقيم، والأحكام، ووجهات النظر المتزمتة نحو الأخلاق، والانتقادات، والأفكار نحو الواجبات والمكروهات.

وفي بعض الأوقات لا يعني التحرر مجرد التحرر من المشاعر الشخصية فحسب، بل إنه ربما يعني التحرر من أشخاص في حياتنا أيضًا. وليس هناك مجال يتضح فيه هذا الأمر على النحو الأمثل أكثر من الوقت الذي ترسل فيه أطفالك إلى الكلية، وتتيح لهم اختيار طريقهم الخاص وارتكاب أخطائهم الخاصة. ويجد بعض الآباء والأمهات، الذين يلقبون بالوالدين الطائرين، صعوبة في التخلي عن معاملة أطفالهم برفق، التي وصلت بهم إلى نهاية المرحلة الثانوية، ويتقدمون أكثر من ذي قبل نحو التأكد من حصول أطفالهم على معاملة عادلة وقيامهم بأعمالهم. فأنت تريد من أطفالك أن يحققوا النجاح وحدهم، ويجب عليك أن تتعلم أن تمنحهم الحرية في اختيار طريقهم الخاص ومواجهة بعض المشكلات التي واجهتك. وإذا طلبوا منك النصيحة والمساعدة، فإنه يمكنك تقديمها إليهم بالطبع، ولكن يجب ألا تحاول ألا تربط أطفالك بك بشدة. يمكنك متابعتهم من خلال الاتصالات الهاتفية والبريد الإلكتروني، ولكن يجب عليك أن تتجنب الرغبة في التدخل في شئونهم، إلا إذا كان الموقف يتطلب ذلك بالتأكيد.

هناك ثلاث طرق أساسية للتحرر من مثيرات الضغوط في حياتنا:

–  الاسترخاء الجسدي. يمكنك القيام بأحد التدريبات الجيدة عن طريق الجلوس في كرسي والحفاظ على استقامة ظهرك، ووضع ركبتيك فوق كاحليك، ووضع قدميك على الأرض باستواء. أبق عينيك مفتوحتين، وركز على فتحة الأنف خلال التنفس بعمق. واترك كتفيك يرتفعا بشكل طبيعي، وتحرر من الإحساس بالتوتر مع استرخائهما.
–  وهناك شكل آخر من تدريب الجلوس والتنفس، ولكنه مصمم من أجل الاستمرار لفترة أطول، وهو الثبات. وفي هذا التدريب، يجب أن يتجه بصرك نحو الأفق مع إغلاق عينيك. اثبت لدقائق قليلة، وجرب الارتباط مرة أخرى مع حواسك. استقبل الأصوات المحيطة بك، إلى أن تجد الصمت بأعماقك.
–  بجانب الاسترخاء، قلل من أعمالك غير الهادفة. إن كونك منتجًا لا يعني الإسراع إلى إنجاز كل شيء، وكأنك ذاهب إلى إجازة. إن الأمر يدور حول الرحلة، وليس الوجهة. وهذا يتطلب منك العيش في الوقت الحاضر، والاستمتاع الفعلي بالمهام المطروحة. ويسمح وضع أولوياتك الحقيقية بأن تنزلق أعمالك غير الهادفة بعيدًا؛ مما يتيح لك العثور على وقت من أجل الأشياء التي لها أهمية أكبر.

اسأل طبيب مجاناً