التصنيفات
الطب البديل والتكميلي

اليوجا والتأمل ج9

أي نشاط يتطلب تركيزاً مكثفاً يحتوي على عنصر تأملي. تتضمن ممارسات اليوجا ثلاثة مكونات تأملية؛ وهي اليانترا yantra والمانترا mantra والتصورات. هذا بالإضافة إلى التركيز الذي تجلبه لعمليات الإطالة وأوضاع الجلوس والحركة المتضمنة في اليوجا. في هذا الفصل، سنناقش اليوجا وعلاقتها بالتأمل، ونقارنها بالعديد من الممارسات الأخرى لكي نبين مدى انتشار التأمل في هذا العالم.

ممارسات اليوجا

هناك عدة أفرع مختلفة من اليوجا، وكل فرع يضم تنويعات عديدة داخله. يوجا الهاثا hatha yoga هي ما يتبادر إلى أذهاننا عندما نسمع كلمة يوجا. تضم يوجا الهاثا تدريبات للتنفس، وتدريبات إطالة وقوة، وتأمل. والأوضاع الأنيقة التي نراها من ممارسي هذا النوع من اليوجا تبين بوضوح أنه مع الممارسة والتدريب يمكن أن يصبح جسمك مرناً للغاية، حتى إذا كنت تعاني من التيبس وتقييد الحركة في البداية. وتختلف النتائج من شخص لآخر، ولكن معظم الناس يكسبون الكثير من المرونة والقوة عند ممارسة يوجا الهاثا.

تؤدي يوجا الهاثا أيضاً إلى تحسين توازنك. في البداية، قد لا تكون قادراً على الاحتفاظ بوضعية معينة أثناء الوقوف على قدم واحدة، ولكن مع التدريب، ستتعلم عضلاتك كيفية الاحتفاظ بوضعيتك بدون أن تقع. وهناك مكون ذهني وعاطفي في التوازن يتطور مع الممارسة أيضاً. إن تطوير التوازن في منطقة ما يساعدك على تطويره في بقية المناطق أيضاً.

أما يوجا الراجا raja yoga فهي لا تتضمن أي أوضاع صعبة، وإنما تتضمن وضعية جلوس مريحة. تهتم يوجا الراجا بتحرير نفسك من القيود من خلال بذل المجهود المناسب. يتضمن هذا النوع من اليوجا العمل مع الذهن بشكل مباشر. يجلس الممارس ويراقب عقله ويحرره من المشتتات. يقوم الممارس بإسكات الأفكار العابرة. والهدف هو الدخول في حالة ذهنية لا تضم أية أفكار حيث توجد حالة واحدة موحدة، خالية من الازدواجية.

تسعى يوجا الراجا أيضاً إلى تطوير أربع فضائل. الأولى هي الود الذي تشعر به تجاه أقرانك. والثانية التعاطف الذي تشعر به تجاه من هم أقل منك حظاً. والثالثة الرضا الذي تشعر به تجاه من هم أعلى منك، وهو رضا يخلو من الحسد. وأخيراً، هناك اللامبالاة، وهو الشعور الذي تحس به تجاه الأشخاص البغيضين. وهذه الحالات الذهنية الأربع تحل محل الأنانية، والجهل، والجاذبية، والمقت، والتعلق. تتوجه يوجا الراجا تجاه تغيير الطريقة التي ترد بها الأفكار على ذهنك.

أما يوجا الكارما karma yoga فهي يوجا العمل. فهي تختص بالبحث عن الحياة المناسبة ثم الانغماس فيها. إنها تهتم بالبحث عن التيار ثم البقاء متدفقاً فيه. بالنسبة لأي شخص غير راضٍ عن حياته اليومية، فإن يوجا الكارما توفر له سبيلاً للتغيير. فأنت تجرب أعمالاً مختلفة حتى تعثر على ذلك الذي يشعرك بالرضا والإشباع بحيث تستيقظ كل يوم متشوقاً لإنجاز المزيد منه، وتذهب إلى النوم وأنت راضٍ عما أنجزته.

أما يوجا الباكتي bhakti yoga فهي يوجا الحب. الشخص الذي يمارس هذا النوع من اليوجا يكون مرحاً وسعيداً عندما يكون مع من يحب. ونقطة القوة في هذا النوع من اليوجا أنها تساعد من يمارسها على اجتياز الصعوبات الكبيرة، لأن موضوعها هو الحب. وبصورة أساسية، فإن التركيز يكون على حب الله، رغم أننا نحب الناس الآخرين والأشياء أيضاً. وفي رأيي فإن يوجا الباكتي تؤدي إلى الخبرة الرائعة التي تشعر فيها بأن الله يحبك أيضاً. وعندما تعيش في حب، فأنت تعيش بلا شكوك، وبلا معاناة، وبلا صراع.

وجميع أشكال اليوجا تتشارك في سمات عامة، مثل التنفس الصحيح، واتخاذ الوضعية الجسمانية المناسبة، والإجراء المناسب. وكل شكل يركز على إحدى هذه السمات لكي يحقق التوازن مع السمات الأخرى. وكل شكل يسلك اتجاهاً خاصاً به تجاه التأمل: وضع الجسم، أو التفكير، أو العمل، أو الحب. قد يكون هدف التأمل في الأنواع المختلفة من اليوجا مختلفاً، ولكن النتائج متشابهة بدرجة مدهشة.

اليانترا

اليانترا yantra هو تمثيل رسومي يسمح بزيادة عمق التركيز، وأشهر شكل لها هو “سري يانترا”. هذا الشكل يضم أنماطاً من المثلثات داخل إطار من الدوائر وبتلات زهرة اللوتس، وهو يساعد على تركيز العين وبالتالي العقل. تتكون اليانترا من أشكال هندسية ولا تتضمن أي حروف أو صور لأشخاص.

واليانترا هي نوع خاص من المندالة mandala. وفي أبسط شكل لها، تتكون المندالة من دائرة. ومعظم أشكال المندالة تعرف مركزها بطريقة ما. وبعض هذه الأشكال تضم تمثيلات معقدة، والعديد منها يقسّم الدائرة لتمثيل الاتجاهات الأربعة الرئيسية أو الاتجاهات الفرعية.

الرسومات التبيتية هي تمثيلات معقدة للعالم، وفي أساسها تعد مندالة بسيطة. ومثل هذه الرسومات هي يانترا من نمط مختلف.

تركيز الانتباه البصري

ابحث عن صورة أو شيء تستمتع به بشكل خاص. من الممكن أن تستخدم صورة لمعلمك المفضل أو لشخص تعرفه. ورغم هذا، سيكون من الأسهل تنفيذ التدريب إذا اخترت صورة لا تضم أشخاصاً. أنا أفضل استخدام أشياء طبيعية، مثل الزهور أو التصميمات التي تعد مندالة واضحة (تصميمات دائرية يتم تعريف مركزها).

1. ضع الشيء الذي اخترته في مكان تستطيع فيه رؤيته بينما أنت جالس.

2. اتخذ وضع جلوس مريحاً.

3. خذ بضعة أنفاس عميقة واختر نمط تنفس مريحاً.

4. ركز عينيك وانتباهك على الشيء الذي اخترته.

5. إذا هام انتباهك بعيداً، ببساطة أعده إلى الشيء الذي اخترته.

6. استمر لمدة خمس أو عشر دقائق.

لاحظ أنك عندما تركز سيكون من الطبيعي أن يهيم عقلك بعيداً عن الشيء الذي اخترته. وعندما تعيد انتباهك إليه مرة أخرى، فإنك ستتمكن من رؤية تفاصيل أكثر ومعنى أعمق فيه. ربما تشعر بالفضول حول طبيعة هذا الشيء بشكل ما. ماذا لاحظت أيضاً في هذه التجربة؟

المانترا

أنا دائماً أعتقد أن التأمل هو نشاط صامت. فرغم كل شيء، فقد تم ابتكار التأمل لتهدئة العقل، والتهدئة تسير يداً بيد مع الصمت. ورغم هذا، فإن التقاليد الغربية والشرقية تتضمن الصوت كمكون من مكونات التأمل. والمانترا mantra هي عبارات مختارة بعناية يمكن تكرارها لتوليد أو استحضار حالة ذهنية معينة.

اللغة مهمة بالنسبة للمانترا. وما نقصده باللغة هو أن الكلمات يجب نظمها بطريقة معينة. وأفضل مانترا هي التي يسهل تذكرها وتضم أصواتاً وإيقاعات سارة.
تدريب

تلاوة المانترا

اختر مانترا تشعرك بالراحة.

1. اجلس في وضع التأمل المفضل لديك.

2. خذ نفساً أو نفسين عميقين.

3. ابدأ في تلاوة المانترا. استمر لمدة خمس أو عشر دقائق.

لاحظ كيف أن انتباهك يزداد عمقاً كلما قمت بتكرار الكلمات. لاحظ مدى السهولة التي تبدأ بها في نسيان هموم حياتك اليومية، بغض النظر عن مدى أهميتها. لاحظ كيف يبدأ السلام في التسلل إلى عقلك. ما الذي لاحظته أيضاً؟

التصور

في أوسع معانيه، يتضمن التصور visualization معظم، إن لم يكن كل، جهودنا الإبداعية. فنحن نتصور شكل الكيكة النهائية أثناء مزج مكوناتها، ونحن نتخيل الجمهور يصفق أثناء إعدادنا للخطبة التي سنلقيها، ونحن نتصور أنفسنا نحقق نجاحاً باهراً في الأنشطة اليومية التي نقوم بها.

ولسوء الحظ، يمكن أن نتصور تصورات سلبية أيضاً. فمن الممكن أن نفسد جهودنا بأن نتصور نتائج غير كاملة لها. ومن الممكن ألا نثق في جهودنا الإبداعية، ونشكك في قراراتنا. تدريب التأمل التالي مصمم لمساعدتك في إيقاف أنماط التفكير غير البناءة.

تصور التغيير

1. اختر فكرة أو نمط تفكير تشعر بأنه ليس مفيداً لك. اقضِ بضع دقائق في التفكير فيه، واكتب مكوناته. ضع ما كتبته جانباً.

2. اجلس في وضع التأمل المفضل لديك.

3. خذ بضعة أنفاس عميقة.

4. الآن فكر في الفكرة أو نمط التفكير الذي يسبب لك المشكلة. تصوره، واسمعه، واشعر بشعور من يكون في هذا الموقف.

5. الآن فكر في تغيير كلمة واحدة، أو لون واحد، أو صوت واحد، أو شيء واحد في هذه الفكرة أو في نمط التفكير هذا. يمكن أن يكون التغيير في أي وجه تختاره.

6. تأمل الفكرة أو نمط التفكير مرة أخرى، مع التغيير الذي أضفته إليه. اسمح لعقلك أن يأخذ أي مسار يريده.

7. اكتب عدة كلمات بسيطة حول كيفية شعورك عند إكمال هذا التدريب.

لاحظ كيف أن تغيير عنصر واحد تسبب في تغيير الفكرة أو نمط التفكير. وبالرغم من أن هذا ليس علاجاً سحرياً لكل الأفكار السلبية، فإن تغيير هذه الأفكار يتيح لك التحرك في اتجاه أكثر إيجابية. قارن ما كتبته في بداية التدريب وما كتبته في نهايته. لاحظ أي تغيير في شعورك.

ولأنك تمارس التأمل لفترة الآن، فلا بد أنك قد أنشأت صلة من نوع ما بينك وبين الحالة الذهنية التي تنتقل إليها عن طريق التأمل. أنت الآن قادر على إحضار مشكلة إلى جلسة التأمل وأنت تتوقع أن تقوم بتغيير إدراكك لها ببساطة عن طريق التأمل. فكّر في الأمر على أنه فنجان من القهوة: القهوة نفسها سوداء اللون. أضف إليها بعض الكريمة وسيحدث تغيير ملحوظ فيها. اللون الأسود يختفي ويحل محله شيء مختلف. قلّب القهوة واسمع صوت رنين الملعقة داخل الفنجان. الصورة المرئية، والصوت، وحتى الرائحة تسهم جميعها في إحساسك بالتغيير. وبمجرد أن تتعلم التأمل، فإنك تتعلم أيضاً أسلوباً مميزاً لحل المشكلات.

ملخص

من هذا الفصل، يمكنك أن تأخذ أسلوباً أو فكرة تنجح بشكل خاص معك وتضيفها إلى ممارسة التأمل الخاصة بك. إن التنوع في ممارسات اليوجا يبين لنا أنه لا يوجد شكل واحد للتأمل يناسب الجميع. ولا توجد مانترا معينة تصلح لكل شخص، ولا توجد صورة واحدة أيضاً. إن التأمل ممارسة فردية يختلف من شخص إلى آخر.

في الفصل التالي، سنتعرف على يوجا الكونداليني.