التصنيفات
جهاز المناعة

علاج الاكتئاب، القلق، الغضب، العدائية والاجهاد النفسي لمحاربة الالتهاب ج19

من السهل الربط ما بين صحتنا والمواد السامة، الطعام، التدخين أو الكحول. هذه قوى خارجية تفسد أجسامنا “الصحية” لتصبح أقل سلامة مع تنشق كل نفحة هواء ملوث وتناول كل كعكة محلاة وتدخين كل سيجارة. ولكن ما لا يدركه العديدون هو أن أجسامنا الطبيعية “الصحية” هذه يمكن أن تحدث مشاكل التهابية بنفسها بدون أي تأثير خارجي على الإطلاق. يمكن أن تطلق أفكارنا، معدلات الإجهاد، الحالة النفسية وحتى الحياة الاجتماعية شلالا من ردود الفعل الالتهابية في أجسامنا مما قد يؤدي إلى داء القلب، الربو أو مشاكل صحية أخرى.

في كل مرة تشغل دماغك – أي عندما تتكلم، تتحرك، تقرأ، تفكر، تخطط أو تستغرق في أحلام اليقظة – تتواصل الأعصاب في دماغك مع بعضها البعض عبر ناقلات كيميائية تدعى الناقلات العصبية. إذا، مع كل فكرة، يطلق الدماغ مواد كيميائية لها مفعول يتجاوز هذه الفكرة. نحن نعلم، مثلا، أن الناقلات العصبية مرتبطة بألفة بالأمزجة. أحيانا، يعرف الناقل العصبي السيروتونين بالمادة الكيميائية الخاصة ب”الشعور بحال جيدة” لأنه مسؤول عن الشعور بالهدوء والسعادة. إن الذين لا يفرزون ما يكفي من السيروتونين أو تتحلل هذه المادة لديهم بسرعة يميلون إلى الشعور بالاكتئاب و/أو القلق. لهذا السبب تستخدم الأدوية التي ترفع معدل السيروتونين المتوفر في الدماغ مثل بروزاك، باكسيل وزولوفت كمضادات للاكتئاب ومثبتات للمزاج.

إن العلاقة بين الناقلات العصبية والمزاج معروفة منذ عقود. والجديد في الأمر هو اكتشاف العلماء أن الشعور بالاكتئاب، القلق، العدائية أو الإجهاد يؤثر في المواد الكيميائية المتعلقة بالالتهاب. عندما تختلجنا عواطف جياشة، تستطيع المواد الكيميائية في الجسم والمرتبطة بهذه الحالات النفسية أن تغير طريقة عمل جهاز المناعة والجهاز القلبي الوعائي وجملة الغدد الصم. وتفقد بعض المواد الكيميائية المتعلقة بالالتهاب توازنها. فعلى سبيل المثال، يرتفع معدل إفراز الإنترلوكين-6 (إل-6) (IL-6) وهو من إحدى مواد السيتوكين الأساسية المثيرة للالتهاب، خلال بعض الحالات النفسية. هذا يعني فقدان التوازن الدقيق للالتهاب ومضاد الالتهاب فيصبح الجسم معرضا لخطر الإصابة بالأمراض المتعلقة بالالتهاب والمرتبطة في ما بينها.

الاكتئاب، القلق والعدائية

ثبت أن للاكتئاب، القلق والغضب أو العدائية عواقب صحية وخيمة ولكن الاكتئاب ولد دراسات علمية كثيرة.

الاكتئاب

جميعنا يشعر بالحزن أو الكرب من وقت إلى آخر. يختلف الاكتئاب السريري بحدته الشديدة وطول فترته الزمنية. يعتبر المرء مكتئبا إذا دام الشعور بالحزن لأسبوعين أو أكثر بالإضافة إلى الإحساس بفقدان الاهتمام أو المتعة في القيام بالنشاطات المعتادة، الانزعاج، التغيرات في أنماط النوم، اكتساب الوزن أو خسرانه، عدم القدرة على التركيز، التعب أو فقدان الطاقة، الشعور باليأس أو التفكير بالانتحار.

أظهرت الدراسات أن الاكتئاب مرتبط بارتفاع معدل مواد السيتوكين المثيرة للالتهاب مثل إل-6 (IL-6). ولكن هذه العلاقات يمكن أن تكون مربكة. ما الذي يحدث أولا؟ هل يؤدي ارتفاع معدل إل-6 (IL-6) (الذي قد يحدث بسبب التقدم في السن أو نتيجة للمشاكل الالتهابية الأخرى) إلى الاكتئاب؟ أو هل أن الاكتئاب يسبب ارتفاع معدل إل-6 (IL-6)؟ حاولت عدة دراسات الإجابة على هذه الأسئلة ولكن ما زالت الإجابة غير واضحة. هذا ما نعرفه:

•  تكون معدلات السيتوكين الالتهابية لدى المكتئبين أكثر ارتفاعا من تلك لدى غير المكتئبين.

•  إن منح السيتوكين للمرء في محاولة لمكافحة التهاب الكبد C أو أمراض أخرى يمكن أن يؤدي إلى أعراض الاكتئاب.

•  لدى الحيوانات، يمكن أن يؤدي منح السيتوكين اختباريا إلى العديد من الأنماط السلوكية ذاتها المرتبطة بالاكتئاب مثل تناول كمية أقل من الطعام، نشاط أقل وعدم القدرة على الشعور بالمتعة.

•  إن المصابين بأمراض أخرى متعلقة بالالتهاب مثل داء السكر، داء القلب أو الأمراض المنيعة للذات يميلون إلى تسجيل معدلات اكتئاب أكثر ارتفاعا منه لدى الأصحاء.

•  إن منح الأدوية المضادة للاكتئاب يخفف من الاكتئاب ومعدلات بعض السيتوكين في الدم.

هناك نظرية تظهر كيف من الممكن أن تؤدي العواطف إلى زيادة معدل الالتهاب ألا وهي أن الاكتئاب (والقلق) يسبب فرط نشاط الجسم المعروف بالمحور الوطائي النخامي الكظري. وهذا المحور هو عبارة عن جهاز عصبي صماوي أي أنه يربط بنية الدماغ (عصبي) بإنتاج الهورمون وإفرازه (صماوي). عندما يعمل المحور، تفرز بعض الهورمونات بما في ذلك الأبينفرين وهورمون النمو والكورتيزول بمعدلات أكثر ارتفاعا من المعدل الطبيعي. على المدى الطويل، يمكن أن تسبب هذه الهورمونات تغيرات مناعية تزعج التوازن الالتهابي في الجسم مما يؤدي إلى معدلات أكثر ارتفاعا من مواد السيتوكين المثيرة للالتهاب. بالمقابل، يمكن أن يسبب الالتهاب أحيانا ارتفاعا مماثلا في إفراز الهورمون مما يزيد الالتهاب ويؤدي بالتالي إلى المزيد من الهورمونات وهكذا دواليك.

مثلا، نعلم أن الاكتئاب يرتبط بارتفاع معدلات إل-6 (IL-6) خاصة لدى البالغين. تعرف مادة إل-6 (IL-6) بأنها تنبه إفراز هورمون يدعى الهورمون المطلق للموجهة القشرية مما يؤدي إلى مزيد من نشاط المحور الوطائي النخامي الكظري فيسبب ذلك المزيد من إفراز الكورتيزول وبالتالي اضطراب جهاز المناعة وتوازن الالتهاب وينتج عنه إفراز المزيد من إل-6. يمد الجهاز باكمله قوته من ذاته فيحدث عدم توازن أكثر فأكثر في الجسم.

ولكن ماذا يعني ذلك بالنسبة إلى الصحة؟ لأن الاكتئاب يؤثر جدا في وظائف جهازي المناعة والالتهاب، نعلم أن الشعور بالاكتئاب أو اليأس يرفع نسبة الإصابة بداء القلب والوفاة. إن الأصحاء المصابين بالاكتئاب هم أكثر عرضة للإصابة بداء القلب والمصابون بداء القلب معرضون للاكتئاب أكثر من باقي الأشخاص. إن المصابين بداء القلب والاكتئاب معرضون للوفاة بعد ستة أشهر من حدوث نوبة قلبية أكثر بأربعة أضعاف من المصابين بداء القلب فقط. ما زال الباحثون يحاولون معرفة سبب ارتباط الاكتئاب ارتباطا وثيقا بداء القلب. على الأرجح أن الارتفاع في معدل المواد الالتهابية يضر بالأوعية الدموية فتبدأ عملية التصلب العصيدي. إن تطور عامل الاكتئاب بدون معالجته، فإن مواد السيتوكين الالتهابية وغيرها من البروتينات بما في ذلك بروتين C التفاعلي المضر الذي ثبت أنه متكهن بالإصابة بداء القلب أكثر من معدلات الكولسترول تبدأ بالانتشار فتحدث جوا يسمح للويحة في الشرايين بالنمو.

القلق

على الرغم من وجود دراسات قليلة حول آثار القلق على الأمراض المتعلقة بالالتهاب، تبين الأدلة أن هذه العواطف تؤثر كذلك في وظيفة الجسم. إن الذين يميلون إلى الإصابة بالتقرحات أو الحلأ يعرفون أنه غالبا ما تظهر هذه الإصابة بعيد فترة من القلق أو الإجهاد الحاد على الأرجح بسبب بعض الاستجابات المنيعة التي تبقي عادة هذه الفيروسات تحت السيطرة. وجدت الدراسات أن الذين يشعرون بالقلق يسجلون معدلات مرتفعة من السيتوكين إنترفيرون-غاما المثير للالتهاب، معدلات منخفضة من السيتوكين إنترلوكين-10 (إل-10) (IL-10) و إل-4  (IL-4)المضادين للالتهاب، ومن البروتين المناعي الغلوبولين المناعي A ومعدل منخفض من الاستجابات اللمفية – وكل ذلك يعني التهاب متزايد وعدم توازن في جهاز المناعة.

ثبت أن معدلات القلق المرتفعة ترتبط بنسبة أعلى بخطر الإصابة بداء القلب ويمكن أن تضاعف خطر الوفاة من جراء نوبة قلبية. ولكن لم تكن جميع الدراسات متساوقة. مع أن القلق المزمن يجعلنا أكثر عرضة للعوامل الممرضة، إلا أن القلق القصير الأمد يحسن في الواقع المناعة. يجب أن يكون هناك بحث أكثر قبل معرفة متى يصبح القلق خطرا.

الغضب والعدائية

دائما ما يكون الغضب والعدائية خطرين. اتذكرون كل تلك الدراسات التي أجريت في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي وادعت أن الذين يتمتعون بشخصية صعبة المراس من النمط A هم أكثر عرضة للإصابة بداء القلب؟ عندما تمت معاينة كل عوامل الشخصية التي تصنع فردا من النمط A، ثبت أن العدائية وحدها ترتبط بداء القلب.

يبدو أن العدائية ترفع معدل ضغط الدم، حتى عند الاستجابة إلى العوامل المرهقة الصغيرة، مثل القيام بمهمة تتطلب جهد عقلي. في دراسة واحدة، طلب من المشاركين الذين تتراوح معدلات عدائيتهم بين المرتفعة والمنخفضة أن يختاروا مرة شعروا فيها بالغضب ثم أن “يعيدوا إحياء” الحدث في أذهانهم. وخلال هذا النشاط الذهني، يرتفع معدل ضغط الدم لدى العدائيين لمدة أطول وأكثر من غير العدائيين. أظهرت دراسات أخرى أن العدائية ترتبط بارتفاع في معدل هورمون الكورتيزول في الدم وبانخفاض في بعض الوظائف المناعية.

بالطبع، هذه التغييرات تؤثر في الصحة. أثبتت دراسة أن الذين سجلوا معدلات مرتفعة من العدائية في صفوف الرجال معرضون لخطر الوفاة من جراء أي اضطراب (بما في ذلك داء القلب) أكثر بضعفين من الرجال الذين سجلوا معدلات منخفضة من العدائية. كما يتسم العدائيون بارتفاع معدل الكولسترول وضغط الدم والسمنة الزائدة أكثر من غير العدائيين. في دراسة أخرى، تبين أن الرجال الذين سجلوا معدلات مرتفعة من الغضب معرضون لخطر الإصابة بنوبة قلبية بمعدل ثلاثة أضعاف مقارنة مع الرجال الذين سجلوا معدلا منخفضا من الغضب. فحتى فورة غضب واحدة يمكن أن تضاعف خطر الإصابة بالنوبة القلبية.

يعتبر الغضب والعدائية مضرين للغاية لدرجة دفعت الباحثين عام 2002 إلى اكتشاف أن معدلات العدائية المرتفعة قد تؤدي إلى الإصابة بداء القلب في المستقبل أكثر من كل عوامل الخطر التقليدية التي تضم ارتفاع معدل الكولسترول والتدخين والسمنة. إن كان المرء مصابا بداء القلب وخضع لعملية رأب الأوعية لفتح الشرايين، فقد يهدده معدل العدائية المرتفع بخطر الإصابة ب”عود التضيق” (أي عندما تنسد الشرايين مجددا) مما يؤدي إلى تطور المرض بشكل أسرع من أي شخص ذي معدل منخفض من العدائية. وكلما زادت عدائية المرء، كلما أحدق الخطر بالصحة أكثر.

مكافحو الالتهاب

•  استشر طبيبك إن كنت تظن أنك مكتئب. تتوفر أنواع عديدة من العلاجات ومنها الأدوية المضادة للاكتئاب الفعالة جدا. بالإضافة إلى آليات عملها المقتصرة على زيادة توفر الناقلات العصبية في الدماغ، ثبت أن بعض الأدوية المضادة للالتهاب تقلل إفراز السيتوكين المثير للالتهاب وتزيد إفراز السيتوكين المضاد له. إن كانت مضادات الاكتئاب تعمل جزئيا عبر تغيير عملية الالتهاب في الجسم فقد تساعد معالجة الاكتئاب طبيا على تخفيف خطر الإصابة بالعديد من الأمراض الأخرى المتعلقة بالالتهاب.

•  إن شعرت بالتوتر أو القلق في معظم الأوقات، فربما تعاني من اضطراب في القلق. احجز موعدا لمناقشة مخاوفك مع الطبيب. يمكن معالجة اضطرابات القلق بفعالية بواسطة الأدوية مما قد يخفف من معدل الالتهاب. أظهرت دراسات أجريت على الحيوانات أن بعض الأدوية المضادة للقلق (بنزوديازبين، مثل الفاليوم) تستطيع تخفيف معدل الالتهاب ربما عبر تقليل معدل إفراز السيتوكين المثير للالتهاب.

•  خذ بعين الاعتبار استشارة طبيب نفساني ليساعدك على معالجة الاكتئاب أو القلق. عام 2001، اكتشف باحثون في مجموعتين منفصلتين أن المعالجة النفسية الخاصة بالعلاقات بين الأشخاص – عبر الجلوس والمحادثة مع المعالج في جلسة ثنائية – استطاعت تغيير الكيمياء الدماغية لدى المكتئبين. ولأن كل فكرة تراودنا تغير المواد الكيميائية في الدماغ، فليس مفاجئا أن يحدث العلاج تغييرات كذلك. ما يدهش هو أن العلاج يحدث تغييرات في كيمياء الدماغ بالتساوي مع التغييرات التي يحدثها مضاد الاكتئاب. (تمثلت التغييرات في تدفق الدم إلى أجزاء محددة من الدماغ وحصول تغيرات في استقلاب الدماغ). ابحث عن طبيب نفساني مجاز ومؤهل وحاصل على شهادة دكتوراه في الطب أو علم النفس. أطلب من مجموعة العناية الصحية أن تحيلك إلى طبيب أو إتصل بالجمعية الأميركية لعلم النفس للحصول على لائحة باسماء علماء النفس في محيطك.

•  يمكن أن يساعد العلاج السلوكي المعرفي على التحكم بكل هذه الانفعالات. إن هذا النوع من العلاج فعال وبنائي ويركز على تغيير نمط السلوك المدمر. في العلاج السلوكي المعرفي، يتعلم الإنسان الذي يتوخى العلاج إدراك أنواع الحوافز التي تحدث عادة استجابة عدائية ومن ثم يتعلم الاستجابة بأساليب متناوبة. يمارس الإنسان هذه الاستجابات الجديدة الأقل عدائية بوضعية علاجية حتى تصبح الاستجابات تلقائية. اطلب من مجموعة العناية الصحية أن تحيلك إلى طبيب، أو اتصل بالجمعية الأميركية لعلم النفس للحصول على لائحة بأسماء علماء النفس في محيطك الذين يتمتعون بالخبرة في العلاج السلوكي المعرفي.

•  تعتبر الرياضة من أحد أفضل العلاجات لمعظم أشكال الاكتئاب والقلق. إن ممارسة الرياضة بشكل منتظم على مستوى من الحدة غير المزعجة تؤمن مفعولا مضادا للالتهاب في الجسم. تطلق البيتا-إندورفين والمركبات الكيميائية الأخرى المولدة “للشعور بحال جيدة” استجابة إلى التمارين الرياضية. لذا، يشعر معظم الأشخاص بتحسن في غضون حوالى عشرين دقيقة من بدء التمارين. أي نوع من الرياضة يعود عليك بالفائدة. اختر النشاط الذي يعجبك.

•  إن التوازن المناسب للعلاج، المعالجة النفسية، العوامل البيئية أو المحيطية والرياضة لمعالجة الاكتئاب والقلق يختلف بين شخص وآخر. قد يستغرق بعض الوقت وبعض اختبارات المحاولة والخطأ لإيجاد الحل الأنسب لك. كن صبورا. إبق على اتصال مع طبيبك أو معالجك النفسي للحصول على الإرشاد المناسب وللإبلاغ عن تقدمك.

الإجهاد النفسي

يبدو أن عوامل الخطر المعروفة لداء القلب ومنها التدخين، قلة الرياضة، ارتفاع ضغط الدم ومعدل الكولسترول تشكل نسبة 50% من خطر الإصابة بالداء. فلو تمتع الجميع بالبنية الفيزيولوجية ذاتها، لعرف الأطباء في معظم الأحيان من سيموت من جراء داء القلب. حوالى

40% من المصابين بداء القلب لا يعانون من عوامل الخطر التقليدية على الإطلاق. يعتقد بعض العلماء أن الإجهاد وحده قد يسبب ما يكفي من التغيرات الفيزيولوجية لتشكل جزءا كبيرا من خطورة هذا المرض التي لا تفسير لها.

يمكن أن يؤدي الإجهاد النفسي إلى ارتفاع مؤقت في السيتوكين المثير للالتهاب بما في ذلك عامل نخر الورم-ألفا وإنترفيرون-غاما وإنترلوكين-6 (إل-6) (IL-6). يمكن أن تفرز الأعصاب التي يثيرها الإجهاد مواد كيميائية فعالة متعلقة بالالتهاب ومنها البروستاغلندين والببتيد العصبي Y والعامل المطلق للموجهة القشرية. أما الستيروئيد القشري، مثل الكورتيزول، فقد يتم إفرازه بكميات كبيرة. في الواقع، يعتبر معدل الكورتيزول المرتفع في مجرى الدم من إحدى الواسمات الأساسية للإجهاد. يعتقد أن رد الفعل تجاه الإجهاد موجود وله آثار صحية في جميع أنحاء الجسم.

يظن العديد من العلماء أن التغييرات الالتهابية التي يحدثها الإجهاد الطويل الأمد أو حالات متكررة من الإجهاد القصير الأمد يمكن أن تطلق داء التصلب العصيدي أو تسرع لدى من يعاني أصلا من الداء. مع الإجهاد، تحدث تغييرات في ضغط الدم وتدفقه وارتفاع في معدل الهوموسيستين الذي يمكن أن يسبب الضرر الأساسي لبطانة الأوعية الدموية. تسمح الهورمونات ومواد السيتوكين المتعلقة بالإجهاد للوحيدات بالزحف إلى جدار الشريان والبدء بالعملية فتصبح خلايا رغوية ثم خطوط دهنية في الشرايين لتتحول في النهاية إلى لويحة هشة قابلة للانفجار والتسبب بنوبة قلبية.

أجرى كل من الباحثين ت. هولمز ور. رايه بعض أكثر الدراسات فعالية حول الإجهاد. ابتكرا سلما يدعى الاستبيان الحديث لتغيير الحياة. وقد عدد مصادر الإجهاد الأكثر شيوعا في الحياة مع الإشارة إلى حدة كل منها. وكانت وفاة الزوج/الزوجة، خسارة الوظيفة والطلاق من بين العوامل الأكثر حدة المؤدية إلى الإجهاد فيما اعتبرت الأحداث الثانوية مثل أخذ عطلة من العوامل المجهدة الخفيفة. تبين أن المعدلات المرتفعة في الإجهاد (التي تقاس وفقا للنتائج الأعلى في الاستبيان) ترتبط بتزايد خطر الإصابة بنوبات قلبية في غضون ستة أشهر. هذا يقترح أن التغييرات المتعلقة بالإجهاد في فيزيولوجية الجسم تستمر في إفساد الجسم بعد فترة طويلة من اختفاء الإجهاد ذاته.

يمكن ان يكون للإجهاد المفاجىء أو الحاد آثار صحية خطيرة. اظهرت الدراسات أن وفاة الزوج/الزوجة يزيد من خطر وفاة الزوج الحي بمعدل ضعف لدى الرجال وثلاثة أضعاف لدى النساء في غضون شهر بعد حصول الوفاة. كما ثبت أن المآسي مثل الزلازل، اندلاع الحروب والنشاطات الارهابية تسبب زيادة في الإصابة بالنوبات القلبية وغيرها من المشاكل الصحية في يوم وقوع المأساة بعد أيام قليلة من وقوعها.

على الرغم من أن داء القلب والوفاة من نتائج الإجهاد الأكثر خطورة، إلا أنها ليست المخاطر الصحية الوحيدة. وتبين أن الإجهاد المزمن يسبب ظهور العديد من الأمراض المتعلقة بالالتهاب ومنها داء اللثة، بعض الأمراض المنيعة للذات، التهاب المفاصل، متلازمة المعى المتهيج، صداع الشقيقة والربو. أتذكرون الإجهاد من جراء الخضوع للامتحانات في المدرسة؟ ثبت أن حتى هذا المعدل من الإجهاد يزيد من التهاب المجرى الهوائي لدى الطلاب المصابين بالربو مما قد يؤدي إلى نوبة ربو حادة. كذلك، قد يسيء الإجهاد إلى أعراض الحساسية الأنفية مثل الأنف الراشح وانسداد الجيوب اللذين تسببهما الحساسية تجاه غبار الطلع، هبرية القطط، العث ومصادر أخرى.

كما يؤثر الإجهاد النفسي في التحكم بمعدل السكر في الدم في حال الإصابة بداء السكر من النمط 2. غالبا ما تؤدي الهورومونات التي يتم إفرازها وإطلاقها في الجسم خلال الإجهاد إلى تدفق المزيد من الغلوكوز في مجرى الدم. في الماضي البعيد، كان يعتبر ذلك أمرا جيدا لأنه يشير إلى توفر الطاقة (على شكل غلوكوز) في الجسم كي يواجه المواقف المجهدة مثل الاضطرار إلى الهروب من نمر جائع. ولكن في عالمنا اليوم حيث يكون الإجهاد في معظم الأوقات إجهادا ذهنيا، لا يجدي هذا المعدل الزائد من السكر بل يضر فقط صحة مرضى داء السكر.

من أحد جوانب الإجهاد، الاكتئاب والقلق هو أن غالبا ما تؤدي هذه العواطف المحزنة إلى مزيد من السلوك المدمر للصحة. غالبا ما يتناول المكتئبون أو المرهقون كميات أكبر من الطعام (والمزيد من الأطعمة الغنية بالسكر والدهون)، ويدخنون أكثر. كما أنهم يميلون إلى تعاطي المخدرات، ممارسة قدر أقل من الرياضة، النوم كثيرا وإهمال حياتهم الإجتماعية. وعلى رأس كل الأمراض المتعلقة بالالتهاب، يهمل المكتئبون صحتهم. كذلك، يرفع التدخين، قلة الرياضة والسمنة معدل الالتهاب في الجسم وبالتالي تزيد كل الآثار السلبية للاضطراب العاطفي بشكل ملحوظ.

مع تقدمنا في السن، تصبح قدرتنا على موازنة عوامل الالتهاب أكثر خطورة فيما يفرز المزيد من المواد الكيميائية المثيرة للالتهاب والقليل من تلك المضادة للالتهاب. بالتالي، من غير المفاجىء أن يسبب الإجهاد المزيد من المشاكل الصحية مع تقدمنا في السن. ويبلغ الأمر حده عندما يحدث الإجهاد مع تدهور الصحة، وتسوء الأحوال المالية ويضعف الجسم وينهار. عندئذ، يصبح من الضروري اتخاذ تدابير لإعادة السيطرة على الإجهاد.

مكافحو الالتهاب

•  كما في حال الاكتئاب والقلق، تعتبر الرياضة إحدى أفضل الطرق التي تسمح للأشخاص بمعالجة الإجهاد النفسي. يمكن أن تخفف الرياضة من حدة الالتهاب ويبدو أنها تساعد الجسم على التخلص من المواد السامة المضرة والتي تفرز خلال نوبات الإجهاد (مثل الكورتيزول).

•  احضر حصة للسيطرة على الإجهاد. في دراسة أجريت في جامعة ديوك، سجل المصابون بداء السكر والذين حضروا حصصا للسيطرة على الإجهاد انخفاضا ملموسا في معدل السكر بالدم مع مراقبة أفضل مقارنة مع الذين لم يحضروا هذه الحصص. وتقدم هذه الأخيرة في المستشفيات والجامعات والمراكز الصحية. أطلب من مجموعة العناية الصحية أن توصي بالانضمام إلى برنامج في محيطك أو اتصل بالمستشفى المحلي ليحيلك إلى برنامج. تعلمك هذه البرامج كل جوانب السيطرة على الإجهاد بما في ذلك التدريب على إرخاء العضلات التصاعدي، كيفية التعرف على مصادر الإجهاد، التصور الموجه، التوقف عن التفكير والتنفس العميق.

•  تعلم فن التأمل. تتوفر اليوم وبشكل منتشر حصص تعليم التأمل. يعتبر التأمل في فرقة زين البوذية ولدى شعب التيبت البوذي مهما ومرتبطا بالمعتقدات والممارسات الدينية. وأكثر ما يخضع للدراسة هو التأمل المتسامي وقد أثبتت الدراسات أن ممارسة هذا النوع من التأمل لثلاثة أشهر يمكن أن تخفف معدل ضغط الدم لدى المتقدمين في السن. كما ينفع أي نوع آخر من التأمل. ويمكن الحصول على أفضل النتائج من ممارسة التأمل مرتين يوميا لمدة خمس عشرة دقيقة في الصباح وخمس عشرة دقيقة أخرى في المساء. والتأمل المتسامي عبارة عن تقنية محددة يقوم بتعليمها مدربو التأمل حول العالم.

•  يزيد الإجهاد من خطر التعرض لعادات مضرة أخرى مثل تناول الكثير من الطعام (أو عدم تناول الطعام نهائيا)، ارتفاع نسبة التدخين والامتناع عن ممارسة الرياضة. من طبيعة البشر الشعور في رغبة بإشباع الذات في فترات الإجهاد. بعد أحداث مركز التجارة العالمي في 11 أيلول/سبتمبر 2001، زادت نسبة مبيع المأكولات المواسية مثل المثلجات الغنية بالدهون. ولكن هذا السلوك المضر يولد فقط المزيد من الالتهاب مما يضاعف المشاكل الصحية. في فترات الإجهاد، تتضاعف أهمية الحفاظ على العادات الصحية. فعلى الرغم من أن حالنا ستكون أفضل إن اتبعنا غذاء صحيا ومارسنا الرياضة يوميا، إلا أن واقع الحياة اليومية لا يتناسب دائما وخططنا. افعل ما بوسعك. إن لم يسمح لك وقتك بممارسة الرياضة، اعتن بنظامك الغذائي أكثر. وفي حال وجدت نفسك تفرط في تناول الطعام في فترات الإجهاد، إمش لمسافة ميل أو اثنين. وعلى الرغم من عجزنا على “التعويض” عن هذه الهفوات الصحية، إلا أننا نستطيع محاولة موازنة الضرر إلى أن نصبح أقل إجهادا ونعود إلى روتين صحي وطبيعي.

•  تناول المزيد من السمك أو خذ إضافات الحمض الدهني أوميغا-3. تعتبر الأحماض الدهنية أوميغا-3 مهمة للحفاظ على توازن مضاد للالتهاب في الجسم. هناك نوعان من الدهون المتعددة غير المشبعة الموجودة في الطعام وهما: أوميغا-6 (المثير للالتهاب) وأوميغا-3 (المضاد للالتهاب). والمهم هو تناول كميات من نوعي الأحماض الدهنية أي بمعدل 1 مقابل 1. عاينت دراسة معدلات التغييرات المتعلقة بالالتهاب في دم الطلاب الجامعيين خلال الإمتحانات. ووجد الباحثون أن الطلاب الذين يعانون من عدم توازن في معدل أوميغا-6: أوميغا-3 كانوا أكثر عرضة للتغييرات المتعلقة بالإجهاد بما في ذلك ارتفاع نسبة المواد الكيميائية المثيرة للالتهاب مثل عامل نخر الورم-ألفا وإنترفيرون-غاما. هذا يعني أن احتمال إضافة الأوميغا-3 إلى نظامنا الغذائي قد يساهم في وقايتنا من بعض ردود الفعل الجسدية المرتبطة بالإجهاد. وبما أن معظم الناس لا يحصلون على ما يكفي من مواد الأوميغا-3 في نظامهم الغذائي، أوصي بتناول زيت السمك أو إضافات (مكملات) زيت بزر الكتان. وعلى الرغم من عدم وجود جرعات محددة، إلا أن هذه الإضافات غير مضرة. أوصي بتناول 1000 ملغ من إضافات زيت السمك يوميا أو ملعقة شاي واحدة من زيت بزر الكتان كل يوم.

•  اخضع للتدليك. نعلم أنه يساهم في عملية الاسترخاء ولكن اليوم أثبتت العلوم أن التدليك يخفف من نسبة الإجهاد. اكتشف الباحثون أن التدليك لا يرخي العضلات وحسب بل أيضا يزيد الدورة الدموية ويخفف نسبة القلق ولديه القدرة على زيادة الوظيفة المناعية عبر زيادة نشاط الخلايا القاتلة الطبيعية في الجسم.

•  خذ بعين الاعتبار هذه الاختيارات إن كان الإجهاد قويا من جراء العمل. هل تشعر بالصداع أو التعب في العمل؟ هل معنوياتك ضعيفة؟ هل تشعر بالانفعال دائما أو بالانزعاج إلى حد بعيد؟ وفقا لدراسة واحدة على الأقل، لا يتعلق الأمر بالجهود المبذولة في العمل التي تعرضك للإجهاد ولكن تتمثل العوامل الأساسية في عدم التوازن بين العمل ودفع الرواتب (أكان ماديا أو نفسيا”) والنقص في مراقبة العمل. كذلك، إن العمل لإحدى عشرة ساعة أو أكثر يوميا قد يزيد من خطر الإصابة بداء القلب. ولكن الإجهاد حقا هو في عين الناظر. فالعمل المضني بالنسبة إلى شخص قد يكون محفزا بالنسبة إلى آخر. إسأل نفسك: برأيك ما نسبة الإرهاق الذهني الذي يسببه عملك؟ ما مدى حدة الإجهاد الناتج عن تحديد المواعيد النهائية أو السرعة المطلوبة لإنجاز العمل؟ أتعتبر عملك مضمونا نسبيا أم تخشى التسريح المؤقت؟ هل تشعر بالتعب والإرهاق والإزعاج والغضب عندما تعود إلى المنزل بعد العمل أو هل تعتبر أن عملك امتداد لحياتك؟ الحلول الوحيدة لمعالجة مشكلة الإجهاد هي تعلم السيطرة عليه أو تبديل العمل. اسأل قسم الموارد الإنسانية لمعرفة ما إذا كانت الشركة التي تعمل فيها تنظم حصصا للسيطرة على الإجهاد أو إن كان هناك منتدى يناقش هذا الموضوع. تملك بعض الشركات خدمة تقديم الاستشارة للموظفين حول السيطرة على الإجهاد. إن قررت أنك بحاجة إلى تغيير عملك أو تريد النصائح حول كيفية معالجة الإجهاد من العمل، خذ بعين الاعتبار التكلم مع مستشار توظيفي. يمكن أن يساعدك هؤلاء الخبراء المدربون على تحديد الوظيفة المناسبة لمهاراتك واهتماماتك وإرشادك لإيجاد العمل المناسب وتأمين النصح حول معالجة الإجهاد في العمل.

•  خذ بعين الاعتبار زيارة طبيب نفساني. يمكن أن تصبح الحياة مرهقة أحيانا. لا يدرك الكثيرون أن إستشارة الطبيب القصيرة المدى يمكن أن تساعدهم لتجاوز أكثر مراحل البلاء في حياتهم. يستطيع الأطباء النفسانيون مساعدتك على معالجة الإجهاد وخاصة الإجهاد الناتج عن فقدان شخص عزيز، جهد العمل، الطلاق والقضايا الزوجية أو أي تغيير آخر في الحياة. إتصل بالجمعية الأميركية لعلم النفس لإحالتك إلى طبيب نفساني مؤهل في محيطك أو أطلب النصيحة من مجموعة العناية الصحية الخاصة بك.

تقنيات الاسترخاء

ليس الاسترخاء بأمر سحري. جميعنا يعلم ما العمل ولكننا نميل إلى الشعور بالإرهاق والانشغال لدرجة أننا ننسى كيفية الاسترخاء. في هذه الأيام، يحتاج معظمنا إلى تحديد وقت للاسترخاء وإلى ما يذكرنا بكيفية التخلص من الإجهاد. يمكن أن يصبح الاسترخاء جزءا من حياتك. بالنسبة إلى التقنيات المعروفة (والفعالة!) المذكورة أدناه، يمكنك اختيار ممارسة التقنية بنفسك أو حضور حصص أو دورات تدريبية يقوم بها محترفون.

هناك طرق عديدة لإيجاد حصص الاسترخاء في محيطك. تنظم عدة مستشفيات محلية الآن حصص الاسترخاء أو يمكن أن تقدم المساعدة في هذا المجال. تحقق من لوحة البيانات أو النشرة الإخبارية لمتجر الأغذية الصحية المحلي. ليس ضروريا أن تكون محبا للأغذية الصحية كي تجرب الاسترخاء ولكنه المكان الأمثل لنشر الدعاية لمدربي الاسترخاء لأن الذين يتوجهون إلى متاجر الأغذية الصحية يميلون إلى تحسين كل جوانبهم الصحية. إن كنت تعيش في مدينة كبيرة، يمكنك البحث عبر الإنترنت من خلال طباعة نوع التقنية المختارة (مثل التأمل أو التصور الموجه) بالإضافة إلى اسم المدينة التي تقيم فيها. وغالبا ما تقدم الجامعات حصص الاسترخاء المتوفرة للجميع في الليل. اتصل بالمركز المختص.

إليك المعلومات الأساسية حول تقنيات الاسترخاء الأربع الأكثر أهمية:

•  استرخاء العضلات التصاعدي: عندما نصاب بالتوتر الذهني، نميل إلى شد عضلاتنا أيضا. نفعل ذلك بدون إدراك مدى توترنا إلى أن نحكم إغلاق قبضتنا، نقطب جبيننا أو نطبق أسناننا. تشمل هذه التقنية شد المجموعات العضلية الفردية في الجسم ومن ثم إرخائها. يسمح لنا شد العضلات بالتركيز على هذه الأخيرة والإحساس بها مما يؤدي إلى الاسترخاء الكلي. اتخذ وضعية مريحة في الجلوس أو استلق على ظهرك. ركز على أصابع قدميك وشد كل العضلات الموجودة فيها. عد حتى الثلاثة ثم ارخ هذه العضلات إلى أن تصبح أصابع قدميك في حالة استرخاء كلي. ثم إنتقل إلى الكاحلين وكرر العملية، شد العضلات ثم إرخها. إفعل الأمر عينه مع كل المجموعات العضلية الأساسية منتقلا من القدمين إلى عضلات جبينك. يمكنك ممارسة هذه التقنية عندما تشعر بالتوتر في جسمك.

•  التأمل: إن القواعد الأساسية للتأمل بسيطة ولكن يصعب إتقانها بشكل رائع. والهدف من التأمل هو التوقف عن التفكير وتعليق عمل الدماغ. في البداية، قد تختبر ومضات من السكون المطلق في ثوان متقطعة من صفاء الذهن. هناك أشكال مختلفة من التأمل ولكل شكل طريقة معينة. بالنسبة إلى الطريقة الأساسية، اجلس بوضعية مريحة وأغمض عينيك. تنشق الهواء عبر أنفك والفظ كلمة “واحد” بهدوء. ركز على تنفسك وحسب. من ثم أطلق زفيرا وقل كلمة “واحد” بهدوء. استمر في استخدام كلمة واحد بغض النظر عن عدد المرات التي تتنفس فيها. إن شعرت بتشتت في التفكير، إعد التركيز على تنفسك. إسمح لذهنك بالاسترخاء. ابتعد عن التفكير والتخطيط ومصادر القلق خلال التأمل. يستحيل أن تخطىء في طريقة التأمل. اجلس بهدوء وحسب وأغمض عينيك وراقب تنفسك. افعل ذلك مرتين يوميا لخمس عشرة دقيقة.

•  التصور الموجه: إن أغمضت عينيك يوما وتخيلت نفسك على جزيرة استوائية أو في مرج معشوشب، تكون قد مارست جزءا من التصور الموجه. يمكن أن يبدأ الشكل الأساسي من التصور الموجه بفترة قصيرة من التأمل (أنظر أعلاه). استرخ. تختلف هذه التقنية عن التأمل من حيث الهدف النهائي الذي لا يكمن في صفاء الذهن ولكن في ملئه بصور مريحة ومهدئة. تخيل مكانا مميزا بالنسبة إليك. يمكن أن يكون مكانا حقيقيا أو من نسج الخيال. ثم إملأ ذهنك بتفاصيل كثيرة حول المكان. إن كنت تتخيل نفسك على شاطىء استوائي، حاول الشعور بدفء الرمال تحت قدميك والهواء الساخن وصوت أمواج البحر ورائحة الأزهار الاستوائية وهواء البحر. اسمح لنفسك بالتواجد كليا في هذا المكان. أشعر بالاسترخاء في المكان الذي اخترته. يمكنك ممارسة هذه التقنية عندما تشعر برغبة في التخلص من الإجهاد والهروب منه. يشغل البعض شرائط مصورة أو أسطوانات تضم أصواتا من الطبيعة لتجعل التجربة أكثر فعالية. وتتوفر شرائط ل”جولات” من الصور الموجهة الخاصة حيث يرافقك الراوي إلى أماكن غريبة أو عبر صور أخرى مفيدة. تتوفر عادة هذه الشرائط في أي مكان يبيع أسطوانات مدمجة  أو من المواقع الإلكترونية الخاصة بالتصور الموجه.

•  التنفس العميق: مع أننا نتنفس باستمرار، إلا أننا لا نتنفس بفعالية من أعماق الرئتين. يتطلب التنفس العميق للاسترخاء تنفسا عميقا وكاملا من الحجاب الحاجز أي البنية العضلية الموجودة فوق المعدة وتحت الأضلع. ضع يدك على معدتك تحت ضلوعك ثم خذ نفسا عميقا فيبدو وكأن معدتك تبعد يدك. هذا هو التنفس العميق. للاسترخاء، اتخذ وضعية جلوس مريحة مع ظهر مستقيم أو استلق على ظهرك. ضع يدك تحت ضلوعك مجددا لتشعر بتحرك الحجاب الحاجز. تنشق الهواء فيما تعد ببطء إلى أربعة وأحرص على الشعور بارتفاع يدك وهبوطها مع تحرك الحجاب الحاجز. ثم حاول أن تفرغ رئتيك فيما تزفر مع التعداد ببطء إلى أربعة. بعد مدة، لن تحتاج إلى وضع يدك على معدتك لتعرف متى تتنفس بالشكل الصحيح ويمكنك ممارسة هذه التقنية متى وحيثما شعرت بإرهاق شديد.

عواطف ايجابية

عندما يتعلق الأمر بالبحوث، تجتذب العواطف السلبية كل إنتباه. مع بعض الاستثناءات، عندما تتم مناقشة العواطف الإيجابية في الطب، يبدو الأمر كفكرة تجول متأخرة في البال. تبدو الفكرة منطقية إلى حد ما. نشعر بالسوء عندما تعترينا عواطف سلبية وبالتالي لا بد من أن أمورا سيئة تجري في الجسم. كان من المعتقد أن الشعور بحال جيدة يعني غياب الشعور بالسوء. أي أن في البحوث، ركز العلماء جهودهم على معرفة كيفية معالجة “الشعور بالسوء” على أن تكون النتيجة “الشعور بحال جيدة”. إلا أن العواطف الايجابية ليست غياب العواطف السلبية وحسب؛ إنها تصب في فئة خاصة. وأخيرا، بدأ الباحثون يأخذون عوامل الفكاهة، التفاؤل والعواطف الإيجابية الأخرى على محمل الجد فيما نكتشف أنها أساسية للصحة ويمكن أن تؤمن توازنا لردود الفعل الالتهابية والفيزيولوجية للاكتئاب، الإجهاد، القلق والعدائية.

لنضع جانبا كل الأفكار المبتذلة، يعتبر الضحك دواء فعالا. في سبعينات القرن الماضي، كتب نورمان كوزينز عن اكتشافه الشخصي بأن الضحك لعشر دقائق كحد أدنى يوميا ساعده على تخفيف الألم الذي كان يشعر به من جراء إصابته من نوع من التهاب المفاصل يدعى التهاب الفقار القسطي. منذ ذاك الوقت، حاول بعض الباحثين اكتشاف ما إذا كان للضحك استحقاق علمي وماهية وظيفته إن صح الأمر. البحث دقيق، ففي النهاية ليست الأمور نفسها مضحكة للجميع. لذا يصبح تقريبا من المستحيل إجراء بحث خاضع للمتابعة الدقيقة.

أظهرت بعض الدراسات المنشورة أن الضحك يغير على الأرجح فيزيولوجيتنا بطريقة تعكس آثار الإجهاد والاكتئاب وتزيد المواد الكيميائية المناعية والمضادة للالتهاب. مثلا، أثبتت الدراسات أنه عندما شاهد المصابون بالتهاب المفاصل الرثواني شريطا مصورا مضحكا لمدة ساعة، انخفضت معدلات السيتوكين المثير للالتهاب إل-6 (IL-6) وأبلغوا عن شعورهم بنسبة أقل من الألم. بالنسبة إلى الأصحاء، أدت مشاهدة شريط مصور مضحك إلى انخفاض معدلات الكورتيزول في الدم وزيادة نشاط الخلايا القاتلة الطبيعية، مما عزز أنظمتهم المناعية مؤقتا.

وعاينت دراسة أخرى المصابين بالحساسية تجاه عث الغبار. عندما يحك هؤلاء العامل المستأرج على البشرة، يظهر انتبار (ورم كبير وملتهب) في مكان الحكاك. في هذه الدراسة، خضع الجميع لفحص حك العامل المستأرج قبل مشاهدة الفيلم المضحك وبعده وقبل مشاهدة برنامج (غير مضحك) عن الأحوال الجوية وبعده. وبعد كل فحص، تم قياس حجم الانتبار. بقي حجمه كما هو قبل مشاهدة برنامج الأحوال الجوية وبعده. ولكن الحجم المتوسط للانتبار تقلص من 11 ملم إلى 5 ملم بعد مشاهدة فيلم مضحك. هذا يعني أن مشاهدة هذا الأخير قلصت ردة الفعل الالتهابية تجاه الحساسية بنسبة تزيد على 50%. كيف؟ لا أحد يعلم بالضبط ولكن الدراسات الأخرى التي قاست معدلات الدم وجدت أن الضحك يخفف معدل الكورتيزول والهورمونات الأخرى المتعلقة بالإجهاد. كما أن الضحك يرفع معدل الواسمات المناعية بما في ذلك نشاط الخلايا القاتلة الطبيعية، الغلوبولين المناعي G (IgG)، IgA و IgM. دامت بعض هذه التغييرات الفيزيولوجية لأكثر من اثنتي عشرة ساعة بعد بضع دقائق فقط من الضحك.

مكافحو الالتهاب

•  اضحك متى استطعت. ابحث عن أصدقاء مرحين، شاهد أفلام مضحكة وأدخل الفرحة إلى حياتك بقدر الإمكان.

•  جرب أحد علاجات الاسترخاء. حتى لو لم تشعر بالإجهاد، يمكن أن تساعدك تقنيات الاسترخاء على الإحساس بالهدوء والطمأنينة.

•  أخرج إلى الطبيعة. فقد ثبت أن التوجه إلى مناطق طبيعية مثل الغابة، البحر، الحديقة العامة أو حتى مجرد الجلوس تحت الشجرة في فنائك الخلفي يبعث الراحة والهدوء إلى النفس ويمكن أن يولد إحساسا بالفرحة لدى الكثيرين.

•  أرسم ابتسامة على محياك أكنت تشعر بالسعادة أم لا. لقد بينت الدراسات أنه عبر رسم تعبير معين على الوجه، تستطيع “الذاكرة العضلية” أن تطلق العاطفة المرتبطة به. لذا، إن إبتسمت، تتواصل عضلاتك مع ذهنك وترسل إشارة بأنك حقا سعيد في حال كنت تبتسم. وفقا للدراسات، ينجح الأمر في ثلثين من الوقت.

•  الته بأمور فعالة وخلاقة. بين التسلية المفتقرة إلى التفكير (مثل مشاهدة التلفاز) والتسلية المفيدة (مثل القيام بعمل فني، ممارسة رياضة ما أو لقاء الأصدقاء)، اختر التسلية المفيدة. تمنحك هذه الأنواع من النشاطات الإحساس بالإنجاز وتمدك بالشعور بالفرح والمرح الموجودين في داخل كل واحد منا. يعتقد بعض العلماء الذين يدرسون السعادة أنه كلما وسعنا آفاق تفكيرنا، كلما زدنا إبداعا وفرحا وزادت فرصة الشعور بالسعادة.

•  جد معنى إيجابيا في الحياة. من السهل الوقوع ضحية التشاؤم والضجر. أثبتت الدراسات أنه مع توالي الأيام، يتمتع المتفائلون بصحة جسدية ووظيفة ذهنية أفضل ويعيشون لمدة أطول من المتشائمين في طريقة تفكيرهم. في هذه النقطة، يظن معظم الباحثين أننا ولدنا بشخصية تجعلنا نميل إلى التفاؤل أكثر أو التشاؤم أكثر. ولكن جزءا من هذا الميل مكتسب ويمكن أن يصبح تلقائيا مع الوقت. في كل مرة تفكر بتشاؤم حول أمر ما، حاول أن تضع هذه الأفكار في إطار إيجابي أو تتخيل النتيجة المحتملة الأفضل. سيكون الأمر صعبا في البداية، وقد يبدو مكرها وخاطئا إن لم تكن معتادا عليه. ولكن مع الوقت، سيبدأ ذهنك بالبحث عن الجانب الإيجابي لأي موقف.

•  كن مفيدا للآخرين. ومثالا على ذلك، العطاء أفضل من الأخذ. أثبت الباحثون في جامعة ميشيغان أن المتقدمين في السن الذين خضعوا للمتابعة خلال خمس سنوات سجلوا انخفاضا في خطر الوفاة بنسبة 60% من خلال مساعدة الأصدقاء، الجيران أو الأقرباء. لم يحظ متلقو المساعدة بأي فائدة. بعبارة أخرى، يمكن أن يساهم الصديق المحتاج إلى المساعدة في إطالة حياتك. لا أحد يعرف سبب صحة الأمر ولكن على الأرجح أن الأشخاص الذين يقدمون المساعدة يتمتعون بنشاط أكثر أو يستفيدون من الارتباطات الاجتماعية ويشعرون بالسعادة لمساعدتهم الآخرين. والمغزى هو أن طلب المساعدة قد يبدو أحيانا كالعبء ولكنه يمكن أن يساهم في تحسين الصحة.

تأليف: د. ويليام جويل ميغز

اسأل طبيب مجاناً