التصنيفات
العظام | المفاصل | العضلات

علاج التهاب المفاصل وهشاشة العظام

هناك نسبة تتراوح بين ٧٠ و ٨٠ ٪ من سكان الولايات الذين تبلغ أعمارهم أكثر من خمسين عاما يعانون النوع الأكثر شيوعا من التهاب المفاصل وهو هشاشة العظام، والمعروف أيضا باسم التهاب المفاصل التنكسي Osteoarthritis.

ربما عاينت هذه الأعراض بنفسك: تيبس العضلات في الصباح الباكر، وتورم المفاصل، والآلام الحادة. تعد هشاشة العظام المرض التنكسي المزمن الأكثر شيوعا الذي أراه في عيادتي. وهو يصيب الرجال والنساء على حد سواء، ويمكن أن يصيب جميع مفاصل الجسم، بما في ذلك الرقبة وأسفل الظهر. وكلما ساء التهاب المفاصل، زاد الألم، وقد يصل الأمر بالمريض إلى العجز.

إن مرض هشاشة العظام أساسا هو تآكل يحدث للغضاريف الموجود داخل المفاصل، لكنه يمكن أن يصيب الغشاء الزليلي (بطانة المفصل) والعظام الواقعة تحته. مع بدء الغضاريف في التآكل، يزداد الضغط على العظام. وكرد فعل لهذا الإجهاد المكثف، تصبح العظام في الواقع أكثر كثافة. ومن الشائع جدا أن نرى نتوءات عظمية تتكون حول المفصل نتيجة لذلك.

ربما أخبرك أحد أفراد العائلة أو أحد أصدقائك بحاجته إلى استبدال مفصل بسبب “احتكاك عظامه ببعضها”. وما يعنيه بذلك حقا هو أن غضروف المفصل (الوسادة الواقية) قد تحلل تماما. وبما أن التهاب المفاصل التنكسي يصيب في المقام الأول المفاصل التي تحمل الوزن (الوركين والركبتين)، فإن الإجهاد المتكرر الناجم عن الوزن الزائد، أو الإصابة، أو النشاط الزائد يسهم بقوة في تطور واستفحال هذا المرض.

كيف يصاب المفصل بالأذى؟

تغطي الغضاريف المفصلية نهايات العظام، في حين أن المفاصل – مثل الركبتين – يكون بها غضروف إضافي يعمل بمثابة وسادة بين العظام. يتكون الغضروف في المقام الأول من ألياف الكولاجين، والبروتينات السكرية، والبروتيوجليكانات. وتمر بنية الغضروف البشري بدورة مستمرة من البناء والانهيار. بعبارة أخرى، تحتاج أجسامنا إلى بناء الغضاريف بالمعدل نفسه الذي تتآكل به للحفاظ على صحة المفاصل. ومجددا أقول إن التوازن هو المفتاح. عندما يبدأ المفصل في التآكل، فإننا نعلم أن ذلك يعني إما ارتفاعا في معدل تقوض الغضاريف أو انخفاضا في معدل بناء الجسم للغضاريف.

وكون هشاشة العظام مرضا التهابيا هي حقيقة معروفة. إذا تطلعت إلى يد شخص مصاب بالتهاب المفاصل، فسترى مدى التهاب وتورم مفاصل الأصابع واليدين. ولكن هل تساءلت يوما عما يسبب هذا الالتهاب بالضبط وكيف يؤدي ذلك إلى تآكل الغضروف؟ الجواب متعدد الجوانب، حيث إن هناك في الواقع عدة مصادر للالتهابات التي تصيب المفصل.

أسباب التهاب المفاصل

● السيتوكينات cytokine هي أحد الأسباب الرئيسية لالتهاب المفاصل. هذه البروتينات تحمل رسائل بين الخلايا وتقوم بتنظيم المناعة والالتهاب. من أهم السيتوكينات هناك عامل نخر الورم ألفا TNF alpha وإنترلوکین 1 بيتا Interleukin 1. إنها تتركز بدرجة كبيرة في مفاصل المصابين بهشاشة العظام.

● البروتيازات Protease هي إنزيمات تسبب انهبار البروتينات. كما تبين أنها تسبب التهاب المفاصل. تكون البروتيازات تحت سيطرة السيتوكينات. وبعضها يكون له خواص مضادة للالتهابات، وللبعض الآخر خواص منشطة للالتهابات (مسببة للالتهاب). ومن الجلي أنه في التهاب المفاصل تفوز البروتيازات المنشطة للالتهابات.

● الخلايا البالعة (البلعمية) Phagocyte تنجذب الى المفصل الملتهب في محاولة لإزالة هذا الالتهاب ومن الأضرار التي تلحق بالغضروف والعشاء الزليلي. ولكن هذه الاستجابة الالتهابية لا تكون دائما أمرا جيدا حيث يمكن للخلايا البلعمية في الواقع أن تؤدي إلى زيادة التهاب المفصل.

● ظاهرة نقص التروية Ischemia هي عملية تبدو صعبة بينما هي بسيطة في الحقيقة. مع استخدام المفصل المتحمل للوزن مثل الورك أو الركبة، فإن الضغط الذي يخلفه وزننا عند المشي – ولا سيما عند الركض – يعوق تدفق الدم إلى الغضروف. ويعرف هذا باسم نقص التروية أو اضطراب سريان الدم. عندما نريح المفصل من وزننا، يقل الضغط وتمكن الدم من العودة إلى الغضروف، وهذا ما يسمى بإعادة التروية. إن هذه العملية جنبا إلى جنب مع مصادر الالتهاب المذكورة للتو تسبب الإفراط في إنتاج الجذور الحرة، والتي بدورها تؤثر بشكل كبير على نظام الدفاع المضاد للأكسدة وتسبب الإجهاد التأكسدي Oxidative stress.

● عندما يستنزف نظام الدفاع المضاد للأكسدة، بسبب الإجهاد التأكسدي داخل المفاصل أضرارا بالغضاريف والغشاء الزليلي بالمفاصل. عندما لا يستطيع الجسم إعادة بناء الغضاريف بالسرعة الكافية، تبدأ المفاصل في التآكل.

الروماتويد: التهاب مفاصل آخر

يعد التهاب المفاصل الروماتويدي أحد أمراض المناعة الذاتية، ويحدث عندما يبدأ الجهاز المناعي في مهاجمة الغضروف والغشاء الزليلي بالمفصل. ونتيجة لذلك، تبدأ عملية التهابية غير متوازنة (أي غير صحية) في تدمير الأنسجة السليمة. لا تسبب الاستجابة الالتهابية إنتاجا مفرطا للجذور الحرة وحسب، بل تجذب السيتوكينات أيضا، وخاصة عامل نخر الورم ألفا.

وتظهر الدراسات الارتفاع الشديد لمستوى عامل نخر الورم ألفا في البلازما لدى مرضى التهاب المفاصل الروماتويدي. وتشير الدراسات أيضا إلى أن إنتاج الجذور الحرة يزيد بخمسة أضعاف لدى مرضى التهاب المفاصل الروماتويدي بالمقارنة بمرضى التهاب المفاصل العادي. وهذا يعني نشاط الإجهاد التأكسدي الهائل، والذي يتسبب في تدمير المفاصل لدى مرضى التهاب المفاصل الروماتويدي.

إذا كنت تعرف شخصا يعاني التهاب المفاصل الروماتويدي، فستكون مدركا مدى تأثير هذا المرض المدمر؛ والذي غالبا ما يسبب الألم والتشوه والعجز. على الرغم من أن مستوى الإجهاد التأكسدي يكون لدى مرضى التهاب المفاصل الروماتويدي أعلى بكثير من مرضى هشاشة العظام، فإن تدمير الغضاريف في كلا المرضين ينشأ بسبب الإجهاد التأكسدي. ومن المهم أن نفهم الأسباب الكامنة وراء هذين المرضين بينما نستعرض العلاجات التقليدية التي يقدمها الطب.

العلاج التقليدي لالتهاب المفاصل

إن العلاج التقليدي الأساسي لكل من هشاشة العظام والتهاب المفاصل الروماتويدي هو استخدام مضادات الالتهاب غير الستيرويدية والأسبيرين. في حين أن هذه الأدوية تقلل من التهاب المفاصل، فإنها تكون مسئولة أيضا عن الآثار الجانبية السلبية المتكررة مثل قرحة المعدة ونزيف الجهاز الهضمي العلوي. في الواقع هناك أكثر من مائة ألف شخص يودَعون المستشفيات في الولايات المتحدة سنويا وأكثر من ستة عشر ألف حالة وفاة كل عام، وكلها بسبب نزيف الجهاز الهضمي العلوي الناجم عن استخدام مضادات الالتهاب غير الستيرويدية.

وكرد فعل على الآثار الخطيرة لهذه الأدوية، طرحت شركات الأدوية مجموعة من مضادات الالتهاب غير الستيرويدية الجديدة التي تعوق إنزيمات كوكس – ٢ في المقام الأول. وقد وصلت مثبطات كوكس – ٢ إلى الأسواق مع ضجة كبيرة نظرا لأن آثارها الجانبية الخاصة بنزيف الجهاز الهضمي العلوي كانت أقل بشكل ملحوظ. ولكن للأسف، لا تزال لها آثار جانبية، والتي تشتمل على الثقب المعدي المعوي ونزيف الجهاز الهضمي العلوي، برغم قلة حدوثه بالمقارنة بالجيل الأول من مضادات الالتهاب غير الستيرويدية.

إن ما يثير قلقا كبيرا بشأن الاستخدام الموسع لمضادات الالتهاب غير الستيرويدية لدى مرضى التهاب المفاصل هو حقيقة أن هذه الأدوية تخفف الألم فقط دون مهاجمة السبب الكامن وراء المرض، أي الإجهاد التأكسدي. كما يعالج مرضى التهاب المفاصل الروماتويدي الحاد بعقاقير مضادة للالتهابات أكثر فاعلية مثل البريدنيزون وجولد أو بالعلاج الكيميائي مثل الميثوتريكسيت أو الأموران.

مضادات الأكسدة

إن أي شخص يعاني التهاب المفاصل التنكسي يحتاج إلى تناول مضادات أكسدة قوية ومكملات معدنية متوازنة. وهناك أدلة قوية على أن مرضى التهاب المفاصل يعانون نقصًا في العديد من مضادات الأكسدة والمغذيات الداعمة مثل فيتامين د وفيتامين ج وفيتامين هـ والبورون (معدن) وفيتامين ب ٣. وكما علمت على مدار الكتاب، فإننا بحاجة إلى تزويد أجسامنا بجميع مضادات الأكسدة هذه في المستويات المثلى، وذلك للسيطرة على عملية الإجهاد التأكسدي.

● كبريتات الجلوكوزامين Glucosamine sulfate

يعد الجلوكوزامين أحد العناصر الغذائية الأساسية لبناء الغضاريف. وهو عبارة عن سكر أميني بسيط وهو المكون الأساسي للبروتيوجليكانات، والتي هي الجزيئات التي تكسب الغضروف المرونة. على عكس المسكنات والأسبيرين، لا يسكّن الجلوكوزامين الألم وحسب، بل يساعد كذلك على إعادة بناء الغضاريف المتآكلة. وأظهرت الدراسات المبكرة فوائد قصيرة الأمد لاستخدام كبريتات الجلوكوزامين، إلا أن هذا لم يؤثر على معظم الأطباء.

في عام ١٩٩٩ ظهرت تجربة مهمة استمرت على مدار ثلاث سنوات، وكانت مزدوجة التعمية، كما استخدمت فيها الأدوية الوهمية على عينة عشوائية (أي باختصار تنتمي إلى النوع الذي يفضله الأطباء). وقد تمت مناقشة هذه التجربة في الاجتماع السنوي للكلية الأمريكية للروماتيزم. وأظهرت هذه الدراسة أن الجلوكوزامين لا يسكّن الألم ويخفف التهاب المفاصل وحسب، بل يوقف تآكل الغضاريف أيضا. ما كان أكثر إثارة للإعجاب هو حقيقة وجود أدلة فعلية على إعادة نمو الغضاريف، بينما واصل أعضاء المجموعة الثانية، ممن وصفت لهم مضادات الالتهاب غير الستيرويدية التقليدية، المعاناة من تآكل المفاصل السريع.

وقد أظهرت هذه الدراسة – فضلا عن دراسات آخرى عديدة – فوائد صحية هائلة لمرضى التهاب المفاصل ممن يتناولون كبريتات الجلوكوزامين في نطاق يتراوح ما بين ١٥٠٠ إلى ٢٠٠٠ ملج، دون أية آثار جانبية تقريبا. والأكثر إثارة هو حقيقة أن توقف المرضى في تلك التجربة عن تناول الجلوكوزامين، ولم يعد الألم في وقت لاحق واستمر ذلك لأسابيع وأحيانا لأشهر.

أما مضادات الالتهاب غير الستيرويدية، فلها – كما ذكرت سابقا – آثار جانبية خطيرة مثل القرحة، ونزيف الجهاز الهضمي العلوي، وتلف محتمل بالكبد. وبالنظر إلى أن هذه الأدوية لا تفعل شيئا على الإطلاق لإبطاء عملية التآكل – بل إنها في الواقع قد تسرّعها – فإنه يجب علينا أن نتساءل عن السبب في اعتبار المسكنات أحد أكثر الأدوية وصفا من قبل الأطباء في العالم. ولكن لسوء حظ شركات الأدوية، صار المزيد والمزيد من الأطباء يوصون مرضاهم بتناول كبريتات الجلوكوزامين.

إنني أجد أن النتائج التي رأيتها في عيادتي مثيرة للإعجاب. وعلى الرغم من أنني أوصي بالجلوكوزامين لجميع مرضى التهاب المفاصل في عيادتي، فإنني أصف كذلك مضادات الالتهاب غير الستيرويدية لتسكين الألم على وجه السرعة. ومن المشوق أن أكتشف أن مرضاي الذين يقررون تناول الجلوكوزامين لا يحتاجون إلى مضادات الالتهاب غير الستيرويدية إلا بالكاد. وعند إضافة مضادات الأكسدة، والمعادن، والدهون الأساسية، ومستخلص بذور العنب، فإنهم يتحسنون بدرجة أكبر.

لست وحيدا في رأيي؛ فالعديد من أطباء العظام يدعمون استخدام الجلوكوزامين أيضا، لعلمهم بقدرته على تأخير إجراء عملية استبدال المفاصل، والذي يصب في مصلحة المريض في نهاية المطاف.

● كبريتات الكوندرويتين Chondroitin sulfate

كثيرا ما تقترن كبريتات الكوندرويتين مع كبريتات الجلوكوزامين لمضاعفة التأثير. يشكل الكوندرويتين جزءا من البروتيوجليكانات، وهو المسئول عن جذب المياه إلى الغضروف. وهذا يجعل الغضروف أكثر مرونة ومسامية. وبدون هذه المغذيات المهمة يصبح الغضروف أكثر جفافا وهشاشة.

وأنا شخصيا أشعر بأن أهم العناصر الغذائية لا يزال هو كبريتات الجلوكوزامين. تحتاج أقراص الكوندرويتين إلى دراستها بمزيد من التوسع وعلى عدد أكبر من المرضى، للحصول على أدلة أكثر منطقية بشأن ما إذا كان الكوندرويتين مؤثرا حقا أم لا. وأعتقد أيضا أن ميثيل سلفونيل الميثان (وهو مضاد طبيعي للالتهابات) يحتاج إلى دراسته بمزيد من التوسع؛ فبعض من مرضاي كانت استجابتهم كبيرة عند إضافته إلى نظامهم الغذائي.

هشاشة العظام

هشاشة العظام مرض يحدث بسبب سوء التغذية، والذي صار في انتشاره أشبه بالأمراض الوبائية في الولايات المتحدة. فبرغم أنها تعد إحدى أغنى دول العالم التي يتمتع قاطنوها بالتغذية الجيدة، فإن هناك أكثر من ٢٥ مليون أمريكي يعيشون عاجزين بسبب هشاشة العظام، والذي يكلف الاقتصاد الأمريكي حوالي ١٤ مليار دولار سنويا. وهناك ما لا يقل عن ١.٢ مليون كسر يحدث سنويا كنتيجة مباشرة لهشاشة العظام في الولايات المتحدة وحدها. لقد رأيت في الواقع مرضى يعانون كسورا في الورك لمجرد ذهابهم إلى عيادتي سيرا ، دون سقوط أو إصابة. إن الكسور الانضغاطية العفوية للفقرات والظهر تسبب ألما ومعاناة هائلة لدى مرضى هشاشة العظام.

وقد تم تقديم هشاشة العظام إلى الجمهور الأمريكي بوصفه مرضا لا يعتمد إلا على الإستروجين والكالسيوم. واستجابة لهذه الأزمة الوطنية، يقوم مجتمع الرعاية الصحية بمعالجة النساء بعد انقطاع الطمث مع العلاج بالهرمونات البديلة للحد من إصابتهن بهشاشة العظام.

وعلى الرغم من أن الكثيرين يعتقدون أن العلاج بالهرمونات البديلة يبطئ تطور هشاشة العظام، فإن ضرره قد يكون أكثر من نفعه. في عام ١٩٩٧ ، استعرضت مجلة نيو إنجلاند الطبية العديد من الدراسات التي أجريت على نساء أخذن بديل الإستروجين لمدة تتراوح ما بين خمس سنوات إلى عشر.

وقد كانت النتائج صادمة، حيث كشفت عن زيادة معدل إصابتهن بسرطان الثدي بدرجة تفوق ٤٠ ٪. وكان رد فعل شركات الأدوية السريع لهذا التقرير السلبي هو إقناع الأطباء بأن فوائد العلاج بالهرمونات البديلة تفوق مخاطرها بكثير، متباهية بأن التجارب السريرية الأخرى أظهرت أن المرضى الذين تناولوا الهرمونات البديلة انخفضت لديهم مخاطر الاصابة بالأزمات قلبية، والسكتات الدماغية، وألزهايمر.

إلا أن هناك دراستين رئيسيتين أخريين، وهما: دراسة أثر العلاج بهرمون الإستروجين/ البروجستين البديل على القلب، ودراسة مبادرة صحة المرأة، وكلتاهما لم تظهر أي تباطؤ في تطور الإصابة بأمراض القلب، بل إن بعض الأدلة أظهرت أن المرضى الذين يعالجون بالهرمونات البديلة ارتفع لديهم

معدل الإصابة بالنوبات القلبية، وخاصة في السنة الأولى. ومن المشوق أن هذه الدراسات أظهرت أن من يعالَجون بالهرمونات البديلة شهدوا انخفاضا هائلا في مستوى كوليسترول البروتين الدهني منخفض الكثافة (السيئ) وارتفاعا هائلا في مستوى كوليسترول البروتين الدهني مرتفع الكثافة (الجيد). فلماذا يكون هؤلاء المرضى عرضة لخطر الإصابة بأمراض القلب؟

أعتقد أن الجواب ظهر في دراسات أخرى أوضحت أن النساء اللواتي يعالَجن بالهرمونات الاصطناعية البديلة شهدن هائلة زيادة في بروتين سي التفاعلي، والتي ربما تتذكر أنه المقياس الذي نحدد به مدى التهاب الشريان. إنه أفضل بكثير في التنبؤ بحدوث النوبات القلبية في المستقبل مقارنة بالكوليسترول، وخاصة لدى النساء. تذكر أن أمراض القلب هي أمراض التهابية تصيب الشريان، ولا تحدث بسبب الكوليسترول.

عندما تفكر النساء اللاتي يرغبن في تجنب هشاشة العظام في العلاج بالهرمونات الاصطناعية البديلة في ضوء هذه الدراسات السريرية الجديدة، قد يجدن أن مساوئه لا تقل عن محاسنه، وخصوصا عند وضع زيادة خطر الإصابة بتجلط الدم في الساقين وأمراض المرارة في الاعتبار. وقد ظهرت العديد من الأدوية الجديدة لهشاشة العظام في الأسواق، مثل فوساماكس، وأكتونيل، إيفستا ، وكالسيتونين، والتي لديها القدرة على زيادة كثافة العظام. ويوصي المزيد من الأطباء بهذه الأدوية بدلًا من الهرمونات البديلة، وذلك بسبب القلق المتزايد بشأن الآثار السلبية للعلاج بالهرمونات البديلة على المدى الطويل. أظهرت بعض الدراسات قصيرة الأجل أن استخدام هذه الأدوية أدى إلى انخفاض ملحوظ في خطر الإصابة بالكسور أو تكرر الإصابة بها.

العظام ليست كالسيوم فقط، بل أنسجة حية

العظام ليست مجرد مجموعة من بلورات الكالسيوم، بل أنسجة حية تشارك باستمرار في التفاعلات الكيميائية الحيوية التي تعتمد على العديد من المغذيات الدقيقة وأنظمة الإنزيمات. وهي ككل نسيج حي، ولديها احتياجات غذائية متنوعة.

إن النظام الغذائي الأمريكي – المحتوي على كمية هائلة من الخبز الأبيض والدقيق الأبيض والسكر المكرر والدهون – يفتقر بشدة إلى كثير من هذه العناصر الغذائية الأساسية. كما أن النظام الغذائي في بلادنا يعتمد بشكل مفرط على اللحوم والمشروبات الغازية، والتي تزيد من مقدار ما نتناوله من الفوسفور بينما تضعف قدرتنا على امتصاص الكالسيوم. ويسهم نقص المواد المغذية اللازمة لصحة العظام في هشاشة العظام.

ومن الأساطير الشائعة هو أن الكالسيوم هو كل ما نحتاج إليه لبناء عظام قوية، والوقاية من هشاشة العظام. ولكن الحقيقة هي أنه لا بد أن تكون هناك مجموعة متنوعة من العناصر الغذائية الأساسية – ليس الكالسيوم وحسب – كي نتمكن من تقليل نسبة هشاشة العظام في أمتنا بالفعل.

وللحد من خطر حدوث كسور في العمود الفقري والورك والمعصم، يجب أن نولي اهتمامنا لعدة عوامل مهمة: الحفاظ على كتلة العظام، ومنع فقدان مصفوفة البروتين من العظام، والتأكد من توافر جميع العناصر الغذائية المناسبة لدى العظام والتي تحتاج إليها لإصلاح أو استبدال الأجزاء التالفة من العظام. تلعب المكملات الغذائية دورا حيويا في العوامل الثلاثة المطلوبة للحفاظ على العظام وبنائها.

مغذيات  تساعد على مكافحة مرض هشاشة العظام

● الكالسيوم Calcium

ليس هناك شك في أن نقص الكالسيوم يمكن أن يؤدي إلى هشاشة العظام، ولكن الدراسات تظهر أن نسبة لا تزيد على ٢٥ ٪ فقط من النساء يصبن بنقص في الكالسيوم بالهيكل العظمي بعد سن اليأس. وقد ثبت في الواقع أن مكملات الكالسيوم لدى أولئك النسوة زادت من كتلة العظام، ولكن لم يكن لهذه المكملات تأثير يذكر على النسبة الباقية والتي تمثل ٧٥ ٪ من النساء اللاتي لم يعانين نقصا في الكالسيوم. توضح بعض الدراسات الحديثة أن الكالسيوم وفيتامين د يبطئان

من تطور هشاشة العظام، ولكنها لم تذكر مطلقا أن هذين المكملين يمنعان الإصابة بها. كما أظهرت هذه الدراسات أيضا انخفاضا في معدل حدوث كسور بالورك والعمود الفقري والمعصم. بعبارة أخرى، الكالسيوم مفيد، لكنه ليس وحده الحل.

يعد الكالسيوم عنصرا غذائيا أساسيا في مكافحة هشاشة العظام، ويتعين على الرجال والنساء على حد سواء تناول ما يتراوح ما بين ٨٠٠ إلى ١٥٠٠ ملج من مكملات الكالسيوم يوميا، وهذا يتوقف على كمية الكالسيوم التي يحصلون عليها في نظامهم الغذائي. بإمكاننا امتصاص سيترات الكالسيوم بدرجة أكبر من كربونات الكالسيوم، ولكن بأخذ الكالسيوم في أثناء تناول الطعام وأخذ القدر المناسب من فيتامين د، سنتمكن من امتصاصهما بالدرجة نفسها تقريبا. وبغض النظر عن شكل الكالسيوم، فإن عليك أخذه في أثناء تناول الطعام لضمان الامتصاص الأمثل.

يرجى العلم أن الأطفال بحاجة أيضا إلى هذا المستوى من التغذية. فقد أثبتت الدراسات أن الأطفال الذين يتناولون ما يتراوح ما بين ٨٠٠ إلى ١٥٠٠ ملج من الكالسيوم يوميا قبل سن البلوغ، تزداد لديهم كثافة العظام تتراوح بين ٥ و ٧٪. إنه اكتشاف خطير؛ حيث إن زيادة كثافة العظام هذه ستستمر معهم وتتطور خلال مرحلة البلوغ وعلى مدار حياتهم.

● المغنيسيوم Magnesium

يحظى المغنيسيوم بأهمية كبرى في العديد من التفاعلات الكيميائية الحيوية التي تحدث داخل العظام. ينشط المغنيسيوم إنزيم الفوسفاتيز القلوي، وهو الإنزيم المطلوب في عملية تشكيل بلورات العظام الجديدة. كما أن فيتامين د يحتاج إلى المغنيسيوم لتحويله إلى شكله الأكثر نشاطا. فإذا كان هناك نقص في المغنيسيوم، فإن ذلك يمكن أن يسبب متلازمة مقاومة فيتامين د.

وقد أظهرت الدراسات الغذائية الاستقصائية أن نسبة تقدر ب ٨٠ : ٨٥ ٪ من الأمريكيين يستهلكون نظاما غذائيا يفتقر إلى المغنيسيوم.

● فيتامين د Vitamin D

يعد فيتامين د ضروريا لامتصاص الكالسيوم، وعادة ما يتم إنتاجه في الجلد عندما نتعرض لضوء الشمس. ولكن كما تعلم، يميل المرء مع التقدم في السن إلى قضاء وقت أقل في الشمس، ما يجعل نقص فيتامين د شائعا للغاية.

كما أننا نتناول فيتامين د عن طريق الفم في صورة الأطعمة المدعمة به بالإضافة إلى الحليب بالطبع، ولكن يجب أن يتم تحويل بعد ذلك إلى شكله النشط بيولوجيا، وهو فيتامين د ٣. وفي كثير من الأحيان قد يسبب تحويل فيتامين د إلى فيتامين د ٣ مشكلة أكبر من التي يسببها نقص فيتامين د؛ وهذا هو السبب في أنني أوصي بتناول مكملات فيتامين د في صورته النشطة، أي فيتامين د ٣.

ناقشت مجلة نيو إنجلاند الطبية دراسة أجراها الباحثون على ٢٩٠ مريضا أودعوا بالتتابع في الجناح الطبي بمستشفى ماساتشوستس العام لتحديد مستوى فيتامين د لديهم. لقد كانوا جميعا نشطين، أي لم يتم نقلهم من دار رعاية أو ما شابه. وفحص فريق العمل مستويات فيتامين د ووجدوا أن ٩٣ ٪ منهم كان لديهم نقص فيه. والمثير للدهشة هو أن نسبة قدرها ٩٣ ٪ من المرضى الذين كانوا يتناولون فيتامينات متعددة كان لديهم أيضا نقص في فيتامين د. إنه اكتشاف بالغ الأهمية خصوصا عندما ندرك أننا لا يمكننا امتصاص الكالسيوم دون وجود فيتامين د! وخلصت الدراسة إلى أنه على الجميع تناول مكملات فيتامين د على مستوى أعلى بكثير من الجرعة اليومية الموصى بها. في الواقع، خلص الباحثون إلى أن تناول ما يتراوح بين ٥٠٠ إلى ٨٠٠ وحدة دولية من فيتامين د يوميا أمر بالغ الأهمية في القضاء على وباء هشاشة العظام. تذكر أنك ستمتص الكالسيوم بدرجة أفضل بكثير إذا تناولته مع فيتامين د بالإضافة إلى الطعام.

● فيتامين ك Vitamin K

نحتاج إلى فيتامين ك لإنتاج الأوستيوكالسين، وهو البروتين الموجود بكميات كبيرة داخل العظام؛ ولذلك فإن له أهمية بالغة في بناء العظام، وإعادة بنائها، وإصلاحها. في تجربة سريرية كان لفيتامين ك الذي تناوله مرضى هشاشة العظام أثر في انخفاض مستوى نقص كالسيوم البول بنسبة ١٨ إلى ٥٠ ٪. وهذا يعني أن فيتامين ك يساعد الجسم على امتصاص الكالسيوم والاحتفاظ به بدلا من التخلص منه.

● المنجنيز Manganese

يعد المنجنيز ضروريا في بناء النسيج الضام في الغضاريف والعظام. ومثل المغنيسيوم، يُفقد المنجنيز عند تصنيع الدقيق المكرر من الحبوب الكاملة. وأظهرت دراسة أجريت على نساء أصبن بهشاشة العظام أن مستويات المنجنيز لم تتعد نسبة ٢٥ ٪ لدى النساء المصابات في المجموعة الضابطة. كما أن علينا الحفاظ على المستويات المثلى من هذا المغذي لضمان الوقاية من هشاشة العظام.

● حمض الفوليك Folate، وفيتامين ب٦، وفيتامين ب١٢

هل هذا المزيج يبدو مألوفا؟ لا بد أنه كذلك؛ فالهوموسيستين لا يضر الأوعية الدموية وحسب، بل يضر عظامك أيضا. وقد ثبت أن الأفراد الذين يعانون ارتفاعا شديدا في مستوى الهوموسيستين مصابون بهشاشة عظام حادة كذلك.

ومن المشوق أن النساء قبل انقطاع الطمث لديهن كفاءة أكبر في تكسير الميثيونين؛ ما يقلل من تراكم الهوموسيستين لديهن. وهذا يتغير كثيرا بعد سن اليأس، حيث ترتفع لدى النساء مستويات الهوموسيستين بدرجة أعلى بكثير في تلك الفترة. أيمكن أن يفسر هذا – ولو جزئيا – تزايد خطر الإصابة بأمراض القلب وهشاشة العظام لدى النساء بعد انقطاع الطمث؟ تظل الحقيقة في النهاية أن النساء بحاجة إلى كميات أعلى من حمض الفوليك وفيتامين ب٦، وفيتامين ب١٢.

● البورون Boron

يعد البورون مغذيا مهمًّا عندما يتعلق الأمر باستقلاب العظام. في دراسة أجريت على أفراد تناولوا البورون في صورة مكملات، انخفض مستوى نقص كالسيوم البول بنسبة ٤٠ ٪ تقريبا. كما أن البورون يزيد من تركيز المغنيسيوم ويقلل من مستويات الفسفور. ويعد تناول ٣ ملج يوميا من مكملات البورون هو أكثر من كاف.

● السيليكون Silicon

ترجع أهمية السيليكون لقدرته على تقوية مصفوفة النسيج الضام، ما يقوي العظام. ويكون مرضى هشاشة العظام -وهم أكثر الراغبين في إنتاج عظام جديدة – بحاجة إلى كميات متزايدة من السيليكون.

● الزنك Zinc

هذا المعدن ضروري ليعمل فيتامين د بصورة طبيعية. وقد تم العثور على مستويات منخفضة من الزنك في مصل الدم والعظام لدى مرضى هشاشة العظام.

الوقاية من هشاشة العظام

أؤكد لك شيئا واحدا: أنت لا تريد أن تصاب بمرض بهشاشة العظام. لقد عالجت العديد من الحالات المتفاقمة. إنه مرض منهك ومؤلم، يُعاني مرضاه كسورا مستمرة في العمود الفقري وألما شديدا لفترات طويلة من الوقت. وكما أوضحتُ، هشاشة العظام ليست مجرد مرض ناجم عن نقص الكالسيوم والإستروجين. تحتاج أجسامنا لمغذيات متعددة لإعادة تشكيل العظام وإنتاج عظام صحية جيدة.

كما أننا بحاجة للسيطرة على الإجهاد التأكسدي. فالدراسات الحديثة تظهر أن الأشخاص الذين يعانون انخفاض كثافة العظام يزداد لديهم الإجهاد التأكسدي. أنت لست بحاجة لاستكمال هذه العناصر الغذائية المهمة اللازمة لإنتاج العظام وحسب، بل عليك أيضا تناول جميع مضادات الأكسدة والمواد الغذائية الداعمة لبناء نظام الدفاع المضاد للأكسدة داخل جسمك.

إنني أشجع جميع مرضاي – نساء ورجالا، ويفضل قبل بلوغهم الأربعين – على تناول مكملات جيدة النوعية، كمضادات الأكسدة والمعادن، فضلا عن كميات إضافية من الكالسيوم، والمغنيسيوم، والبورون، والسيليكون. ومن المهم للغاية بالنسبة للبالغين أن يتبعوا نظاما غذائيا صحيا وبرنامجا رياضيا مناسبا. وعلى تمارين رفع الأثقال أن تكون جزءا من هذا البرنامج؛ كونها عنصرا ضروريا في تحفيز الجسم على إنتاج مزيد من العظام. يساعد المشي منطقة أسفل الساقين ولكنه لا يساعد منطقة الظهر أو الوركين بما يكفي. وتعد تمارين المقاومة للجزء العلوي باستخدام وزن الجسم – مثل رفع الأثقال على رأسك – بالغة الأهمية لأي شخص يحاول حماية نفسه من هذا المرض المدمر.

حتى عندما تجد المريضات بعد سن انقطاع الطمث أدلة على ترقق العظام في وقت مبكر – أي هشاشة العظام – فإنهن عادة ما يتمكَّنَّ من تعزيز كثافة العظام مع هذا البرنامج نفسه. عادة ما أؤجل وصف أدوية مثل فوسوماكس، أو كتونيل، أو فيستا، أو كالسيتونين في هذه الحالة إذا كانت مريضاتي مستعدات لإجراء بعض التغييرات في نمط الحياة: بتناول المكملات الغذائية جيدة النوعية، واتباع نظام غذائي متفق عليه، والسير على برنامج رياضي يشتمل على تمارين رفع الأثقال.

إنني أتتبع حالات أولئك المريضات عن كثب من خلال إجراء فحص دوري لكثافة العظام لديهن كل عام. إذا كانت الحالة مستقرة أو إذا تحسنت، فإنني أطلب من المريضة الاستمرار في اتباع برنامجها وأظل أتابعها عن كثب. أما إذا صارت عظامها أكثر رقة، فإنني أصف للمريضة أحد هذه الأدوية الجديدة.

إن التغذية الخلوية هي مفتاح الوقاية من التهاب المفاصل وهشاشة العظام.

إن الوقاية من هذا المرض الذي يُعجِز صاحبَه ليست مجرد مسألة زيادة في مستوى الكالسيوم أو نقص في مستوى الإستروجين، بل إنه مرض تستطيع فيه المكملات الغذائية العمل مع جسمك للحفاظ على صحتك أو استعادة صحتك المفقودة.

اسأل طبيب مجاناً