التصنيفات
الباطنية

التهاب البنكرياس Pancreatitis | الالتهاب الحاد والمزمن

البنكرياس هو عبارة عن غدة طويلة ومسطحة تمتد أفقياً خلف المعدة. ويستريح رأس البنكرياس على الجزء الأعلى من المعى الدقيق (الاثني عشري)، بينما يلامس ذنبه الطحال.

وظائف غدة البنكرياس

● تفرز العصارات الهضمية والأنزيمات التي تساعد على تحليل الدهون والكربوهيدرات والبروتينات (وظيفة بنكرياسية خارجية الإفراز). ثم يتم نقل العصارات والأنزيمات عبر مجرى صغير ينفتح على الاثني عشري.

● تفرز هرمونات الإنسولين والغلوكاغون في مجرى الدم، بالإضافة إلى السوماتوستاتين، وهو هرمون آخر ينظم عمل الهرمونين السابقين اللذين تقوم وظيفتهما الأساسية على تنظيم أيض الكربوهيدرات.

وعند التهاب البنكرياس تختل هذه الوظائف. ومن شأن الالتهاب أن يكون قصير الأمد أو مزمناً. وتشير الإحصاءات إلى أنّ معظم الحالات تكون طفيفة إلى معتدلة، ولا تزداد حدة العوارض إلا لدى 20 بالمئة من الأشخاص.

أعراض التهاب البنكرياس

يشعر المصاب بألم شديد في أعلى البطن، يخترقه إلى الظهر. ويؤدي الاستلقاء إلى تضاعف الألم الذي لا يخففه سوى الانحناء. وينجم هذا الألم الذي يدوم لساعات أو أيام عن التهاب البنكرياس.

● ألم بطن.
● غثيان وتقيؤ.
● ارتفاع في الحرارة.
● انتفاخ وغازات.
● براز كريه الرائحة، مرتخي، مدهن، أو متماسك.
● نقصان في الوزن.

الالتهاب الحاد والالتهاب المزمن

يطرأ التهاب البنكرياس الحاد بشكل فجائي، عندما يحتفظ البنكرياس بالأنزيمات التي يفرزها وتنشط فيه، مؤدية إلى تهيج أنسجته الحساسة والتهابها. ففي الحالات الطبيعية، تنتقل الأنزيمات إلى الاثني عشري وتنشط هناك.

ويتمثل العارض الرئيسي للالتهاب الحاد بألم طفيف إلى حاد في أعلى البطن، غالباً ما يمتد إلى الظهر والصدر. ومن شأن الأوجاع أن تدوم لساعات أو أيام متواصلة. ويساهم شرب الكحول وتناول الطعام في تفاقمها. والكثير من المصابين بالتهاب حاد يجلسون أو ينحنون إلى الأمام أو يلتفون على أنفسهم في وضع جنيني، إذ يشعرون بأن هذه الوضعيات تخفف الألم.

وغالباً ما يشعر المصابون بالتهاب حاد في البنكرياس بأنهم مرضى، وهذا ما يبدو عليهم في الواقع، خاصة وأنهم يعانون كثيراً من الغثيان والتقيؤ. ومن العوارض الأخرى، ارتفاع الحرارة وصعوبة في التنفس ورضّات في البطن نتيجةً للنزف الداخلي.

أما التهاب البنكرياس المزمن فيختلف بكون الالتهاب يحدث على فترة زمنية تمتد غالباً على عدة سنوات. وهذه الحالة هي أقل وضوحاً عادةً، ويصعب كشفها في مراحلها الأولى. والواقع أنّ قلّة من المصابين بالالتهاب المزمن لا يعانون من الألم على الإطلاق. بينما يصاب آخرون بفترات متقطعة من ألم البطن الطفيف إلى المعتدل. ومن شأن الألم أن يكون حاداً ويدوم لعدة ساعات، أو خفيفاً ومتواصلاً يستمر لأسابيع. ويعاني المريض أحياناً بالإضافة إلى الألم، غثياناً وتقيؤاً وارتفاعاً في الحرارة وانتفاخاً وغازات. ويساعد الكحول والطعام على تفاقم العوارض.

وخلافاً لالتهاب البنكرياس الحاد الذي غالباً ما يزول تلقائياً من دون أن يخلّف مضاعفات على المدى الطويل، يسبب الاعتلال المزمن عادةً تلفاً دائماً. ومع تواصل الالتهاب، تتدمر أنسجة البنكرياس ببطء. ومع تراجع قدرة هذا العضو على إفراز الأنزيمات والهرمونات الضرورية للهضم السليم، يسوء امتصاص المغذيات، وخصوصاً الدهون، مما يؤدي إلى نقصان الوزن وخروج براز رخو، كريه الرائحة، وزيتي نظراً لما يحتويه من دهون. بالنتيجة، تختل الخلايا المفرزة للإنسولين مسببةً الداء السكري.

ولسوء الحظ، لا تظهر علامات سوء الامتصاص والسكري إلا بعد تقدم الالتهاب.

أسباب التهاب البنكرياس

يطرأ التهاب البنكرياس لأسباب متنوعة، وفي بعض الحالات يبقى السبب مجهولاً. غير أنه ثمة سببان شائعان للمرض هما:

الكحول
إنّ الإكثار من الكحول عل مدى سنوات عديدة يعتبر من الأسباب المسؤولة عن التهاب البنكرياس المزمن. كما أنّ فرط تعاطي الكحول قد يؤدي إلى نوبة حادة الأمد. وتشير الإحصاءات إلى أنّ 5 إلى 15 بالمئة ممن يعاقرون كميات مفرطة من الكحول يصابون بالتهاب البنكرياس. أما سبب ظهور المرض لدى بعض الناس دون غيرهم فهو غير مؤكد، وكذلك هو الأمر بالنسبة إلى كيفية إتلاف الكحول لهذا العضو. فاستناداً إلى إحدى النظريات، يؤدي فرط استهلاك الكحول إلى “سدود بروتينية”، تمهّد لحصى صغير، تتشكل في البنكرياس وتسد أجزاءً من مجرى البنكرياس. وثمة نظرية أخرى تقول بأنّ الكحول يؤذي مباشرة أنسجة البنكرياس.

حصى المرارة
حوالى نصف الأشخاص المصابين بالتهاب البنكرياس الحاد لديهم حصى في المرارة. والواقع أنه في بعض الأحيان تنتقل الحصى إلى خارج المرارة عبر مجرى الصفراء العام، الذي يندمج مع مجرى البنكرياس قرب مدخل الاثني عشري. وعند هذه النقطة، من شأن الحصى أن يعلق في مجرى البنكرياس أو قربه ويقطع جريان عصارات البنكرياس إلى الاثني عشري. فتنشط الأنزيمات الهضمية في البنكرياس عوضاً عن القناة الهضمية مسببة التهاباً قصير الأمد فيه.

أسباب أقلّ شيوعاً

● ترسبات أو حصى الكالسيوم التي تسد مجرى البنكرياس أو مجرى الصفراء العام.
● ارتفاع معدلات ثلاثي الغليسيريد (دهن الدم) أو الكالسيوم في الدم.
● حالات شذوذ بنيوية في البنكرياس، جرح في البطن أو جراحة كبيرة.
● إنتان بكتيري أو فيروسي.

وفي بعض الحالات العرضية، يؤدي التهاب البنكرياس الحاد الناجم عن مضاعفات معينة إلى التهاب مزمن. كما أنّ الراشدين الشباب الذين يعانون من تليف البنكرياس الكيسي ومن حالات شذوذ جينية ناجمة عن ذلك يصابون بفترات من التهاب البنكرياس المزمن. أضف إلى أنّ بعض الأشخاص يولدون مع شكل وراثي للمرض قد يسبب لهم نوبات في الطفولة أو المراهقة.

والواقع أنه في 20 بالمئة من حالات التهاب البنكرياس المزمن و 10 بالمئة من حالات الالتهاب الحاد، ما من سبب واضح للمرض. غير أنّ الباحثين يشتبهون بأن بعض النوبات قد تكون مرتبطة بحصى في المرارة بالغة الصغر بحيث تصعب رؤيتها.

تشخيص وعلاج التهاب البنكرياس الحاد

إن اشتبه الطبيب بحالة التهاب قصير الأمد في البنكرياس، يقوم بفحص البطن للكشف عن مواضع الألم. كما يتم تحليل عينة من الدم بحثاً عن ظواهر غير طبيعية تشير إلى وجود التهاب حاد:
● ارتفاع في معدل أنزيمات البنكرياس، أميلاز وليباز.
● ارتفاع في عدد كريات الدم البيضاء.
● ارتفاع في معدل أنزيمات الكبد والبيليروبين، وهي مادة تنتج عن تحلل كريات الدم الحمراء.
● ارتفاع معدل السكر في الدم.
● انخفاض معدل الكالسيوم (فارتفاع معدل الكالسيوم قد يسبب التهاب البنكرياس، أما انخفاض معدله في الدم فيؤدي إلى النتيجة نفسها).

وقد يطلب الطبيب صورة بالموجات ما فوق الصوتية أو صورة مقطعية على الحاسوب للبطن لفحص البنكرياس والبحث عن حصى في المرارة أو عن مشاكل في المجاري والتحقق من عدم تلف الغدة. كما يخضع المريض لصورة بأشعة إكس للبطن والصدر لاستبعاد أسباب أخرى للألم.

ويستوجب التهاب البنكرياس الحاد ملازمة المستشفى عادةً. وفي حال حدوث مضاعفات، يُنقل المريض إلى وحدة العناية المركّزة. ويتركز العلاج على تخفيف الألم وإراحة البنكرياس وإعادة التوازن الطبيعي للعصارات التي يفرزها. وبما أنّ البنكرياس ينشط كلما دخل الطعام إلى الجسد، يُحظر على المريض تناول الطعام والشراب لبضعة أيام، ويستعاض عنهما بالسوائل والغذاء التي تُعطى عبر الوريد.

أما إن كانت النوبة ناجمة عن حصى المرارة التي تسد مجرى البنكرياس، فقد يلجأ الطبيب إلى وسيلة لإزالة الحصى. وقد يتبع ذلك جراحة لاستئصال المرارة إن استمر الحصى بتسبيب المشاكل. وفي حال كان الكحول هو المسؤول، يرافق ذلك علاج لإيقاف تعاطيه.
وبشكل عام، تتحسن حالات التهاب البنكرياس الطفيفة في غضون 3 إلى 7 أيام، بمقدور المريض بعدها أن يعاود الأكل والشرب. أما الحالات المعتدلة إلى الحادة فتستغرق وقتاً أطول.

مضاعفات التهاب البنكرياس الحاد

حوالى ربع حالات التهاب البنكرياس الحاد تكون شديدة وقد تؤدي إلى مضاعفات:

إنتان
قد يصاب البنكرياس المريض بإنتان بكتيري ينتشر من المعى الدقيق إليه. وتشتمل علامات الإنتان على ارتفاع في الحرارة وازدياد عدد الكريات البيضاء وفشل عضوي. ويمكن أخذ عينة من البنكرياس لفحصها وكشف الإنتان البكتيري. وفي حال أتت النتائج إيجابية، يُعطى المريض مضادات حيوية. ويضطر البعض للخضوع لجراحة لتجفيف الجزء المصاب أو استئصاله. وفي بعض الأحيان يستلزم الأمر عدة عمليات.

أكياس كاذبة
قد تتشكل نفطات شبيهة بالأكياس تسمى أكياس كاذبة على البنكرياس وتمتد إلى أعضاء أخرى بعد نوبة التهاب قصير الأمد. وعندما يكون الكيس صغيراً، لا يتم اللجوء إلى أي علاج. أما إن كان كبيراً وأصيب بالإنتان أو سبب نزفاً، فيصبح التدخل الطبي ضرورياً. وقد يعمد الطبيب إلى تصريف محتويات الكيس عبر قسطرة أو بالجراحة لاسئصال الكيس.

خراج
هو عبارة عن تجمع القيح قرب البنكرياس وذلك بعد 4 إلى 6 أسابيع من نوبة التهاب حاد. ويقوم العلاج على تصريف الخراج عبر قسطرة أو بالجراحة.

تشخيص وعلاج التهاب البنكرياس المزمن

لتأكيد تشخيص الالتهاب المزمن، يعمد الطبيب على الأرجح إلى أخذ عينات من الدم والبراز. فمن شأن اختبارات الدم أن تكشف عن الظواهر الشاذة المقترنة بالتهاب البنكرياس المزمن كما تساعد على استبعاد الالتهاب الحاد. أما تحليل البراز فيهدف إلى قياس معدل الدهن فيه. ذلك أنّ التهاب البنكرياس المزمن غالباً ما يسبب فائضاً من الدهن في البراز نظراً لعدم هضم الدهن وامتصاصه في المعى الدقيق.

وقد يطلب الطبيب إجراء صورة أشعة أو صورة بالموجات ما فوق الصوتية أو تنظير للبحث عن انسداد في مجرى البنكرياس أو مجرى الصفراء العام. وفي حال تعرض المريض لنقصان في الوزن أو اشتبه الطبيب بوجود سوء امتصاص للمغذيات، يتم إجراء اختبار تنبيه. فيحقن الطبيب محلولاً في مجرى الدم لتنبيه البنكرياس. وعند ذلك يتم قياس قدرة الغدة على تفريغ الإفرازات في الاثني عشري. كما يخضع المريض لاختبارات إضافية عند الاشتباه بوجود أمراض أخرى كسرطان البنكرياس، الذي يرتفع خطر الإصابة به عند وجود التهاب مزمن في البنكرياس.
ويقوم العلاج الأساسي للالتهاب المزمن على إيقاف الألم وعلاج سوء الامتصاص.

إيقاف الألم
خلافاً لالتهاب البنكرياس الحاد الذي يزول فيه الألم في غضون عدة أيام أو أسابيع، يطول ألم الالتهاب المزمن. والواقع أنّ الألم المتواصل هو من أهم التحديات التي يواجهها الطبيب. فإضافةً إلى مسكنات الألم المتعارف عليها، يُعطى المريض أحياناً أنزيمات بنكرياسية. ويهدف العلاج بالأنزيمات إلى زيادة مستواها في الاثني عشري لتخفيف إفرازها بالتالي من قبل البنكرياس. ويعتقد بأن هذه العملية تخفف ضغط الإفراز وبالتالي الألم داخل البنكرياس.
أما بالنسبة إلى الألم الحاد الذي تتعذّر السيطرة عليه، تشتمل خيارات العلاج على إجراء جراحة لاستئصال الأنسجة التالفة، أو اتباع وسائل لإيقاف إشارات الألم أو إماتة الأعصاب الناقلة للألم.

أنزيمات لعلاج سوء الامتصاص
من شأن ملحقات الأنزيم التي تؤخذ مع كل وجبة، مثل بانكريليباز (Cotazym، Pancrease، Viokase)، أن تداوي مشاكل سوء الامتصاص التي يسببها البنكرياس. إذ تحل الأقراص محل الأنزيمات الهضمية التي لا يفرزها البنكرياس وتساعد على إعادة عملية الهضم إلى طبيعتها. واعتماداً على التركيبات، يصل عدد الاقراص إلى 8 مع الوجبة قرصين بعد بدء الوجبة بقليل، وأربعة خلال الوجبة، واثنان بعدها. كما يجب أخذ الأقراص مع الوجبات الخفيفة.

علاج الداء السكري
من شأن التهاب البنكرياس المزمن أن يسبب السكري لدى البعض. ويشتمل العلاج عادة على الحفاظ على نظام غذائي صحي وممارسة الرياضة بانتظام. ويحتاج البعض أيضاً لحقن الإنسولين. وعادة يتناقش الطبيب مع مريضه حول كيفية علاج السكري والتعرف على عوارض ارتفاع وانخفاض السكر في الدم ومنع حدوث مضاعفات.

مداواة التهاب البنكرياس

غالباً ما تدوم عوارض التهاب البنكرياس المزمن، كالألم وسوء امتصاص المغذيات، مدى الحياة. بالمقابل، تشفى معظم حالات الالتهاب الحاد تماماً. ولكن حتى لو لم تكن تعاني من ألم متواصل، من الضروري الحفاظ على سلامة البنكرياس قدر الإمكان:

تجنب الكحول: أظهرت دراسة أن نصف عدد المصابين بالتهاب البنكرياس المزمن والذين يتناولون الكحول يموتون خلال خمس سنوات.

تناول وجبات أصغر: كلما كبرت الوجبة، اضطر البنكرياس لإفراز كمية أكبر من العصارات الهضمية. بالتالي، استعض عن الوجبات الكبيرة بوجبات أصغر حجماً وأكثر عدداً.

قلل كمية الدهون في الوجبة: وذلك لتخفيف البراز المرتخي والزيتي الذي ينجم عن عدم امتصاص المعى الدقيق للدهون. ولكن ناقش مع الطبيب أو خبير التغذية كمية الدهون المسموح بها يومياً لتجنب المضاعفات الناتجة عن قلة الدهن في الغذاء.

اعتمد نظاماً غذائياً غنياً بالكربوهيدرات: فالكربوهيدرات تزودك بالطاقة لمواجهة التعب. وهي تتواجد في الأطعمة المصنوعة من النشاء (الكربوهيدرات المركبة) أو من السكر (الكربوهيدرات البسيطة). والواقع أنّ 55 إلى 65 بالمئة على الأقل من السعرات الحرارية اليومية يجب أن تكون آتية من الكربوهيدرات. حاول بالتالي الحصول على معظم هذه السعرات من الكربوهيدرات المركبة الموجودة في الحبوب والخضروات والبقول.

اتبع طرقاً مأمونة لإيقاف الألم: ناقش مع الطبيب الخيارات المتوفرة لتخفيف الألم، بما في ذلك فوائد ومخاطر المسكّنات الموصوفة وغير الموصوفة. فبالرغم من فاعلية هذه الأدوية في أغلب الحالات، إلا أنها تشتمل على آثار جانبية خطرة، بما في ذلك الإدمان ومشاكل المعدة.

ليكن تفكيرك إيجابياً: قد تلازمك آثار الالتهاب لسنوات. ولكن بالتعاون الوثيق مع الطبيب بالإضافة إلى تقييم العادات اليومية وتغييرها، قد تتضاعف حظوظك في مداواة المرض بنجاح.

اسأل طبيب مجاناً