التصنيفات
صحة ورعاية الطفل

المؤثرات الخارجية على الطفل: كيف تتعاملين معها

كلنا يعرف أن الأطفال لا يتأثرون فقط بآبائهم أو بأفراد أسرتهم القريبين. فهناك العديد والعديد من المؤثرات الأخرى -مثل أفراد العائلة الكبيرة، والأصدقاء، ومقدمي الرعاية، وحتى وسائل الإعلام- التي تشارك في بناء شخصيات أطفالك، وتشكيل اختياراتهم، وتحديد عاداتهم. وفي هذا الموضوع، يمكنك معرفة كيفية التعامل مع هذه المؤثرات الخارجية وحتى جعلها تعمل لصالحك.

أفراد العائلة الكبيرة والأصدقاء المقربون

يمكن أن تقدم الخالات والأخوال، والعمات والأعمام، والأجداد بصفة خاصة مقادير هائلة من الحب والتشجيع المقترنة بالمرح، والكثير من الطعام، وربما القليل من “التدليل” مما يمثل توليفة مثالية بالنسبة لمعظم الصغار. ومع الأسف، فإن كل هذه العاطفة الجياشة تأتي معها في الغالب كميات كبيرة من الحلوى والأطعمة الرديئة ويمكن أن تفسد الجهود الغذائية التي تبذلينها في منزلك. ومواجهة هذه القضية تعتبر تحدياً في أفضل الظروف وصعوبة بالغة في أسوأ الأحوال. وفي رأيي، فإن فرصتك الأفضل تكمن في أن تهدفي لتوفير مناخ صحي وسعيد لتحديد ما يجب (وما لا يجب) أن يأكله أطفالك، وكيفية أكلهم حينما يكونون مع الأقرباء أو الأصدقاء.

وضع الإرشادات وتوظيف الدعم

ليس من الأمور السارة أن تلعبي كأم دور “الشرير” وتمارسي سلطاتك على الأجداد وغيرهم من الأقارب الذين يحبون أطفالك أيضاً ويريدون أن يغدقوا عليهم من كل ما هو لذيذ. ولكنك كأم تمتلكين الحق وتتحملين مسئولية اتخاذ القرارات التي تؤثر في صحة أطفالك، حتى لو كانت تلك القرارات تضايق بعض الأشخاص أو تفقدك بعض الحب والتأييد. وإذا شرحت لأقربائك وأصدقائك أسبابك وأهدافك المتعلقة بعادات تناول الطعام والتغذية لأطفالك، فالأرجح أنهم سيتفهمون وجهة نظرك، أو على الأقل، لن يعارضوها بشدة.

وفيما يلي بعض النصائح حول كيفية التعامل مع هذه المواقف:

حددي أولوياتك: عليك أن تعرفي أين تريدين وضع الحدود. حددي بوضوح، في ذهنك أو على الورق، ما تريدين وما لا تريدين أن يأكله أطفالك حينما يزورون الأقارب وأصدقاء العائلة.

عبري عن نفسك: اجلسي مع أقربائك وأصدقائك الحميمين لتشرحي لهم نظرياتك وما تعرفينه. حددي المبادئ العامة التي تحاولين اتباعها، ثم قدمي أمثلة معينة لما هو مقبول من الأطعمة وسلوكيات الأكل، وكذلك أمثلة محددة للمكونات الضارة والأشياء الأخرى التي يجب تجنبها.

اطلبي مساعدتهم: لا تظهري الغضب والإحباط، ولكن كوني حاسمة، فأنت تحاولين الوصول إلى فهم متبادل وتكوين فريق في محاولاتك الرامية للأكل الصحي. إذا طلبت العون منهم لصالح صحة أبنائك، فإن أغلب الأقرباء والأصدقاء سيقدمون دعمهم بكل سرور (رغم أنهم قد يلجئون لبعض الغش بين الحين والآخر).

ركزي على الأمانة: قولي لهم إنك لا تريدين أن يعطوا طفلك شيئاً لا يفترض أن يحصل عليه ثم يضطر بعدها للكذب والادعاء بعدم أخذه!

تحدثي عن إعطاء الهدايا: قولي لهم إنهم لو أرادوا أن يعطوا طفلك الهدايا، ينبغي ألا تكون من الأطعمة المليئة بالسكر أو الملح أو الدهن أو الإضافات الكيميائية. اقترحي عليهم أن يعطوه أقلاماً، أو كتباً، أو لعباً، أو أي شيء مفيد آخر يهواه أبناؤك.

علمي أطفالك التحكم في حصص الطعام: إذا كان طفلك يتبع نظاماً غذائياً مقيداً، فاحرصي على أن يعرف مقدماً المقدار الكافي، وكوني محددة فيما يختص بالكميات (مثل قطعتي بسكويت، أو قطعة صغيرة من الشيكولاتة بحجم الإبهام). من المهم أن يتعلم أطفالك التحكم في حصص الطعام سواء كنت معهم للإشراف أم لا.

لا تسرفي في القلق: تذكري أنه في السياق الأوسع، من الأكثر أهمية أن تجعلي أطفالك يأكلون بشكل صحي قدر المستطاع في البيت، بحيث لا يكون تناول بعض الطعام غير الصحي في بيت آخر مضراً جداً. فعلى أي حال، إن جزءاً من متعة كون المرء جداً أو عماً أن يكون قادراً على خرق القواعد الصارمة بين الحين والآخر!

يوم وراء يوم

بعد سنوات من محاولة نادية إجراء تغييرات كبيرة في أسلوب أمها في تدليل أحفادها، أدركت أنها لم تحقق من جراء هذا سوى إحداث المزيد من التوتر أثناء الزيارات العائلية. وبعد ذلك، تفتق ذهنها عن استراتيجية بارعة لجعل أمها تشاركها في جهودها الصحية من أجل أطفالها ببعض الطرق البسيطة. أولاً، أقنعت أمها بأن تشتري العصائر الخالية من السكر والإضافات الكيميائية لأطفالها وأحضرت أول زجاجة من العصير الصحي لتضع قدميها على أول الطريق.

ثم بينت لها أن الشيكولاتة العادية أفضل من الملونة، فهي لا تحتوي على ألوان اصطناعية. ومع مزيد من التشجيع، أفلحت بعض زيارات أخرى لأمها في جعلها تعد الكعك المصنوع من الحبوب الكاملة.

ومع مرور الوقت أدركت أنه رغم أن أساليب أمها كانت لا تزال بعيدة عما تعتبره مثالياً، فإن أسلوب الخطوة بخطوة هذا حقق الكثير.

أبناء الأعمام والأخوال والأصدقاء

النظراء لهم تأثير هائل على الأطفال، بدءاً من عادات أكلهم وحتى اختيار ملابسهم وأنشطتهم وغير ذلك. كما أن أطفالك يحكون عن كل شيء، بدءاً من تناول الطعام وحتى الذكريات مع أصدقائهم وأبناء عمومتهم وأبناء أخوالهم القريبين منهم. ولهذا السبب، ضعي في اعتبارك ما يلي:

•    إذا كان صغارك يأكلون بشكل صحي بنسبة 75%، فحينئذ لن تسبب الحلوى التي يتناولونها مع أبناء عمومتهم وأصدقائهم ضرراً كبيراً.
•    أعطي أطفالك نظرياتك وليس أوامرك فحسب. اشرحي لهم لماذا يجب أن يأكلوا أطعمة معينة ولا يأكلون أطعمة أخرى، وذلك بألفاظ بسيطة حتى يمكنهم أن يكرروا ما سمعوه على أسماع أصدقائهم إذا اضطروا لذلك. بل ربما يدهشونك بقدرتهم على تشجيع أطفال آخرين على أكل أطعمة صحية بدلاً من الأطعمة غير الصحية التي يأكلونها.
•    طبقي جميع قواعدك المنزلية على أصدقاء أطفالك وأبناء عمومتهم حينما يزورون منزلك.

مقدمو الرعاية، والمربيات، وغيرهم من المساعدين

كثيراً جداً ما أسمع الأمهات يشتكين قائلات: “المربية لا تلتزم بالنظام الغذائي الصحي للأطفال”. وأريد أن أذكِّر هنا أن المربية ليست هي أم طفلك. إن وظيفة الأم أو الأب هي رعاية صحة الطفل كأولوية أولى وإرساء نظم سليمة لدعم هذه الأولوية. وفيما يلي بعض الاقتراحات:

حددي القواعد بوضوح تام. احرصي على أن يفهم جميع طاقم العاملين بالمنزل أو الجليسات الزائرات للأطفال ما هو مسموح لطفلك أن يأكله وما هو غير مسموح. وقد يكون من المفيد، أو من الضروري، جعل هذه القواعد مكتوبة. وتأكدي أيضاً من أن طفلك يعرف ويفهم هذه القواعد قدر ما يستطيع.

أبعدي “الأطعمة السيئة” عن بيتك. تجنبي، قدر ما تستطيعين، شراء الأشياء التي لا تريدين أن يتناولها أطفالك. وإذا كان شخص آخر يقوم بمهمة التسوق، فقدمي له قائمة تسوق واضحة وتحدثي معه حتى يعرف تماماً ما يجب وما لا يجب عليه شراؤه.

قومي بوضع قوائم طعام صحية يتبعها الجميع. قد تجدين من المفيد أن تعدي قوائم طعام مكتوبة تتضمن الوجبات الرئيسية، والوجبات الخفيفة، ومحتويات الحقيبة المدرسية الخاصة بأطفالك تبعاً لخطط الطعام الخاصة بالأسرة. ابدئي من أول الطريق بإعداد قائمة طعام لمحتويات علبة الغداء المدرسية، أو كوني أكثر طموحاً وابتكري قوائم طعام لأسبوع أو حتى أسبوعين وبدلي بينها.

قومي بالإشراف عن قرب قدر المستطاع. اطلبي من مقدم الرعاية تقريراً كاملاً عما أكله طفلك خلال اليوم. فإذا كانت بعض الأطعمة غير صالحة للطفل، أو كان يبدو عليه أنه لا يحبها، فاعرضي على مقدم الرعاية البدائل التي تريدين تقديمها لطفلك حتى يعرف ما يجب أن يفعله. ركزي على أنك يجب أن تعرفي أي تغييرات غذائية قد يضطر مقدم الرعاية إلى إجرائها أثناء غيابك.

عززي الوعي بمشكلات الاستهداف والحساسية. تأكدي من إخبار جميع مقدمي الرعاية وغيرهم من العاملين بالمنزل عن أي حالات استهداف أو حساسية للطعام قد يكون طفلك مصاباً بها، وحددي ما يجب أن يفعلوه إذا حدث تفاعل تحسسي؛ التفاعل الاستهدافي الحاد قد يؤدي إلى صدمة تحسسية أو حتى إلى الوفاة إذا لم يتم اكتشافها والتعامل معها بشكل فوري وسليم. حددي لهم العلامات التحذيرية والتعليمات اللازمة، وانصحي كل فرد بأن يقرأ البيانات المكتوبة على المنتجات الغذائية لتجنب وقوع أي أخطاء.

رسائل وسائل الإعلام

بخلاف الأسرة، والأصدقاء، ومقدمي الرعاية، نجد أن وسائل الإعلام أيضاً تلعب دوراً جوهرياً في تشكيل أذواق أطفالك، وتفضيلاتهم، واختياراتهم؛ خاصة عندما يتعلق الأمر بالطعام. إلا أن تأثيرات الإعلانات، وبرامج التليفزيون، والمجلات، والملصقات، والإنترنت، وغيرها كثيراً ما لا يقدرها الآباء حق قدرها.

إن مصنعي المأكولات السريعة والأطعمة الرديئة لا يقومون بالإعلان لتحقيق مبيعات فورية فحسب وإنما يستخدمون أيضاً استراتيجيات تسويق تخلق عملاءً دائمين. إنهم يروجون ويغرسون أسماء ماركاتهم التجارية في الأذهان بواسطة الشعارات، والشخصيات، والألحان، والأغاني عن طريق ربط ماركاتهم التجارية بصور السعادة والمرح.

وثمة مثال واقعي لقوة تأثير وسائل الإعلام روته لي أم أخرى. شاهد ابنها البالغ من العمر أربع سنوات إعلاناً عن مشروب شيكولاتة باللبن، يشرب فيه أحد الأطفال كوباً ممتلئاً بهذا المشروب ثم يطير في الهواء. وبعد ذلك، حينما ذهبت الأم مع ابنها إلى السوبر ماركت، كان الابن يشعر بإثارة حقيقية حينما وجد علبة المشروب على الرف، وتوسل إلى أمه أن تشتريها له، ففعلت. وفي البيت، صب لنفسه كوباً وذهب إلى حجرته، وبعد بضع دقائق، خرج وطلب كوباً آخر، ثم عاد إلى حجرته. وحينما خرج مرة أخرى، بدت عليه علامات الضيق والإحباط. وعندما سألته أمه ماذا به، أجاب قائلاً: “لقد شربت العلبة كلها يا أمي، ولكنني لم أستطع الطيران كما فعل الولد الذي ظهر في التليفزيون!”.

إن الأطفال، لاسيما الأصغر سناً منهم، ليس لديهم آلية ترشيح أو قدرة نقدية للتمييز بين الإعلانات التجارية والبرامج التليفزيونية؛ فهم يخلطونها ويتأثرون بها جميعاً. وبهذه الطريقة، فإن إطلاق رسالة إعلانية تدعو إلى تناول مثلثات الجبن مثلاً أثناء عرض البرنامج المفضل للطفل يحقق ميزة الاستفادة من ارتباط الطفل بالبرنامج وبشخصياته.

إلا أن تأثير وسائل الإعلام لا يتوقف عند هذا الحد. وإنما يمكن أيضاً أن تتأثر اختيارات طفلك بما تأكله الشخصية الكرتونية المحببة إليه، أو حتى بالطعام الذي يراه ويرتبط بالتجارب السعيدة التي مر بها مثل زيارة الحدائق أو الملاهي. وأغلب الملاهي لا تقدم سوى “الوجبات الخفيفة” السكرية والأطعمة الرديئة قليلة القيمة الغذائية.

ما يمكنك فعله

•    قللي فترات مشاهدة التليفزيون واحرصي على معرفة ما يشاهده أطفالك.
•    انتبهي للرسائل التسويقية التي يتعرض لها أطفالك، وحاولي أن تقلليها؛ وإذا أمكن، فناقشي هذه الرسائل مع طفلك واشرحي له دوافع الكسب المادي الكامنة وراءها.
•    راقبي استخدام أطفالك للإنترنت والمجلات وغيرها من المؤثرات.
•    دعمي حملتك الغذائية المنزلية بإنشاء ارتباطات إيجابية بالطعام وإشراك صغارك مباشرة في جهود المحافظة على الصحة.

هل تعلمين؟

وجدت دراسة حديثة أجريت حول إعلانات التليفزيون، وركزت على الأطفال الصغار من سن سنتين وحتى سن دخول المدرسة، أن ثلاث شبكات تليفزيونية رئيسية أذاعت 130 إعلاناً ذا صلة بالطعام خلال أربع ساعات من البرامج الصباحية؛ أكثر من نصفها كان موجهاً للأطفال، وأغلبها كان لحساب سلاسل محلات المأكولات السريعة وحبوب الإفطار.

ووجدت دراسة أخرى أن الطفل العادي يشاهد التليفزيون لمدة ساعتين إلى أربع ساعات يومياً، ويشاهد حوالي 40000 إعلان تليفزيوني كل عام، ومعظمها عن حبوب الإفطار، والحلوى، واللعب، والمأكولات السريعة. كما أن الأطفال يتعرضون لوابل من الرسائل التسويقية من الإنترنت، والكتب، والمجلات، وحملات ترويج السلع التي يظهر فيها نجوم الرياضة، ومشاهير الفنانين، والشخصيات التليفزيونية على عبوات حبوب الإفطار السكرية، ووجبات الأطعمة التافهة، وعدد لا حصر له من الأطعمة الأخرى.

اسأل طبيب مجاناً