التصنيفات
صحة ورعاية الطفل

الطفل يكتشف العالم

سرعان ما يبدأ المستكشف الجريء رحلته في سبيل اكتشافات جديدة. بالطبع، مثل كل الاكتشافات، هذه الرحلة مبنية على رحلات سابقة وهي بداية المزيد منها.

أول ما فعله طفلك بعد تخصيب الحيوان المنوي للبويضة هو بدء رحلته باتجاه قناة فالوب. ومن بين عجائب النمو الجنيني، وُلدت رحلة أكثر إذهالاً عبر قناة الولادة أو ربما عبر الجدار البطني. كانت المسافة قصيرة، ولكن يصعب تخيّل رحلة أطول. اجتيزت مسافات في بضعة إنشات. وتحوّل طفلك جذرياً (مثلك تماماً!).

بُعيد ولادته، بقي طفلك في حالة تقدّم. ولكنه الآن جعلك تحملينه حيثما تذهبين. سحرك بابتسامته، وفطر قلبك ببكائه. أحياناً، كان ضمّه إليك الطريقة الوحيدة لتهدئته، الطريقة الوحيدة لإراحة الجميع.

كان ذلك حلاًّ رائعاً لنقل طفلك، لأن التعرّف إليك كان على سلّم أولوياته. ولكنه سرعان ما بدأ يعمل على ترتيبات تنقّل بديلة أي التحرّك حيثما يستطيع التحكم بزمام الأمور. حلّ التشقلب محل التمطط والتلوي، وها هو في حالة تقدّم من جديد. إنّ التوق إلى دفع نفسه على الأرض ينمو إلى حدّ كبير في النصف الثاني من السنة الأولى.

إنّ الدبيب (الدبدبة) من أنواع السلوك الكلاسيكي التي يرتبط معظمها بالأطفال. أسمع أسئلة عن الدبيب من الأهل أسبوعياً. والحقيقة أن العديد من الأطفال لا يدبون على الإطلاق! يحتاجون إلى إيجاد طريقة للتحرك على الأرض. سيجد كل طفل طريقة ما في أوقات غير متوقعة وبسبل مميزة. قد يحب طفلك التقدّم زحفاً على مؤخرته. فيما يتدحرج بعض الأطفال للوصول حيثما يريدون. ويفضل العديد من الأطفال الزحف أو التلوي على المعدة. فيما يزحف البعض الآخر للتحرك إلى الخلف. وبالطبع، يتخذ بعض الأطفال وضعية على أطرافهم الأربعة ويزحفون إلى الأمام بالطريقة التقليدية. كل طفل فريد.

توازن بين العقل والجسد

مثلما يحدث مع الأجزاء الأخرى من النمو، يغيّر التحرك طريقة تفكير الطفل. ويغيّر التفكير طريقة تحرّك الطفل. من الأمور الأولى التي نلاحظها هو إدراك الطفل للفراغ الثلاثي الأبعاد بطريقة جديدة. يصبح مكان الأشياء بقدر أهمية ماهيتها.

قدّم باحثون كنديون لعبة للأطفال مصحوبة بمدرج صوتي. ربط الأطفال بوضوح ما بين اللعبة والصوت بغض النظر عن مكان صدوره. إنّ الأطفال الأكبر بثمانية أسابيع فقط والذين بدأوا للتو بالتحرك على الأرض، لاحظوا مكان صدور الصوت واهتموا به. لقد نضجت قدرتهم على تحديد الأصوات في الفراغ بالإضافة إلى إحساسهم بما يحيط بهم. لم يربطوا ما بين اللعبة والصوت معاً بعد، إلا إذا صدرا من المكان نفسه.

في مراحل النمو ذاتها تقريباً، يتغيّر ما ينظر إليه الطفل. ينذهل طفلك بعينيك وعيني والده في اللحظات الأولى بعد ولادته. ويبقى مسحوراً بعينيك، ولكنه مسحور أكثر بالأشياء التي تنظر إليها عيناك. على الأرجح أنه لا يحدق بك بقدر ما يحدق بما تنظرين إليه (ويحدق بك عندما تنظرين إليه ليتعرف إلى نفسه جزئياً عبر مرآة وجهك). إنه يتعرّف إلى الفراغ وكيفية ربط الأشياء بمكانها.

سرعان ما يتمكن طفلك من حفظ صور في ذهنه لمكان الأشياء في الغرفة حتى بدون تمكنه من رؤيتها أو سماعها. أظهرت رايتشل كليفتون وباحثون في جامعة ماساتشوستس – أمهيرست هذا الأمر عبر عرض شيء يصدر صوتاً في غرفة مضاءة يتواجد فيها الأطفال. عند إطفاء الأنوار والصوت، تمكن الأطفال البالغون من العمر سبعة أشهر من الوصول إلى مكان الغرض بدقة. لقد أدركوا مكانه في الفراغ ورسموا خريطة في أذهانهم ليجدوه بدون أي وسائل حسية. في دراسة أخرى، وجدت الدكتور كليفتون أن الأطفال البالغين ثمانية أشهر ونصف الشهر يستطيعون بلوغ أمكنة بخطوات متعددة في الظلام. لقد تطورت معرفتهم بالفراغ باستمرار مع تقدمهم في التحرّك.

يحدث تغيير إدراكي حسي مميز في المرحلة نفسها تقريباً. قبل ذلك، يتعلم طفلك مكان وجود الأشياء في الغرفة بالترابط معه. ولكن عندما يصبح أكثر حركةً، يتكوّن إحساس متزايد لمكان وجود الأشياء بالترابط مع بعضها البعض. أظهر باحثون في جامعة وايلز هذا الأمر عبر استخدام أغراض مضاءة لمساعدة الأطفال على تحديد مكان الألعاب. لم يحصل الأطفال الذين يبلغون ستة أشهر على أي مساعدة في بحثهم بواسطة هذه الأشياء المضاءة. إلا أن الأطفال البالغين ثمانية أشهر ونصف الشهر تمكنوا من استخدام هذه الأخيرة للإسراع في إيجاد ما يبحثون عنه. لقد شعروا بوجود رابط ما بين الأشياء في الغرفة.

يعمل الجسم والعقل الناميان معاً لتحضير طفلك لاكتشاف العالم أبعد من رؤوس أصابعه عبر الحركة والتطور خلال فترة قصيرة جداً من الوقت.

البحث عن الكنز

في الوقت عينه، إنّ مهارته العالية في استخدام أصابعه وإبهاميه لا تقوده إلى إمساك الأشياء وحسب، بل أيضاً إلى فعل أمور بها. إنه توّاق إلى تغيير العالم وإعادة ترتيبه. يفضل تجعيد الورقة بدلاً من مجرد لمسها. كما يريد وضع الأشياء الصغيرة في أشياء أخرى، وتحريك الأغراض وقلبها. قد يدفع السيارة على الأرض ثم يلتقطها ويراقب الدواليب محدقاً بما يجعلها تدور. ثم بالطبع، يضع كل شيء تقريباً في فمه.

التحقق من الأشياء بواسطة الفم

خلال مشوارهم، يقيّم معظم الأطفال الكنوز التي اكتشفوها عبر وضعها في أفواههم. تؤمن هذه المرحلة فرصاً غنية للعب مع طفلك. تعدّ الرغبة غير المميزة في وضع الأشياء في الفم من أعظم فرص الإطعام في مرحلة الطفولة التي لا يستغلها للأسف العديد من الأهل. كما أن استخدام الفم يعرّف جهاز المناعة لدى طفلك على عالمه، ولكنه أيضاً وقت حساس لوضع مسائل السلامة نصب عينيك.

إبعاد الأشياء عن متناول الطفل

متى تقدّم طفلك في مراحل النمو من الزحف، إلى المواعدة، فقيادة السيارة، من المهم الأخذ بعين الاعتبار تأمين بيئة مغذية وآمنة له. مجدداً، هناك طريقة فعالة لفعل ذلك وهي عبر وضع نفسك مكانه. أنظري إلى العالم من وجهة نظره.

أنزلي إلى الأرض. سترين كم هو رائع استخدام البراعة اليدوية لوضع قصاصة الورق في القابس الكهربائي، أو تناول بقايا البالون الملوّن، أو تذوق القليل من طعام الحيوان الأليف (أو أي شيء خاص بالهرة). وما يوجد خلف باب هذه الخزانة؟ إلى ماذا يؤدي هذا الحبل؟ عليك سحبه لتعرفي!

حتى بالنسبة إلى الوالدين الماهرين في التقمص العاطفي، قد يصعب رؤية المخاطر اليومية في منزلهما. إسألي صديقاً (خاصةً أب أو أم يتمتعان بالخبرة) أو خدمة خاصة بسلامة الأطفال لإلقاء نظرة. إنّ الخدمات المتوفرة في المحيط الذي أقيم فيه مناسبة ومن المفاجئ أنها غير مكلفة.

السبب الأول للإصابات في مرحلة الطفولة. إنّ السقطات من النوافذ المفتوحة، الوقوع عن الدرج، ومن الأماكن المرتفعة تؤذي الأطفال أكثر من أي أسباب أخرى. أحياناً، تكون هذه الإصابات عبارة عن جروح وجلوف ثانوية، وأحياناً تكون حالات خطيرة تهدد حياة الطفل. يحب الطفل التسلق لذا يُفضّل إبعاد الأثاث عن عتبات النوافذ ودرابزون الشرفة. قد يسمح وقاء أو حاجز النافذة أو حجاب السلامة “بهبوب الرياح” ولكنه يمنع الطفل من الوقوع. كما أن وضع مجنبة أو أي شيء ناعم تحت الأماكن الخطرة يمكن أن يخفف من وقع الإصابة في حال سقوط الطفل. عندما يصبح الطفل حركاً جداً، من المهم جداً سدّ سلّم الدرج.

أين وكيف يغرق الأطفال. يمكن تجنّب العديد من حالات الغرق المأساوية، إن معرفة مكان حدوث الغرق يسهّل من عملية تجنبه. وفقاً لدراسة شاملة من مجلة طبّ الأطفال، على الأرجح أن أكثر حالات الغرق تحدث داخل المنزل (في الدلو أو حوض الاستحمام) فيما يغرق الطفل الذي يدرج في حوض السباحة أو الاستحمام.

البالون يسبب وفاة الأطفال. هذا صحيح. تؤدي البالونات إلى الوفاة أكثر من أي لعبة أخرى! إنّ الأغراض التي تتجاوز ثبات فحص الأجزاء الصغيرة (أسطوانة ذات قطر يبلغ 3.17 سنتم مستخدمة لقياس سلامة الألعاب الصغيرة) يمكن أن تسبب الاختناق. والمتهم الأكبر في هذه الفئة هو الأشكال الكروية مثل الكرات، والكرات الرخامية، أو الأغراض التي تحتوي على أجزاء كروية مثل الدمى ذات الرؤوس الكروية. ولكن الأكثر خطورة هي الأشياء التي يمكن أن تتطابق وشكل مجرى الطفل الهوائي مثل البالونات وحشوة الحفاض القابل للرمي.

قوة الرفض. إنّ تعليم الطفل معنى كلمة لا هو جزء مهم للمحافظة على سلامة الطفل كما أنه درس مهم في الحياة. كوني أكثر فعاليةً ولا تجعلي الرفض يسيطر على حياته بل القبول والتكلم عن مآثره (“هذا ليمون، لقد وجدت ليموناً. التقطت ليموناً. أحسنت! ما رائحته؟”).

عندما يبدأ اكتشافاته في أماكن محظرة، يمكنك حلّ المشكلة عبر إبعاد مصدر القلق أو إلهائه بشيء آخر. يمكنك التخفيف من حدوث هذه الأمور عبر ملء الغرفة عمداً بأغراض ممتعة وآمنة ليكتشفها ويلعب بها وإزالة الأشياء التي يُحظر عليه اللعب بها.

لكنه يحتاج إلى قيود قليلة جلية ليتعرف إلى مكانه في هذا العالم.

في المرة الأولى التي يحاول فيها الطفل لمس شيء غير ملائم، يتوقف ثم ينظر إليك. إنه يطلب مساعدتك في وضع حدود لاكتشافاته. إنه الوقت المناسب ليتعلم الأطفال عدم التصرف بطريقة تؤذيهم، وتؤذي الآخرين أو تضر بالأشياء. حان الوقت لوضع أسس لتعليم طفلك عن السلوك البنّاء.

يمكنك الإجابة “بلا” ذاكرةً المشكلة (“ممنوع لمس سلم الدرج” أو “ممنوع عض الهرة”) وإذا أمكن، قيدي قليلاً حريته في الاستكشاف. إنْ استمر في السلوك نفسه إلى حدّ تجاوز المنطق، إسألي نفسك عن السبب. هناك والدان قاما بزيارتي في العيادة للتكلم عن طفلهما الذي يحبو باستمرار إلى داخل المستوقد. لم يبدُ مهماً عدد المرات التي منعاه فيها، منحاه وقتاً مستقطعاً، ضرباه على يده أو وضعا حواجز منيعة. فالطفل الصغير قد وجد طريقة للدخول إلى المستوقد ونثر الرماد في أرجاء الغرفة.

عندما أطلعاني على المشكلة، أخذنا بعين الاعتبار دوافعه للقيام بذلك. لم يحاول أن يكون مشاكساً أو متحدياً. ولم يحاول أن يلفت انتباه والديه لمعرفة ردود فعلهما. بدا توّاقاً للدخول إلى المستوقد. لذا اقترحت أنه ربما يشعر بحاجة إلى اكتشاف مكاناً مغلقاً. كذلك، اقترحت عليهما إحضار صندوقاً معتماً من الكرتون بحجم المستوقد (وتتوفر فيه التهوئة بالطبع). فأحضرا واحداً ووضعاه في الغرفة. وسرعان ما اقترب منه ونظر إلى والديه. لفرحته ومفاجأته، أذنا له وشجّعاه.

فتح “باب” الصندوق ودخل ليلعب على طريقته. في وقت لاحق، حاول المناورة للعودة إلى المستوقد. فنظر إلى والديه ليرى إنْ تغير شيء. هزا رأسيهما رفضاً. “لا، ممنوع الدخول إلى المستوقد”. استدار ولم يعد مجدداً إلى المستوقد.

يحتاج كل الأطفال إلى قيود. إلا أن أطفالاً مختلفين يستجيبون بشكل مختلف في أوقات مختلفة. لن تنجح الحلول ذاتها دائماً ومع كل الأطفال. حان الوقت لاستخدام التقمص العاطفي الذي تدربت عليه قبل ولادة طفلك. ستأتيك أفكاراً جديدة فيما تنظرين للعالم من وجهة نظرك كبالغة ووجهة نظر طفلك. تعرفين أشياء أكثر مما تعتقدين. وفي حال عجزت عن إيجاد الحلول، أطلبي مساعدة أحدهم. الأمومة حدث جماعي.

مهما حدث. في هذه المرحلة من نمو طفلك، تأكدي من استعدادك في الحالات الطارئة تحسباً. يمرّ معظم الأطفال بمرحلة الاكتشاف هذه بسرور كبير، ولكنه من المهم بالنسبة إليك أن تعرفي إنعاش الطفل القلبي الرئوي وأن تكون معدات ضبط السم في متناول يدك.

اسأل طبيب مجاناً