التصنيفات
صحة ورعاية الطفل

نوبات بكاء الرضيع

ليس من السهل الخوض في غمار بحث معقّد مثل بكاء الرضيع. وضع العلماء العديد من النظريات المتضاربة لتفسير ظاهرة بكاء الطفل والعوامل المتعلّقة بها، والحقيقة أنه لم يتوفر حتى الوقت الحالي تفسير علمي قاطع ونهائي، حيث تعتمد أغلب النظريات على الملاحظة المباشرة والطويلة للطفل.

ليس المقصود هنا بالبكاء البكاء الطبيعي الذي لا بد منه والذي يستمر دقائق معدودة ثم يعود الطفل إلى هدوئه ونومه، لكن المقصود هو البكاء المستمر الحاد على شكل نوبات تستمر ساعة أو أكثر مما يدخل القلق والخوف في نفس الأم وتصل إلى درجة التوتر وفقدان الثقة، ولا يكون موقف الأب أفضل حالاً إذ يقف الاثنان في حالة من القلق والتوتر يرثى لها.

ماذا عساهما أن يفعلا لإسكات هذا الطفل الباكي والذي يأبى السكوت بأي طريقة كانت.

أسباب بكاء الطفل الرضيع

الأسباب التي يمكن أن تكون مسؤولة عن مثل هذا البكاء كثيرة، سوف أذكر أهمها وعلى الأم الواعية الانتباه فربما يكون أحدها سبباً في بكاء رضيعها.

المرض:

قبل ظهور أعراض المرض بشكل واضح مثل السعال في حالات إصابة الجهاز التنفسي أو الإسهال في حالة التهاب الأمعاء، يمكن أن يسبق ذلك حالة من اضطراب الطفل وعدم نومه وكثرة بكائه، لذا على الأم مراقبة الطفل جيداً، وعند ظهور أعراض المرض الواضحة التوجه إلى الطبيب، في حال وجود المرض يكون سبب البكاء معاناة الطفل وينتهي بعد زوال المرض وحصول الشفاء.

الجوع:

الجوع هو أول ما يتبادر إلى ذهن الأم عند بكاء طفلها، إذا كانت الأم ترضع من صدرها بالطريقة العفوية أي أنها ترضع كلما بكى الطفل، في هذه الحالة تستطيع الأم التأكد وذلك بإرضاع الطفل، إذا استمر في البكاء هذا يعني أن هناك سبباً آخر غير الجوع وراء بكائه، أما إذا كانت الأم ترضع من صدرها بمواعيد منتظمة سوف يكون التأكد صعباً إذا بكى الطفل بين موعد وجبتين، خاصة أن بعض الأطفال يرضع قليلاً ثم ينام على صدر أمه ليستيقظ بعد فترة قصيرة باكياً، هؤلاء الأطفال الذين يرضعون كمية قليلة في كل مرة يفضل إرضاعهم حسب الطريقة العفوية دون التقيّد بنظام للرضاعة.

في الفترة الأولى بعد الولادة يراود الأم دائماً الشعور بأن حليبها غير كاف وأن سبب بكاء الرضيع هو الجوع، ولكن على الأم الاطمئنان لأن الحليب يصبح كافياً بعد بضعة أيام من الولادة، أما الأيام الأولى عندما يكون الحليب قليلاً فإن الوليد بطبيعته لا يحتاج إلى كمية كبيرة من الحليب.

المغص:

تُتهم آلام البطن كثيراً بأنها سبب البكاء لكن من الصعب تأكيد ذلك أو نفيه، لأن الرضيع لا يتكلم ليخبرنا مما يعاني، بالرغم من ذلك يوجد أحياناً بعض الدلائل التي تشير إلى وجود المغص مثلاً (وجود انتفاخ في البطن أو خروج الكثير من الغازات) هذه مؤشرات على وجود اضطربات هضمية ربما كانت السبب في حدوث الألم، في هذه الحالة يفضل الانتباه إلى موضوع الرضاعة الصحيحة وإجراء تجشؤ بعد الانتهاء من الرضاعة، مثل آخر: الإمساك قد يسبّب ألماً ومغصاً للطفل، لذا بعد التبرز وإفراغ الأمعاء تنتهي نوبة البكاء ويعود الطفل إلى هدوئه، هنا ينبغي معرفة سبب الإمساك ومعالجته.

البلل:

كثير من الأمهات يسارعن إلى تغيير الحفاض عند بكاء أطفالهن ظناً منهن أن البلل من البول والبراز هو السبب، طبعاً ينبغي أن يكون الطفل نظيفاً كل الوقت لكن مع الأسف لا يكون هذا دائماً سبب البكاء.

العوامل الخارجية:

لعل من أهمها الألبسة الضيقة والكثيرة العدد ولا سيما الحزام الذي تضعه بعض الأمهات حول بطن وصدر المولود، إن هذا الحزام يضغط ويعيق تنفّس الرضيع مما يدفعه إلى البكاء، هذا بالإضافة إلى كثرة الألبسة والأغطية التي ترفع درجة حرارة الطفل وتضايقه.

في هذه المناسبة لا بد من التنويه أن عادة المهاد (لف المولود برباط على طول جسمه – القنداق) يمكن أن تسبب إزعاجاً للطفل خاصة إذا شدت بقوة حول جسمه.

أخيراً يحتاج الوليد إلى جو من السكون والهدوء لأن الضوضاء والأصوات العالية تمنعه من النوم وبالتالي تدفعه إلى البكاء والصراخ.

مزاج الرضيع:

نقصد بالمزاج ردود الفعل المميزة التي تصدر عن الطفل تجاه الحالات والظروف التي تواجهه. تؤثر البيئة بشكل فعال في تحديد معالم وصفات المزاج، ولكن يجب أن لا ننسى أن الوراثة تلعب دوراً كبيراً.

لذا كان مهماً أن تدرك الأم أن الأطفال يختلفون عن بعضهم البعض وأنهم يتأقلمون بسرعة وبعضهم ببطء. بعضهم يتفاعل بإيجابية وبعضهم بسلبية.

مزاج الطفل

لفهم المزاج بشكل أفضل، فإننا نقسّمه إلى الفعاليات التالية:

1– النشاط الحركي:

يمتلك بعض الرضّع مستوى عال من النشاط الحركي، إذ يبدأون بالحركة في عمر مبكر جداً، ربما اعتباراً من الأسبوع الثالث من العمر، عندما تضع الأم الرضيع في أحد أطراف السرير لتجده بعد قليل في الطرف الآخر كما ويصعب تثبيته في حوض الحمام، فهو في حالة حركة دائمة ولا يهدأ إطلاقاً حتى عند تغيير الحفاض فإنه يتقلب يميناً ويساراً. ومن الملاحظ أن ساعات نوم هذا النوع من الأطفال أقل من المعدل.

هناك عدد من الرضّع يكون سلوكهم على النقيض، فهم في منتهى الهدوء والسكينة، نادراً ما يقومون بنشاط حركي، تجدهم أمهاتهم في المكان الذي وضعوا فيه.

لا بد من القول إن كلا النوعين من الأطفال طبيعي، ولا ينبغي للأم أن تقلق. كما أن الدراسات العلمية لم تثبت أن النشاط الحركي له علاقة بمستوى الذكاء في المستقبل.

2– النظم:

يتميز بعض الرضّع بانتظام فعاليات حياتهم، يستيقظ الطفل في نفس الوقت كل صباح، يجوع في أوقات منتظمة تتراوح فتراتها بين 3–4 ساعات، ينام في نفس الوقت سواء في النهار أو في الليل، كما أن التبرز منتظم أيضاً وفي أوقات محددة. تكون رعاية هذا الرضيع سهلة ومريحة.

على النقيض تماماً نرى الرضّع أصحاب المزاج المتغير، من النادر أن يستيقظ الطفل صباحاً في نفس الوقت ليومين متتالين، أحياناً ينام حتى ساعة متأخرة وأحياناً يستيقظ ويبدأ بالصراخ من الفجر، دون أن تكون هناك أية قاعدة تحدد سلوكه هذا، يمكن أن تكون شهيته ضعيفة بل معدومة في أحد الأيام وفي اليوم التالي يأكل بمنتهى القابلية والجوع.

تجد الأم صعوبة بالغة في رعاية هذا الرضيع، ولكن عليها أن تتذرع بالصبر وأن تتأقلم مع متطلبات الطفل المتغيرة يومياً. لأنه حتى الآن لا توجد وسيلة طبية لتعديل سلوك هؤلاء الأطفال – ولكن من المهم أن تطمئن الأم أن الطفل لا يعاني من مرض يسبب هذه التصرفات.

3– تقبّل الأحداث الجديدة:

يختلف تأقلم الأطفال مع المواقف والخبرات الجديدة من طفل إلى آخر. بعض الأطفال يكتسبون الخبرات بسرعة ويتقبّلون المواقف بسهولة، مثل مواجهة شخص غريب لأول مرة، الطفل يبتسم ويرضى أن يحمله هذا الشخص، ونفس الشيء إذا قدّمت له لعبة جديدة، فإنه يستقبلها برغبة وفرح ويحاول اللعب بها. كذلك الحليب الجديد، إذا اضطرت الأم إلى تغييره، فإنه يتناوله دون رفض أو بكاء أو حتى تقيؤ.

وعلى النقيض تماماً، هناك بعض الرضّع يخافون الوجوه الجديدة، يرفضون الأطعمة الجديدة، ويتميزون بسلوك رافض لكل شيء جديد عموماً، يشكّل هؤلاء الأطفال صعوبات كبيرة في رعايتهم، ويتعذر اصطحابهم في السفر والرحلات وحتى الزيارات العائلية.

مجموعة ثالثة من الأطفال، تقع بين المجموعة الأولى والثانية السابقتين. يكون موقفهم الأول الرفض ثم مع مرور الوقت يتأقلمون. مثال على ذلك الطفل الذي يبكي في الحمام الأول ثم مع مرور الوقت يتوقف عن البكاء بل يستمتع في المرات المقبلة.

4– شدة الانفعال:

ينفعل بعض الرضّع بشدة وبكامل كيانهم، ويكون بكاؤهم عالياً وشديداً عند الجوع أو بلل الحفاض، أو عند مفارقتهم لأمهاتهم. بينما آخرون لا يتجاوز انفعالهم الاستياء الخفيف عند تعرّضهم لنفس المواقف السابقة، وينتظرون في العادة أمهاتهم عند تحضير الحليب هادئين دون صراخ أو زعيق.

5– الإلهاء:

يمكن إلهاء بعض الأطفال بسهولة، وذلك بإعطائهم لعبة أو مداعبتهم. وفي حالة أخذ لعبة منه وبكائه فيمكن إسكاته بإعطائه لعبة أخرى. بينما يصعب إرضاء بعض الأطفال الآخرين الذين يأبون أن يلعبوا بأية لعبة بديلة، إلا التي كانت معهم، وبذلك لا يقبلون مبدأ المساومة إطلاقاً.

6– مدى الانشغال والمثابرة:

تختلف شدة الاهتمام بالألعاب والمثابرة على اللعب بها من طفل إلى آخر. بعضهم يمضي ساعات طويلة في اللعب بلعبة واحدة دون ملل وبمنتهى الاهتمام. بينما لا يلبث آخرون دقائق حتى يرموا اللعبة ويبدأون بالبكاء وطلب لعبة جديدة، ليرمونها بعد دقائق مرة أخرى ويعودون إلى البكاء.

7– نوعية المزاج:

يمكن وصف الطفل الضاحك دائماً والسعيد دائماً، بأنه طفل ذو مزاج إيجابـي، ويمكن اعتبار الطفل الباكي السريع الهيجان طفلاً ذا مزاج سلبـي. ومن الطبيعي أن نوعية مزاج الرضيع تحدد مدى استمتاع الأم بطفلها، وبالتالي فإن الأم تمضي وقتاً أطول مع طفلها صاحب المزاج الإيجابي.

من كل ما سبق شرحه نستنتج أن الطفل صاحب النشاط الحركي المعتدل، والمنتظم في طريقة نومه وطعامه، والذي يتأقلم بسرعة، ويلعب بشغف لفترة طويلة مع مزاج إيجابي، هو طفل مثالي من حيث رعايته وتربيته والتعامل معه.

وعلى الجهة الأخرى فإن الطفل صاحب النشاط الحركي العالي والمضطرب في وظائفه الغريزية كالنوم والرضاعة، والصعب التأقلم، يكون شديد المراس صعب الرعاية والتربية خاصة على الأم القليلة الخبرة، أو إذا كان الطفل الأول بالنسبة لها.

على الأم الواعية أن تعرف سلوك طفلها جيداً في المراحل الأولى من عمره، لأن أساسيات هذا السلوك لن تتغير كثيراً في المستقبل. الطفل الذي يعاني من صعوبة في الرضاعة يمكن أن يكون تدريبه على الذهاب إلى المرحاض صعباً أيضاً، وربما ذهابه إلى المدرسة كذلك فيما بعد.

الأم الذي يكون طفلها من النوع الصعب، تقع عليها مسؤولية تحضير وتهيئة نفسها بالثقافة والمعرفة في مجال الأطفال، والتسلح بالصبر والروية في التعامل مع طفلها، وفي نفس الوقت التعاون مع الطبيب المختص والاستعانة بخبرته ومشورته.

أخيراً، على الأم أن لا تشعر بالذنب إذا كان طفلها صعباً، لأنها غير مسؤولة عن مزاج طفلها بشكل كامل، إذ تلعب العوامل الوراثية دوراً كبيراً في تحديد مزاج الطفل. ولكن عليها أن تدرك أنها تستطيع إلى حد ما تعديل سلوك رضيعها. ويكون هذا بمراقبة تصرفات الطفل والعناية الدائمة به، والرجوع إلى الطبيب واستشارته، بالإضافة إلى القراءة المفيدة عن تربية الأطفال ومشاكلها.

الخلاصة

في النهاية تبقى أغلب حالات البكاء دون سبب مفهوم، ومع ذلك وضعت الكثير من النظريات، منها من يقول إن البكاء يساعد الطفل في أيامه الأولى على تأقلم جهازه التنفسي وجهازه الدوراني (القلب والأوعية) ومنها من يقول إن البكاء هو الطريقة الوحيدة التي يستطيع أن يعبّر بها الطفل عن وجوده وعن حاجته لأمه، وغير ذلك من التفسيرات لا داعي لسردها.

المعالجة:

في البداية يجب استبعاد الأسباب المذكورة سابقاً، أي يجب التأكد بأن الطفل ليس مريضاً وأنه غير جائع ونظيف.

معرفة مزاج الطفل أمر هام بالنسبة للأم، حيث إن هناك بعض الرضّع عصبيو المزاج مائلون إلى البكاء دون أن يكون هناك سبب واضح.

بعد نفي الأسباب الداعية للبكاء عند الرضيع، أريد أن أطمئن قلب الأم القلقة بأنه لا يوجد طفل يموت من البكاء: أقول ذلك على أمل تهدئة أعصابها المتوترة لأنه ليس من النادر أن يشاهد الطبيب الأم والطفل يبكيان في نفس الوقت: الرضيع يبكي دون سبب واضح والأم تبكي لبكاء طفلها وخوفها عليه.

إذا كان هناك شك بأن سبب البكاء هو المغص، فإن وضع الطفل على بطنه يمكن أن يفيده وربما على ركبتي أمه وهزّه برفق أفضل.

استعمال كيس الماء الساخن المطاطي مفيد بعض الأحيان، ولكن ينبغي الانتباه إلى درجة حرارة الماء ويفضل أن يلفّ الكيس بقطعة قماش زيادة في الاحتياط، ثم يوضع تحت بطن الرضيع وهو مستلق على بطنه.

كثير من أمهات الجيل الماضي كن يلجأن إلى تدليك بطن الرضيع برفق مع قليل من زيت الزيتون، لا بأس من تجربة ذلك لأن بعض الأطفال يستجيبون لهذه الطريقة.

حمل الطفل والسير به من غرفة إلى غرفة يوقف بكاء بعض الأطفال، وربما كانت هذه هي الطريقة الوحيدة لتهدئتهم حتى إذا نام الطفل يوضع بعد ذلك في سريره.

عندما لا تجد الأم وسيلة لتهدئة طفلها ومنعه من البكاء، وعندما تيأس من نصائح الطبيب وتتكرر نوبات البكاء الشديدة، لا تجد أمامها إلا اللجوء إلى الوصفات الشعبية التي عرفت بتأثيرها المهدئ مثل اليانسون، النعناع، البابونج، الميرمية، الكراوية، ماء الزهر وغيرها.

الحقيقة أنه لا توجد دراسات عمليه موثوقة تثبت صحة إعطاء هذه المشروبات أو حتى ضررها ولكننا نلاحظ خلال الممارسة اليومية أن بعض الأطفال يتقبلونها بشكل جيد، وبعضهم يصاب باضطرابات هضمية مثل الإسهال أو الإمساك نتيجة تناولها، لهذا ننصح الأم بعدم استعمالها إلا بعد استشارة الطبيب ومن ثم مراقبة تأثيرها على الرضيع وإيقافها في حال ظهور اضطرابات هضمية.

المعالجة بالأدوية لا ننصح بها إلا في الحالات الشديدة، في هذه الحالات توصف الأدوية المهدئة والأدوية المضادة للألم والتشنج، ولكن لسوء الحظ عدد كبير منها يسبّب الإمساك إذا استعملت لفترة طويلة.

أخيراً لا بد من التنويه إلى أن طعام وشراب الأم المرضعة قد يلعبان دوراً في بكاء الطفل، لأن كل ما تتناوله الأم ينتقل إلى الطفل عن طريق الرضاعة وبكميات قد تكون ضئيلة لا تؤثر على الطفل، أو بكميات لها تأثير ضار.

إفراط الأم في شرب المنبهات مثل القهوة والشاي يؤثر على الرضيع ويجعله متنبهاً يقظاً قليل النوم، وربما كثير البكاء، كذلك إكثارها من تناول الخضار المسببة للغازات مثل القرنبيط والملفوف يمكن أن يكون سبباً في إزعاج الرضيع وبكائه.