التصنيفات
صحة المخ والجهاز العصبي

الفص الصدغي والفص القفوي، القذالي: الوظائف والتغيرات مع تقدم العمر

إن الجزء الجبهي والجزء الجداري من الدماغ مسؤولان عن تولّي زمام المبادرة في إنجاز العديد من المهمات بالغة الأهمية على أساس يومي. على كل حال، من دون تعاون الفصّين الصدغي والقفوي ستعاني كثير من الأفعال التي تؤديها هاتين المنطقتين افتقاراً إلى معنى ووجهة نظر.
الفص الصدغي Temporal lobe هو المنطقة ضمن الدماغ التي تتحكّم باستجاباتنا العاطفية، وذاكرة الأحداث، وأسماء الأشياء في العالم، والأنظمة الحسّية مثل سمعنا وبصرنا، والقدرة اللغوية، والسلوك الجنسي، والأهم لأفراد متقدمين بالعمر الإحساس بمن نكون، وشخصياتنا، وردود أفعالنا على أحداث بناءً على تجاربنا المكتسبة. هذا مجرد غيض من فيض للمهمات بالغة الأهمية للفص الصدغي، لكن كما يستطيع المرء أن يرى، يلعب هذا الفص دوراً أساسياً في قدرتنا على الفعل والتفاعل مع العالم من حولنا بطريقة ذات مغزى شخصي.
الفص القفوي أو القذالي occipital lobe ليس جزءاً غنياً بالمعنى، إنما إحدى مناطق الدماغ الرئيسة التي ينبغي أن تعمل بفاعلية لدعم قدرتنا على الرؤية وتحويل المعلومات إلى مناطق إضافية في الدماغ من أجل القيام بفعل.
يركّز هذا الموضوع على بعض الوظائف المهمة للفصّين الصدغي والقفوي ويستعرض طبيعة وماهية التغييرات التي يمكن أن تُلاحظ حين يتقدم فرد بالعمر، وماذا تفعل بعض المناطق الفرعية بمواجهة خلل كبير.

ما المسؤوليات الرئيسة للفص الصدغي؟

سيتطلّب وضعُ قائمة بكل الوظائف التي تبيّن أن الفص الصدغي يؤديها عدّةَ كتب، ولهذا من أجل وقتكم والمساحة المتاحة لي، سأركّز فقط على بعض الوظائف المهمة للفص الصدغي وكيف تساعدنا في التفاعل مع عالمنا. بعض الميزات الرئيسة للفص الصدغي (انظر الشكل 1.2) هي معالجة معلومات سمعية (عبر القشرة السمعية الرئيسة) والمساعدة في إنتاج اللغة (أي في منطقة فيرنيكه Wernicke’s area ومنطقة بروكا Broca’s area ؛ انظر الشكل 1.4). أيضاً يضم الفص الصدغي جزءاً يدعى قرن آمون Ammon’s horn [حُصين hippocampus] (انظر الشكل 2.4)، المسؤول أساساً عن قدرتنا على تكوين، وتخزين، واستخدام ذكرياتنا، من ثم، كما يتضح، ينجز بعض الوظائف المهمة جداً.

الشكل 1.2 فصوص الدماغ والمخيخ الرئيسة. يعرض هذا الشكل مواقع فصوص الدماغ الأربعة الرئيسة والمخيخ المحدّدة تقليدياً كما تُشاهد من الجانب الأيسر للدماغ
الشكل 1.4 منطقتي فيرنيكه وبروكا

 

عندما نتقدم بالعمر، قد يصبح خلل وظائف الفص الصدغي ملحوظاً تماماً (مثال: قضايا لغة أو ذاكرة)، ولهذا فإن اختبار هذه المنطقة قد يكون مفيداً جداً لمهنيي الرعاية الصحية. سأناقش لماذا وكيف تتغيّر هذه الأجزاء حين نتقدم بالعمر بإيجاز، لكن قبل أن أفعل، على كل حال، أودُّ أن أوجز كيف وأي أجزاء محدّدة ضمن الفص الصدغي هي التي تسهم في عمليات اللغة والذاكرة.
يعدُّ السمع، والكلام، وبنحو خاص استخدام اللغة، أركاناً أساسية لما يجعلنا مختلفين عن حيوانات أخرى في عالمنا، ويضم الفص الصدغي أجزاء مرتبطة بكل من إنتاج وفهم اللغة. مثلاً، من المعروف أن منطقة بروكا على الجانب الأيسر من الدماغ في الفص الصدغي مسؤولة عن إنتاج الكلام، وحين يصيب ضرر هذه المنطقة، يعاني الأفراد من مشاكل في التكلم بفصاحة.
قد يكون الأفراد الذين يعانون تأتأةً وتقطّعاً في الكلام مصابين بمرض يدعى حبسة بروكا Broca’s aphasia أو فقدان القدرة التعبيرية، وسيحتفظ أفراد مصابون بحبسة بروكا Wernicke’s aphasia بالقدرة على فهم الكلام، لكن إنتاجه يصبح صعباً جداً. من ناحية أخرى، لا يعاني المصابون بحبسة فيرنيكه مشكلةً في إنتاج كلام، لكن فهم الكلام أو إنتاج جملة ملائمة يتأثر أساساً. يعاني المصابون بحبسة فيرنيكه أيضاً صعوبةَ في الكتابة بنموذج ومحتوى ملائمين، من ثم، فإن مهمات مثل كتابة رسالة قد تكون إشكالية تماماً لهم. لقد ركّزت على قضايا التواصل هذه؛ لأنها تُستخدم غالباً على أنها علامات على أن الدماغ يعاني أو قد عانى خللاً في مناطق معينة من الفص الصدغي.
مصطلح حبسة aphasia تعبير عام يستخدمه مختصو الرعاية الصحية لوصف أولئك الذين يعانون أحد نماذج الخلل اللغوي، سواء أكان في الكلام أم في الكتابة، وتترافق عادة مع مرض أو إصابة. قد تحدث الحبسة عموماً لعددٍ من الأسباب؛ وأحد أكثر الأسباب شيوعاً في ظهور الحبسة هو الإصابة بجلطة. في الواقع، هناك تقارير تفيد أن 18 إلى 38 بالمئة من الأفراد الذين يتعرّضون لجلطة ستظهر عليهم أعرض حبسة.
إضافة إلى هذا، إحدى السمات المعرفية التي تظهر مع مرض تنكّس عصبي، خاصة في حال التشخيص بداء ألزهايمر، هي وجود خلل حبسة متقدّم. لقد أثبت الباحثون أن وجود حبسة شائع جداً لدى المصابين بداء ألزهايمر، وأنه كلما كانت حالة داء ألزهايمر أكثر حدّة، ازداد اضطراب الحبسة. في الواقع، لقد تبين أن معظم مرضى ألزهايمر سيعانون إلى حدٍّ معين من نموذج حبسة، وستظهر عليهم على الأرجح أعراض مرتبطة بقدرة المرء على إيجاد كلمات ملائمة في أثناء الكلام، وتسمية أشياء، والكتابة بنحو ملائم.
أيضاً، أبلغ كثير من مانحي الرعاية عن ظهور هذه الأعراض باكراً جداً في سياق المرض. نظراً إلى هذه الحقائق، إذا كنت قد خضعت أو ستخضع لاختبار معرفي (نفسي عصبي)، يمكن أن تطمئن إلى أن قدرتك على استخدام اللغة ستُقوّم. يدل الخلل اللغوي، سواء أكان مشكلات في استحضار كلمات، أو صعوبة في الفهم، أو قضايا نحوية [تركيب جمل]، على وجود مشكلة في الفص الصدغي الأيسر. كما لاحظنا آنفاً، تترافق أمراض مرتبطة بحالة تنكّس عصبي مثل داء ألزهايمر أو الإصابة بجلطة على نحو بارز بوجود الحبسة.
المثير للاهتمام أن عامل خطر رئيس في تطوّر داء ألزهايمر واحتمال تعرّض المرء لجلطة يتزايد مع التقدّم بالعمر. إذاً، عندما يتقدم المرء بالعمر، يمكن أن يتوقع ازدياد احتمال تعرّضه لأحد هذين المرضين، من ثم زيادة إمكانية الإصابة بالحبسة.
الحقائق المقدّمة آنفاً ليست قاعدة إنما ببساطة وصفاً لما هو، أو قد يكون، ممكناً نتيجة أذية دماغية، وقد تبقى أيضاً وظائف قدرة المرء التي يحفّزها الفص الصدغي سليمة ومعافاة. مجرد أننا نتقدم بالعمر لا يعني أننا نفقد بالضرورة قدرة أدائنا، وإذا عملنا على ذلك، يمكن أن نحافظ على قدراتنا.
إلى جانب القدرة اللغوية، ينجز الفص الصدغي عدداً من الوظائف بالغة الأهمية، وإحدى أكثر تلك الوظائف دراسة هي قدرة المرء على التذكّر (الوجوه والأمكنة على سبيل المثال). الذكريات مصدر معلومات غني للأفراد، إلى حد أنه سيكون صعباً جداً العمل كل يوم من دونها، والذكريات أساسية أيضاً لإحساسنا بمن نكون. الجزء الرئيس الذي نركّز عليه فيما يتعلق بذاكرتنا هو قرن آمون، وقد خضع هذا الجزء الدماغي لأبحاث عديدة تتصل بأسباب تعرّض قدرتنا على التذكر لتلف، وبقائها في بعض الحالات ممتازة تماماً وأفضل من المعدّل.

قرن آمون

الشكل 2.4 قرن آمون

قرن آمون (الكلمة اليونانية لـ “حصان البحر”، انظر الشكل 2.4) جزء مهم جداً في فصنا الصدغي والقسم الرئيس الذي يعالج ويرمّز المعلومات لمساعدة ذاكرتنا طويلة الأمد. هذا هو التعريف القياسي الحالي الذي يستطيع المرء إدراكه من عدّة نصوص نفسية وصحية. على كل حال، من المهم أن نلاحظ أنه يمكن التفكير أيضاً بقرن آمون على أنه جزء يساعد في تسهيل عملية التذكّر بالمساعدة في تخزين واسترجاع الذكريات عبر القشرة الدماغية.
يتضرّر قرن آمون، وبنحو أكثر تحديداً بنية قرن آمون ومناطق مرتبطة بها، مثل القشرة الشمّية، كثيراً في داء ألزهايمر، وتشترك هذه المجموعة من الأجزاء الفرعية في عملية تُعرف بـ “التقوية طويلة الأمد”، فتعمل محاور عصبية وتساعد في تكوين ذكريات. يمكن تنفيذ هذه العملية أيضاً في مناطق أخرى من الدماغ، لكن حتى الآن يُظنُّ أن معظم هذه العملية تجري في قرن آمون.
لقد أظهرت أبحاث أن قرن آمون يحافظ على الذكريات مدة محدودة من الوقت، تنتقل كثير منها بعد ذلك إلى مناطق دماغية أخرى، وسيحتفظ المرء بالذكريات التي تُنقل بنجاح باقي عمره، وقد دُعمت العمليات التي ينجزها قرن آمون أيضاً بأبحاث مَرَضية. مثلاً، تقدم إحدى أشهر الحالات التي تفحص دور ونوع المعالجة التي ينجزها قرن آمون فرداً يدعى هنري مولايسون (اختصاراً هـ م). خضع هنري لاستئصال معظم قرن آمون في عملية بعمر السابعة والعشرين (في 1953) للمساعدة في تسكين نوباته المرضية.
على كل حال، ما لم يكن معروفاً في ذلك الوقت هو أهمية قرن آمون في تخزين واسترجاع الذكريات. بعد الجراحة، لم يعانِ هنري أيَّ خلل عقلي، لكن قدرته على تكوين ذكريات جديدة تأثرت كثيراً، وفي الواقع لم يكن بمقدور هنري غالباً أن يتذكر معلومة جديدة إلا وقتاً قصيراً فقط قبل أن ينساها، خاصة إن صُرف انتباهه عنها. كان هنري يتساءل دائماً عمّا جرى قبل بضع دقائق من “الوقت الراهن”، وقد استطاع الاحتفاظ ببعض الذكريات من قبل الجراحة، مثل طريقة الوصول إلى منزله القديم، لكن ذكريات جديدة لم تتكوّن لديه. جعل هذا هنري الموضوع الرئيس في عدّة دراسات، والموضوع المثالي لأنه لم يتذكر أبداً مشاركته بها. إضافة إلى هذا النسيان لأحداث جديدة، فَقَد ذكريات قديمة تعود إلى عمر السادسة عشرة، ما نتج عنه فقدان ذاكرة رجوعي.
في بعض حالات التنكّس العصبي (مثال: داء ألزهايمر) نفترض أن ضرراً كبيراً قد أصاب قرن آمون بناءً على الخلل الملحوظ في الذاكرة، وتُدعم هذه النظريات غالباً بفحص تالٍ للحادثة، فيظهر في أثناء تشريح الدماغ التلف الذي أصاب منطقة قرن آمون. نتج عن هذا الإدراك الباكر لأهمية قرن آمون إجراء أبحاث كثيرة حتى الآن، وقد حظي استكشاف عملية الخلل المرتبط بالذاكرة التي تنشأ من جزء قرن آمون باهتمام كبير أيضاً.
أحد الأشياء الجميلة بشأن قرن آمون هو أنه يحتوي عصبونات قد وُصفت بأنها “خلايا المكان”. في إحدى الدراسات المثيرة للاهتمام، قاس باحثون نشاط أدمغة أشخاص في أثناء سيرهم في بيئة افتراضية، من ثمَّ حُلّل هذا النشاط الدماغي في برنامج حاسوبي، وبناءً على استجابات أدمغة أفراد (في أثناء سيرهم) استطاع باحثون تحديد أماكن الأفراد في هذه البيئة الافتراضية. من ثم، بقياس نشاط الدماغ ببساطة، تمكّنوا من رسم خريطة درب الفرد في الغرفة الافتراضية، ويعدُّ هذا النوع من الترابط بين دماغ شخص وحاسوب تقدّماً ملحوظاً في قدرتنا لفهم طريقة رسم خريطة أجزاء محدّدة، وفي هذه الحال، المدى الذي يمكننا فيه تحديد المكان الذي يوجد فيه فرد.
يثير هذا طبعاً أسئلة عن الحد الذي يمكن أن يصل إليه هذا البحث، وأظن أن الاحتمالات مثيرة جداً للاهتمام. مثلاً، ما الذي يمكن تقليده أو رسم خريطة له أيضاً حين يستجيب الدماغ لنوعٍ معين من النشاط؟ ربما إذا استطعنا رسم خريطة عمليات تفكيرنا حين نعمل على مشكلة أو مجموعة مشكلات، فقد يكون هذا مهماً لتحدّيات عقلية أخرى ستبرز لاحقاً. وإذا استطعت أن تتخيل، يمكن أن نجعل بعض أفضل الباحثين يتواصلون كل يوم في أثناء عملهم، في حال كان شيء يفكّرون فيه ذلك اليوم مهماً جداً لحل مشكلات مستقبلية. في الواقع، يمكن الاستفادة من برامج حاسوبية لإظهار روابط عامة بين الباحثين.

ما المسؤولية الرئيسة للفص القفوي؟

يضم الفص القفوي القشرة البصرية الرئيسة للمرء primary visual cortex وهو مسؤول عن قدرتنا على الرؤية، ويُقسم إلى منطقتين عامتين تدعيان القشرة المخطّطة striate cortex والقشرة خارج المخطّطة Extrastriate cortex. يقع الفص القفوي في مؤخرة دماغنا (انظر الشكل 1.2) ومسؤول عن معالجة أغلبية ما نراه في عالمنا. تُتلقى المعلومات البصرية عبر عينينا وتُنقل إلى الفص القفوي عبر العصب البصري، ويمكن أن تُعالج المعلومات البصرية أيضاً في الوقت نفسه بأجزاء أخرى متخصصة بملاحظة تغييرات في عالمنا البصري، لكن للحديث عن الموضوع سأركّز على ما يجري في الفص القفوي.


القشرة المخطّطة مسؤولة عن قدرتنا على معالجة معلومات بصرية مرتبطة بتواتر الحركة، والنموذج، والمكان (كثافة السطوع)، والتفاوت الشبكي (زوايا رؤية مختلفة من كل عين)، واللون. من ثم، كل المعلومات تُعالج على مستوى أساسي هنا، ووفقاً للمطلوب، تُنقل إلى القشرة المخطّطة أو أجزاء دماغية أخرى للمساعدة في تحقيق معنى أو فهم. ترسل القشرة المخطّطة إشارات إلى أجزاء إضافية من الدماغ ويمكن أن تتلقّى أيضاً إشارات من أجل تعديل ما يراه المرء والمساعدة في جعل عالمنا منطقياً.
ملحوظة مثيرة للاهتمام هي أن ضموراً في الفص القفوي يرتبط عادة بمظاهر هذيان بصري. في الواقع، قال باحثون إن أفراداً يعانون مرضاً مثل داء ألزهايمر يُصابون بحالات متزايدة من شذوذ بنيوي في القشرة البصرية، من ثم فإن النوع الرئيس من الهذيان الذي يعاني منه هؤلاء الأفراد بصري. إضافة إلى ذلك، تبين أن ضموراً معيناً ضمن الفص القفوي يحدث نتيجة أمراض وعائية مرتبط بحالات هذيان بصرية. لاحظ أن ضموراً ضمن هذه المنطقة وأخرى غيرها ليس جزءاً طبيعياً للتقدّم بالعمر، وينبغي على أفراد يعانون هذه الأنواع من الأعراض أن يحاولوا الحصول على مساعدة طبية لتحديد كيف ولماذا بدأ الهذيان. لقد قدّمت هذا على أنه مثال على ما يمكن أن ينتج عن ضمور في هذه المنطقة؛ على كل حال، والأعراض التي قد وصفتها يمكن أن تنتج أيضاً عن أي أسباب أخرى، وينبغي فحص المرء قبل تحديد وجود ضمور دماغي تلقائياً.

أبحاث التصوير والفص الصدغي

يتمتع الفص الصدغي بتاريخ ثري جداً من التقويم العلمي، ويعود تاريخ التحليل الحديث لهذا الجزء إلى وقت هرمان إبينجيوس وتجارب الذاكرة التي أجراها في أواخر القرن التاسع عشر وبداية العشرين. في وقت أحدث، ومع تحقق قدرتنا على تصوير الدماغ، جرت فحوص أكثر لهذا الجزء، وكان قرن آمون موضوع معظم أبحاث الذاكرة قبل تطوّر أدوات تصوير الدماغ، وعندما أصبحت هذه التقانة متوافرة على نطاق واسع أراد باحثون طبعاً فحص العلاقة بين أداء الذاكرة وقرن آمون.
ما قد صار واضحاً حتى الآن هو أن قرن آمون جزء رئيس من الدماغ ومسؤول عن قدرة المرء على تخزين وترميز (معالجة) المعلومات، وقد أظهرت أبحاث تصوير طبي أن أفراداً يحاولون تذكر قائمة كلمات؛ أول مرة من ثمَّ بعد أربع وعشرين ساعة، أظهروا نشاطاً ضمن قرن آمون تحديداً. لقد لاحظت دراسات فحصت سكاناً يعانون نشاطاً دماغياً غير منتظم، مثل مرضى انفصام الشخصية، أن القدرة على تذكر كلمات بحرّية قد تضرّرت نتيجة أنماط نشاط دماغي غير منتظمة في المنطقة اليسرى من قرن آمون. بالعكس، أظهر باحثون أيضاً أنه بتحسين كمية سكر العنب (مرسل عصبي) الموجودة في الدماغ، يمكن ملاحظة نشاط أكبر ضمن قرن آمون، وينتج عن ذلك زيادة قدرة الفرد على تذكر صور تُثار عاطفياً مقابل أفراد يُعطون دواءً مهدئاً. يضم الفص الصدغي أيضاً أجزاء ترتبط بحالة المرء العاطفية والذاكرة العاطفية. لقد أظهر باحثون أنه عندما يتذكر الأفراد أحداثاً عاطفية معينة، تُظهر الأجزاء الصدغية أنماط نشاط مشابهة لما يحدث حين تُختبر تلك الأحداث. من ثم، يخزّن البشر أشياء أكثر من الذكريات في أجزائهم الصدغية، فهم يخزّنون أيضاً استجابات عاطفية.
كما لاحظنا سابقاً، يلعب الفص الصدغي دوراً مهماً جداً في قدرتنا على استخدام لغة، ولأن هذا النشاط بالغ الأهمية، فإن حماية هذه المنطقة في أثناء تدخلات جراحية هو بؤرة اهتمام بعض الباحثين السريريين. باستخدام أدوات تصوير وظائفية، استطاع باحثون تحديد أجزاء الدماغ الأكثر نشاطاً في أثناء إنتاج الكلام، ولوحظ أن أغلبية نشاط أجزاء اللغة تحدث في الفص الصدغي الداخلي.
باستعمال هذه الخرائط الوظيفية، تمكّن باحثون من المساعدة في توجيه جرّاحين في أثناء إزالة أنسجة دماغية، وخفضت هذه الجراحة الموجّهة كثيراً التأثير على لغة المريض ويُستفاد منها لتفادي مناطق أساسية لوحظ أنها تُستخدم في إنتاج الكلام وفهمه، ويُستخدم تخطيط الدماغ كثيراً في جراحات تتطلّب استئصال أنسجة دماغية للمساعدة في التخفيف من نشاط النوبات المرضية. لا يختلف هذا النوع من الجراحة الموجّهة عن الإجراء الذي استخدمه د. ويلدر بنفيلد في معهد مونتريال لطب الأعصاب في منتصف القرن العشرين. بدلاً من إجراءات محدّدة موجّهة تخطيطياً، سيسبر د. بنفيلد الدماغ ليجد مناطق نشاط النوبات المرضية التي ينبغي إزالتها ويرسم خريطة الأجزاء الأساسية حول المنطقة لتفادي أي ضرر غير ضروري، وبالرغم من أن هذا لم يكن بالتأكيد دقيقاً مثل أيامنا هذه، إلا أن الإجراء كان ناجحاً على نحو ريادي.
إضافة إلى دراسات التخطيط هذه، لوحظت عدّة نشاطات أخرى أيضاً في الفص الصدغي. مثلاً، لقد ارتبط الفص الصدغي بقدرة المرء على معالجة صور، وأصوات، وكلمات منطوقة وهو الجزء الرئيس فيما يتعلق بتخلّق النسيج العصبي (الذي سأتكلم عنه بنحو أوفى لاحقاً).

أبحاث التصوير والفص القفوي

ستُظهر أي تجربة تخطيط تستخدم إظهار التحفيز البصري لدراسة النشاط في الدماغ في أثناء أداء مهمة معينة نشاطاً في الفص القفوي. أيضاً، معروفٌ أن الفص القفوي مسؤول عن نقل المعلومات إلى عدّة مناطق مختلفة من الدماغ من أجل ما يراه المرء. من ثم، مهم أن نلاحظ أن أبحاث التصوير تُظهر أننا نستخدم المناطق البصرية الرئيسة في رؤية شيء، لكننا نرسل أيضاً معلومات إلى أجزاء أعلى في القشرة لتساعدنا في جعل ما نراه منطقياً. لهذا السبب، هناك آلاف مشروعات الدراسات التي تستخدم أدوات تخطيط تنشّط الفص القفوي، مؤكّدة أن هذه المنطقة ضرورية حقاً للرؤية وجعل أشياء بصرية في عالمنا منطقية.
تبرز حالات مثيرة للاهتمام حين يتعرض فرد لأذية في القشرة البصرية الرئيسة، وإذا طلبت من مثل هذا الشخص أن يخبرك عمّا يستطيع رؤيته، سيكون الجواب الأكثر ترجيحاً “لا شيء”. على كل حال، لقد أظهر أفراد يعانون من مثل هذا الضرر بعض القدرة على ملاحظة حركة، وبالرغم من أنهم عميان بكل المقاييس، إلا أن حقيقة رؤيتهم للحركة تدل على استخدام مناطق بصرية أعلى تحافظ على قدرة الحصول، إلى حد معين، على معلومات بصرية من أجزاء أخرى.
بالرغم من أن الفص القفوي محدّد بأنه المنطقة الرئيسة عن استقبال معلومات بصرية، مهم أن نلاحظ أنه نظراً لتحسينات في التصوير نعرف أن الرؤية تسيطر على أغلبية قشرتنا في إنجاز مهمات عديدة. في الواقع، لقد لاحظت أبحاث عن أدمغة قرود أن 55 بالمئة من القشرة مخصصة لمعالجة معلومات بصرية، من ثم تُنقل معلومات بصرية من الفص القفوي إلى عدّة أجزاء متنوّعة من الفصوص الصدغي، والجداري، والجبهي. يعدُّ تكامل هذه المعلومات في تلك الفصوص أساسياً للتفاعل مع عالمنا الخارجي، وأي خلل في نقل أو دمج هذه المعلومات قد يكون مؤذياً جداً.

الدماغ يتغير مع التقدّم بالعمر

عموماً، باستثناء عدد من العوامل الشاذة التي تؤثر على تغييرات الدماغ، وفيها ضرر ظاهر أو أذية لم تُلحظ سابقاً مثل ضمور مرتبط بمرض معين أو ربما جلطة سابقة، أظهرت نتائج أبحاث ما يمكن للمرء أن يتوقعه من التقدّم بالعمر عادة. كذلك، تستبعد دراسات عن طرق تغيّر الدماغ في أثناء تقدّم المرء بالعمر أفراداً يعانون أمراضاً معينة تؤثر على النتائج، ولهذا السبب، سأقدّم معلومات مرتبطة بأفراد أصحاء، ما يجعلنا نفترض أن هذه المعلومات ليست للأفراد الذين يعانون خللاً دماغياً رئيساً.

الفص الصدغي

أولاً وعموماً، يعاني أشخاص يبلغون من العمر خمسين سنة وأكبر (يراوح العمر من الخمسين إلى السابعة والثمانين) انكماشاً كبيراً في مادة الفص الصدغي الدماغية؛ عامل مرتبط مباشرة بعملية التقدّم بالعمر. تحديداً، يُصاب رجال، أكثر من نساء، بانكماش في المناطق المتوسطة من الفص الصدغي نتيجة التقدّم بالعمر. لا يقتصر الانكماش على الفص الصدغي فقط، إنما يعدُّ هذا الجزء أساسياً لباحثين يحاولون التخفيف من العمليات العادية للتقدّم بالعمر. لماذا هذا الفرق فيما يتعلق بالجنس؟ إحدى النظريات هي أن الهرمونات تلعب دوراً، وبنحو أكثر تحديداً فإن مستويات التستوسترون المنخفضة قد تؤثر على هذه العملية، وقد ارتبطت سابقاً بأوزان قرن آمون في الدماغ في تجارب على الحيوانات.
إضافة إلى هذا، عندما يُحقن رجال متقدمون بالعمر بالتستوسترون، يمكن رؤية تحسّن في قدرة المعرفة المكانية. هذه النظرية، على كل حال، هي أفضل تخمين وينبغي إجراء أبحاث كثيرة لتحديد تأثيرات هرمون معينة مقابل عوامل بيئية متنوّعة. لقد دلّت أبحاث إضافية أنه من السهل رؤية انكماش الدماغ عند الذكر على أنه وظيفة العمر بسبب استقرار العمليات الهرمونية لديهم، مقارنة بالنساء، اللواتي تتعرّضن لتغييرات مهمة في سنواتهن الأخيرة. مع بداية انقطاع الطمث، تتغير الهرمونات كثيراً، وقد تؤثر هذه التغييرات على النساء في سنواتهن الأخيرة، ما ينتج عنه انكماش في حجم الدماغ أسرع من نظرائهن الرجال، الذين يختبرون مساراً مستقراً.
من ثم، واضحٌ أن التغييرات بسبب تقدّم العمر قد تبدّل كثيراً عمليات أدمغتنا بنحو بنيوي وكيماوي، خاصة في الفص الصدغي. بالرغم من إمكانية رؤية انكماشٍ مرتبطٍ بالعمر في حجم الفص الصدغي في الدماغ، دلّت أبحاث أخرى أن هذا الانخفاض يزداد كثيراً بعد عمر السبعين. يخفّف من هذا الانكماش، على كل حال، مدى بقاء دماغ المرء سليماً وعاملاً بفاعلية. مثلاً، بالمعدّل يبدأ الرجال بحجم دماغ أكبر من النساء، وبالرغم من أن الانكماش أكبر فيما يخص الرجال، خاصة في الفص الصدغي، إلا أن بنية الفص الصدغي الباقية بنحو عام للرجال تبقى أكبر من النساء.

الفص القفوي(القذالي)

لا يحظى الفص القفوي، وتحديداً القشرة البصرية الرئيسة، باهتمام كبير عموماً حين يفحص باحثون تغييرات الدماغ نتيجة التقدم بالعمر، ويُعزى هذا إلى أن القشرة البصرية الرئيسة تركّز تماماً على تصوّر عالمنا (الرؤية فقط، التي تعد في الواقع فعلاً معقداً جداً). تُنجز معظم الوظائف أو الاختلالات الوظيفية “المثيرة للاهتمام” المرتبطة برؤية المرء في المناطق البصرية العليا، وأي ضرر ضمن القشرة البصرية الرئيسة ستلغي ببساطة رؤية المرء. يعدُّ ضعف القدرة البصرية نتيجة التقدّم بالعمر قضية فيسيولوجية تجري خارج الدماغ.
على كل حال، اهتم باحثون بتغييرات عامة في الدماغ تضم الفص القفوي حين حاولوا تحديد أسباب ضمور في مناطق معينة أو حالة تنكّس عصبي مثل داء ألزهايمر، وقال هؤلاء عموماً إنه عند إجراء قياسات لأفراد عبر مجموعات عمرية في أوقات مختلفة (مثال: في الأربعين، والستين، والسبعين)، أو متابعة أفراد مدة من الوقت (مثال، خمس سنوات)، دلّت النتائج على عدم وجود تغيير، أو حدوث تغيير طفيف، في حجم الفص القفوي. لهذا، عندما نتقدّم بالعمر، يمكن أن نتوقع “رؤية” اختلاف بسيط في فصنا القفوي وتأثير بسيط في رؤيتنا نتيجة تغييرات ضمن دماغنا.

تدريب الفص الصدغي

كما ذُكر سابقاً، يضم الفص الصدغي عدداً من الأجزاء الفرعية المحدّدة التي تشترك في بعض أكثر قدراتنا تعقيداً، ويشمل مناطق مسؤولة عن قدرتنا على تنظيم المعلومات الحسّية، وفيها قدرتنا على الكلام والسمع، ويضم أيضاً مناطق مرتبطة بقدرتنا على معالجة معلومات والمساعدة في تخزينها بغرض تذكّرها لاحقاً. يُلاحظ أن هذا الفص يضم مناطق مرتبطة مباشرة بقدرات ذاكرتنا العامة، ويشمل أجزاء مسؤولة عن قدرتنا على إدراك أشياء في عالمنا ومنحها معنى، وإضافة إلى هذه القدرات، يرتبط الفص الصدغي بمعالجتنا العاطفية. بالمختصر، الفص الصدغي هو الجزء من الدماغ الذي يجعلنا نحن.
قد يسبب ضرر أو تلف في الفص الصدغي مشكلات في قدرة المرء على الكلام والحديث المفهوم؛ قدرة تذكر أحداث، وأسماء، ووجوه، وأشياء، ومعالجة العواطف، والتعلّم، والانتباه، وعدّة وظائف أخرى. بالرغم من أن معظم هذا الجزء ينجز عفوياً هذه الوظائف لنا، مثل قدرتنا على فهم الحديث والاستجابة له بنحو ملائم، يتطلّب الأمر تعاوناً وثيقاً من قبل مناطق أخرى. إحدى هذه المهمات التعاونية هي القدرة على التذكّر، لكن ينبغي ألا ننسى أننا نخزّن مقداراً كبيراً من المعلومات من دون أي جهد، مثل طريق عودتنا إلى المنزل كل يوم أو أسماء والدينا أو إخوتنا.
على كل حال، عندما نتقدّم بالعمر، ينبغي أن نتعلّم أشياء وطرقاً جديدة لنتفاعل بنجاح مع العالم حولنا. مثلاً، يتطلّب الذهاب إلى المدرسة منا أن نتذكّر يومياً مقادير متنوّعة من المعلومات التي قد لا تتمتع بمعنى داخلي غني. قد يكون هذا النوع من النشاط صعباً جداً، وربما تتطلّب محاولة استرجاع هذا النوع من المعلومات جهداً كبيراً لبعض الأفراد، وهذا الجهد يتحدّى الدماغ.
على كل حال، بعد الانتهاء من التعليم الرسمي وتأمين عمل، تصبح كثير من المهمات التي نتعلّمها روتينية، ونبدأ معرفة جواب كل سؤال مرتبط بمهنتنا حين نواجه القضايا نفسها مراراً وتكراراً. يستسيغ كثير من الأفراد هذه الفرصة ويستمتعون بعدم اضطرارهم إلى تعلّم معلومات جديدة كثيرة يومياً، وقد يختار آخرون درب مهنة تتطلّب تعلّم نشاطات، ومعلومات، وإجراءات جديدة وأشياء مماثلة، من ثم يساعدون من دون معرفة منهم في الحفاظ على أدمغتهم لائقة. إذا كان مطلوباً منك في الأسابيع القليلة الماضية أن تتعلّم مجموعة جديدة من الإجراءات، أو لغة جديدة، أو بعض المعلومات التي ينبغي أن تتشاطرها مع آخرين، فستكون مشتركاً في نشاطات تحفّز من دون شك فصك الصدغي.
مهم أن نلاحظ أن استخدام الذاكرة العاملة في نشاطات، مثل تذكّر رقم هاتف حتى تطلبه، ما يعني بالتأكيد عمل الفص الصدغي، ليس ذا شأن مهم لهذا الجزء، وفي جهدٍ لضمان اشتراك أفراد في نشاطات مرتبطة مباشرة بالفص الصدغي، وضمان عمل متواصل لهذا الجزء، فقد قدّمت بعض النشاطات للمساعدة في “تدريب” وتنشيط هذه المنطقة. في الأسفل هناك بعض النشاطات التي يمكن أن يستفيد أفراد منها لتدريب الفص الصدغي، والهدف العام في كل هذه النشاطات هي ضمان أن يتمتع أفراد بخيارات وفهم للأنواع المختلفة من المهمات التي ينبغي أن يشترك المرء فيها لمنع، أو إصلاح، أضرار معرفية تصيب هذا الجزء.

نشاطات الفص الصدغي

ستضمن المهمات أدناه تنشيط الفص الصدغي، وبالرغم من أن كل هذه النشاطات تحفّز مناطق متشابهة، إلا أن الطرق المستخدمة لإنجاز مثل هذه المهمات تبدو مختلفة جداً. من ثم، تقدّم هذه النشاطات الأفضل في كلا العالمين؛ في أنها تنشّط أجزاء صدغية رئيسة إضافة إلى طرق إضافية ضمن الفص الصدغي وخارجه. أظهرت دراسات تصوير متعدّدة أن تعلّم كلمات أو تذكّرها، إضافة إلى حفظ قصص أو أحداث من أجل استرجاعها لاحقاً، مثل سرد القصص في النشاط اثنان، مرتبط مباشرة بأجزاء صدغية فرعية. فيما يخص النشاط الأخير، فقد تبين أن إنتاج، أو معالجة، أو تعلّم لغة ينشّط عدّة أجزاء من الفص الصدغي ويعد، لهذا السبب، نشاطَ فصٍّ صدغي ممتاز.

النشاط واحد – تدريب الذاكرة

يأتي التمرين الأول من عالم النفس الألماني هرمان إبينجيوس؛ أحد الباحثين الأوائل الذين فحصوا الذاكرة البشرية. تشمل إحدى تجاربه الباكرة جداً ابتكار آلاف الكلمات ثلاثية الحروف التي تفتقر إلى معنى وتتكوّن من حرف أول ساكن، وثانٍ علة، وثالث ساكن. كان إبينجيوس يعدُّ قائمة من بضع كلمات، من ثمَّ يقرؤها بصوتٍ عالٍ ويحاول أن يتذكرها بالترتيب الذي قرأها فيه، وبعد ذلك يكتبها ويحاول كل يوم أن يتذكّر الترتيب بنحو صحيح ويتوثّق مما يفعله بمرور الأيام ليرى كيف كان أداؤه.
تعليمات النشاط واحد: خذ ورقة واكتب صفاً من كلمات ثلاثية الحروف لا معنى لها تضم حرفاً ساكناً، وعلة، وساكناً. بعد كتابة القائمة، توثّق منها مراراً لتضمن أن الكلمات لا معنى لها ولا تمثّل شيئاً ذا مغزى، ويمكن أن تبدأ بقائمة من عشر كلمات. أقرأ الكلمات بصوتٍ عالٍ واعمل على أن تتذكّرها، ويمكن أن تفعل هذا في الصباح وتبعد القائمة عنك، من ثمَّ تتوثّق بعد الظهر من عدد الكلمات التي تستطيع تذكّرها. مجدداً، وفقاً لقدرتك، يمكن أن تغيّر كلاً من عدد الكلمات التي ينبغي أن تتذكّرها والوقت الذي تمنحه لنفسك بين تعلّم القائمة وتذكّر الكلمات.

النشاط اثنان – سرد قصص

إحدى أروع قدراتنا بوصفنا متعلّمين بالتجربة هو أننا نستطيع سرد أحداث قد جرت، خاصة تلك التي قد زوّدتنا بمعنى أو عبرة. يعدُّ ضمان أن تجري أحداث ضمن تسلسل ملائم أمراً أساسياً في هذه الأنواع من الحكايات، من ثم استخدام موارد مهمة ضمن الفص الصدغي.
تعليمات النشاط اثنان: هناك طريقتان لمقاربة هذا النشاط، وسأقترح تجريب الاثنتين. الأولى كتابة قصة قد تعلّمت عبرة منها، وتوثّق ألا تكون طويلة جداً، وأن تضم تفاصيل مهمة مثل ألوان، وأسماء، وأماكن حتى تتمكّن من استخدامها على أنها علامات لتتحقّق من أن تتذكّر بنحو صحيح. اكتب هذه الإرشادات المهمة واجمعها، من ثمَّ يمكنك استخدام هذا على أنه سجل نتائج لترى مقدار تحسّن أدائك. عندما تنتهي من تأليف هذه القصة، اسردها مجدداً لنفسك أو لصديق واجعله يتوثق من التفاصيل في أثناء قيامك بهذا. إذا دعت الحاجة، يمكن أن تطلب بعض المعلومات وترى عدد النقاط الإرشادية التي تغطّيها (اقتطع نصف نقطة لاستخدام معلومة). جرّب هذا حتى تصبح ماهراً في سرد القصة، من ثم غيّرها، واكتب قصة أخرى وأبدأ الأمر مجدداً.
الخيار الثاني هو العثور على قصة قصيرة تضم عبرة ومعنى وتفاصيل كافية لابتكار إرشادات. احفظ القصة من ثمَّ جرّب سردها مجدداً، واصفاً إياها بأكبر تفاصيل ممكنة مع ضمان أن تغطّي النقاط الإرشادية (التي ستحدّدها سابقاً). قد يساعد هذا الخيار الثاني في جعلك تبدأ إن كنت تواجه صعوبة في إبداع قصة من تلقاء نفسك، وعندما تصبح ماهراً في إعادة سرد هذه القصة، غيّرها واعثر على حكاية جديدة.

النشاط ثلاثة – لغة أجنبية

عندما يتعلّم أفراد لغة، تعمل أدمغتهم على إنشاء روابط (مع، مثلاً، أسماء وأشياء وأفعال… إلخ). يتعلّم كثير منا لغته في عمر باكرة جداً ويُنشئ كثيراً من هذه الروابط في أثناء مدة تطوّر دماغ مهمة (تخلّق نسيج عصبي). بالرغم من أن معظم الدماغ يعمل في أثناء هذه المدة، يلعب الفص الصدغي دوراً مهماً جداً في إنشاء هذه الروابط وفي إعادة إنتاج وفهم اللغة. إذا انتابك قلق من أنني أكاد أقترح أن تتعلّم لغة جديدة، لا تفعل، فأنا لا أظن أنك يجب أن تمضي قدماً إلى ذلك الحد. سيكون مفيداً جداً أن تحاول، لكن إذا كنت قلقاً بشأن قدرتك إليك نسخة خاصة.

تعليمات النشاط ثلاثة: اختر لغة أجنبية تهتم بها، وسيساعدك انتقاء لغة تبدي اهتماماً بها في جعلك تركّز على هذه المهمة. ابتكر صوراً لمواد ترغب بأن تتعلّم كلماتها في تلك اللغة، واحتفظ بالكلمات على الصور بعض الوقت وفي أماكن في أرجاء المنزل حيث يمكنك رؤيتها غالباً. اعمل على لفظ الكلمات وتمرّن على طريقة قول كل مادة، واحتفظ بالكلمات بارزة حتى تشعر أنك أتقنتها، من ثمَّ أزلها وفي الأيام القليلة التالية سمِّ الصور باستخدام كلمات اللغة الأجنبية. مرة أخرى، بعد أن تكون قد تعلّمت هذه الأسماء، أبدأ بمجموعة جديدة من الصور والكلمات.

خلاصة

بالرغم من أنني قد اقترحت عدّة نشاطات في هذا الموضوع، لتنشيط مناطق دماغية مختلفة، ينبغي أن أضيف تحذيراً واحداً. المرونة والجدّة سببان لعمل الدماغ بمثابرة ويزيدان النشاط العام، وإذا أصبحت مهمة روتينية، فلن يحتاج الدماغ إلى موارد كثيرة لإنجازها، ولهذا ينبغي أن تغيّر باستمرار أنواع النشاطات التي تشترك فيها، وعندما تتقن نوعاً من النشاط، غيّره. سيقول أفراد غالباً إنهم يعملون على كلمات متقاطعة كل يوم “حتى تتدرّب أدمغتهم”. اسأل غالباً إن كانوا بارعين في ذلك، والجواب عادة هو نعم، لكنهم ماهرون فيها لأنها أصبحت روتينية ولا تتطلّب موارد كثيرة كما هي حال العمل على كلمات متقاطعة أول مرة. من ثم، ينبغي أن يعرف أفراد أن إنجاز مهمات جديدة أمر بالغ الأهمية لصحة الدماغ، وتعدُّ المهمات آنفاً دليلاً لطريقة تنشيط المرء أجزاء دماغية معينة، وهي إرشادية فقط، وأنا واثق بوجود مهمات أخرى كثيرة قد تكون مفيدة. القصد هو ضمان اشتراكك في مجموعة مهمات، وإذا أردت تغيير نوع المهمة، فتوثّق من إجراء أبحاث لتفهم أي مناطق من الدماغ ستشترك فيها. ستتطلّب صحة الدماغ عموماً بيئة دماغ عامة.

اسأل طبيب مجاناً