التصنيفات
طب نفسي | علم النفس

العلاج النفسي للاكتئاب والمشورة – ج7

يجد الناس العزاء والراحة من الضغط العاطفي من خلال “تحرير الروح من أعبائها”- وذلك بمناقشة مشاكلهم ومخاوفهم. ففي الأوقات الصعبة، من الطبيعي الالتفات إلى صديق، أو فرد من العائلة، أو طبيب أو رجل دين. والواقع أن التحدث مع شخص تثق فيه للتخفيف من ضغطك وتلقي النصائح يبقى جزءاً أساسياً من معالجة الاكتئاب. وتحدث هذه المناقشات اليوم غالباً مع اختصاصي محترف في الصحة العقلية.

تستخدم كلمتا “المشورة” و”العلاج النفسي” غالباً لوصف هذه الطريقة من العلاج. وهما ليستا كلمتين محددتين لنوع معين من العلاج. فهما يشيران بدل ذلك إلى تلقي المساعدة من اختصاصي في الصحة العقلية من خلال الجمع بين التحدث والإصغاء. والواقع أن العلاج الكلامي هو مصطلح آخر يطلق على هذه الطريقة. ومثلما توجد أنواع مختلفة من الأدوية، هناك أيضاً أنواع مختلفة من المشورة والعلاج النفسي.

المشورة

المشورة هي كلمة عامة تطلق على النصيحة التي يوفرها الاختصاصي. فقد تطلب المشورة لمعلومات ونصائح عن أنواع عدّة من المشاكل- سواء قانونية أو مالية أو مهنية أو روحية. ونجد أن المصابين بالاكتئاب يطلبون غالباً المشورة من اختصاصيين مختلفين: طبيب أو اختصاصي في الصحة العقلية أو رجل دين.

على رغم استخدام كلمتيّ “المشورة” و”العلاج النفسي” غالباً بدل بعضهما، فإن العلاج النفسي يشير إلى عملية تلقي المساعدة من اختصاصي في الصحة العقلية بحيث تكون أكثر تخصصاً وفردية من المعلومات والنصائح العامة المرتبطة بالمشورة.

العلاج النفسي

يمكن أن تكون عبارة “العلاج النفسي” غير واضحة ومربكة غالباً. ومن أسباب الإرباك وجود عدة أنواع مختلفة من العلاج النفسي. وثمة سبب آخر يتجلى في اعتبار بعض الأشخاص للعلاج النفسي تحليلاً نفسياً- وهو شكل مكثف وطويل ومكلف للعلاج لا يستخدم كثيراً اليوم. والواقع أن العلاج النفسي يصف معالجة المرض العقلي التي تنطوي على الإصغاء، والتحدث، والتعاطي مع الأفكار والعواطف، وتغيير انماط السلوك.

لقد تطورت تقنيات العلاج النفسي مع الوقت، وحصلت العديد من التطورات بحيث أصبح العلاج النفسي متاحاً وفعالاً ورخيصاً وأقل استنفاداً للوقت.

نشرح في هذا الموضوع عدة أشكال من العلاج النفسي الهادف إلى معالجة الاكتئاب. ومن المربك ربما قراءة مختلف أشكال العلاج ومن ثم مقارنة ما قرأته مع تجربتك الخاصة أو تجربة أحد أفراد العائلة أو صديق. والسبب في ذلك أن المعالجين المحترفين يُفصّلون غالباً العلاج النفسي حسب الحاجات الخاصة لكل فرد. وقد يتطلب ذلك جمع عناصر من عدة طرق مختلفة ضمن طريقة واحدة مصممة لمساعدة الشخص المكتئب بأفضل أسلوب ممكن.

أنواع العلاج النفسي

في كل نوع من العلاج النفسي، تعمل عن كثب مع اختصاصي محترف في الصحة العقلية لمعالجة حالتك. لكن مختلف أشكال العلاج النفسي تكشف عن أهداف مختلفة. فبعض الأشكال تهدف إلى مساعدتك في التعرف إلى الأفكار وأنماط السلوك غير السليمة التي تسهم في اكتئابك واستبدالها بأخرى سليمة. والبعض الآخر مصمم لمساعدتك على التأقلم مع محنة فورية، مثل موت أحد الأحباب أو مشكلة في الزواج أو أزمة مالية. وتهدف أشكال أخرى إلى استكشاف الضغط والقلق الباطني أو أنماط السلوك الخاطئة التي قد تحفز الاكتئاب.

تشير الدراسات إلى أن الطريقة القصيرة الأمد والموجهة نحو هدف معين هي في الغالب الأكثر فاعلية. وتبين أن شكلين من العلاج النفسي فعالان جداً، وهما علاج السلوك الإدراكي والعلاج البيني الشخصي.

اختيار معالج نفسي

يمكن لأي كان أن يصف نفسه بالمعالج النفسي. لذا، قد ترغب في التأكد من أن الشخص الذي اخترته لمساعدتك هو اختصاصي محترف في الصحة العقلية. والفئات الأربع الأساسية من اختصاصيي الصحة العقلية هي:

– الأطباء النفسيون.
– المعالجون النفسيون.
– الممرضات النفسية.
– العمال الاجتماعيون.

يحمل هؤلاء الاختصاصيون رخصة من الهيئات الحكومية ويجدر بهم تحديث معلوماتهم ومهاراتهم من خلال التعلم المستمر.

من المهم أيضاً أن تشعر بالارتياح مع معالجك وتثق في مهاراته لأنك قد تخبر هذا الشخص أفكاراً أو مشاعر أو مخاوف حميمة. وتنصح الجمعية الوطنية للصحة العقلية بتفادي الأفراد أو المنظمات التي:

– لا تجيب على الأسئلة على نحو يرضيك.
– تعد بمكافآت مالية إذا حددت موعداً معها أو شاركت في برنامجها.
– تقدم ضمانة للنجاح.
– تحاول توريطك في التزام مالي طويل الأمد.

وخلال اجتماعك الأول مع المعالج النفسي، لا تتردد في التحدث عن الكلفة، ومدة العلاج، وتغطية التأمين ومسائل عملية أخرى. وتذكر أن بعض برامج الرعاية الصحية تحدّ من اختيارك لموفري الرعاية الصحية العقلية. فقد يجبرك برنامج التأمين خاصتك على مراجعة طبيب العائلة أولاً أو اختيار اختصاصي في الصحة العقلية من ضمن شبكة معينة.

علاج السلوك الإدراكي

يرتكز علاج السلوك الإدراكي على أساس مفاده “أنك ما تفكر به”. بمعنى آخر، ما تشعر به هو نتيجة رأيك في نفسك وظروف حياتك. ويقول هذا النوع من العلاج إن الأفكار المتشائمة والآراء السلبية في أحداث الحياة تسهم في الاكتئاب. وحسب هذه النظرية، فإن المعانين من الاكتئاب يكشفون غالباً عن:

●  رأي سلبي في أنفسهم، ويعتبرون أنفسهم عديمي الجدوى، وغير ملائمين، وعاجزين، وغير محبوبين وناقصين.
●  رأي سلبي في بيئتهم، ويعتبرونها بمثابة بيئة غير داعمة ومليئة بالعقبات.
●  رأي سلبي في المستقبل، ويعتبرونه من دون أمل.

افتراضات غير سليمة

هل أنت ميّال إلى التشاؤم أو الأفكار السلبية؟ يمكن للافتراضات السلبية الدائمة أن تسهم في الاكتئاب. وتتمثل الخطوة الأولى لتغيير أنماط التفكير غير السليم في التعرف إليها. والواقع أن أنماط السلوك السلبي وغير العقلاني قد تضم الآتي:

تهويل الأمور
تستبق الأسوأ تلقائياً. “تلقيت رسالة للاتصال بمديري. أراهن أنه سيطردني”.

الإفراط في التعميم
تعتبر حدثاً مزعجاً بمثابة بداية لحلقة لامتناهية. “أعاني من الصداع هذا الصباح. لن أتمكن على الأرجح من الذهاب في نزهتي اليوم. ويعني ذلك أن وزني سيزداد. سوف يكون أسبوعاً مريعاً”.

جعل الأمور شخصية
تترجم الأحداث التي لا علاقة لها أبداً بك على أنها مرتبطة بك: “لقد غادر أحدهم الاجتماع باكراً. لا شك في أنه وجدني مضجراً”.

التفكير في الكل أو لا شيء
تشاهد الأمور في حدودها القصوى فقط، على أنها سوداء أو بيضاء. لا يوجد حلّ وسطي: “إذا لم أحرز 100 على مئة في الامتحان، أكون فاشلاً”.

جعل الأمور عاطفية
تسمح لمشاعرك بالتحكم في آرائك: “أشعر أني غبي ومضجر، ولذلك أنا حتماً غبي ومضجر”.

التصفية
تعظّم الجوانب السلبية في وضع ما وتصفّي كل الجوانب الإيجابية: “تمت ترقيتي. لست مضطراً للعمل في عطلات نهاية الأسبوع وأعتقد أن الأجرة ستكون أفضل. لكن ماذا لو توجب عليّ الانتقال إلى قسم جديد؟ ماذا لو لم أتفق مع الموظفين هناك. ماذا لو توجّب عليّ تعلم برنامج كمبيوتر جديد؟”

من يستفيد؟

يهدف علاج السلوك الإدراكي إلى استبدال الأفكار السلبية بمفاهيم واقعية وأكثر إيجابية. يمكنك فعل ذلك من خلال تعلم كيفية التعرف إلى التفاعلات الاكتئابية والأفكار المرتبطة به فور حدوثها، وذلك من خلال الاحتفاظ عادة بسجل يومي تدوّن فيه أفكارك واستجاباتك. وتطوّر بعدها مع معالجك طرقاً لمواجهة هذه التفاعلات والأفكار السلبية. وقد ينطوي ذلك على واجبات في المنزل، مثل القراءة عن الاكتئاب أو الاتصال بالآخرين. وتساعدك هذه الواجبات على تعلم كيفية استبدال الاستجابات السلبية بأخرى أكثر إيجابية. وفي النهاية، تصبح العملية تلقائية.

واللافت أن علاج السلوك الإدراكي هو علاج قصير الأمد ينطوي عادة على 12 إلى 16 جلسة علاجية. وقد خضع هذا النوع من العلاج للكثير من الأبحاث، وأظهرت الدراسات فاعليته خصوصاً في معالجة الاكتئاب الخفيف إلى المعتدل. وقد قارنت دراسة كبيرة أجراها المعهد الوطني للصحة العقلية ثلاثة علاجات مختلفة للاكتئاب وتبين أن علاج السلوك الإدراكي فعال للاكتئاب الخفيف، لكنه ليس فعالاً بقدر الدواء للاكتئاب الكبير. وتشير الدراسة أيضاً إلى تضاؤل خطر التعرض لنوبات جديدة من الاكتئاب عند تلقي علاج السلوك الإدراكي أكثر مما هو مع الأدوية. ويبقى أن دمج العلاج مع الأدوية يكون أكثر فاعلية من كل منهما على حدة.

العلاج البيني الشخصي

يركز العلاج البيني الشخصي على العلاقات باعتبارها أساسية في فهم العلامات والعوارض المرتبطة بالاكتئاب وتجاوزها. والهدف من العلاج البيني الشخصي هو تحسين علاقتك ومهارات الاتصال لديك، وتعزيز احترامك لذاتك. والواقع أن العلاج البيني الشخصي يستكشف مبدئياً أربعة مجالات:

●  الحزن غير المبدد.
●  النزاعات أو المشاكل مع الآخرين.
●  الانتقال من دور اجتماعي أو وظيفي إلى آخر.
●  صعوبات في المهارات البينية الشخصية.

تماماً مثل علاج السلوك الإدراكي، فإن العلاج البيني الشخصي هو علاج قصير الأمد ينطوي عموماً على 12 إلى 16 جلسة معالجة. ويشتمل العلاج البيني الشخصي على ثلاث مراحل من العلاج. تركز المرحلة الأساسية على التعرف إلى المشكلة، فيما تركز المرحلة الوسطى على التعاطي مع واحدة أو أكثر من المسائل الأساسية وحلها، وتركز المرحلة الأخيرة على إنهاء العلاج.

من يستفيد؟

قد يكون العلاج البيني الشخصي فعالاً في تخفيف عوارض الاكتئاب الخفيف إلى المعتدل وتحسين قدرتك على إنشاء العلاقات والانخراط في الظروف الاجتماعية. وفي

مقارنة بين العلاج البيني الشخصي والعلاج بالعقاقير المضادة للاكتئاب، تبين أن الاثنين فعالان على نحو متساوٍ، رغم أن الدواء أثر بسرعة أكبر. والواقع أن الدمج بين العلاج والدواء أكثر فاعلية غالباً من كل واحد على حدة. ووجدت دراسة المقارنة أنه بعد مرور سنة على العلاج، تبين أن الذين تلقوا العلاج البيني الشخصي والدواء كانوا أفضل حالاً من الذين تلقوا الدواء فقط.

أشكال أخرى من العلاج النفسي

إن العديد من المصابين بالاكتئاب يستفيدون كثيراً من الجلسات الفردية مع معالجهم. لكن البعض الآخر يجد أن العلاج الجماعي أكثر فائدة، فيما يجد آخرون أن حضور الجلسات العلاجية مع الزوج أو الشريك أو العائلة مفيد جداً. ويمكن أن يرتكز العلاج الجماعي أو علاج الأزواج أو العائلات على استراتيجيات السلوك الإدراكي، والتقنيات البينية الشخصية، أو على مجموعة من هذه العلاجات أو علاجات أخرى.

العلاج الجماعي

يقتضي العلاج الجماعي وجود مجموعة من الأشخاص لا تربطهم أية صلة وواحد أو أكثر من اختصاصيي الصحة العقلية الذين يساعدون على تسهيل العلاج. والأمر ليس مماثلاً لمجموعة الدعم التي قد يديرها أنداد أو أشخاص عاديون وليس محترفين. يسعى العلاج الجماعي إلى تحقيق العديد من أهداف العلاج الفردي، لكنه يعتمد على النصيحة والتلقيم الرجعي والدعم من بقية أفراد المجموعة حول كيفية التعاطي مع المشاكل المزعجة وتغييرها.

هناك بعض المجموعات المخصصة للذين لديهم مسائل مشتركة، مثل الاكتئاب، والعنف المنزلي، والإدمان، والمقامرة المكرهة. وهناك مجموعات أخرى أكثر شمولية. وفي كلا الحالتين، يؤدي المعالج وأفراد المجموعة دوراً أساسياً في مساعدة الأشخاص على تجاوز النزاع. ويكتشف فرد المجموعة غالباً أن تجربته الماضية مفيدة لفرد آخر.

يمكن أن تحدث الجلسات الجماعية في مكان خاص، أو مركز للصحة العقلية، أو مستشفى، أو أية مؤسسة محترفة أخرى. والأفراد الذين يستفيدون عادة من العلاج الجماعي هم الذين يرغبون في مشاركة التجارب الشخصية والأفكار والمشاعر مع مجموعة، والذين يرغبون في سماع مخاوف الآخرين وحرمانهم، بدل التركيز فقط على مشاكلهم الخاصة.

علاج الأزواج والعائلات

يمكن أن يكون علاج الأزواج والعائلات مفيداً في مساعدة الزوجات والشركاء والعائلات في العمل معاً لتخطي الاكتئاب والأمراض العقلية الأخرى التي قد ترتبط بالاكتئاب. وبدل التركيز على الفرد، يركز علاج الأزواج والعائلات على الوحدة- أي على التفاعل بين الزوجين أو أفراد العائلة.

قد يقرر الزوجان أو العائلة اللجوء إلى العلاج معاً في حال المعاناة من مشاكل خطيرة تعيق حياتهم الطبيعية أو إذا لم يكن العلاج الفردي مجدياً. ومن المسائل المشتركة بين الأزواج التي يمكن حلها نذكر صعوبات الاتصال، والمشاكل الجنسية، والتوقعات المختلفة من العلاقة. ويتجلى الهدف في حلّ المشاكل بأكبر سرعة وفاعلية. وتبين أن ثلثي الأزواج الذين يتلقون المشورة يتحسنون فعلياً.

كم يدوم العلاج النفسي؟

حسب وخامة الاكتئاب ونوع العلاج الذي تختاره، قد يدوم العلاج النفسي لبضع جلسات فقط أو يستمر لشهور عدة. وفي الإجمال، كلما كان الاكتئاب أكثر وخامة أو تعقيداً، ازداد الوقت اللازم لمعالجته.

بالنسبة إلى معظم الأشخاص، يكون العلاج القصير الأمد فعالاً في معالجة الاكتئاب الخفيف إلى المعتدل. وفي دراسة وطنية شاملة، تبين أن نصف الذين شملتهم الدراسة كشفوا عن تحسّن ملحوظ بعد ثماني جلسات علاجية، فيما تحسن ثلاثة أرباعهم بعد ستة أشهر. وفي بعض الأحيان، يمكن لجلسة علاج واحدة أن توفر الطمأنينة أو الثقة أو البصيرة اللازمة لتخطي الاكتئاب. وبعد انتهاء جلسات العلاج، قد يطلب منك طبيبك أو معالجك العودة لإجراء فحوصات دورية ومناقشة حالتك.

أما العلاج الطويل الأمد- المعروف أحياناً بعلاج البصيرة أو العلاج الدينامي النفسي أو العلاج الداعم- فيدوم عادة أكثر من ستة أشهر وقد يستمر لعدة سنوات. والهدف من هذا النوع من العلاج هو معالجة الاكتئاب على نحو أقل والتعرف أكثر على أنماط السلوك التي تزيد من خطر تعرض الشخص للاكتئاب وتغييرها. فعلى سبيل المثال، ثمة رجل شاب، تحسّن الآن بعد اتباع علاج لنوبته الثالثة من الاكتئاب خلال 5 سنوات، ربط استهلال كل نوبة من نوبات اكتئابه بالعلاقات التي انتهت على نحو سيء فيما كان عاجزاً عن اتخاذ التزام جاد. وهو يأمل من خلال العلاج الطويل الأمد أن يفهم سبب المشكلة التي يواجهها عند الالتزام بعلاقة للحؤول دون استمرار النمط.

والواقع أن الأفراد الذين يستفيدون كثيراً من العلاج الطويل الأمد هم الذين ترافق اكتئابهم مع مرض عقلي آخر، مثل اضطراب القلق، واضطراب الأكل، والإدمان، واضطراب الشخصية، أو مع أنماط سلوك مؤلمة أو مكلفة على الدوام.

كيف يعمل العلاج النفسي؟

يمكن أن يوفر العلاج النفسي على المدى الطويل العديد من الفوائد ويؤدي دوراً هاماً في معالجة الاكتئاب الخفيف إلى المعتدل. فقد يساعدك على فهم نفسك بصورة أفضل، ويزوّدك بطرق أكثر فاعلية للتعاطي مع أحداث الحياة، ويساعدك على مواجهة العواطف القوية والتعبير عنها. وقد يكون العلاج النفسي أيضاً علاجاً فعالاً لبعض المصابين بالاكتئاب الخفيف إلى المعتدل الذين لا يريدون تناول مضادات الاكتئاب أو الذين لا يستطيعون تحمّل تأثيراته الجانبية. وفي العديد من الأحيان، يتم جمع الدواء مع العلاج النفسي.

إلا أنه لا يعرف تماماً بعد كيفية تحسين العلاج النفسي للاكتئاب. والسبب في ذلك أن مختلف أنواع العلاج النفسي تعمل بطرق مختلفة.

ويعتقد اختصاصيو الصحة العقلية إن العلاج النفسي يؤثر في الاكتئاب بالطرق التالية:

●  إن التعرف إلى الاكتئاب وما يمكنك فعله لمعالجته يمنحك شعوراً بالطمأنينة. وعند العمل بنشاط مع اختصاصي في الصحة العقلية لضبط اكتئابك، تكتسب أيضاً حس السيطرة- أي الاعتقاد بأنك تسيطر على نفسك وأنك تستطيع التحسن.

●  إن تغيير الأفكار والمواقف وأنماط السلوك والعلاقات السلبية إلى أخرى أكثر صحة وإيجابية قد يفلح كثيراً في تخفيف الضغط أو ضبط الضغط بصورة أفضل. وقد تفضي هذه التغيرات الإيجابية أيضاً إلى تحسن العلاقات مع الآخرين، فضلاً عن علاقة مريحة مع ذاتك.

●  إن التعبير عن مشاعرك في علاقة علاجية داعمة قد يكون مفيداً. يعتبر البعض هذا الأمر بمثابة تنفيس عن الذات. كما أن مناقشة المسائل العاطفية في السياق الصحيح يمكن أن يحسّن البصيرة، ويطلق العواطف السلبية ويحفّز التغيير.

●  كشفت أبحاث تصوير الدماغ أن علاج السلوك الإدراكي قد يحدث تغيرات في نشاط الدماغ في المساحات المرتبطة بالاكتئاب. لا يعرف ما إذا كانت هذه التغيرات تعكس تأثيرات تخفيض الضغط أو تحسين السيطرة على الضغط، أو إذا كانت نتيجة مباشرة للعلاج. لكن الدراسات تؤيد بقوة وجود رابط وثيق بين حالة العقل ونشاط الدماغ.

الشعور بالعجز

أثناء العلاج النفسي، قد تتساءل ما إذا كان العلاج يفيدك. لكن تذكر أن ورود المشاعر السلبية أثناء العلاج النفسي لا يعني أن هذا العلاج غير مجدٍ. فمواجهة المسائل الصعبة قد تكون مخيفة ومرعبة. وتعتبر المقاومة أو الغضب جزءاً طبيعياً من العملية.

إذا كنت قلقاً بشأن جانب معين من علاجك، تحدث إلى معالجك بشأنه. وقد تشعر أن معالجك لا يفهم مخاوفك أو حرمانك. وقد تواجه صعوبة في الاتصال مع معالجك. أو قد لا تستوعب لغة معالجك أو سلوكه. وهذه كلها مسائل مهمة تستحق المناقشة.

إذا كنت غير راضٍ عن الجواب الذي تتلقاه، واستمريت في الشعور بالانزعاج أو لم تكشف عن أية علامات تقدم بعد مرور أسابيع إلى عدة أشهر، قد ترغب في الحصول على رأي ثانٍ.

إنجاح العلاج

يمكن أن يكون العلاج النفسي ناجحاً فقط إذا كرّست نفسك أنت وطبيبك للتوصل إلى نتيجة ناجحة. والواقع أن مهارات المعالج مهمة، لكن ما تقدمه أنت مهم أيضاً- أي موقفك وتوقعاتك والتزامك. فإذا باشرت في العلاج وأنت تعتمد الموقف “لا أحد يستطيع مساعدتي” أو “لن يجدي هذا نفعاً أبداً”، فإن فرص النجاح تتضاءل كثيراً.

من المهم أن تكون أثناء جلسات العلاج صادقاً، وتواجه بعض الحقائق المؤلمة، وتتعاطى مع المشاعر غير المريحة، وتنفتح إلى أفكار جديدة وطرق جديدة لإنجاز الأمور. وفي المقابل، يصغي إليك المعالج بعناية، ويوضح أنماط السلوك الصحية ويفسرها ويرشدك نحوها. وتستلزم هذه العملية تبادل الثقة والاحترام والخصوصية.