التصنيفات
صحة ورعاية الطفل

قوة الكلمات: طرق أفضل للتشجيع وتوجيه الأبناء

في علم النفس، لا نقول أبداً للطفل، “إنك لصبي صغير طيب”. “إنك عظيم”. الثناء الذي يُصدر الأحكام أو التقييم يتم تجنبه. لماذا؟ لأنه غير مساعد. إنه يحمل على الانزعاج، ويدعو إلى الخصوصية، ويشجع على اتخاذ موقف الدفاع. إنه لا يُسهم بتشجيع الاعتماد على الذات، والتحكم بالذات، وهذه صفات تتطلب الاستقلال عن الأحكام الخارجية. إنها تتطلب الاعتماد على الاندفاع والتقييم الداخليان. يحتاج الأولاد ليكونوا متحررين من ضغط الثناء التقييمي حتى لا يصبح الآخرون مصدراً لارتياحهم.

ألم يعد المديح مناسباً للأطفال أبداً؟

يأتي سوء التصرف أحياناً في أقل الأوقات توقعاً.

كان الوقت صباح يوم الاثنين بعد عطلة العيد. كانت العائلة داخل السيارة عائدة للمنزل من بيتسبورغ إلى نيويورك. في الجزء الخلفي من السيارة تصرف أيمن، وهو بعمر السادسة، كالشاطر، وكان هادئاً وغارقاً في التفكير. قالت أمه لنفسها، إنه يستحق بعض الثناء. كانوا داخلين لتوهم إلى نفق لينكولن عندما التفتت صوبه وقالت، “إنك لولد طيب، يا أيمن. لقد تصرفت جيداً. أنا فخورة بك”.

بعد دقيقة من الزمن قام أيمن بانتزاع منفضة السجائر من السيارة وسكب محتوياتها على والديه. استمر الرماد وبقايا السجائر بالتساقط داخل السيارة كرذاذ ذري. كانت العائلة ما تزال في النفق، وسط حركة سير كثيفة، وكادوا يختنقون. كان باستطاعة أم أيمن أن تقتله. وأكثر ما أثار حنقها هو أنها كانت قد انتهت لتوها من مديحه. ألم يعد المديح مناسباً للأطفال أبداً؟ تساءلت في نفسها.

وبعدها بأسابيع كشف أيمن سبب ثورته. على طول الطريق كان يُسائل نفسه كيف يمكنه أن يتخلص من أخيه الأصغر، الذي حال بينه وبين أمه وأبيه في مقدمة السيارة. وأخيراً خطرت له الفكرة أنه إذا قُطعت السيارة في الوسط، فإنه ووالديه سيكونون بأمان، لكن سيتم قطع الطفل نصفين. وفي هذا الوقت بالذات قامت أمه بتهنئته على طيبته. جعله المديح يشعر بالذنب، وأراد بكل قوة أن يُظهر بأنه ليس أهلاً له. تطلع حوله، ورأى منفضة السجائر، والبقية تبعت فوراً.

إن قمت بعمل جيد فإن هذا لا يجعل منك إنساناً طيباً

يعتقد معظم الناس أن المديح يبني ثقة الأولاد بأنفسهم، ويجعلهم يشعرون بالأمان. وفي واقع الأمر فإن المديح يمكن أن ينتج عنه التوتر وسوء التصرف. لماذا؟ يملك العديد من الأولاد، ومن وقت إلى وقت، رغبات محطمة حول أفراد عائلاتهم. وعندما يقول الوالدين لطفل، “إنك لولد رائع” فمن المحتمل أنه لا يستطيع تقبل هذا الأمر لأن صورته عن نفسه هي مختلفة تماماً. فبالنسبة إليه، لا يمكنه أن يكون (طيباً) في حين أنه قد تمنى لتوه أن تختفي أمه أو أن يمضي أخاه عطلة الأسبوع التالي في المستشفى. في واقع الأمر، فكلما زاد المديح له، كلما أساء التصرف أكثر وذلك كي يُظهر (صورته الواقعية). يبلّغ الأهل في مرات كثيرة أنه مباشرة بعد مديح أولادهم نتيجة تصرف جيد، فإنهم يبدأون بالتصرف بوحشية، كما لو أنهم يريدون نقض المديح الذي تلقوه. من المحتمل أن يكون سوء التصرف هو طريقة الأولاد للتبليغ عن تحفظات خاصة حول صورة عامة.

ليس من الغريب بالنسبة للأولاد الذين تلقوا المديح لأنهم لامعين، أن يُصبحوا أقل ميلاً ليأخذوا على عاتقهم مهمات تعليمية تثير التحدي لأنهم لا يريدون المخاطرة بوضعهم الجيد. وبالمقابل، عندما يُمتدح الأولاد لأجل مجهوداتهم، فإنهم يصبحون أكثر إصراراً في المهمات الصعبة.

المديح المطلوب وغير المطلوب

المديح، مثله مثل البنيسلين، يجب ألا يُوزع عشوائياً. هناك قواعد وتحذيرات بالتعاطي مع الأدوية القوية – قواعد حول التوقيت والجرعة، وتحذيرات حول مضاعفات محتملة بإثارة الحساسية. هناك تعليمات مشابهة حول توزيع الدواء العاطفي أيضاً. القاعدة الوحيدة والأكثر أهمية هي أن المديح يجب أن يُوجّه نحو مجهودات الطفل وإنجازاته، وليس إلى شخصيته ونفسيته.

يوضح المثال التالي المديح المطلوب: عملت جولي، وهي في الثامنة، بجد في تنظيف باحة المنزل. قامت بكنس أوراق الشجر، وأزالت النفايات، وأعادت ترتيب الأدوات. تأثرت والدتها وقامت بالتعبير عن رضاها عن مجهوداتها ومنجزاتها:

الوالدة: “كانت الباحة في غاية القذارة. لم أكن لأصدق بأنه من الممكن تنظيفها بيوم واحد”.
جولي: “لقد فعلت ذلك!”.
الوالدة: “لقد كانت مليئة بأوراق الشجر والنفايات وأشياء أخرى”.
جولي: “إنني نظفتها كلها”.
الوالدة: “لا شك بأنك بذلت مجهوداً كبيراً!”.
جولي: “نعم، بالتأكيد فعلت ذلك”.
الوالدة: “الباحة نظيفة جداً الآن. إنه لمن المفرح أن ينظر الإنسان إليها”.
جولي: “إنها مرتبة”.
الوالدة: “إن وجهك المشرق يكشف لي عن مدى افتخارك. شكراً لك يا عزيزتي”.
جولي (بابتسامة عريضة جداً): “أهلاً بك”.

شعرت جولي بالسعادة نتيجة كلمات أمها عن مجهودها وبالفخر نتيجة إنجازها. في تلك الأمسية بالكاد استطاعت انتظار مجيء والدها إلى المنزل كي تريه الباحة التي نُظفت ولكي تشعر ثانية بالفخر في أعماقها نتيجة عمل أُنجز بشكل جيد.

وبالمقابل، فإن كلمات المديح التالية والتي وُجهت لشخصية الطفل هي غير مساعدة:

“يا لك من ابنة رائعة”.
“أنت حقاً مساعدة أمك الصغيرة”.
“ماذا عسى والدتك أن تفعل بدونك؟”.

مثل هذه التعليقات يمكنها تهديد الطفلة وأن تسبب لها الإزعاج. من الممكن أن تشعر أنها بعيدة عن أن تكون رائعة وأنها غير قادرة على أن يتطابق هذا الوصف مع حياتها. إذاً، بدلاً من الانتظار بخوف حتى تنكشف الخدعة، فمن الممكن أن تريح نفسها من العبء فوراً بواسطة اعتراف على شكل سوء تصرف. إن الثناء المباشر على الشخصية، هو مثل ضوء الشمس المباشر، غير مريح ويسبب العمى. إنه لمن المحرج لفتاة ما أن يتم إخبارها بأنها رائعة، ملائكية، كريمة، ومتواضعة. أنها تشعر بأنها مضطرة لإنكار قسم من الثناء على الأقل. وفي العلن، فإنها لا يمكن أن تقف وتقول، “شكراً، أنا أتقبل كلماتكم بكوني رائعة”. ولكن في السرّ، أيضاً، فإن عليها أن ترفض مثل هذا المديح. إنها لا تستطيع أن تقول بعفوية لنفسها، أنا رائعة، أنا طيبة، وقوية، وكريمة، ومتواضعة. من الممكن ألا تكتفي برفض المديح بل أن يكون لديها أفكار أخرى حول الذين قاموا بمدحها. إن وجدوني بهذه العظمة، فلعلهم ليسوا أذكياء.

تعلّم عملية المديح

يتألف المديح من قسمين: الذي نقوله للأولاد والأشياء التي يقولونها لأنفسهم بدورهم.

يجب على كلماتنا أن تحدد بوضوح ما الذي نحبه ونتقبله حول الأولاد وجهودهم، مساعدتهم، وعملهم، واعتباراتهم، وإبداعهم أو إنجازاتهم. إن كلماتنا يجب أن تُصاغ بشكل يُمكن للطفل أن يخرج منها باستنتاج واقعي حول شخصيته أو شخصيتها. يجب على كلماتنا أن تكون كالكانفا السحرية التي لا يستطيع الأطفال حيالها إلا أن يرسموا صورة إيجابية لأنفسهم.

قام كريم، وهو بعمر الثامنة، بمساعدة والده على ترتيب الطابق السفلي. وأثناء العملية كان عليه أن ينقل أثاثاً ثقيلاً من مكانه.

الوالد: “إن طاولة العمل هذه ثقيلة جداً. من الصعب إزاحتها”.
كريم (بزهو): “لكني أزحتها”.
الوالد: “إنها تتطلب الكثير من القوة”.
كريم (مُظهراً عضلاته): “أنا قوي”.

قام والد كريم، في هذا المثال، بالتعليق على صعوبة المهمة. لقد قام كريم بنفسه بلفت الانتباه إلى قوته الشخصية. لو قال له والده، “أنت قوي جداً، يا بني” لكان من الممكن أن يجيب، “لا، أنا لست كذلك. يوجد صبيان أقوياء أكثر مني في صفي”. وعندها فإن جدالاً عقيماً، إن لم يكن مرّاً، كان من المحتمل أن يتبع هذا.

عادة ما نقوم بمديح أطفالنا عندما نريدهم أن يشعروا بشكل أفضل تجاه أنفسهم. لماذا إذاً، عندما نقول لابنتنا، “أنت جميلة!” فإنها تنكر ذلك. لماذا إذاً، وعندما نقول لابننا، “إنك لامع”، فإنه يشعر بالحرج وينصرف بعيداً. هل من الممكن أن يكون من الصعب إرضاء أولادنا إلى درجة أنه حتى المديح لا يقوم بمساعدتهم؟ بالطبع لا. والأقرب إلى الواقع هو أن يكون أطفالنا، مثل معظم الناس، لا يتجاوبون مع كلمات المديح التي تقيّم شخصياتهم أو خصائصهم الذهنية. يجب ألا يكون الأطفال موضع تقييم.

هناك طريقة أفضل: التوصيف الذي يُسرف في البهجة والإعجاب والكلمات التي تُوصل الاعتراف بالمجهود، والتعابير التي تنقل الاحترام والتفهم.

كانت جيهان، وهي بعمر الثانية عشرة، لوحدها في المنزل ذات مساء حينما حاول لص اقتحام المنزل. حاولت أن تنادي الجيران، لكن لم يجاوبها أحد. ثم قامت بالاتصال بالبوليس.

وجد والداها عندما عادا إلى المنزل رجل بوليس وهو يأخذ إفادتها. كان الوالد والوالدة مندهشين بالطريقة التي تعاملت فيها مع الحادث المرعب.

إلا أنهما لم يقوما بالثناء عليها عن طريق القول إنها بنت رائعة، ولا بأنها بنت ناضجة. بدلاً من ذلك قاما بالتكلم عن الوضع وقاما بالاستفاضة عن مدى قبولهما لسلوكها الفعال.

أبلغها والدها: “إن الطريقة التي تصرفت بها تنطبق على تعريف هيمنغواي للشجاعة: (غريس تحت الضغوط). كم هو من المؤثر أن ترى ابنة الثانية عشرة وهي تحافظ على هدوئها في ظروف صعبة، وهي تفعل ما بوسعها كي تحمي نفسها، وتنادي جيرانها، ثم تطلب البوليس. وأن نراك تعطين التفاصيل الضرورية. أمك وأنا نكنّ لك الكثير من الاحترام”.

أصغت جيهان في حين أنها بدأت بالاسترخاء. وارتسمت ابتسامة كبيرة على وجهها ثم قالت: “أظنني أستطيع القول إنني أتعلم كيفية مواجهة الحياة”.

وبسبب استجابة والديها، لم تقم جيهان بالشكوى لأنها تُركت وحيدة. وعلى العكس من ذلك، لقد خرجت من وضع مخيف وهي تشعر بأنها أكثر جدارة.

وهنا مثال آخر: أمضت والدة عمر الأمسية وهي تراقب ابنها يلعب كرة القدم. وبعد انتهاء المباراة، أرادت أن تتشارك مع ابنها التقدير لمهارته وإنجازاته، وقامت بوصف الأشياء التي أثرت فيها بشيء من التفصيل: “كان من الممتع أن أتفرج عليك وأنت تلعب كرة القدم هذا المساء، وخصوصاً الثواني العشر الأخيرة عندما اغتنمت فرصةً للتسديد. لقد ركضت كل المسافة إلى الجانب الآخر من الملعب منطلقاً من مركزك الدفاعي وسجلت هدف الفوز. بالتأكيد يجب أن تكون فخوراً للغاية!”.

لقد قامت بإضافة “يجب أن تكون فخوراً للغاية” لأنها أرادته أن يطور فخراً داخلياً بنفسه.

عمد والدّ إلى الطلب من ابنته البالغة عامها السادس، جينيفر، بمساعدته على تجميع أوراق الشجر التي قام بكنسها. وعند الانتهاء من العمل، أشار الوالد إلى الكومات وقال، “واحدة، اثنتان، ثلاثة، أربعة، خمسة، ست كومات في ثلاثين دقيقة! كيف استطعت إنجاز هذا العمل بمثل هذه السرعة؟” وذلك المساء وبينما كانت جينيفر تتمنى لوالدها ليلة طيبة، قالت له، “أبي هل تستطيع أن تخبرني عن الكومات مرة أخرى؟”.

يتطلب الأمر الكثير من الجهود كي نكون محددين ووصفيين في مديحنا. يستفيد الأولاد من المعلومات والتقدير أكثر مما يستفيدون عندما يجري تقييم نفسياتهم.

تركت والدة جميل هذه الملاحظة على غيتار ابنها: “إن عزفك يمنحني سعادة عظيمة”. كان ابنها مسروراً. “شكراً لك على قولك بأنني عازف ماهر”، لقد قام بالتعبير عن تقدير أمه بواسطة عبارة من المديح الذي تلقّاه.

يمكن للمديح أن يكون محبطاً. وهذا يعتمد على الذي تقوله الطفلة لنفسها بعد أن تسمع مديحاً.

عندما وصلت ليندا، البالغة الثانية عشرة، إلى المرحلة الثالثة من لعبة الفيديو التي كانت تلعبها، صاح بها والدها، “أنت عظيمة! إنك تملكين تنسيقاً متكاملاً! إنك لاعبة خبيرة”. فقدت ليندا رغبتها بمتابعة اللعب وانصرفت. لقد جعل مديح والدها من الصعب عليها أن تتابع لأنها قالت لنفسها، “يظن والدي إنني لاعبة عظيمة، لكنني لست خبيرة. لقد وصلت إلى المرحلة الثالثة بالحظ. إن جربت ثانية، فقد لا أصل للمرحلة الثانية. من الأفضل لي أن أنهي اللعبة وأنا متقدمة”. “كان بإمكان والدي أن يكون مساعداً أكثر لو أنه اكتفى بالمراقبة، “لا شك أن الوصول لمرحلة جديدة هو شيء رائع”.

توضح الأمثلة التالية هذه النقطة أكثر:

مديح مساعد: شكراً للقيام بتنظيف السيارة، إنها تبدو جديدة مرة أخرى.
استنتاج محتمل: لقد قمت بعمل جيد. عملي يلقى التقدير.
مديح غير مساعد: أنت شاطر.

مديح مساعد: لقد استلطفت بطاقتك التي تتمنى لي الشفاء فيها. لقد كانت بغاية الجمال واللباقة.
استنتاج محتمل: لديّ ذوق جيد. أستطيع الاعتماد على خياراتي.
مديح غير مساعد: إنك تراعي الآخرين دائماً.

مديح مساعد: قصيدتك مسّت قلبي.
استنتاج محتمل: أنني لسعيد بأن أستطيع كتابة القصائد.
مديح غير مساعد: إنك لشاعر عظيم في مثل سنك.

مديح مساعد: المكتبة التي قمت بصنعها تبدو أنيقة.
استنتاج محتمل: إنني قادر.
مديح غير مساعد: إنك لنجار ماهر.

مديح مساعد: لقد بعثت رسالتك فيّ بهجة عظيمة.
استنتاج محتمل: إنني أستطيع أن أمنح الآخرين البهجة.
مديح غير مساعد: أنت كاتب ممتاز.

مديح مساعد: إنني أقدر كثيراً تنظيفك للصحون هذا اليوم.
استنتاج محتمل: إنني شخص مسؤول.
مديح غير مساعد: لقد قمت بعملي أفضل من أي شخص آخر.

مديح مساعد: شكراً على إخباري بأنني قمت بإعطائك أجرة زائدة. إنني أقدر ذلك كثيراً.
استنتاج محتمل: إنني مسرور كوني أميناً
مديح غير مساعد: إنك لطفل أمين.

مديح مساعد: لقد أعطاني موضوعك عدة أفكار جديدة.
استنتاج محتمل: باستطاعتي أن أكون أصيلاً.
مديح غير مساعد: إنك فوق مستوى صفك. بالطبع ما زال أمامك الكثير كي تتعلمه.

مثل هذه العبارات الوصفية واستنتاجات الأطفال الإيجابية هي أحجار بناء الصحة الذهنية. إن الأشياء التي يستنتجونها عن أنفسهم استجابة لكلماتنا، يعيد الأولاد صياغتها لأنفسهم لاحقاً. إن التصريحات الواقعية والإيجابية التي تتكرر في أعماق الأولاد تقرر إلى حدٍّ بعيد رأيهم الصالح عن أنفسهم والعالم من حولهم.

تزويد ولدك بالتوجيه بدلاً من النقد

النقد والمديح هما وجهان لعملة واحدة. كلاهما يقدّر. ولتجنب كوننا نقدّر، فإن علماء النفس لا يستعملون النقد للتأثير على الأطفال. إنهم يستعملون التوجيه. في حالة النقد فإن الوالدين يقومان بمهاجمة ميزات شخصية أولادهم ونفسياتهم. في التوجيه، نحن نحدد المشكلة وحلاً ممكناً. إننا لا نقول شيئاً للولد عن نفسه أو نفسها.

عندما أراقت ناديا، البالغة الثامنة من عمرها، العصير عن غير قصد قامت والدتها بالتعليق بهدوء، “إنني أرى العصير وقد انسكب. دعينا نحصل على كوب آخر من العصير، وإسفنجة”. ثم نهضت وناولت ابنتها العصير والإسفنجة. نظرت ناديا إليها بارتياح وعدم تصديق، وتمتمت، “إلهي، شكراً، أمي”. نظفت الطاولة بينما كانت أمها تساعدها. لم تقم بإضافة تعليقات جارحة أو تنبيهات غير مفيدة. روت والدة ناديا، “كنت على وشك قول، كوني حريصة في المرة القادمة، لكني عندما رأيت مدى امتنانها على سكوتي الخيّر لم أقل شيئاً”.

عندما تحصل الأخطاء، فذلك لا يكون الوقت المناسب لتعليم المخطئ أي شيء حول شخصيته. وعندما تحصل الأخطاء، فمن الأفضل أن نتعامل مع الحادثة فقط، وليس مع الشخص.

تصوّر بأنك تقود برفقة شخص تحبه وقد أخطأت السير عند منعطف. هل يكون من المساعد منه أو منها أن يقولوا، “لماذا أخطأت بالمنعطف؟ ألم ترَ الإشارة؟ هناك خلفنا إشارة كبيرة وبإمكان أي شخص أن يراها”. هل كنت ستشعر في تلك اللحظة بدفق كبير من الحب؟ هل كنت ستقول لنفسك، إنني عازم على تحسين قيادتي وقراءتي لأنني أريد أن أرضي من أحب؟ أو هل ستكون مدفوعاً لأن تستجيب بشكل جيد؟ ما هو الشيء الذي يكون مساعداً. التأوه العاطفي المتحنن مثل: “أوه، يا عزيزي، كم أن هذا الأمر هو مخيب!” أو هذه المعلومة البسيطة فقط! “هناك مخرج على بعد أحد عشر ميلاً من هنا”.

عندما تقع الأخطاء، قم بالاستجابة بدلاً من القيام بردة فعل

تتطور المشاكل في العديد من البيوت بين الأهل والأولاد في متتابعة معروفة. يقول الولد أو يفعل شيئاً “خاطئ”. تكون ردة فعل الأب شيئاً مُهيناً. يرد الولد بشيء أسوأ. يثور الوالد بتهديدات عالية النغمة. ثم تدب الفوضى.

كان نادر وهو بعمر السابعة يلعب بفنجان فارغ خلال تناول طعام الإفطار بينما كان والده يقرأ صحيفة.

الوالد: “ستكسره. أنت تكسر الأشياء دائماً”.
نادر: “لا أنا لا أقوم بذلك”.
في هذه اللحظة يسقط الفنجان على الأرض وينكسر.
الوالد: “أنت غبي لأنك تصرخ بصوتٍ عالٍ، إنك شديد الغباء. أنت تكسر كل شيء في البيت”.
نادر: “أنت غبي أيضاً. لقد كسرت طبق أمي المفضل”.
الوالد: “لقد وصفت أباك بالغبي! أيها الوقح”.
نادر: “أنت وقح. لقد وصفتني بالغباء أولاً”.
الوالد: “لا أريد أن أسمع أية كلمة منك! إصعد إلى غرفتك فوراً!”.
نادر: “هيا، اجعلني أصعد!”.

أمام هذا التحدي المباشر لسلطته، أصبح الوالد مغتاظاً. أمسك بابنه وبدأ يضربه بكل قسوة. وأثناء محاولته الهرب، قام نادر بدفع والده نحو باب زجاجي. انكسر الزجاج وتسبب بجرح يد والده. أوقع منظر الدم نادر في ذعر. خرج راكضاً من المنزل ولم يره أحد حتى وقت متأخر من المساء. لقد كان المنزل بكامله مضطرباً ولم ينم أحد جيداً في تلك الليلة.

إن كون نادر قد تعلم أو لم يتعلم تجنب الفناجين الفارغة هو شيء أقل أهمية من الدرس السلبي الذي تعلمه حول نفسه ووالده. والسؤال هو، هل كانت هذه المعركة ضرورية؟ هل كان العراك لا مهرب منه؟ أو أن بالإمكان التعاطي مع مثل هذه الحوادث بحكمة أكبر؟

لدى رؤية ابنه وهو يلعب بالفنجان، كان بإمكان الوالد أن يسحبه منه ويوجه انتباهه لبديل مناسب أكثر، كرة مثلاً. أم عندما انكسر الفنجان كان بإمكانه مساعدة ابنه في التخلص من الأجزاء المكسورة، مع تعليقات مثل: “الفناجين معرضة للكسر بسهولة. من كان يعتقد أن مثل هذا الفنجان الصغير بإمكانه التسبب بمثل هذه الفوضى الكبيرة”.

كان بإمكان المفاجأة الناتجة عن هذه الجملة ذات الوتيرة المنخفضة أن تحمل نادر على التكفير عن فعلته والاعتذار بشأن هذه الحادثة المؤسفة. وفي غياب الصراخ والضرب، كان بإمكانه حتى أن يتمتع بحضور الذهن ليستنتج بأن الفناجين غير معدّة للعب.

الحوادث المؤسفة الصغيرة والقيم المهمة. من خلال حوادث مؤسفة صغيرة بإمكان الأطفال أن يتعلموا دروساً مهمة بالقيم. يحتاج الأطفال أن يتعلموا من والديهم التمييز بين الحوادث التي هي مجرد غير مفرحة ومزعجة وبين تلك المفجعة والمأساوية. يقوم العديد من الأهل بردة فعل تجاه بيضة مكسورة مثلما يفعلون تجاه ساق مكسورة، وتجاه زجاج نافذة مهشم كما يفعلون تجاه قلب محطم. يجب أن تعيّن الحوادث المؤسفة التافهة كأشياء تافهة للأطفال: “وهكذا لقد فقدت قفازيك مجدداً”. إن هذا هو شيء مزعج. إنه مؤسف، لكنه ليس بالشيء الكارثي. إنه فقط حادثة مؤسفة.

إن قفازاً مفقوداً يجب أن يقود فقط إلى تعكير المزاج، وليس بالضرورة أن يدفع قميصاً ممزق نحو الفوضى كما هي الحال في التراجيديا اليونانية.

وعلى النقيض من ذلك، فإن بإمكان الحوادث المؤسفة أن توفر الفرصة المناسبة لتعليم القيم. بدأت ديانا، ذات الثمانية أعوام، بالبكاء بمرارة عندما فقدت الحجر الكريم في خاتمها. نظر والدها إليها وقال بكل وضوح وقوة، “جواهر المولد في بيتنا ليست بتلك الأهمية. الناس هم المهمون. المشاعر هي المهمة. كل شخص معرض لأن يفقد حجراً، لكن الأحجار يمكن تعويضها. إنها مشاعرك أنت ما يهمني. أنت تحبين ذلك الخاتم حقاً. آمل أن تجدي الحجر”.

إن الانتقاد من قبل الوالدين هو شيء غير مساعد. إنه يولد الغضب والسخط. وحتى أسوأ من ذلك، فالأولاد الذين يتعرضون للنقد بصورة مستمرة يتعلمون إدانة أنفسهم والآخرين. إنهم يتعلمون أن يشكّوا بقيمتهم الذاتية وأن يستصغروا قيمة الآخرين. إنهم يتعلمون أن يشكّوا بالناس وأن يتوقعوا مصيرهم الشخصي.

وعد جهاد، البالغ من العمر أحد عشر عاماً، بأن يقوم بغسل سيارة العائلة. إلا أنه نسي إن يفعل ذلك. ثم قام بمحاولة آخر دقيقة ليقوم بالعمل لكنه لم يتمكن من إنهائه.

الوالد: “تحتاج السيارة لعمل أكثر، يا بني، وخصوصاً على سطحها والجهة اليسرى منها. متى باستطاعتك القيام بذلك؟”.
جهاد: “أستطيع العمل على السيارة هذه الليلة”.
الوالد: “شكراً لك”.

وفي مكان النقد، أعطى الوالد معلومات بدون أي انتقاص لابنه، مفسحاً المجال له للقيام بالمهمة بدون أن يصبح غاضباً. تصور كيف كان يمكن لجهاد أن يتصرف بطريقة مختلفة لو أن والده استعمل النقد في سعيه لتثقيف ابنه:

الوالد: “هل قمت بغسل السيارة؟”.
جهاد: “نعم يا أبي”.
الوالد: “هل أنت متأكد؟”.
جهاد: “أنا متأكد”.

الوالد: “أتدعو هذا غسلاً؟ لقد قمت باللعب بها كعادتك دائماً. المرح، إنه كل ما ترغب به. أتعتقد أنه يمكنك الاستمرار بالحياة هكذا؟ مع هذا العمل الموحل لن تصمد يوماً واحداً في وظيفة. إنك شخص غير مسؤول، هذا ما أنت عليه!”.

وأيضاً لم تعرف والدة ناديا، البالغة من العمر تسعة سنين، كيف تستجيب لابنتها، بدون الانتقاد.

في أحد الأيام، وعندما عادت ناديا إلى المنزل من مدرستها، وهي بحالة هستيرية تشكو، “لقد حدثت كل الأشياء لي هذا اليوم؛ لقد وقعت كتبي في البركة؛ وظل الأولاد يفتعلون المشاكل معي، وأحدهم سرق حذائي،” وبدل أن تقوم أمها بالتعاطف معها، فقد لامتها وانتقدتها: “لماذا تحدث كل هذه الأشياء معك؟ لماذا لا تكونين مثل غيرك من الأولاد؟ ما خطبك؟” بدأت ناديا بالبكاء. ما هو الشيء الذي كان بإمكانه أن يساعد ناديا على الشعور بالتحسن؟ إنه اعتراف متعاطف بسيط بصعوبة يومها: “أوه، يا عزيزتي، بالتأكيد مرّرت بيوم صعب فوق العادة!”.

النعوت المهينة تؤذي أولادنا

الصفات المهينة، مثل السهام المسمومة، يجب عدم استعمالها ضد أولادنا. وعندما يقول شخص، “هذا كرسي بشع”. فلا شيء يحدث للكرسي. إنها لا تشعر بالإهانة ولا بالإحراج. إنها تبقى كما هي بغض النظر عن الصفة التي ألصقت بها. عموماً، عندما يوصف الأولاد بالبشعين أو بالغباء أو بالبلادة، فإن شيئاً يحدث لهم. هناك تفاعلات في أجسامهم وفي أنفسهم. ينمو السخط فيها، والغضب، والكره. تبرز خيالات الانتقام. ويظهر على السطح السلوك غير المطلوب وأعراض أخرى متعبة. إن الهجومات اللفظية تنتج سلسلة من التفاعلات تجعل الأولاد وأهلهم في حالة مزرية.

عندما يوصف الولد بالبلادة، فمن الممكن أن يرد في البداية “لا، أنا لست بليداً”. ولكن في أكثر الأحيان يقوم بتصديق والديه، إنه يبدأ بالتفكير بنفسه على أنه شخص بليد. وعندما يحدث أن يتعثر أو أن يسقط، فمن الممكن أن يقول لنفسه بصوت عال، “إنك لبليد جداً!” ومنذ ذلك الحين وصاعداً، سيقوم بتجنب الظروف التي تحتاج إلى بداهة لأنه مقتنع بأنه بليد بما فيه الكفاية كي لا ينجح.

عندما يتم إخبار بنت وباستمرار من قبل والديها ومعلميها بأنها غبية، فإنها تميل إلى تصديق ذلك. وتبدأ بالتفكير عن نفسها بهذه الطريقة. ثم تقوم بترك المجهودات الفكرية، وتعتقد أن تجنب الإهانة يكون بتجنب المسابقات والمنافسات. يتمحور شعورها بالأمان حول عدم المحاولة. وشعارها بالحياة يصبح: “إن لم أجرب، فإنني لن أفشل”.

أليس من المدهش معرفة كم من التعليقات السلبية والمهينة التي يطلقها الآباء بحضور أطفالهم بدون إدراك نتائجها المؤذية والمهينة؟ وعلى سبيل المثال:

“إنها كأمها تماماً، عنيدة. إنها تفعل ما تريده. ليس عندنا أي تحكم عليها”.

“كل ما تعرفه هو كلمة أعطني، أعطني. لكنها لا تشعر بالرضا أبداً، بغض النظر عن كثرة ما تعطيها”.

“ذلك الصبي الصغير الجميل يأخذ كل لحظات يومي. إنه غير مسؤول لدرجة كبيرة. عليّ أن أراقبه كصقر”.

للأسف، فالأولاد يأخذون هذه الملاحظات بجدية. يعتمد الأطفال الصغار بصورة خاصة على والديهم لإخبارهم من هم وما الذي يستطيعون أن يكونوا. ويحتاج الأطفال لتطوير إحساس قيّم عن أنفسهم، إلى سماع الملاحظات الإيجابية على الأخص عن ذواتهم.

إنه لمن السخرية أن نرى أن العديد من الأهالي يجدون أن تحديد الأخطاء في أولادهم هو أسهل من تحديد حسناتهم. ومع هذا، فإذا أردنا أن يكبر أولادنا وهم يشعرون بالثقة ومطمئنين ذاتياً، فإن علينا اغتنام كل فرصة للتأكيد على التعليقات الإيجابية وتجنب التعليقات المهينة.

التواصل المتطابق: هل تناسب الكلمات المشاعر

بإمكان الأولاد أن يتسببوا بالإزعاج وأن يُثيروا الغضب. لكننا نفعل ما بوسعنا كي نكون صبورين ومتفهمين. وفي النهاية ينفد صبرنا وننفجر، لربما بسبب غرفة ولد: “أنت لا تستحق أن تعيش حتى في زريبة البهائم!” وبعد أن يسيطر علينا تأنيب الضمير نحاول أن نعتذر: “لم أقصد ذلك. إنك تستأهل أن تعيش بمكان أفضل”.

نميل إلى الاعتقاد بأن الصبر هو فضيلة. لكن هل هو كذلك؟ ليس إن كان علينا أن نتظاهر بالهدوء في الوقت الذي نكون فيه مستثارين، وعندما لا نتصرف بالطريقة التي نشعر بها، وعندما يقوم سلوكنا بإخفاء مشاعرنا الحقيقية بدل أن يعكسها.

وبسبب أننا قد نشأنا على عدم إظهار مشاعرنا الحقيقية، فإننا نشعر بأكبر الفخر عندما نكون وسط حالة هياج كبير، ونقوم بإظهار أدنى الانفعالات. بعضهم يدعو ذلك صبراً.

لكن ما يحتاجه الأطفال ويشعرون بالامتنان حياله من والديهم هو رد الفعل المتطابق. إنهم يريدون أن يسمعوا الكلمات التي تعكس مشاعر أهلهم الحقيقية.

من غير المعتاد وحتى بالنسبة لطفل صغير أن يقوم بحماية نفسه أو نفسها من الغضب الأبوي بتصويب أقوى الاتهامات: “أنتم لا تحبونني”. “ولكن بالطبع نحن نحبك!” يصرخ الولد بنبرة غاضبة جداً لدرجة أنها تلغي الكلمات بدون تطمين الولد. لا يشعر الآباء بالمحبة حينما يكونون غاضبين. وبإدخال حجة الحب يقوم الطفل بوضع أباه في موقف الدفاع، ناقلاً وبذكاء التركيز منه إلى الوالدين.

فقط الأهل الذين يعطون لأنفسهم الإذن بعدم الشعور بالمحبة في أوقات غضبهم بإمكانهم الرد على اتهامات طفلهم بدون اتخاذ موقف الدفاع: “إنه ليس الوقت المناسب للحديث عن الحب، لكنه الوقت المناسب للحديث عن الشيء الذي جعلني غاضباً”.

وكلما زاد غضب الوالد أو الوالدة، كلما ازدادت حاجة الطفل كي يحصل على الاطمئنان. لكن التعبير عن الحب بنبرة غاضبة لا يبعث على الارتياح. إنه لا يجعل الطفل يشعر بأنه محبوب. إن ذلك يُربك فقط لأن ما يسمعه الطفل ليس كلمات المحبة، إنما الغضب الذي تنقله النبرة الغاضبة. إنه لمن المساعد أكثر أن يتعلم الولد أن الغضب لا يؤدي إلى التخلي. وأن فقدان مشاعر المحبة هي حالة مؤقتة فقط، وستظهر ثانية حالما يختفي الغضب.

التعامل مع غضبنا الذاتي

نحن لم نتعلم في طفولتنا كيفية التعامل مع الغضب كحقيقة من حقائق الحياة. لقد تعلمنا أن نشعر بالذنب عندما نشعر بالغضب وبالذنب أيضاً عندما نعبّر عنه. لقد جُعلنا نعتقد بأن الغضب هو سيئ جداً. لم يكن الغضب جنحة، لقد كان جناية. نحاول مع أولادنا أن نكون صبورين. وفي الحقيقة صبورين للغاية إلى حين انفجارنا عاجلاً أم آجلاً. نحن نخاف أن يكون غضبنا مؤذياً لأولادنا، لذلك فإننا نحتفظ به، كما يحتفظ غطاس الأعماق بأنفاسه. وفي كلتا الحالتين، عموماً، فإن المقدرة على الاحتفاظ هي محدودة.

الغضب، مثل الرشح الشائع، هو مشكلة متكررة. قد لا نحبه لكننا لا نستطيع تجنبه. قد نعرفه جيداً، لكننا لا نستطيع منع ظهوره. يبرز الغضب في متتاليات وظروف متوقعة، ومع هذا فإنه يظهر فجأةً وبدون توقع على الدوام. وعلى الرغم من أنه لا يدوم طويلاً، فإن الغضب يبدو خالداً في حينها.

عندما نفقد السيطرة على مزاجنا، فإننا نتصرف كما لو أننا فقدنا رشدنا. نقول ونفعل أشياء لأولادنا قد نتردد في توجيهها إلى أعدائنا. نحن نصرخ، نهين، ونهاجم وعندما ينتهي الضجيج، نشعر بالذنب ونقرر بهدوء ألا يتكرر ذلك. لكن وبشكل لا يمكن تجنبه فالغضب يضرب مجدداً، ويُبطل نياتنا الحسنة. ومرة أخرى فإننا نوجه سياط غضبنا إلى الذين نذرنا حياتنا وثروتنا من أجل مصلحتهم.

إن القرارات حول عدم الغضب ثانية هي أسوأ من أن تكون فاشلة فقط. إنها تقوم فقط بصب الزيت على النار. الغضب، مثل الإعصار، هو حقيقة من حقائق الحياة يجدر بنا الاعتراف بها والتحضر لها. إن البيت الذي يغمره السلام، مثل العالم الهادئ الذي نحلم به، لا يعتمد على تغير مفاجئ في الطبيعة الإنسانية. لكنه يعتمد على طُرق مخطط لها بإمكانها تقليل التوتر بطريقة منهجية قبل أن يؤدي إلى الانفجار.

ومن الناحية العاطفية فالأهل الأصحاء ليسوا بمعصومين. إنهم يشعرون بغضبهم ويحترمونه. إنهم يستخدمون غضبهم كمصدر للمعلومات، كعلامة على اهتمامهم. إن كلماتهم متطابقة مع مشاعرهم. إنهم لا يخفون مشاعرهم. توضح الحادثة التالية كيف أن أماً شجعت ابنتها على التعاون وذلك بالتنفيس عن غضبها بدون إهانة أو تحقير لها.

وصلت حنين، وهي بعمر الحادية عشرة، إلى بيتها وهي تصرخ: “ليس بإمكاني أن ألعب كرة السلة. لا أملك قميصاً” كان بإمكان الأم أن تعطي ابنتها حلاً مقبولاً: “قومي بارتداء بلوزة. كان باستطاعتها أن تساعدها، على أن تبحث عن قميصها. وبدلاً من ذلك، قررت أن تعبر عن مشاعرها الحقيقية: “إنني غاضبة، أكاد أجن. لقد ابتعت لك ستة قمصان لكرة السلة وكلها إما وُضعت بغير مكانها أو أنها فُقدت. إن مكان قمصانك هو خزانتك. وبعد ذلك، عندما تحتاجينها، ستعرفين أين ستجديها”.

عبّرت والدة حنين عن غضبها دون إهانة ابنتها، وكما علّقت لاحقاً: “لم أقم أبداً بذكر الأحداث المؤسفة السابقة أو بفتح الجروح القديمة. ولا ألصقت بابنتي أي نعت. لم أقم بإخبارها بأنها غافلة وغير مسؤولة. لقد قمت فقط بوصف ما شعرت به وما الذي ينبغي القيام به بالمستقبل لتجنب عدم الارتياح”.

ساعدت كلمات الوالدة حنين على الوصول إلى حل. لقد سارعت إلى البحث عن القمصان الموضوعة في غير مكانها في بيت صديقتها وفي غرفة الخزائن في النادي.

للغضب الأبوي مكان في تثقيف الولد. وبالحقيقة فإن عدم السيطرة على الغضب في لحظات معينة سيؤدي فقط إلى الإيحاء بعدم الاكتراث بالنسبة للولد، وليس بالطيبة. إن الذين يهتمون لا يمكنهم استبعاد الغضب. إن هذا لا يعني أن بإمكان الأطفال تحمل طوفان الغضب. إن ذلك يعني أن بإمكانهم تحمل الغضب الذي يقول، “إن هناك حدوداً لتحملي”.

وبالنسبة للأبوين، فالغضب هو عاطفة مكلفة: ولكي يستحق ثمنه، فإنه يجب ألا يُستخدم دون منفعة. يجب ألا يستخدم الغضب بشكل يتزايد مع التعابير. إن العلاج يجب ألا يكون أسوأ من المرض. يجب أن يتم التعبير عن الغضب بطريقة تجلب بعض الراحة للوالد، وبعض التأمل للولد، وبدون مضاعفات جانبية مؤذية لأيّ منهما. ولهذا فإننا يجب ألا نوبخ أولادنا أمام أصدقائهم. إن ذلك يجعلهم ينفعلون أكثر، وهذا بدوره يجعلنا أكثر غضباً. إننا لسنا مهتمين بتكوين أو إدامة موجات الغضب، المواجهة أو الانتقام. وعلى العكس من ذلك، فإننا نريد أن نصل لهدفنا وأن ندع الغيوم العاصفة تتبخر.

ثلاث خطوات للبقاء

لكي نحضر أنفسنا في أوقات الهدوء ولنستطيع التعامل مع أوقات الإجهاد، يجب علينا أن نعترف بالحقائق التالية:

1. تقبل حقيقة أننا سنكون غاضبين أحياناً، خلال التعامل مع الأولاد.
2. يحق لنا أن نغضب بدون الشعور بالذنب أو الخجل.
3. وباستثناء واحد كوقاية، يحق لنا أن نعبر عما نشعر به. بإمكاننا التعبير عن مشاعرنا الغاضبة بشرط ألا نهاجم شخصية الطفل أو نفسيته.

هذه الفرضيات يجب تطبيقها بقواعد صلبة للتعامل مع الغضب. الخطوة الأولى في التعامل مع المشاعر المتلاطمة هي في تحديدها بوضوح بالاسم. إن هذا يعطي تحذيراً لمن يهمه الأمر لإجراء تعديلات أو ليأخذ حذره. نفعل ذلك بداية مع الضمير أنا. “أنا أشعر بالانزعاج” أو “أنا أشعر بالغيظ”.

إن لم تجلب لنا تعابيرنا القصيرة الارتياح، فإننا نتقدم للخطوة التالية. نقوم بالتعبير عن غضبنا بحدّة متزايدة:

“أنا أشعر بالغضب”.
“أنا أشعر بالغضب الشديد”.
“أنا أشعر بالغضب الشديد، الشديد”.
“أنا أشعر بالاهتياج”.

في بعض الأحيان مجرد التعبير عن مشاعرنا (بدون إيضاحات) يمنع الولد من سوء التصرف. وفي أوقات أخرى قد يكون من الضروري أن نتقدم إلى الخطوة الثالثة، وهي أن نوضح سبب غضبنا، ورد فعلنا الداخلي وأفعالنا التي نتمناها.

“عندما أرى الأحذية، والجوارب، والقمصان، والكنزات تتناثر على كامل أرض الغرفة، أصبح غاضبة، وأصبح ثائرة. أشعر وكأنه بإمكاني أن أفتح النافذة وأقوم برمي كل هذه الفوضى إلى الشارع”.

“عندما أراك تضرب أخاك فإنني أصبح غاضبة. أُصاب بالجنون في داخلي لدرجة خطيرة. أبدأ بالغليان. لن أسمح لك أبداً بإيذائه”.

“عندما أراكم تركضون كلكم مبتعدين عن طعام الغداء لمشاهدة التلفاز، وتتركونني مع الأطباق الوسخة والمقالي المليئة بالدهون، فإنني أشعر بالسخط! أصبح مجنونة لدرجة، وأغلي بالداخل! أشعر بالرغبة بتناول كل الأطباق وكسرها على جهاز التلفاز!”.

“عندما أدعوكم للغداء ولا تأتون، أصبح غاضبة. أصبح غاضبة جداً. وأقول لنفسي، لقد طبخت وجبة جيدة وأريد بعض التقدير، وليس خيبة الأمل!”.

يسمح هذا النهج للوالدين بالتنفيس عن غضبهم بدون التسبب بالأذى. وعلى العكس من ذلك، فيحتمل أن يوضح درساً مهماً بكيفية التعبير عن الغضب بأمان. يمكن للطفل أن يعرف بأن غضبه أو غضبها الخاص ليس مأساوياً، ويمكن التخلص منه بدون تحطيم أي شخص. يتطلب هذا الدرس أكثر من التعبير عن الغضب من قبل الوالدين. يتطلب أن يعيّن الأهل لأولادهم الأقنية المقبولة للتعبير العاطفي ويوضح لهم بالأمثلة طرقاً آمنة ومحترمة للتعبير عن غضبهم.

يتقبل الأزواج أيضاً الغضب دون الشعور بالإهانة. روى أحد الآباء الحادثة التالية: “بينما كنت أغادر البيت لعملي في أحد الصباحات، أخبرتني زوجتي بأن ابننا هادي، البالغ تسع سنوات من عمره، وبينما كان يلعب في غرفة الجلوس، قام بكسر زجاج ساعة الحائط القديمة للمرة الثانية. غضبت، ونسيت كل ما تعلمته، وقمت بالهجوم، “من الواضح أنك لا تقدّر أغراضنا! انتظر حتى أعود مساءً إلى المنزل. سأعاقبك بشكلٍ قاسٍ كي لا تتجرأ وتلعب بالكرة في غرفة الجلوس!” رافقتني زوجتي إلى الباب، بدون أن أدرك بأن إطلاق النعوت هو مؤذٍ للأزواج مثلما للأولاد، وقالت لي: “يا رجل، يا لغباوة هذا الشيء الذي قلته لهادي”. وبما أنني أحب زوجتي، كظمت غضبي وأجبتها، “أظن بأنك على حق. بداية كنت غاضباً على ابني فقط. وبعد أن نعتتني زوجتي بالغباء، أصبحت مغتاظاً منها أيضاً. كنت قد بدأت أشعر بالذنب لعودتي إلى طريقتي القديمة بالكلام. لم أكن بحاجة إليها لتزيد غضبي. كم كان من المساعد أكثر لو قالت لي، “إنه لمن المُغضب أن يكسر الزجاج مرتين. إنني أتساءل كيف يمكننا مساعدة هادي على تجنب هذه الحادثة بالمستقبل”.

كان والد ميليسا، وهي في السابعة، محظوظاً أكثر. عرفت زوجته كيف تؤثر عليه بدون إغضابه، وكانوا كلهم داخل السيارة ذات مساء حينما جرت هذه المحادثة:

ميليسا: “ماذا تعني كلمة بيتزا؟”.
الوالد: “بيتزا؟ إنها كلمة إيطالية مرادفة لفطيرة”.
ميليسا: “ماذا تعني كلمة صيدلية؟”.
الوالد: “إنها كلمة أخرى لمخزن الأدوية”.
ميليسا: “ماذا تعني كلمة مصرف؟”.
الوالد (بدأ بالغضب): “إنك تعرفين تلك الكلمة. إنه المكان الذي يحتفظ فيه الناس بأموالهم”.
ميليسا: “كيف يتغير النهار إلى ليل؟”.
الوالد (غاضب جداً): “يا الله، إنك حريصة على طرح الكثير من الأسئلة. عندما تغرب الشمس لا يعود هناك أي ضوء”.
ميليسا: “لماذا يتحرك القمر مع السيارة؟”.
الوالدة: “يا له من سؤال مهم! هل تعلمين بأن هذه القضية قد حيرت العلماء لمئات السنين، لذلك قرروا أن يدرسوا حركات القمر؟”.
ميليسا (وهي متشوقة): “يا الله، إذاً سأصبح عالمةً. ثم سأذهب إلى المكتبة وأجد كتاباً يخبرني كل شيء عن القمر”.

توقفت الأسئلة. فهمت هذه المرأة بأن مواصلة الإجابة على أسئلة الأولاد من شأنه أن يشجعهم على طرح المزيد من الأسئلة فقط. لكنها قاومت دافعاً لتدل زوجها على ذلك مباشرة. بدلاً من ذلك، فقد أوضحت بالمثال أنه بعدم إعطاء ابنتها جواباً صريحاً، فقد ساعدتها على إيجاد طريقها الخاص لإشباع فضولها.

والدة كريم، التي كانت تحاول ألا تشجع زوجها على توزيع الأوامر على الأولاد، شاركت بهذه الحادثة: في إحدى الأمسيات وبينما كانت تتناول كأساً من المشروبات الغازية مع زوجها في مطبخ بيتهم الواقع على الشاطئ. لاحظ زوجها حقيبة بحر، وبذلة بحر مبتلة، وكرة شاطئ على الطاولة. كان رد فعله المعتاد هو الاستشاطة غضباً ويصرخ بالأولاد مثل مدرب في الجيش: “كم مرة عليّ إخباركم بأن تُبعدوا هذه الأشياء! إنكم مستهترون كثيراً! ماذا تظنوننا، عبيداً كي نلتقط الأشياء من ورائكم؟”.

لكنه هذه المرة قام بوصف ما رأى بهدوء: “إنني أرى حقيبة بحر، وبذلة سباحة مبتلة، وكرة شاطئ كلها على طاولة المطبخ”. قفز كريم، البالغ الثامنة من العمر، من مكانه في غرفة الجلوس وصرخ: “من المؤكد أنها لي”، بينما دخل إلى المطبخ لترتيب أغراضه.

وبعد مغادرة كريم، قال والده لأمه بفرح، “لقد تذكرت ونجح الأمر!” وبدلاً من أن تقول الأم، “لقد قلت لك ذلك”، قامت برفع كأسها للاحتفال بكلمات تشجع تعاون الأطفال.

الاستجابة لطفل غاضب: الطريقة هي الرسالة

عندما يغضب الأطفال، لا يمكن التواصل معهم بواسطة المنطق. عندما يكونون غاضبين، فأنهم يستجيبون فقط للبلسم العاطفي.

كان صبيان قريبين يلعبان في الطابق السفلي. وبشكل مفاجئ سُمع صوت تحطيم، وتبع هذا الصراخ والاتهامات. صعد بسام، وهو في السادسة، السلالم وهو يغلي غضباً وصرّح: “لقد طرقت باسمة على قلعتي”. تعاطفت والدته معه: “أوووه، بالتأكيد لقد جعلك ذلك غاضباً جداً”. “بالتأكيد هذا ما حدث”. ثم استدار وعاد للعب.

كانت هذه هي المرة الأولى التي تمكنت فيها والدة بسام من عدم التدخل بتفاصيل أولادها اليومية. وبعدم سؤالها ذلك السؤال المميت “مَن البادئ بالشجار؟” فقد تمكنت من تجنب لائحة ابنها المعتادة وشكاويه وطلبات الانتقام. بواسطة عكس مزاجه الداخلي، تجنبت الدور غير المطلوب للعب دور القاضي، المدعي العام ومنفذ القانون لأولادها.

في الحادثة التالية أحدث تعليق الأم المتعاطف فرقاً بين الهدوء والعراك. لم يرغب داني، وهو بعمر التاسعة، بالذهاب إلى طبيب الأسنان. لقد كان غاضباً ومستاءً من أخته الكبرى سميرة، التي قالت له، “أوه، داني إكبر!” أصبح داني أكثر غضباً وأقذع لساناً.

التفتت والدة سميرة إليها وقالت، “يشعر داني بالاضطراب اليوم. إنه قلق حول زيارته لطبيب الأسنان. وفي هذا الوقت فإنه يحتاج إلى كل تفهمنا”. كان ذلك كالسحر. هدأ داني وذهب لطبيب الأسنان بدون أي سلوك مضطرب. لقد ساعدته أمه على الشعور بالارتياح أكثر وهكذا فقد أصبح أقل قلقاً.

يُظهر المشهد التالي طريقتين متناقضتين لمساعدة الأطفال الصغار على تبديد غضبهم وعلى احتمال خيبة الأمل. الواحدة تصعّد غضبهم، والأخرى تنقصه.

كان تامر وصديقه سامر، وكلاهما في الثالثة، يلعبان بلعبة زيلوفون. وعندما علقت مطرقة سامر، غضب وبدأ بالبكاء. “هذا ليس سبباً للاستمرار بالبكاء. لن أقوم بإصلاح اللعبة حتى تتوقف عن الصراخ”. تابع سامر البكاء وقامت أمه بأخذ لعبته منه. إن الغضبة المزاجية الناتجة كانت مشهداً ينبغي تذكره.

بالمقابل، وعندما علقت مطرقة تامر، وبدأ بالبكاء، قالت له أمه، “أنت تبكي لأن المطرقة قد علقت. ينبغي أن نصلحها”. توقف البكاء. والآن وعندما تعلق مطرقة تامر، فإنه لا يبكي أبداً، لكنه يسرع بإحضارها لأمه كي تصلحها.

والدة سامر وبّخت، هددت، لامت، وعاقبت بينما والدة تامر حددت المشكلة واقترحت حلاً.

مريم، وهي بعمر الثانية عشرة، عادت ساخطة وغاضبة من المسرح.

الوالدة: “تبدين غير سعيدة”.
مريم: “إنني ثائرة. كنت مضطرة أن أجلس في آخر مقاعد قاعة المسرح بشكل لم أستطع معه رؤية شيء من المسرحية”.
الوالدة: “إذاً لا عجب أن تكوني مضطربة. ليس من الممتع أن نجلس في المقاعد الخلفية”.
مريم: “بالتأكيد لم يكن ذلك ممتعاً. فضلاً عن ذلك فقد كان ذلك الولد الطويل جالساً أمامي”.
الوالدة: “في المقاعد الخلفية ووراء شخص طويل! إن هذا لكثير جداً!”.
مريم: “بالتأكيد كثير جداً”.

إن العنصر المساعد في رد فعل والدة مريم هو في تقبلها لمزاج ابنتها دون نقد أو نصيحة. إنها لم تسأل أسئلة غير مساعدة، مثل “لماذا لم تذهبي بوقت أبكر لتحصلي على مقعد أفضل؟” أو “ألم يكن باستطاعتك أن تطلبي من الشخص الطويل أن تُبادلي مقعدك معه؟” لقد ركّزت على مساعدة ابنتها بهدف تقليص غضبها.

إن رد الفعل المتعاطف الذي يعكس للأطفال مشاعرهم المضطربة ذاتها ويعبر عن تعاطف الوالدين وتفهمهم، هو عنصر فعّال في تغيير أمزجة أولادهم الغاضبة.

يمكن للكلمة المكتوبة أن تكون أداة قوية لاستعادة المشاعر المتضررة التي تنتج عن ثورات غاضبة. كل من الأولاد والوالدين يحتاجون إلى التشجيع للتعبير عن مشاعرهم كتابة، سواء كان ذلك بالبريد الالكتروني أو بواسطة رسائل.

وجهت هادية، البالغة الثالثة عشرة من العمر، في إحدى الأمسيات، إهانات لأمها متهمة إياها بالدخول إلى غرفتها، وفتح دُرج مكتبها، وقراءة دفتر يومياتها. وعندما أدركت أن شكوكها لا أساس لها من الصحة، قررت أن تعتذر كتابة:

“أمي العزيزة، لقد اقترفت لتوي أبشع جريمة يمكن لشخص ذي أخلاق أن يقترفها. لقد جعلت أمي غير سعيدة ومضطربة حتى التعاسة بسبب اتهامي لها. إنني خجلة وأشعر بالإهانة. لقد تعودت أن يكون شعوري جيداً تجاه نفسي لكنني الآن أكره نفسي. أنا أحبك، هادية”.

شعرت والدة هادية بالاضطراب عندما جعلتها تلك الرسالة تدرك بأن الحادث قد مزّق صورة هادية الإيجابية عن ذاتها. أخذت وقتها لتكتب رسالة من شأنها أن تعيد محبة هادية لنفسها.

“أيتها الغالية هادية، شكراً لأنك شاركتني بمشاعرك الحزينة. إن الذي حدث في تلك الأمسية كان صعباً لكلينا، لكنه لم يكن مأساوياً. أريد أن تعلمي بأن مشاعري تجاهك والتي أكنها لك لم تتغير بحالٍ من الأحوال. إنني أراك نفس ذلك الشخص المحبب الذي يمكنه في بعض الأوقات أن يصبح مضطرباً وغاضباً جداً. إني آمل أن تجدي مسامحتك في قلبكِ أنتِ، ولكي تعودي وتسترجعي المشاعر الجيدة حول ذاتك. حبي الكثير لك. أمك”.

لقد كانت الوالدة مساعدة بتطمين ابنتها بأن مجرد أن يغضب المرء فإنه لا يكون ملزماً بتغيير مشاعر المحبة لنفسه أو للآخرين.

عادة، وبعد أن يغضب الأولاد من أهاليهم بسبب عدم إصغائهم لحججهم، فإنهم يلجأون للدفاع عن قضيتهم كتابة.

روى أحد الآباء الحادثة التالية. في منزل هذا الوالد يُعطى الأولاد أذونات كي يستعملها الأولاد في حال كانوا يريدون السهر قبل النوم. وفي إحدى الأمسيات أراد حسام، وهو في العاشرة أن يستفيد من بعض الوقت من إذن له كان قد فقده. رفض والده الاعتراف بإذن غير موجود. امتعض حسام وغضب، خرج من الغرفة راكضاً وهو يصرخ، “لكنك أعطيتني الإذن!” وعندما توجه والد حسام إلى غرفة نومه ذلك المساء وجد الرسالة التالية:

“والدي العزيز، إن لم تدعني أسهر، فإنك تكون غير عادل لأن (1) كلانا يعلم بأنك أعطيتني الإذن (2) أنت تعرف طاولتي وكيف أضيّع الأشياء عليها (3) أنت تعرف كم كنت أتوق لاستعمال ذلك الإذن. لا أريد أن أبدو بغيضاً لكتابة هذه الرسالة. إنني أدون أفكاري الخاصة… حسام”.

عندما قام الوالد بقراءة الرسالة، أدرك بأن حسام كان يُظهر له طريقة إصلاح المشاعر السيئة بينهما. أعطته الرسالة أيضاً فرصة لتجربة مبدأ مهم يتعلق بتربية الأطفال. قم بتقوية تقدير الطفل لذاته ما أمكنك ذلك. وعليه فقد قام بكتابة الرسالة التالية:

“ولدي العزيز، يا لوضوح الأفكار! يا للحجج المقنعة! بينما كنت أقرأها، كان عليّ تذكير نفسي بأن من كتبها لم يتجاوز العاشرة من عمره. تفضل باستلام إذن بديل. كل المحبة، والدك”.

ملخص

للكلمات قوة البناء والتقوية أو قوة الهدم والتخويف. عندما نلاحظ ونقدر مجهودات الأولاد، فإننا نساعدهم على النمو بأمل وثقة. وبالمقابل، عندما نقيّم طفلاً، فإننا ننشط عنده الانزعاج والمقاومة. يُمكن أن تبدو نعوتاً سلبية مثل (كسول، غبي، حقير) مهدمة بوضوح بالنسبة للأطفال. لعل من المفاجئ أيضاً أنه حتى النعوت الإيجابية (جيد، كامل، الأفضل) بإمكانها أن تلعب دوراً معطلاً.

من المهم أن نكون إيجابيين ومشجعين مع الأولاد. يجب أن نعترف بالمجهود ونعبر عن التقدير (“لقد عملت بجد على ذلك”. “شكراً لمساعدتك”. لكننا لا نصنف أو نقيّم الطفل نفسه.

وعندما تحدث المشاكل، فإننا يجب أن نبحث عن الحلول بدل أن نلوم أو ننتقد. وحتى الغضب الذي لا مفر منه يمكن أن نعبر عنه بدون تصنيف أو ملامة. ووراء كل هذه المهارات في التواصل المتعاطف يقبع احترام عميق للأولاد.

اسأل طبيب مجاناً