التصنيفات
الغذاء والتغذية

هل النشويات مفيدة أم ضارة؟

هل عليّ حقًا أن أقلل النشويات؟ أكثر السكريات في غذائنا ليست حلوة المذاق. فأكثر السكريات التي نأكلها مرتبطة داخل هياكل معقدة، تحوي المئات من جزيئات السكر، أو آلاف الجزيئات، المرتبطة معًا كحلقات في سلسلة طويلة جدًا، ولا تجدها بسيطة حرة في دغدغة براعم تذوقنا. تُسمى هذه بالكربوهيدرات المركبة.

تحدد أنواع الروابط بين السكريات في الكربوهيدرات المركبة ما يحدث لها في أجسامنا عندما نأكلها. أحيانًا، تَصُفُّ الروابط السكريات في سلسلة مضغوطة، مثل النابض. هذا الربط النابضي يتيح لسلسلة السكريات الانضغاط في حبيبات شبه-متبلورة. تُسمى هذه النشا.

النشا هو وسيلة النباتات الخضراء لتخزين الطاقة التي تتلقاها من الشمس يوميًا، حتى تجد وقودًا يجعلها تنمو في الليل. هذا يعني أن أكثر النباتات والأطعمة النباتية غنية بالنشا. تشمل هذه العديد من أطعمتنا الأساسية: الخبز، والحبوب، والذرة، والبطاطا، والبقول، والمكرونة، والنودلز، والأرز (وشراب الشعير، بلا شك).

س: هل كان أجدادنا يأكلون أي نشويات؟

ج: لا، إلا بعدما بدءوا يطهون الطعام.

س: هل اتباع نظام قليل الكربوهيدرات سيُفيد محيط خصري؟

ج: أكل سعرات حرارية أقل هو ما سيفيد محيط خصرك.

س: ماذا عن الأطعمة منخفضة المؤشر الجلايسيمي؟

ج: أكل السكر بصورة أقل وتناول الأطعمة التي تحوي سكرًا وتتطلب وقتًا أطول في الأيض، كلاهما له مزايا لتحسين الصحة. الالتزام بالأمرين أفضل.

س: هل عليّ أن آكل أليافًا أكثر؟

ج: بالتأكيد، تقريبًا. لكن اجتنب الورق المقوى.

س: لماذا يسبب الخبز انتفاخاً لي؟

ج: لأن بعض النشا مقاوم للهضم، لذا يغذّي بكتيريا الأمعاء، مطلقًا غازات.

س: هل أكل الحواف المقرمشة سيجعل شعري مجعدًا؟

ج: مصففو الشعر أقدر على هذا.

الطاهي الماهر

يكون النشا الخام عادة ملفوفًا ومضغوطًا بإحكام شديد إلى درجة أن أمعاءنا القصيرة نسبيًا لا تستطيع هضمه جيدًا. تستطيع الحيوانات الأخرى التي تعيش على الخضراوات النيئة، مثل الغوريلا، التصرف بسبب أمعائها الأكبر كثيرًا والوقت الأطول الذي تقضيه تمضغ الطعام قبل بلعه. حتى أجدادنا القدماء -الهومو هابيليس- كانت لهم أمعاء أكبر مما عند الإنسان المعاصر. إن حاولنا أن نأكل النباتات النشوية نيئة (مثل نهش قمع ذرة غير مطهو)، لهضمت أمعاؤنا النشويات هضمًا بطيئًا جدًا ومنقوصًا. لهذا يسمى النشا الخام عادة النشا المقاوم، فبسبب كونه فائق الالتفاف وحبيِبي، يصير مقاومًا فيزيائيًا لإنزيمات أمعائنا التي تود تكسيرها إلى مكوناتها السكرية.

قوة المخ

نحو 20% من الطاقة التي نستهلكها يوميًا تذهب لتشغيل مخنا. بل أحيانًا تكون أكثر من هذا عندما نتوتر. على النقيض، نجد القرود العليا كالغوريلا والشمبانزي وإنسان الغاب قادرة على تخصيص نحو 10% فقط من طاقة أجسامها للمخ، في أقصى الحالات.

سبب هذا أن نسبة حجم مخنا إلى جسمنا ضعف نسبته عند تلك القرود. كما يحوي نحو 86 مليار خلية مخ (تُسمى الخلايا العصبية)، وهذا العدد نحو ثلاثة أضعاف ما عند الغوريلا.

لكن ثمن هذا الحاسوب الفائق في أدمغتنا هو فاتورة الطاقة العالية. يحتاج مخ الإنسان إلى السكر ليواصل العمل. سوى العسل والفواكه والتوت الموسمية الناضجة التي كان الإنسان قديمًا يجدها عرضًا، ما كان يجد كثيرًا من السكر الطبيعي في غذائه النيء. ولم يكن قدر السكر كافيًا بحال لدعم حاجات التجمعات البشرية الكبيرة والأمخاخ الكبيرة. فلا يكفي أكل جذور النباتات وسيقانها وأوراقها لتزويد المخ البشري بالطاقة اللازمة لمواصلة عمله.

لا بأس بهذا بالنسبة لغوريلا. لكن رغم ذلك، عليها أن تُنفق أكثر اليوم تأكل لتتزود بوقود يكفي مخها الأصغر. ببساطة ليس في الطعام ما يكفي من سعرات، ولا في اليوم ما يكفي من ساعات، لزيادة الطاقة فوق هذا. لهذا فقد بقيت الغوريلا والشمبانزي على ما هي عليه.

على الجانب الآخر، أُلهم الإنسان، منذ نحو مليون وثمانمائة ألف سنة، طريقة ذكية للتغلب على مشكلة النشا المقاوم واستخلاص سكر من الجذور والدرنات النشوية يكفي حجم أمخاخنا الكبير وطاقتها العظيمة. كان الحل ببساطة طهوها أولًا.

في وجود قليل من الحرارة والماء، ينفتح هيكل النشا الخام الذي كان ملتفًا. يُدعى هذا بالتحول الجيلاتيني ويحول النشا القاسي إلى شيء لين مرن، كالاسباجتي المطهوة. يفتح هذا مدخلًا لإنزيمات الهضم التي تستطيع ساعتها تكسير النشا الذي كان من قبل مقاومًا غير صالح للاستعمال، ليصير سكر جلوكوز صالحًا للاستعمال (وهو الوقود الأساسي لمخ الإنسان). مثلًا، نحصل على نسبة جلوكوز أعلى بكثير من أكل بطاطا مطهوة مما نحصله من بلعها نيئة. لذا، فلا نحتاج إلى إنفاق ست ساعات يوميًا نمضغ قبل البلع مثل الغوريلا. لم تقتصر منفعة الطهو على خدمة أمخاخنا الأكبر، بل امتدت إلى منحنا وقت فراغ أكبر نستعمل فيه ذهننا.

كذلك أعطانا الجلوكوز من النشا إمداد الكربوهيدرات التي تحتاج إليها عضلاتنا للجري مددًا طويلة (وخاصة مطاردة الفرائس). الجلوكوز هو أيضًا مصدر الطاقة الرئيسي لنمو الأطفال في الرحم. وعليه، يعد كثيرون اكتشاف الطهو والوصول غير المسبوق إلى السكر الناتج منه واحدًا من أهم التحولات في تاريخ البشرية.

لو كان الفضائيون جاءوا إلى الأرض من مليوني سنة ليساعدونا، كما في فيلم Space Odyssey لما كانوا أمدونا بالسلاح. بل لأعطونا دروس طهو. اليوم نحن لا نستطيع الحياة، حرفيًا، بلا طهو.

التخلص من المقاومة

لم يقتصر تطور البشرية على الطهو على النار. لتحصيل أقصى طاقة من المخزنة في الحبوب التي كنا نجمعها، وجدنا أنه يلزمنا بعض التحضير. تحديدًا، كان لزامًا علينا إزالة أغشية الحبوب، لأنها حائل مادي مقاوم جزئيًا للحرارة وعصاراتنا الهاضمة.

لا يكفي النقع عامة لتليين الحبوب حتى تُهضم. كما أنه يستغرق وقتًا طويلًا. لكن إن طحنا الحبوب أولًا (ببسطها على لوح وضربها بحجر، مثلًا)، لتكسرت بعض تلك الحواجز، لتتيح لنا الانتفاع بقدر أكبر بالنشا المخزن داخلها. عامة، كلما زادت المعالجة (مثل التكرير)، زالت حواجز أكثر أمام الهضم. مثلًا، في القمح كامل الحبوب خمسة أضعاف كمية النشا المقاوم الموجودة في الدقيق الأبيض الناعم، المعالج كثيرًا. على النقيض، نفس قدر الدقيق الأبيض المعالج يمنحنا أكثر من ضعف الجلوكوز الذي في القمح الكامل.

عبر تاريخ الإنسان، تطور غذاؤنا ليصير أكثر معالجة (أو أبعد من الحال النيئة)، خاصة في العصر الحديث. بلفظ آخر، صار طعامنا أيسر هضمًا وأعلى قدرة على تزويدنا بحاجة مخنا بلا حاجة إلى أكل كثير. لقد كان هذا أساسيًا لدعم التعدادات السكانية الضخمة، حيث كان كسب كسرة خبز أو سرقة رغيف، حرفيًا، أساسًا لعيشنا.

ثورات الخبز

كانت الأحوال شاقة في ثمانينيات القرن الثامن عشر في فرنسا. كان العامل المتوسط ينفق أكثر من نصف أجره اليومي على الخبز. كان يسعى على الخبز حرفيًا.

لكن الأحوال ساءت فوق ذلك. بارت المحاصيل فارتفع سعر الخبز أكثر. وكما كان متوقعًا، كان لا بد من انهيار شيء، فثارت جموع الناس، لائمين الفئة الحاكمة على حالهم. في 14 يوليو 1789، انتهى ما بدأ ثورة خبز بانهيار حصن الباستيل والملكية الفرنسية في النهاية.

ولم تنطق الملكة الفرنسية في ذلك الوقت، ماري أنطوانيت، بالكلمات الشائعة الآن ‘Paysans n’avaient pas de pain. Qu’ils mangent de la brioche’ والتي تترجم إلى “ألا يجد الفلاحون الخبز؟ فليأكلوا البريوش”. بعد خمسين سنة من ذلك اليوم مع تشويه سمعتها بألسنة مؤيدي الثورة الفرنسية وهم يروون سيرتها، زعموا أنها قالت ذلك.

عادة تترجم كلمة “بريوش” -خطأً- إلى كعك (في جملة “فليأكلوا الكعك”). لكن البريوش ليس كعكًا بل نوعًا من الخبز الفاخر الذي يُصنع من الدقيق والزبد والبيض.

من يحسب أن من لا يجد الخبز يستطيع أكل سواه ببساطة، كأنه أمام بوفيه إفطار، يُثبت أنه لا يفقه شيئًا عن أي شيء، لا عن معاناة الفلاحين، ولا عن نقص المكونات، بل ولا عن أنك تحتاج إلى الدقيق لصنع الخبز والبريوش كليهما.

الأمر يختلف في يومنا هذا، بلا شك. قد تثور الجموع لكن ليس جوعًا. من الواضح أننا نأكل سعرات أكثر من اللازم لا العكس. على الرغم من بلوغ النشا اليسير كان الحل في 1789، فقد صار جزءًا من المشكلة بعد 200 سنة. يساهم النشا الذي نستهلكه سريعًا في خلل السعرات الحرارية وقد يهدد بقاءنا.

على النقيض، يعد النشا المقاوم، الذي كان مهلكًا للإنسان القديم والجموع الجائعة، والذي أزيل من طعامنا المعاصر، حلًا محتملًا. يستعمل عدد من الأنظمة الغذائية النشا المقاوم تحديدًا، من البطاطا النيئة إلى الشوفان غير المطهو بل وحتى الموز الأخضر، باعتباره مكونًا سحريًا لفقد الوزن. لا شك أن فيها سعرات متاحة أقل، لكنها تظل مشبعة.

الأنظمة الغذائية منخفضة الكربوهيدرات الأطعمة النشوية مصدر السكر (الكربوهيدرات) الأساسي الوحيد عند أكثر الناس، وعليه فهو مصدر السعرات الأساسي لهم. لهذا (ولأسباب أخرى نناقشها لاحقًا) يُقدح في حق الأطعمة النشوية كثيرًا. عندما يفكر معظم الناس في اتباع نظام غذائي، بعد تقليل الدهون والحلوى، تأتي الأطعمة النشوية عادة على قائمة الممنوعات. وأحيانًا قبل ذلك.

في الأعوام الأخيرة، صارت الأنظمة الغذائية قليلة النشا (أي قليلة الكربوهيدرات) عظيمة الشيوع. الأنظمة الغذائية قليلة الكربوهيدرات هي تلك التي تمثل المكونات الكربوهيدراتية عادة أقل من 20% من مصادر طاقتها. يقابل هذا الأنظمة المعتادة التي تمثل الكربوهيدرات (النشا، غالبًا) نحو 50% من سعراتها.

تقليل السعرات في نظامنا الغذائي إلى هذا الحد يعني عادة خفض الأطعمة النشوية واستبدال أطعمة أخرى فيها بروتينات أو دهون أكثر (كاللحم والدجاج والسمك والقواقع والبيض والجبن والمكسرات والحبوب والفول السوداني) بها، أو أكل أطعمة نباتية منخفضة النشويات عادة (مثل الخضراوات غير النشوية، والأوراق الخضراء، والطماطم).

نظام بانتنج الغذائي

كان ويليام بانتنج مُعد جنائز في القرن التاسع عشر. والحق أنه كان يعمل في لندن، ويخدم العائلة المالكة نفسها، وشمل عمله الإشراف على جنازة الأمير ألبرت، زوج الملكة فيكتوريا.

كانت سنه ستين فقط وكان بدينًا. كان يستطيع قراءة المكتوب على حائط. كتب قائلًا: “ما كنت أقوى على الانحناء لربط حذائي… ولا قضاء الحاجات الإنسانية البسيطة بلا ألم ومشقة، وهو أمر لا يفهمه إلا شديدو البدانة؛ واضطررت إلى نزول السلم بظهري بطيئًا، حتى أقلل عبء الوزن الزائد على مفاصل كاحلي وركبتي، كما اضطررت إلى اللهاث مع أقل جهد، خاصة صعود السلم”.

وقد جرب كل الأنظمة الغذائية المتاحة: الصيام، والتدريب العنيف، والحمامات التركية، وهواء البحر، بل وركوب الخيل. وما ادخر نفقة في سبيل ذلك. فما نجح معه من ذلك شيء. لكنه بعدما استشار أفضل أطباء شارع هارلي، اكتشف أخيرًا أن الحيلة التي تصلح معه هي اجتناب الخبز واللبن والسكر وشراب الشعير والبطاطا (أي السكر والنشا).

فقد 20 كيلوجرامًا من وزنه (46 رطلًا) في سنة واستعاد صحته. وقد انبهر بنجاح النظام الغذائي حتى إنه نشر في عام 1863 كتيبًا، على نفقته الخاصة، يشرح فيه مشكلته وخلاصه منها أخيرًا قائلًا: “وهو ما قد يُرى معجزة لولا أنه تحقق بأبسط الطرائق المنطقية”.

وما من عجب أن صار الكتيب Letter on Corpulence (رسالة في البدانة المفرطة) من أكثر الكتيبات مبيعًا عالميًا، وسبق به مشاهير كتب الأنظمة الغذائية التي تملأ أرففنا الآن. كانت رسالته مباشرة. ما نجح معي سينجح معك أيضًا.

لعل أفضل أمثلة الأنظمة الغذائية قليلة الكربوهيدرات حاليًا نظام أتكنز Atkins ونظام العصر الحجري باليو Paleo. ومع هذا، توجد أنظمة عديدة جدًا تشاركه نفس المبادئ تقريبًا بشأن الكربوهيدرات، لكنها تختلف في المغذيات الكبرى (أي الدهون أو البروتينات). مثلًا، لا يحد نظام أتكنز كم الدهون التي تأكلها، بينما تحد أنظمة أخرى منخفضة الكربوهيدرات قدر الدهون والكربوهيدرات كليهما، فترتفع نسبة الطاقة المستمدة من البروتينات (ولهذا تُسمى هذه الأنظمة أحيانًا عالية البروتين بدلًا من منخفضة الكربوهيدرات).

تكمن جاذبية الأنظمة منخفضة الكربوهيدرات في أنها يسيرة الفهم وتحديد الممنوع من قائمة الطعام بسيط: كل ما هو حلو، والطعام النشوي. لكن لأن كثيرًا من طعامنا الأساسي غني بالكربوهيدرات، عادة تقل اختيارات الطعام عندما نتبع أنظمة منخفضة الكربوهيدرات. هذا هو أرجح أسباب نجاح الأنظمة منخفضة الكربوهيدرات في بدايتها. نأكل أقل كثيرًا لأن خياراتنا أقل كثيرًا. وفوق هذا، أكل مزيد من البروتين والدهون يساعد على ملء معدتنا بوجبة وقد تقلل شهيتنا. كما ينجح خفض الكربوهيدرات في تقليل الوزن سريعًا. هذا يمنحنا مردودًا إيجابيًا مبكرًا إن كنا في تردد بشأن نظامنا الغذائي والثبات عليه أم تركه.

لكن المشكلة الكبرى، على المدى البعيد، أن حذف الأطعمة الغنية بالكربوهيدرات من غذائنا يعني أننا لا نأكل من كل مجموعات الطعام ونخسر كثيرًا من وجباتنا المفضلة أو أكثرها متعة وإثارة. قد يقودنا هذا إلى الضجر من قائمتنا المحدودة والارتداد إلى العادات القديمة. لذا يعود الوزن إلى الزيادة سريعًا عندما نسقط من العربة. لا تختلف الأنظمة الغذائية منخفضة الكربوهيدرات على المدى البعيد عن أي نظام آخر نستطيع التزامه.

أحيانًا قد يعني تقليل الكربوهيدرات أن نأكل كثيرًا جدًا من الدهون بديلًا، ولهذا مشكلاته المستقلة. إن لم ننتبه، فقد يعني ترك النشا من أي نظام قليل الكربوهيدرات عدم تناول ما يكفي من أشياء أخرى يتوفر عليها الطعام النشوي، ومنها الألياف والنشا المقاوم والمعادن والفيتامينات مثل حمض الفوليك.

الألياف

بعض السكريات في طعامنا ليست ملفوفة مثل النشا لكنها مرتبطة معًا بقوة في عصي طويلة مستقيمة مثل الأسلاك الصلبة الطويلة التي توصل إشارة الهاتف والإنترنت إلى العديد من المنازل. ومعًا يُسميان الألياف.

في اللحم أجزاء صعبة المضغ أيضًا، وهي عادة لا تُهضَم. لكنها ليست أليافًا. لا توجد الألياف إلا في النباتات. بعض أجزاء النبات تكون أغنى من غيرها بالألياف، مثل البذور، والحبوب، والمكسرات، والبقول، والتوت، والخضراوات، والفاكهة (خاصة قشورها).

الورق المقوَّى

مذاق الألياف وحدها بشع. هل جربت من قبل أن تأكل طبقًا من نُخالة القمح غير المعالجة؟ طعمها مثل الورق المقوى. الحق أن الورق المقوى يُصنع بضغط أجزاء من ألياف عجين الخشب معًا.

على الرغم من أننا جميعًا نقول: “أوه! إن مذاقها كالورق المقوى”، فلا أحد يأكل الورق المقوى حقًا. تستطيع الأرانب وقوارض الكابياء أكل الخشب، لذا فأكل الورق المقوى لا يختلف كثيرًا عندها. تحب القطط مضغ الورق المقوى وتقطيعه، لكنها لا تأكله حقًا. ومع هذا، من المهم تذكر أن أكثر مكونات الورق المقوى معاد تدويرها، لذا فهي تحتوي عادة على كيميائيات غير مرغوبة ولا تود إطعام حيواناتك الأليفة إياها، ناهيك عن أن تذوقها بنفسك.

حل مشكلة مذاق الورق المقوى في النباتات الكاملة هو ارتباط الأجزاء الليفية النافع أكلها مع أطعمة طيبة طبيعيًا وألوان عديدة جذابة. هذا سبب آخر يجعل أكل الفواكه والخضراوات الكاملة من أفضل طرائق التزود بالألياف اللازمة لصحتنا الهضمية.

خلاف النشا الملفوف، أسلاك السكر والألياف قاسية ولا تنفك يسيرًا. هذا يعني أن الألياف لا يمكن هضمها عادة، حتى مع طهوها أو غليها. لذا، فلا تزيد الألياف كثيرًا مما نتناول من سعرات، ولا إلى محيط خصرنا.

لكن هذا لا يعني أن الألياف بلا نفع لصحتنا. عند مزج الألياف بالماء تستطيع امتصاص جزء منه. هذا يجعل السائل ثخينًا غليظًا لزجًا هلاميًا في أفواهنا إذا شربناه (كما في المكملات الغذائية الليفية). لكن ليست كل الألياف قابلة للذوبان تمامًا في الماء؛ لذا يكون ملمسها خشنًا أحيانًا. عامة، يشبه الأمر شرب هلام محبب قليلًا. الهلام، بالمناسبة، يُصنع من الجيلاتين، وهو بروتين ليفي يأتي من جلد الحيوانات أو الأبقار وعظامها (من يريد هلامًا؟).

يحدث نفس هذا التفاعل الخشن المُثخِّن أيضًا عندما تمتزج ألياف النبات الذي نأكله بأطعمة أخرى وبالعصارة الهضمية في أمعائنا. هذا التفاعل مهم، لأن هضم الإنسان يشبه غسالة الملابس (أو تنظيف طفل صغير). الأمر يلزمه أكثر من الماء والصابون لينجح. يلزمه أيضًا شيء من التحريك.

السوائل كثيرة الماء سهلة التقليب، بملعقة صغيرة مثلًا، وتُذيب الأشياء سريعًا، مثل السكر في قهوتنا. على الجانب الآخر، الخليط الثخين اللزج كعجين الكعك السائل، يحتاج إلى خفق أكثر وأقوى وستحتاج إلى ملعقة أكبر بلا شك لمزج السكر وإذابته به تمامًا.

هنا تُحيل الألياف القابلة للذوبان (مثل البقول أو الأوراق الخضراء) التي نضيفها إلى طعامنا مكونات أمعائنا إلى عجين لزج. وهذا يطيل أمد امتزاج إنزيمات الهضم بها. نتيجة هذا إبطاء عملية الهضم فتُخرج أي وجبة مغذياتها تدريجيًا، وليس مغذيات البقول والأوراق الخضراء فقط.

عند امتزاج الألياف بالماء تتضخم أيضًا. هذا يصنع كتلة تساعد على إشعارنا بالشبع أسرع كثيرًا من أكلنا طعامًا مماثلًا خاليًا من الألياف (كأكل خبز الحبوب الكاملة مقارنة بأكل شريحة خبز أبيض). يقل ساعتها احتمال شعورنا بالجوع لاحقًا ورغبتنا في أكل وجبة صغيرة بين الوجبات.

إذا هضمنا واستعملنا كل ما نأكل، لما احتجنا إلى التبرز. كثير من الألياف التي لا تُهضم في الوجبات تظل غير مهضومة حاملة الماء، مما يساعد على تجنب جفافها تمامًا، فيما تجعل الكتلة الانزلاق في الأمعاء أيسر. مثلًا، وراء كون الأطعمة الغنية بالألياف، كالبرقوق والراوند، ملينات، سبب وجيه!

نحن نستهلك في المتوسط أقل من نصف قدر الألياف اللازم للصحة الهضمية المثالية. أحد أسباب هذا هو أن أكثر منتجات الحبوب التي نأكلها اليوم عالية المعالجة والتكرير، مما يعني أن أكثر الأجزاء الغنية بالألياف قد أزيلت وما بقي إلا الجزء النشوي من الحبة (مثل الأرز الأبيض، والخبز الأبيض). وهذه تكون مستعدة تنتظر أن تنطلق إلى هضمنا ثم تستقر حول خصرنا.

على النقيض، تحتفظ الأطعمة كاملة الحبوب بالغشاء الغني بالألياف الذي يُسمَى النخالة. مثلًا، الدقيق المصنوع من الحبوب الكاملة (الذي يحتفظ بالنخالة سليمة) يحوي من الألياف أكثر من عشرة أضعاف ما في الدقيق الأبيض العادي الذي يُستخدم في صنع الخبز الأبيض. وبالمثل، في الأرز الأبيض عُشر محتوى الأرز البني من الألياف. مجرد استبدال الأطعمة كاملة الحبوب بما يقابلها من الأطعمة المكررة، يمكننا من تناول أكثر من ضعف محتوى الألياف، بلا تغيير حقيقي في نظامنا الغذائي.

سكري السكر

يظن أكثر الناس، خطأً، أن سبب مرض السكري هو أكل الكثير من السكر. ولأن النشا هو مصدر السكر الأساسي، يشيع بين الناس اعتقاد أنه سبب مرض السكري الأساسي. بلا شك، في دم مرضى السكري يوجد سكر (جلوكوز) أكثر من الحد الطبيعي. لكن، سبب هذا السكر الحقيقي أصلًا وجود الكثير من الدهن “في غير موضعه” بسبب أكل الكثير جدًا من كل شيء، أما الإفراط في أكل السكريات والنشويات فيأتي بعد ذلك.

ومع هذا، عندما يلاحظ الناس أن الطعام النشوي كالخبز والبطاطا يحمل سكرًا خفيًا (أو الأحرى أنه يمثل أكبر مصادر الكربوهيدرات/السكر في طعامنا اليومي)، يحاولون تجنب الأطعمة النشوية تحديدًا لتقليل مخاطر الإصابة بالسكري.

يبدو هذا منطقيًا. كما ناقشنا من قبل، على الرغم من أن مذاق النشا ليس حلوًا، فالسكر المخزن فيها ينفلت سريعًا من سلاسلها عند طحنه وهضمه، مما يعني أن يوازي قدر السكر وسرعة إطلاقه عند أكل الخبز الأبيض الغني بالنشا أو كعكة الكأس في منتصف النهار، مثلًا، ما يكون عند تناول لوح شوكولاتة بالحليب. الحق أن مخاطر الإصابة بالسكري من النوع الثاني من أكل الخبز الأبيض (الذي أكثره نشا) بانتظام تساوي تقريبًا مخاطره عند تناول مشروبات غازية سكرية بانتظام. لذا فتقليل الأرز الأبيض (النشا) له نفس منطق تقليل المشروبات الغازية السكرية (وهو أمر منطقي جدًا).

الإنسولين

إذا هُضم أي سكر، سواء كان بسيطًا حلوًا أو مركبًا نشويًا، يسبب إطلاق الهرمونات التي تنظم رد فعل أجسامنا. أهم تلك الهرمونات هو الإنسولين، الذي يتحكم في نقل السكر إلى أماكن تخزينه حتى يُستعمل لاحقًا بين الوجبات. يعتمد قدر الإنسولين اللازم لأيض مثالي على:

– قدر السكر الذي أكلناه توًا (أي المحتوى الكربوهيدراتي)

– سرعة هضم السكر وامتصاصه مما أكلنا (أي المؤشر الجلايسيمي)

– كفاءة الإنسولين في أداء عمله (أي حساسية أيضنا للإنسولين أو مقاومته إياه).

إذا لم يستطع الجسم إنتاج قدر مناسب من الإنسولين سريعًا، ارتفع السكر في الدم بلا سيطرة. يُسمى هذا مرض السكري من النوع الثاني. لا يُسبب هذا النوع الأطعمة السكرية أو النشوية التي نأكلها، بل إخفاقنا في الاستجابة تجاهها كما يجب.

إحدى طرائق التحكم في مرض السكري، بلا شك، هي اتباع نظام غذائي قليل الكربوهيدرات. أكل كربوهيدرات أقل قد يساعد البنكرياس على إنتاج ما يكفي من الإنسولين للتعامل معها أو يساعدنا على إبقاء الوضع تحت السيطرة الدوائية.

إحدى الطرائق الأخرى للتحكم في مرض السكر هي تغيير نوع الكربوهيدرات إلى تلك التي تُطلق السكر بطيئًا فقط. هذه الكربوهيدرات البطيئة تشبه الأنظمة الغذائية منخفضة الكربوهيدرات في أنها تطلق سكرها بطيئًا، وقد تقلل قدر الإنسولين الذي على البنكرياس إنتاجه للتعامل معها.

نستطيع تقدير معدل امتصاص السكر بما يسمى المؤشر الجلايسيمي للطعام، وهو يرتب الأطعمة المختلفة بحسب سرعة رفعها السكر في الدم وقدر رفعها إياه، بعد أكل كم محدد من الطعام، نسبة إلى أكل كم مماثل من الجلوكوز نفسه.

المؤشر الجلايسيمي دون 55 يعني عامة الأطعمة التي تطلق سكرها أبطأ من سكر المائدة. هذا الإطلاق البطيء للسكر يعني تقليل الحاجة إلى إعداد الإنسولين وكذلك الحاجة إلى إعداده سريعًا. وهو يعني أيضًا خفض احتمال رغبتنا في الأكل مجددًا سريعًا، وكذلك ميلنا إلى أكل قدر أقل عامة، مما يساعد على التحكم في الوزن. كثير من الأطعمة ذات المؤشر السكري المنخفض (لكن ليس كلها) غنية بالألياف كذلك، وهو ما قد يفسر جزئيًا بعض منافعها.

على النقيض، الأطعمة ذات المؤشر السكري العالي (70 أو أكثر) تطلق سكرها سريعًا بعد الهضم. يسبب هذا ارتفاع الجلوكوز سريعًا جدًا في الدم، والحاجة إلى إطلاق سريع جدًا للإنسولين استجابة له لمنع فقدان السيطرة على الجلوكوز. كثير من مصادر النشا الكبرى في طعامنا (المنتجات المصنوعة من الدقيق، مثل الخبز والمخبوزات الأخرى ومنتجات البطاطا) لها مؤشر جلايسيمي عالٍ، بل يفوق أحيانًا أكل العسل أو سكر المائدة مباشرة. وفوق هذا لا تجعلنا الأطعمة ذات المؤشر الجلايسيمي العالي نشعر بالشبع كالأطعمة الأخرى، وإن فعلت فأثرها يزول سريعًا فنعود جوعى.

مشكلة هذه الاستراتيجية الغذائية أن العثور على طعام بديل ذي مؤشر جلايسيمي منخفض قد يكون صعبًا. بعض أغلفة الطعام تبين قيمة المؤشر الجلايسيمي، لكن الكثير من الأطعمة الأساسية ليس فيها هذا. إضافة إلى هذا، القيمة المذكورة على الغلاف تقريبية استرشادية فقط، وقد تتفاوت كثيرًا بين الناس وبين الأطعمة المختلفة، بسبب مزجها بمكونات أخرى بل كذلك بسبب طريقة إعدادها.

مثلًا، قد يقلل وجود بروتين ودهون في العشاء قيمة المؤشر الجلايسيمي للحلوى بإبطاء مرورها في الأمعاء وهضمها. لذا، فلا يكون للحلوى الأثر الضار إذا أُكلت بعد الأطباق الرئيسية الدسمة. لكن الحلوى وحدها، مثل المشروبات الغازية السكرية أو عصير الفاكهة أو شريحة خبز أبيض أو قطعة كعك أو كعكة مافن بلا شيء يُبطئها أشبه بمدفع يُطلق السكر إطلاقًا.

أل دينتي

عادة يُنصح بتقديم المكرونة والخضراوات والأرز والحبوب أل دينتي، أي قاسية قليلًا عند قضمها بأسناننا (dente – أي الأسنان).

المكرونة المقرمشة (النيئة) ليست ضارة بنا. الحق أنها غنية بالنشا المقاوم، وهو ما قد يكون جيدًا. لكنها تسبب غازات إن أُكلت بكميات، مثلها مثل الموز الأخضر. وطعمها كذلك شديد النشوية عند أكثرنا!

على الجانب الآخر، لا أحد يحب الاسباجتي الرخوة! فلا نستطيع لفها على الشوكة من غير أن نقطعها. والمكرونة مفرطة الطهو تذوب إذا قلبناها ببساطة فتصير صلصة جبن.

ميزة أخرى للمكرونة أل دينتى أن لها مؤشرًا جلاسيميًا أقل من المكرونة المطهوة حتى الرخاوة، وتحوي قدرًا أكبر من النشويات المقاومة كذلك. هذا يعني إطلاقًا أبطأ للنشا، فنشعر بالشبع أسرع ونظل كذلك أطول.

من خدع الطهو الأخرى طهو المكرونة دون النضج ثم تركها تبرد قبل استكمال إنضاجها لاحقًا. هذا الأسلوب (المعروف باسم أل فورنو) يتيح للنشا إعادة التشكل في بلورات أكبر وأكثر استقرارًا ومقاومة إنزيمات هضمنا. شريطة استكمال الشوط الثاني من الطهو دون درجة حرارة 120 مئوية (أو نحو 250 فهرنهايت)، يحفظ هذا النشا المقاوم، فيُبطئ إطلاق السكر ويقلل السعرات الحرارية التي ننالها. أكل المكرونة باردة بعد الطهو (كما في السلطة) له نفس المنفعة، بلا شك.

ينطبق نفس المبدأ على إعادة تسخين البطاطا المطهوة أو الخضراوات والحبوب النشوية الأخرى كالأرز (أو أكلها باردة). هذا يفسر لماذا يسبب السوشي أو المكرونة الباردة أو حتى سلطة البطاطا غازات عند بعض الناس.

من المهم تذكر أن الأطعمة المرتبة في قائمة المؤشر الجلايسيمي هي تلك التي تحوي كربوهيدرات فقط، والمؤشر يرتب محتواها من الكربوهيدرات من حيث أثره على مستويات الجلوكوز فقط. فهو لا يرتبها من حيث درجة منفعتها الصحية. مثلًا، مؤشر المثلجات السكري المنخفض لا يجعلها طعامًا صحيًا؛ إنما يبطئ الدهن الذي فيها امتصاص السكر منها، ولكنها تزيد محيط خصرنا بلا شك، وهذا هو الأهم.

وتجاوزًا لمسألة التحكم في الوزن، تُظهر البيانات أن الأنظمة الغذائية الغنية بالألياف (ومنها الكثير من الحبوب الكاملة والبقول والمكسرات والفاكهة والخضراوات، إلخ) ترتبط بمخاطرة أقل للإصابة بالسكري. وعليه، فالتخلص من كل الخبز الكامل والبقول والخضراوات النشوية قد يحرمنا من بعض الأشياء التي تكفينا للإصابة بالسكري، مثل الألياف والنشا المقاوم ومغذيات أخرى.

الحل الأكثر منطقية للوقاية من السكري هو عدم الإقلاع عن النشويات كلية بل استبدال بدائل أفضل تغذية (كأطعمة الحبوب الكاملة أو الخضراوات الورقية) بالأطعمة الضارة مثل الأرز الأبيض والمكرونة فائقة النضج والمنتجات المصنوعة من الدقيق الأبيض المكرر (التي أكثر محتواها من السكر، تمامًا كالمشروبات الغازية).

عادي مع احتمال رياح

مقابل كل خلية في جسم الإنسان، نحو عشرة أضعاف من البكتريا التي تستقل معنا مركبة الجسم. بل إنه في كل شخص عدد ميكروبات أكثر من عدد البشر الذين ساروا على الأرض من أول التاريخ؛ نحو مائة تريليون إجمالًا، وتزن نحو كيلوجرامين أو أربعة أرطال ونصف الرطل.

هذه البكتريا ليست معنا في رحلة مجانية فحسب. إنها تدفع ثمن رحلتها بعمل عدد من الأعمال المهمة، ومنها إزالة السموم وإنتاج الكيميائيات التي تحفظنا وباطننا في صحة. ومع هذا، فقد تساهم رفيقة رحلتنا البكتريا في المرض، أحيانًا. بل إن العديد من الأعراض الشائعة (ومنها السمنة والسكري وأمراض القلب ومشكلات الأمعاء وبعض السرطانات) رُبطت بتغيرات في تركيب ميكروبات البطن أو ما تنتج من كيميائيات.

تكوين البكتريا التي تبطن أمعاءنا يتغير تغيرًا واضحًا من أثر ما نأكل، وخاصة ما لا نهضمه فنتركه لها لتأكله. تحب هذه البكتريا الألياف والنشا المقاوم وبعض أنواع السكر الذي لا يُهضم. تُعرف هذه السكريات معًا باسم فودماب FODMAPs وهي اختصار (السكريات قليلة السكر، والثنائية، والأحادية، والبوليولات القابلة للتخمر). ولأننا لا نهضم ولا نمتص هذه السكريات، تمثل فودماب المغذيات الرئيسية التي تصل إلى القولون لتُطعم جموع البكتريا القاطنة هناك.

بأكل الأطعمة الغنية بالفودماب أكلًا منتظمًا نستطيع دعم، بل تحسين بكتريا أمعائنا. لهذا فإضافة الألياف أو الخضراوات النيئة أو النشا غير المعالجة أو السكر الذي لا يُهضم إلى الوجبات يُسمَّى أحيانًا بريبيوتيك (على نقيض استراتيجيات المضادات الحيوية التي تقتل البكتريا).

عيب هذا أن الفودماب التي تُطعم البكتريا التي في أمعائنا الغليظة تُسبب كذلك إطلاق غازات، إذ تتخمر. البقول، مثلًا، تزيد إنتاج الغاز بسبب محتواها الغني من السكريات التي لا تُهضم والألياف والنشا المقاوم.

إطلاق الريح

أكثر الناس يطلقون ريحًا بلا بأس. في المتوسط، نُخرج، في صمت، ما بين لترين إلى ثلاثة لترات (4 إلى 6 باينت) من الغازات، أكثرها الهيدروجين وثاني أكسيد الكربون والميثان. هذا تقريبًا حجم الغاز الذي في بالون الحفلات المنفوخ.

لكن بعض الناس يعانون مع كل هذا الغاز. قد يسبب تمدد أمعائهم وتمططها إحساسًا بالامتلاء غير المريح والانتفاخ والتقلصات والتجشؤ والغازات وأحيانًا الإسهال.

الحق أن أشهر أسباب تجنب الكثيرين (خاصة النساء) الأطعمة النشوية هو تجنب الإحساس “بالثقل” الذي يلي أكلها عادة. في الحالات الشديدة يُسمى هذا متلازمة القولون المتهيج Irritable Bowel Syndrome أو (IBS)، وهو ينشأ عادة بسبب فرط الغازات أو زيادة الحساسية تجاهها.

كلما زدنا قدر الفودماب التي نأكلها (مثل علب كاملة من اللوبياء)، زادت الغازات التي يصنعها جسمنا. كلما زدنا قدر الفودماب في غذائنا، زاد إنتاج الغازات، خاصة إذا فعلنا هذا فجأة. مثلًا، إذا كنا اعتدنا تناول شرائح الخبز الأبيض في الفطور ثم يومًا ما قررنا أن نتحول إلى غذاء صحي ونأكل طبقًا من الشوفان النيء، ففي اليوم التالي سنصير أكثر إخراجًا للغازات من المعتاد.

أشهر الأطعمة التي تحتوي على الفودماب هي تلك التي فيها الكثير من النشا، مثل الخبز والحبوب والمكرونة والموز (خاصة غير الناضج تمامًا). كثير من الخضراوات تحتوي على سكريات الفودماب التي لا نستطيع هضمها كذلك (لكن البكتريا تستطيع) ومنها البقول والفطر والبروكلي والقرنبيط وكرنب بروكسل وبقية عائلة الملفوف، والبصل، والثوم، وبقية عائلة البصل. بالتساوي، التفاح والكمثرى والأفوكادو والبرقوق والقراصيا والبطيخ والفاكهة ذات النوى، يمكن أن تسبب أيضًا الغازات للبعض منا.

قدرة بعض الناس على هضم بعض أنواع السكر الطبيعي كالفركتوز واللاكتوز محدودة. هذا يعني أنهم إذا تناولوا كثيرًا منهما (كاللاكتوز في اللبن أو الفركتوز في الأطعمة الحلوة) سيمر هذا السكر حتى يصل إلى بكتريا الأمعاء أكثر مما يحدث مع أغلب الناس. ستلتهم البكتريا ساعتها هذا السكر الفائض وتنتج غازًا كأنها أكلت فائضًا من الفودماب، مثل علبة من اللوبياء. يسبب هذا أحيانًا أعراضًا غير لطيفة تُسمى عدم التحمل (مثل عدم تحمل اللاكتوز وعدم تحمل الفركتوز). أكثر الناس يستطيعون تناول منتجات الألبان وملء بطونهم بالحلوى بلا مشكلات، لأنهم يمتصون هذه السكريات تمامًا تقريبًا، لذا فلا يصل منها شيء إلى بكتريا الأمعاء الغليظة ليتخمر إلى غازات.

تقليل الأطعمة التي تحتوي على الفودماب القابلة للتخمر في الأمعاء قد يحسن، عند عدد لا بأس به من الناس، إحساس البطن بعد الوجبات. من الممكن تحقيق هذا بعدد من الطرائق، حسب مصدر الفودماب في غذائنا بداية. لكن كثيرًا من الناس يحصلون الفودماب من الحبوب في الخبز، والمخبوزات، وحبوب الإفطار، وطائفة من الأطعمة الأخرى. لذا، فلكي يتخلصوا من الحبوب، يتخلصون من الجلوتين.

أحزان الجلوتين

تحتوي المنتجات المصنوعة من القمح على ما هو أكثر من النشا والألياف. فهي تحتوي على عدة بروتينات مختلفة موجودة طبيعيًا في حبوب القمح، أكثرها وجودًا هو الجلوتين. وكما قد يظهر من اسمه، الجلوتين مادة لزجة كالصمغ. الجلوتين أساسي لتماسك رغيف الخبز؛ إذ يرتفع العجين في الفرن. من غير الجلوتين يظل الخبز إما مسطحًا وإما كثيفًا سهل التفتت إلى حد مزعج.

يكون الجلوتين في حبوب القمح والسلالات المرتبطة به مثل الجاودار والشعير، وكذلك في القمح الهجين مثل الحنطة الألمانية، والكاموت، والتريتيكيل. هذا يعني أن أي منتج يحتوي على هذه الحبوب يحوي الجلوتين كذلك. بعض منتجات القمح معلوم احتواؤها الجلوتين كالخبز والكعك والبسكويت والمخبوزات وحبوب الإفطار والمكرونة وما أشبهها. لكن توجد مصادر عديدة أخرى للجلوتين غير معروفة، مثل السجق وشراب الشعير والمثلجات والصلصات والمرق المجفف وسلطة المايونيز.

في العقود القليلة الماضية اكتسب الجلوتين سمعة المنبوذ، وعادة يُعامل معاملة شرار الأطعمة مثل الكوليسترول والدهن المشبع. يرجع أكثر هذا إلى أن عددًا صغيرًا من الناس (نحو 1% أو 2% من كل البشر) يتحسسون من القمح أو من الجلوتين خاصة. وهذه الحالة الأخيرة تُسمى مرض السيلياك.

السيلياك

يصيب مرض السيلياك ما بين 1% و2% من كل البالغين. سبب هذا المرض مهاجمة الجهاز المناعي الأمعاء وتدميرها إن تناول الشخص الجلوتين.

حتى يظل المصاب به صحيحًا، عليه تجنب كل الجلوتين، مما يعني تجنب منتجات القمح ومنتجات أخرى تحتوي على القمح في كل وجباته إلى آخر حياته. حتى أقل كميات الجلوتين تكفي لإطلاق رد الفعل. لا حل للأمر ولا علاج له إلا هذا.

لا يحتوي الشوفان على الجلوتين (وفي بعض البلاد يُكتب على منتجات الشوفان أنها خالية منه). لكن في الشوفان شيء مماثل وقد يسبب نفس رد فعل القمح في بعض مرضى السيلياك. كما يتلوث الشوفان عادة بقدر ضئيل من القمح، وهو ما يجعله غير آمن لبعض مرضى السيلياك.

وعلى الرغم من تفاوت الأعراض بين المصابين، فإن أكل أحد مرضى السيلياك طعامًا فيه جلوتين، قد يُصاب باضطرابات في الأمعاء مثل الإسهال المزمن والتمدد/الانتفاخ والمغص والغازات. وعليه، فكثير من مرضى السيلياك لا يدركون مرضهم، ظانين أن الأمر لا يعدو عن كونه تعبًا في المعدة أو اضطرابًا في الأمعاء. لكن ما أن يُشخَّصوا ويعالجوا يُعرف سبب أعراضهم.

بعيدًا عن تقديم منتجات خالية من الجلوتين إلى مرضى السيلياك، صارت المنتجات الخالية من الجلوتين حيلة تسويقية. لم يثبت دليل على ضرر الجلوتين ولا أثره في اضطراب الأمعاء عند التسعة والتسعين في المائة الباقية من الناس غير المصابين بالسيلياك. ومع هذا، فكون اجتناب الجلوتين الحل الوحيد للسيلياك كان سببًا كافيًا لدفع أكثر الناس إلى إساءة فهم خيار المنتجات الخالية من الحبوب أو الجلوتين، فظنوا أن هذا هو الخيار الصحي الآمن جوهريًا. لكن مجرد حاجة بعض الناس إلى علاج ما لمرضهم لا يعني أن على الجميع تناول نفس العلاج.

ومع هذا، فلاجتناب الجلوتين بعض المنافع التي لا علاقة لها بالجلوتين نفسه. مثلًا، قد تسبب السكريات المقاومة التي في منتجات القمح الغازات واضطراب الأمعاء عند بعض الناس. لذا إن اجتنبوا الجلوتين، أحسوا بانتفاخ وعدم راحة أقل. لكن هذا راجع إلى اجتناب الفودماب لا الجلوتين (خلاف مرضى السيلياك). والقمح ليس المصدر الوحيد للفودماب في غذائنا.

لكن لاجتناب ما فيه جلوتين تمامًا سلبيات كذلك. عمليات إزالة الجلوتين أو إحلال حبوب أخرى محله (مثل الشيا، والكينوا، والأمارانث، والأرز، والبطاطا، إلخ) تزيد ثمن المنتجات الخالية من الجلوتين مقارنة بمنتجات القمح العادية المنتجة على نطاق واسع والأرخص ثمنًا.

تخليص طعامنا من أي قمح يعني كذلك التخلص من مصدر عظيم للألياف والمعادن والفيتامينات مثل الفولات، وهو فيتامين ضروري لصحتنا ونمو أطفالنا في أرحام أمهاتهم. إن لم تتناول النساء المكملات الغذائية في استعدادها للحمل أو لم تأكل الأوراق الخضراء من الخضراوات الورقية، صار الخبز المدعم بالفولات مصدرهن الأكبر للفولات. وساعتها يكون تركه غير ذي معنى.

وعندما تطلب بديلًا للقمح، ما يكون هذا البديل؟ عادة ما يكون منتجًا خاليًا من الجلوتين، يحوي مزيدًا من الدهن وأحيانًا مزيدًا من السكر لجعل طعمه مقبولًا كالعجين العادي. لا تستحق الحبوب المرة الابتلاع إلا إن كانت تساوي ثمن الصحة.

كُل الحواف

لا يأكل الأطفال حواف الخبز أبدًا. مهما طلبنا منهم. مهما شكونا. تظل تلك الأطراف تلقى الرفض والمهانة مثل قشر الموز أو البرتقال.

يصعب علينا فهم السبب. فكل هذا خبز في النهاية. يبدأ الأمر بالعجين المصنوع من نفس المكونات تمامًا. لكن تبخر الماء من الأطراف يصنع قشرة جافة صلبة بنية تناقض الحشو اللين الإسفنجي (الذي يُعرف بلب الخبز).

من الممكن تعديل معدل فقد الماء من سطح الخبز وهو يُخبز بتعديل حرارة الفرن أو نسبة الرطوبة في الهواء أو معدل تدفق الهواء. يتيح هذا للخبازين التحكم بدقة في غلظ أي حافة وجمودها، ويكرر نفس النتائج المثالية مرة بعد أخرى.

بنفس الطريقة، من الممكن صنع خبز بلا حواف بخبزه في حرارة منخفضة، أو رطوبة عالية، أو تسخين داخلي بدلًا من الخارجي (أي باستعمال فرن الموجات القصيرة جدًا؛ الميكروويف أو الكهرباء). لكن لسبب ما لم ينتشر هذا المبدأ قط، حتى مع كراهية أولادنا الظاهرة لأكل الحواف، وكراهيتنا لإهدارهم الطعام.

الخُصلات المموجة

تقول إحدى أساطير الزوجات العجائز إن أكل حواف الخبز يجعل الشعر مموجًا أو أكثر تموجًا. لا شك أن الشعر المموج أقل عند الأطفال من الكبار. لكن السبب ليس أن الأطفال لا يأكلون حواف خبزهم. شعر الصغار يكون أنعم عادة وأقصر أي أقل عرضة للتموج. التموج الطبيعي شيء وراثي لا غذائي.

في وقت ما كان تموج الشعر يُعد علامة على رغد العيش. فأي نساء العصور الوسطى كانت تملك وقتًا لتمويج شعرها وتزيينه بهذا التفصيل؟ تلك التي لم تكن مكلفة بالعمل الشاق لتخبز خبزًا؟

وماذا تفعل بحواف الخبز الباقية إن وُجدت؟

تُطعم المواشي إياها، وكثير من المواشي ذيولها مموجة خِلقة.

وتقول أغنية الأطفال:

يا أمواج الخُصَل ألن تأتيني أبدًا؟

لن أرهقك بكدٍّ، قتل الله الكدَّا

بل أكرمك وأنثر حولك وردَا

وسأطعمك القشدة والسكر والزبدَا

ألا وهي عادة الطبقة الراقية.

في الماضي الخالي من المواد الحافظة، كان لحواف الخبز أثر مهم في عمره على الرف. لكن بقاء الخبز خارجًا يعرض الحواف للبيئة الخارجية، وكل الأصابع والذباب والملوثات التي تلمسه وهو في طريقه إلى أفواهنا. فلعل الأطفال في تجنبهم الحواف يحافظون على العادات الصحية؟ (متى كان هذا طبعهم أصلًا؟).

نفس التفاعل الكيميائي الذي يمنح الحواف صبغتها البنية (والذي يسمى، بلا عجب، تفاعل الصبغ البني) يؤدي إلى نكهات أقوى وأكثر تعقيدًا من تلك الموجودة في بقية الرغيف. أكثر البالغين يفضلون هذه القطع ماتعة المضغ على الحشو الممل الذي في داخل الخبز الأبيض. لكن أطفالنا ليسوا كذلك.

عادة يفضل الأطفال الحلاوة ويبغضون المرارة. أشد تركيز المواد الكيماوية المرة في الخبز تجده في حوافه. لنفس هذه التجربة يفضل الأطفال أكل البطاطا الغنية بالنشا ويجتنبون الخضراوات، على غناها بالطعم والمغذيات. ويشربون الحليب ونحن نحب القهوة الحمصة المرة.

قد يكون هذا التفضيل آلية بقاء مهمة للغاية، غريزة لبصق أي سم مر قبل أن يتعلم الطفل التفرقة، فيما يستهلك بشغف الأشياء الحلوة الغنية بالطاقة، حين يجدها.

ونفس التفاعل الكيميائي (تفاعل الصبغ البني) الذي يمنح الحواف طعمها هو ما ينشئ مواد كيميائية أخرى لها القدرة على التأثير في صحتنا. وجدنا في بعضها (في صورته الخالصة) خصائص مقاومة للسرطان. بعضها ذو أثر عكسي. لذا فمحصلة أكل الحواف على صحتنا غير معروفة.

غالبًا لا تنفع الحواف الصحة أكثر من بقية الرغيف. هذه على الأرجح أسطورة اختلقها آباء متعبون. ليس في الحواف ألياف أكثر ولا مضادات أكسدة، لأنها تتكون من نفس العجين الذي يُكون اللب. مجرد وجود جيوب هوائية في الحشو لا توجد في الحواف لا يعني أن الحواف نوع مختلف من الخبز تمامًا. الحواف هي خبز أشد كثافة، وكميتها أقل.

لكن في الغالب، لا يؤكل الخبز وحده. عادة يكون وسيلة إلى أكل الزبد أو المربى أو العسل أو الجبن أو غيرها من الأطعمة. (وإن كانت هذه الأشياء لا تُبسط إلى ما بعد الحواف، فلماذا نأكل الحواف؟) يجري نفس الشيء على حواف البيتزا الجافة، التي تبدو خالية من الطعم عند مقارنتها بالحشو الرائع في بقية الفطيرة.

حاولت بعض الشركات علاج هذه المشكلة بتغطية حواف البيتزا بمكونات إضافية، أو تحليتها، أو تمليحها حتى تغطي طعم نواتج التفاعل الصبغي البني المر. لكن لم ينجح أي من هذا. تلعب الحواف دور الملعقة أو عصا مصاصة أو قطعة من أدوات المائدة الرخيصة التي ندفع بها ما يزين بقية فطيرة البيتزا من مكونات إلى فمنا. ما هي إلا حواف.

الخلاصة

الأطعمة النشوية مثل الخبز أو الحبوب أو الأرز أو البطاطا فيها أكثر من مجرد محتواها من السكر أو السعرات الحرارية. لا تخطئ فتحسب أن السكر والسعرات لا تضيف إلى محيط خصرنا وصحتنا. ومع أن ترك هذه الأطعمة بتبني أنظمة غذائية قليلة الكربوهيدرات أو قليلة المؤشر الجلايسيمي يؤدي إلى نتائج فورية واضحة، فهي ليست خيرًا من سواها من أنظمة التحكم بالوزن على المدى البعيد. قد تؤتي نتائج باهرة عند بعض الناس، مثل ويليام بانتنج، لكن لا تؤثر إلا قليلًا عند آخرين يؤدي إرغامهم على ترك الخبز أو الحبوب الأخرى إلى مشقة شديدة تودي بهم إلى التمرد في النهاية.

في الوقت نفسه، إن لم نأكل ما يكفي من الخضراوات (التي علينا أن نواجه أنفسنا ونقر بأننا لا نأكل ما يكفي منها)، فمصدرنا الأساسي للنشا المقاومة والألياف هو الحبوب النشوية التي نفكر في هجرها. وبالنظر إلى دور بكتريا الأمعاء العظيم والأساسي في صحتنا، من غير المنطقي أن نطعمها أقل، إلا إن كانت تسبب مشكلات مثل الألم أو الانتفاخ أو زيادة الغازات.

الحل الواضح هو الموازنة ووضع قدم في كل معسكر. كل القليل من الخبز لكن اختر الأعظم أليافًا. كل الأرز والمكرونة، لكن استغل النشا المقاوم فيهما لأقصى درجة. كل مزيدًا من البقوليات والمكسرات والحبوب الكاملة. وأهم شيء وأنت تغير نظامك الغذائي أن تفعل هذا تدريجيًا، حتى لا تعوقك الريح.

اسأل طبيب مجاناً