التصنيفات
الطب البديل والتكميلي

لماذا نتأمل؟ أهداف التأمل: ج1

لابد وأنت تبدأ قراءة هذا الفصل الأول من الكتاب أنك قد سألت هذا السؤال: “لماذا نتأمل؟”. وربما أنك قد كوّنت فكرة ما حول السبب في رغبتك في التعمق في عملية التأمل. ربما جرّبه بعض أصدقائك ولاحظت فيهم بعض التغيرات المفيدة، أو ربما نصحك طبيبك بأن تبحث عن وسيلة تخلصك من التوتر، أو ربما سمعت شيئاً عنه في فصل دراسي أو ورشة عمل وقررت أن تحصل على المزيد من المعلومات حوله. هذا الفصل يعدد الأسباب المختلفة التي تدفع الناس إلى ممارسة التأمل، إضافة إلى النتائج قصيرة المدى وطويلة المدى التي بمكن أن تتوقعها من خلاله.

إن النتيجة الأساسية للتأمل هي تبديل حالة الوعي. والحقيقة أنه ليس من الصعب الوصول إلى هذه النتيجة، حيث إن حالتك العقلية تتغير بطبيعتها من لحظة لأخرى. على أن التأمل يتميز بأن هناك اتجاهاً معيناً يتخذه هذا التبدل في الحالة العقلية: حيث تسترخي العضلات، وتصبح الحالات الوجدانية أكثر هدوءاً، ويرتاح العقل، وينخفض ضغط الدم، ويتراجع معدل نبضات القلب، وتركز العينان بشكل مختلف، ويبطؤ التنفس، ويزداد إدراكك للأصوات المحيطة بك.

وإذا مارست التأمل لفترة طويلة، فربما تتمكن من إدراك التغيير في زاوية الشمس من خلال مرور أشعتها عبر النافذة. وقد يمتد إدراكك إلى الآخرين الموجودين داخل الغرفة، أو إلى الأصوات بخارج البناية. بل إن البعض يقولون إن بوسعهم التناغم مع حركة الكوكب ذاتها من خلال الرقود في سكون على الأرض والتطلع في السماء ليلاً.

ولو كان هدفك الوحيد من التأمل هو الاسترخاء، فإنك ستواجه تحدياً. فأنت ستنجح من ناحية في إرخاء عضلاتك، وتهدئة انفعالاتك، وإبطاء نبضات قلبك. وستصل إلى تقليل كبير من مستوى توترك. ولكن من ناحية أخرى، سيصبح الضجيج الموجود في ذهنك أكثر وضوحاً كلما أصبحت هادئاً. كما أن المدة الطويلة التي تقضيها في الوضعية التأملية تجعل عضلاتك في وضعية غير مريحة. فتعاني من تقلصات عضلية وتنميل خاصة إذا كانت الوضعية غير مريحة، وتتململ. ويصبح ما تقوم به شيئاً غير مريح وليس بالذي يوصلك إلى الاسترخاء.

من المفيد خلال فترة التأمل الطويلة أن تنوع من أساليبك. فيمكن أن تتبع فترة جلوسك بعدة دقائق من المشي حتى تفك عضلاتك. قد تعتقد أن عشر دقائق فترة طويلة بالنسبة للجلوس في حالة سكون، ويكفي أن تليها دقيقة من التمشية لكي تفك عضلاتك. غالباً ما يجلس المرء لفترة من 45 إلى 50 دقيقة ويليها 10 دقائق من المشي.

إن التأمل ليس في كم الوقت الذي تخصصه له. فما لم تكن تعيش داخل دير أو صومعة، فإنك في الأغلب لن تجد الوقت الكافي خلال اليوم لممارسة التأمل الطويل. ورغم هذا، يمكنك أن تستفيد من بعض الفترات القصيرة المتاحة لكي تمارس التأمل، مثل:

•    أثناء إعداد الطعام، يمكن الاستفادة بالدقائق الخمس عشرة أو العشرين التي يتم فيها طهي الطعام داخل الفرن.
•    أثناء السفر بالطائرة أو القطار أو الحافلة.
•    أثناء قص شعرك لدى مصفف الشعر.
•    أثناء انتظارك لموعد ما.
•    أثناء جلوسك على كرسي طبيب الأسنان بانتظار أن يأتي المخدر بمفعوله (أعلم أن هذا الأمر صعب للجميع).
•    أثناء ممارسة المشي أو الركض أو الهرولة.
•    أثناء ممارستك لمهام منزلية مثل دهان الحوائط أو جمع أوراق الشجر، أو عمل روتيني آخر.

ومن المنطلق نفسه، هناك أوقات أخرى تحتاج فيها إلى انتباه وعيك بالكامل وبالتالي حيث تكون سلامتك على المحك. مثل تلك الأوقات غير صالحة للتأمل، وإليك أمثلة على ذلك:

•    قيادة السيارة.
•    رفع الأثقال.
•    سلق أو تحمير الطعام.
•    استخدام أدوات حادة.
•    العناية بالأطفال.
•    عبور الشوارع والطرقات.
•    التعامل مع الأشياء الهشة.
•    حضور محاضرة أو نشاط مسرحي ما.
•    صعود أو هبوط السلالم.
•    تحريك الأثاث.

لم نذكر كل شيء في هاتين القائمتين، ولكنهما توضحان أن باستطاعتك إيجاد دقائق للتأمل أثناء حياتك اليومية. ليس عليك أن تخصص لذلك ساعات طويلة. فان استطعت ذلك، فإنه مفيد لك. وإن لم تستطع، فعليك أن تخصص بضع دقائق يومياً. فالتأمل سيساعدك على أن تكون أكثر صفاءً وتركيزاً عند ممارسة بقية أنشطتك التي تتطلب انتباهك ووعيك.

أهداف التأمل

إن كانت أهدافك من التأمل تتعدى حالة الاسترخاء، فعليك أن تجرب قليلاً حتى تجد أساليب تساعدك على تحقيق تلك الأهداف. لا تفهم من ذلك أن الاسترخاء ليس بالهدف المرغوب في خضم هذه الحياة المليئة بالتوترات. فالحقيقة أنه ضروري للوصول إلى الصحة الجسدية والوجدانية. ومع ذلك، هناك أهداف أخرى للتأمل.

التبصر

التبصر من الأهداف القديمة والمعروفة للتأمل. وهناك الكثير من الناس الذين يقضون سنوات طويلة في التأمل أو العزلة لكي يكتشفوا صلتهم بالكون بأكمله.

والحقيقة أن الحياة اليومية لن تسمح لنا بأن نمارس تلك العزلة التأملية المستديمة. فما بوسعنا القيام به هو اقتناص ما يُتاح من وقت لتهدئة عقولنا. وبذلك يمكننا تصور مكاننا في النسق الكوني بشكل أوضح. ويمكنك أن تخصص من الوقت ما تستطيع لتحقق أهدافك التأملية. ومن خبرتي الشخصية، فإن طول الوقت ليس هو المقياس لجودة التأمل، رغم أن توفير ما يكفي من الوقت مسألة ضرورية. فمن السهل أن يمنعني إيقاع حياتي من إيجاد الوقت للكتابة مثلاً. فبوسعي دوماً أن أجد شيئاَ آخر للقيام به. تسمح لي أوقات الهدوء القصيرة بأن أصيغ أفكاري وأعيد تنظيمها. وعندها يكون بمقدوري الجلوس والكتابة.

حينما تواجه مشكلة معقدة في محيط العمل، تحتاج لأن تبتعد قليلاً عن محيط العمل حتى يتكون لديك منظور مختلف وتتيح للتفاصيل أن تنتظم بطريقة تؤدي إلى الحل. والتأمل من الوسائل التي تتيح لك هذا. أحياناً ما تكفي تمشية حول المبنى لتحقيق هذا.

لقد كتب خينبو كارثر رينبوش بخصوص ممارسة التأمل قائلاً:

“يتوقع كثير من الناس أن تأتيهم نتيجة التأمل في وقت قصير، بين يوم وليلة -إذا صح القول- إلا أن هذا ليس ممكناً. إنها عملية تطور تقوم على الاستمرارية. فلو قمنا بممارسة التأمل كل يوم بانتظام، فإن ذلك سوف يسهم في تطورنا” (كتاب Transforming، ص 5).

فأياً كانت أهدافك من التأمل، يمكنك البدء بالجلوس ومحاولة ممارسته. فلست بحاجة إلى أية معدات أو ملابس خاصة ولا تحتاج إلى تغيير جذري لجدول حياتك اليومية. وقد تحتاج في نهاية الأمر إلى معلم أو إلى حضور ورشات تدريبية، أما الآن فكل ما تحتاجه هو أن تبدأ.

البدء في ممارسة التأمل

اقرأ هذا التدريب بالكامل ثم أغلق الكتاب.

1. اجلس في وضع مريح واضعاً يديك في حجرك، أو قف في مكان هادئ، ثم انظر إلى غلاف هذا الكتاب.

2. أرخِ عينيك واكتفِ بالنظر.

3. اسمح لانتباهك بأن يتفحص تفاصيل غلاف الكتاب.

4. واصل القيام بهذا حتى ترى شيئاً يشد عينيك.

5. ركّز على سبب جذب هذا الشيء لانتباهك. أهو اللون أم الشكل أم الخامة؟

6. واصل التركيز على غلاف الكتاب لبضع دقائق.

7. هل جذب شيء آخر انتباهك؟

8. لاحظ أية صلات أقمتها بين غلاف الكتاب وخبرتك الشخصية وأنت تمارس هذا التدريب.

إن كل ما يتبدى لك هو لمحة من التبصر. قد لا يكون هذا التبصر عميقاً، إلا أنه تبصر في نهاية الأمر. ففي اللحظات التي لا نكون مركزين فيها بالكامل على الوسط الخارجي، أو حينما يتكوّن لدينا فجوة في عملية تفكيرنا، فإننا نسمح للتبصر بأن يتبدى في عقولنا. أنت لست بحاجة إلى فجوة كبيرة، بل مجرد حالة ارتياح وانتباه لعملية التأمل.

ملخص

إن الفعل البسيط الخاص بتبديل تركيزك يمكن أن يضعك في حالة ذهنية متبدلة قليلاً. والحقيقة أننا نبدل من حالتنا الذهنية في كل لحظات صحونا (ونومنا). فنحن نقوم باستمرار بعملية معالجة للبيانات، وربطها بما نعرفه من قبل، وتصنيفها للاستفادة منها في المستقبل. ونحن لا نكون واعين عادة بتلك العملية، إلا أننا ندخل في حالة تتبدل من دقيقة لأخرى.

يقدم الفصل التالي بعضاً من الوضعيات التأملية ونصائح أخرى.

اسأل طبيب مجاناً