التصنيفات
طب نفسي | علم النفس

العقل السليم في الجسم السليم: نصائح حول الصحة النفسية والجسدية

العقل السليم في الجسم السليم، حكمة عربية مأثورة، طالما رددها الناس؛ تسترعي انتباهنا لنتعرف من خلالها القواعد الغذائية الصحية، للحفاظ على سلامة جسمنا، ما استطعنا إليها سبيلاً، كما نلقي الضوء على مكونات الغذاء الصحي والسليم، من خلال اتباع نظام غذائي يشمل نوعية الطعام مع تحديد كميته، إلى جانب تناول مقدار كاف من الماء يومياً ومزاولة التمارين الرياضية والتربية البدنية؛ كل ذلك يساعد في المحافظة على وزن معتدل، ووظائف بيولوجية طبيعية إلى جانب صحة نفسية مرتاحة قدر الإمكان.

الغذاء الصحي المتوازن

موضوع يتسع فيه الكلام، لكن باختصار يمكننا، إذا أردنا! اعتماد نظام غذائي سليم من الناحيتين النوعية والكمية، فعلينا تنظيم وجبات الطعام وتحديدها، مع الامتناع عن تناول الطعام بين الوجبات.

وهكذا نبدأ التزود بنوعية طعام يحتوي على القليل من الدهون الحيوانية والزيوت المشبعة بالأحماض الدهنية مع الاعتياد على تقنين كمية اللحوم (ثلاث مرات أسبوعياً من اللحوم الحمراء ومرتان من الأسماك أو الدجاج ومرتان من أصناف الحبوب المتنوعة: فول، عدس، فاصولياء مجففة.. وهي التي تؤمن للجسم الكمية اللازمة نفسها من البروتين).

وفي دراسة أميركية أجرتها «المجلة الأميركية لأمراض الجهاز الهضمي» على نصف مليون شخص ممن يتناولون اللحوم، الحمراء لمدة عشر سنوات وبطرق تحضير وكميات مختلفة، تبين أن هؤلاء معرضون لخطر الإصابة بسرطان المعدة، إلى جانب دراسة أخرى سبقتها وألقت الضوء على زيادة إمكانية الإصابة بسرطان القولون أو الشرج عند تناول كميات كبيرة من اللحوم الحمراء.

وفي ضوء ذلك تبدو أهمية الاعتدال في تناول هذه اللحوم، لأن كثرة الحصول عليها لا تعني الغنى والترف والكرم، كما أن قلة تناولها لا توازي الفقر أو البخل، رغم عدم تمكن بعض الطبقات الاجتماعية من ابتياعها إلا فيما ندر فحسب، بل ينم عن نمط عيش ومستوى تثقيف صحي لمعرفة ماذا نأكل، كم وكيف نأكل، ما هو الضروري، المفيد لجسمنا والذي يمكننا الوقاية من أمراض نتعرض لها في فترات لاحقة من حياتنا.

كما يمكننا اعتماد الهرم الغذائي المؤلف من أربع طبقات: في قسمه السفلي توجد الحبوب على أنواعها (قمح، ذرة، شوفان، أرز) إلى جانب المعجنات. أما الطبقة الثانية فتحوي الخضار والفاكهة وفي الطبقة الثالثة نجد اللحوم (الحمراء، والبيضاء من الأسماك والدجاج والطيور..) ناهيك عن البيض والحليب والألبان والأجبان والمكسرات. في الطبقة الرابعة من الهرم تتواجد الزيوت والسمنة والزبدة والكريما والمارغارين والحلويات المشبعة بالدسم.

نشبه هذا الهرم ببناء مؤلف من أربعة طوابق وعلى الإنسان صعوده، كلما صعد المرء طابقاً منه، بذل جهداً إضافياً (وهذا بالشيء الجيد لأنه يصرف السعرات الحرارية!)؛ أما بالنسبة إلى محتويات الهرم الغذائي فكلما ارتفعنا ازداد تمويننا بالمواد الدسمة والشحوم والزيوت المضرة للصحة. الحكمة في الموضوع ترتكز على التوازن في الاختيار والتنويع بين مجموعة العناصر الأربعة، من أجل تحضير وجبة غذاء صحية (فلا نختار صنفين من نوع واحد، كأن تحوي الوجبة سمكاً ودجاجاً أو دجاجاً ولحماً، على سبيل المثال).

من هذا المنظور تبرز أهمية توازن غذاء الإنسان، من خلال اختيار ما هو صحي وأكثر فائدة من أقسام الهرم الأربعة، لا سيما بالإكثار من الخضار والفاكهة والتي تحوي على الكثير من الفيتامينات الضرورية لوظائف الجسم، هذا إلى جانب الأملاح المعدنية المفيدة ومواد ولكن بكميات قليلة جداً.

ومن أجل نظام غذائي خال من الدهون المضرة، يفضل الابتعاد عن الزيوت الحيوانية المشبعة بالدسم، والاعتماد على الزيوت النباتية التي نحتاجها لطهي الطعام أو تحضير بعض الأطباق، لما لها من منافع صحية، حيث تحوي على كمية جيده من «الكولسترول» الحميد أو عالي الكثافة (HDL) الذي يحد من ترسب المادة الدهنية على جدار الشرايين؛ يتواجد هذا الصنف الجيد في: زيت الزيتون (النيئ) وزيوت دوار الشمس وفول الصويا والذرة والأفوكا وغيرها.

كما ينصح الإقلال من تناول اللحوم الحمراء أو أن نستبدل بها اللحوم البيضاء، الأقل دسماً، والابتعاد عن أطباق الطعام المقلية وتفضيل المشوي منها؛ كما من المهم مراقبة كمية الطعام وتناولها باعتدال (إذا أردت أن لا تأكل كثيراً.. صغّر صحنك!) بما يوفر الغذاء اللازم للجسم ويؤمن كمية من السعرات الحرارية قابله للاستهلاك اليومي، حسب الحاجة لكل فرد، بما يقوم به من مجهود (جسدي، فكري..)، وإلا وقعنا في شرك البدانة والسمنة مع التعرض للأمراض والمضاعفات التي تنجم عنها.

من المهم أيضاً الحديث عن النشويات، الموجودة بنسب عالية، في الخبز والحبوب (حمص، عدس، فول…) والمواد السكرية التي تحويها الحلويات والمربيات والجاتو والدبس وبعض الفواكه المجففة والطبيعية (الموز، التين..)، إلى السكر المستعمل في المنزل؛ والمشروبات الغازية (أغلبها يحوي على كمية 25 بالمئه من السكر) والعصير الُمعلب وغيرها، وضرورة الاعتدال في استهلاكها لأن الفائض منها يتراكم في الجسم على شكل شحوم.

لن ننسى ملح الطعام والذي يشكل مادة يحتاجها الجسم في عملياته البيولوجية والفيزيولوجية، لكن بكميات قليله جداً، والاستهلاك الزائد منه يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم الشرياني؛ لا سيما لدى الأشخاص الذين يعانون من هبوط في وظيفة القلب أو الذين يعالجون من اضطرابات في الكلى أو غيرها مثل «الوذمة» أو التورم. لذا ينصح الإقلال من تناول ملح الطعام (الذي يحوي على مادة الصوديوم ودوره الأساسي في هذا الارتفاع لضغط الدم)، والقيام بمراجعة الطبيب عند حصول علامات مرضية مشابهة، تفادياً لمضاعفات تشكل خطراً على الصحة.

شرب الماء والسوائل

يشكل شرب المياه، إلى جانب الغذاء، عاملاً مهما للصحة السليمة، وإذا ما علمنا أن جسم المولود الجديد يحوي 80 بالمئة من وزنه ماء، لتتقلص هذه النسبة إلى 55 – 60 بالمئة لدى الفرد البالغ؛ ندرك أهمية شرب الماء لتجديد مياه الخلايا في الجسم عامة، وتخليصه من الرواسب والسموم الناجمة عن فضلات الأطعمة والأدوية والإفرازات في حالات المرض.

تزداد حاجة الجسم من المياه وتتقلب، تبعاً لتطور حرارة الجو، نزولاً أو ارتفاعاً، خاصة في أوقات الطقس الحار، وخصوصاً عند الأطفال الرضع كونهم شديدي التأثر لخسارة المياه من أجسامهم (كثرة إفراز العرق الناجم عن ارتفاع الحرارة الخارجية، اسهالات حادة، استفراغ متكرر…).

من المهم أن تكون المياه عذبة، مكررة، صالحة للشرب أو تحوي على أقل قدر من الجراثيم (ما عدا الأطفال طبعاً) يمكن للجسم تحملها؛ لذا يتوجب تعقيم المياه بإضافة عشر نقاط، من محلول معقم للمياه، لكل ليتر ماء معد للشرب، أو تعبئته في زجاجات شفافة اللون ونظيفة، وتعريضها لأشعة الشمس لمدة ساعتين، أو القيام بغلي الماء على نار حامية لمدة ربع ساعة، قبل ملئها في أوعية نظيفة ومعقمة بدورها.

من المعلوم أن جسم الإنسان البالغ يحتاج إلى كمية تتراوح بين ليترين أو ثلاثة من الماء يومياً وهو يحصل على نصف هذه الكمية، تقريباً، من خلال الأطعمة ومن العمليات الفيزيولوجية داخل الجسم (عُصارة المعدة، افرزات المرارة والبنكرياس، اللعاب..)، أما بقية الكمية فيتوجب تأمينها من خلال الشرب (مياه، عصائر الفاكهة الطبيعية، محلول اللبن الرائب، الحليب..).

مزاولة الرياضة والتربية البدنية

منذ القدم، أدرك الإنسان أهمية الحركة، لتأمين قوته اليومي أولاً، ثم سعى باحثاً مستكشفاً، فاستنبط عدة أنواع من الرياضة وبدأ يمارسها مثل الفروسية والسباحة وركوب الخيل.

ومع تطور الإنسان، دخلت الرياضة والتربية البدنية مادة في برنامج التلميذ في المدرسة، يتوجب عليه الحصول على معدل لها كبقية المواد التعليمية.

في عصرنا الحاضر، أضحت الرياضة ضرورة يتوجب ممارستها للحفاظ على صحة سليمة، حيث يجنح الإنسان نحو التكاسل، قلة الحركة وملازمة الجلوس؛ نتيجة استعمال وسائل النقل والتسلية (سيارة، مصعد، تلفاز، حاسوب….)؛ مع ما يترتب معها من مجازفة تساعد على الإصابة بالعلل والأمراض (زيادة الوزن والسمنة، خلل في العمود الفقري، إصابة الشرايين…). لذا تجب ممارسة الرياضة، كالسباحة، ركوب الدراجة أو المشي السريع مثلاً، في الهواء الطلق بعيداً عن أماكن التلوث وعلى أرض مسطحة، قرب البحر إذا أمكن مع الإشارة إلى أن هذا النوع من الرياضة يؤدي إلى التخلص من 300 وحدة حرارية في كل ساعة نشاط.

من فوائد المشي السريع، ركوب الدراجة أو السباحة، المساعدة على الراحة النفسية والتخفيف من ضغط العمل اليومي (الذي يشكل آفة من آفات العصر) عدا تنشيط عمل الدورة الدموية وتقوية عضلة القلب وتنقية الرئتين، إلى تخفيض مستوى ضغط الدم الشرياني (عند ذوي الاستعداد لارتفاع الضغط) وتقوية العضلات والمفاصل، ومنع تطور مرض ترقّق العظام.

من الناحية البيولوجية، لهذه الممارسة الرياضية فوائد جمة نذكر منها: المساعدة على خفض مستوى السكر في الدم، (عند المصابين بداء السكري)، وتدني مستوى الكولسترول العام مع ارتفاع نسبة الجزء الجيد منه.

أخيراً، أدت أبحاث أوروبية، أُجريت حديثاً، إلى استنتاج واعد وبالغ الأهمية، مفاده أن ممارسة الرياضة (5 مرات أسبوعياً ولمدة 45 – 60 دقيقة كل مرة)، يمكن أن تساعد على تجدد خلايا الدماغ. وحسب بعض الدراسات الأميركية، تلعب ممارسة الرياضة بشكل منتظم دوراً مهماً في المحافظة على المادة البيضاء في الدماغ لما لهذه المادة من دور فعال في نقل الرسائل بين مناطق الدماغ المختلفة المسؤولة عن السمع، الكلام، الذاكرة والمشاعر؛ وبما أن بنية الدماغ وبعض وظائف الإدراك تتدهور مع التقدم في السن، تأمل الأبحاث المتواصلة في هذا المجال أن تؤدي إلى نتائج لوقاية أفضل لمرض «ألزهايمر» وأنواع الخرف الأخرى؛ إذ وجد الباحثون أن المادة البيضاء قد حوفظ عليها بشكل أفضل لدى الرياضيين مقارنة بغيرهم.

ونختم بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يسترعي الانتباه والتفكير ملياً، لما يحتويه من نصائح صحية وقائية تبقى صالحة لكل العصور والأزمان وهي:

يقول صلى الله عليه وسلم: (ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لابد فاعلاً فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه) [رواه الترمذي].

للكولسترول صاحب السمعة السيئة… حسناته أيضاً

الكولسترول… مالئ الدنيا وشاغل الناس! حتى يكاد يقض مضاجع الكثيرين، وخصوصاً أولئك الذين يهتمون بالتلذذ في تناول مأكولات دسمة، أو حلويات دخل في تركيبتها السمن أو الزبدة أو الكريما، هذه المادة الدهنية التي تؤلف جزءاً من المخزون الشحمي في جسم الإنسان، يحكى عنها ويروج ضدها في وسائل الإعلام المرئية، المكتوبة والمسموعة، حتى باتت تشكل مادة إعلانية بامتياز، يخوفون بها البشر وكأنها سم قاتل.

ما نشاهده ونقرأه، في عصرنا الحاضر، الكثير من الإعلانات الدعائية التي تتنصل من عدم وجود هذه المادة الدهنية في هذا المنتج أو تلك السلعة الغذائية، وكأنها بمثابة خطر داهم على صحة المستهلك الذي أصبح في كثير من الظروف حائراً في أمره من يصدق عما يقال ويكتب عن الكولسترول، نظراً لتصادم الكثير من المعلومات المتناقضة حول العديد من الأمور التي تهم التغذية عموماً، وهذه المادة الدهنية خصوصاً.

وهنا لكل فرد منا الحق في أن يتساءل، إذا كان في الأمر مدعاة للشك بالترويج للكسب المادي السريع في هذا العصر والمجتمع الاستهلاكي الذي نعيش حتى ولو كان على حساب صحة الإنسان في كثير من المناسبات والأحوال؟

ولا بد من المسارعة إلى القول بأن الكولسترول يشكل في حال زيادة نسبته في دم الإنسان عن المستوى المتعارف عليه طبياً، مادة سيئة، وخصوصاً فيما يعود للشرايين (القلب، الدماغ، الكلى..)؛ وما دام مستواه طبيعياً وضمن النسب المحددة طبياً وبيولوجياً فلا داع للقلق والتصرف بشكل عصبي أو توتري، إذا ما علمنا أن هذه المادة الشحمية تنتج داخل كبد الإنسان بشكل طبيعي ولا يمكن، في أغلب الحالات، السيطرة على هذا الإنتاج خارج نطاق المعالجة بالأدوية، لا سيما من خلال النظام الغذائي، إلا بنسبة 25 % فقط، وأن البقية ينتج داخل الجسم. من هنا نجد حالات استعداد خاص لارتفاع نسبة الكولسترول في الدم لدى بعض الأشخاص أو العائلات مع بناء عوامل وراثية تؤدي إلى هذا الخلل وتنتقل عبر الأجيال..

الوظيفة والدور

• الكولسترول مادة دهنية تضاف إلى بقية المواد الدهنية التي يحتاج إليها جسم الإنسان كالشحم العام، الحوامض الدسمة وثلاثية الغليسريد وغيرها، والتي تدخل في تكوين بعض الأعضاء، أو تلعب دوراً بيولوجياً في وظائف الجسم، وخصوصاً في فترات النمو عند الأطفال (نذكر منها المادة الدهنية في الدماغ، غشاء الكريات الحمراء، والمساهمة في تركيب الأملاح الصفراوية التي يفرزها الكبد وتساعد على هضم المأكولات في الأمعاء (الإثنى عشري) وغير ذلك.

• ومن أدوار الكولسترول المهمة، نذكر كذلك دخوله في تكوين الكثير من الهرمونات التي تفرزها الغدد الصماء لتنساب مباشرة في الدم. على سبيل المثال نشير إلى الهرمونات الجنسية عند الرجل (تيستوستيرون) والأنثوية (استروجين) وغيرها، والتي تلعب الدور الأساسي في نمو الأعضاء التناسلية والصفات الجنسية الثانوية عند الجنسين.

• كما لا ننسى بعض حسنات الكولسترول البيولوجية، إذ تحت تأثير تعرض جلد الطفل للأشعة فوق البنفسجية المتأتية من نور الشمس، يتحول الكولسترول الموجود عادة في الطبقة تحت الجلدية إلى فيتامين د الذي يشكل بدوره عنصراً أساسياً في فترات نمو الأطفال، إذ يعمل على امتصاص مادة الكالسيوم في الأمعاء بعد عملية الهضم ومن ثم يساعد في تقوية العظام وتكوينها وكذلك بالنسبة إلى نمو الأسنان، ومن ثم يعمل الفيتامين دال على انتقال الكلس من العظم إلى الدم، في حال الحاجة الماسة إلى ذلك، ما يفسر دوره المهم في الوقاية من مرض «الكساح» المعروف بنقص النمو وقصر القامة وتشوهات في العظام (الصدر، الأطراف، الجمجمة..) وما لها من تداعيات عضوية ووظيفية.

الكوليسترول الحميد والسيئ

• من الناحية البيولوجية ينقسم الكولسترول إلى جزئين: الأول يدعى الكولسترول الحميد، أو عالي الكثافة، وهو يحمي الشرايين من الترسبات الدهنية وينتقل عبر مادة بروتينية، وعلى هذا يسمى HDL (الشحم البروتيني عالي الكثافة)، ودوره أساسي في اجتذاب المواد الدهنية السيئة، وخصوصاً الحوامض الدهنية الأحادية الإشباع والتي تتجمع على جدار الشرايين وتتراكم على أغشيتها الداخلية، مشكلة عامل استعداد لانسدادها مع بقية المواد الدهنية وتكتل الصفائح الدموية.

• أما الجزء الثاني من الكولسترول وهو المنخفض الكثافة LDL ذو الاستعداد للتراكم على جدار الشرايين، وهو ما يعرف بالكولسترول السيئ أو «الخبيث».

• وفي الظروف البيولوجية والفيزيولوجية الطبيعية لجسم الإنسان تبلغ نسبة الكولسترول العام في الدم بمستوى يتراوح بين 80 و200 مللي غرام في كل 100مليلتر من مصل الدم، بينما الكولسترول عالي الكثافة يستحسن ألا تنخفض نسبته تحت 45 ملغ، والكولسترول منخفض الكثافة ألا يرتفع مستواه عن 150 ملغ.

• كما أن هنالك طريقة تتبع خلال مراقبة نسب الكولسترول في الدم عموماً، وتعتمد على عملية حسابية تقوم على الحاصل الناتج من قسمة الكولسترول العام على الكولسترول عالي الكثافة على ألا يتجاوز هذا الحاصل نسبة 4.4 ما يشكل صمام أمان لحوادث الانسداد في الشرايين.

هموم العصر… والوقاية

من هنا نستنتج أن الضجة الكبرى على المستوى الغذائي والتي يحتلها الكولسترول، لا تستدعي كل هذا العناء، ولكن هذا لا يعني عدم الاكتراث أو الانتباه لطريقة التغذية، وإنما الأخذ في الاعتبار أن العامل الغذائي ليس وحده (حيث يشكل 25 % كما ذكرنا) لذا تجب مراقبة تطور مستوى الكولسترول في الدم تحت الإشراف الطبي الذي يحدد سبل الوقاية والعلاج، عندما نعلم أن أموراً كثيرة تلعب دورها في ازدياد هذه النسبة خارج نطاق النظام الغذائي، نذكر منها هموم الحياة العصرية وهي، مع الأسف، تتكرر يومياً مع الإدمان على التدخين، واستعمال بعض الأدوية التي تزيد من نسبة الكولسترول في الدم، تضاف إلى كل ذلك أمور أخرى تدخل في انتشار أمراض العصر وتطوراته، أكانت إيجابية أم سلبية.

تقلبات الوضعين النفسي والعصبي عند الإنسان

يلعب الوضع النفسي والمعنوي، لدى الإنسان، دوراً فاعلاً في تأمين السلامة والاستقرار الصحي؛ وإذا أضفنا إلى ذلك حالة الراحة الفكرية والشعور بالأمان، أدركنا التأثير الإيجابي لهذه العوامل مجتمعة على وظيفة الجهاز العصبي وإمكانية جنوحه نحو الهدوء والسكينة، مسقطاً أثره المريح على أعضاء الجسم كافة.

وإذا أخذنا في الاعتبار الأوضاع العامة التي يعيشها الإنسان، في حياته اليومية، من ضغط معنوي ومشاكل اجتماعية وصعوبات اقتصادية وخوف من المستقبل، إلى جانب التهديد بالوجود نظراً للأزمات الإقليمية والصراعات الدولية؛ نرى أن صحة الإنسان مهددة في الصميم.

نستعرض في هذا البحث صحة الإنسان من النواحي العصبية، النفسية والفكرية، في محاوله لشرح بعض التقلبات الفيزيولوجيه والبيولوجية التي تنتاب الفرد في حالات نفسية أو عصبية متناقضة.

إن صحة الإنسان النفسية والفكرية تتلخص في أمور مسلكية وتصرفات تخضع لعدة عوامل؛ اجتماعية، ثقافية ونمط عيش نذكر منها:

1 ـ الابتعاد عن الموبقات وتجنب الآفات بالإقلاع عن التدخين والتوقف عن معاقرة الخمور وعدم تعاطي المخدرات أو ممارسة ألعاب الميسر والقمار؛ لما لهذه العادات من عواقب سيئة على صحة الإنسان النفسية وتوازنه الاجتماعي وبالتالي سلوكه وطريقة عيشه وتعاطيه مع بيئته.

2 ـ محاولة تجنب الخوض في كل ما يؤدي إلى توترات عصبية واضطرابات نفسيه وما يترتب عليها من تأثيرات عضوية، والتخفيف من ضغط العمل اليومي، نظراً لوجود تناغم في العلاقة بين الوضع النفسي والوضع العضوي لتأثر أحدهما بالآخر مع الأخذ في الاعتبار الدور المؤثر والفعال للجهاز العصبي المركزي وما يستتبع ذلك من ردة فعل؛ في المقابل للغدد الصماء في إفراز الهرمون، وأهمها الغدة النخامية ودورها الفعال من نسبة إفراز هرمون الشدة والغضب «أدرينالين» الذي تفرزه الغدة الكظرية (أو ما فوق الكلية).

وبين الفعل وردة الفعل في تعاطي الإنسان مع ذاته ومع الآخرين، يتأثر بواسطة حواسه الخمس، إرادياً ولاإرادياً، ويتفاعل نفسياً وجسدياً مع العالم الخارجي والبيئة المحيطة به، وتكون ردة فعله سلبية أو ايجابية تبعاً للإثارة العصبية أو النفسية. نأخذ هنا على سبيل المثال تصرف الفرد في حالات التوتر العصبي (عراك، غضب، خوف شديد، ترقب مضطرب، نقاش حاد…)؛ نستنتج أن الجسم في هكذا وضع، يقوم بإفراز هرمون الغضب «أدرينالين»، مؤدياً إلى اضطرابات بيولوجية سلبية كارتفاع ضغط الدم الشرياني، وتوترات عصبية يمكن أن تؤدي إلى مضاعفات سلبية مباشرة على وظائف القلب والشرايين أو الدماغ، والاستعداد للإصابة بداء السكري، إذا ما تكرر هذا الوضع لفترة دائمة أو لفترات متقطعة وحسب السوابق المرضية للفرد.

في المقابل، نرى الإنسان في حالات الارتياح النفسي (مناسبات الضحك، المرح، البهجة…) هادئ المزاج، بارد الأعصاب؛ يأخذ الأمور بالتروي واللين، وذلك عائد إلى أن الدماغ يفرز في هذه الحالات مادة مهدئه من مشتقات المورفين ومن مفعولها الإحساس بالاطمئنان والشعور بالراحة والتفاؤل.

3 ـ إعطاء الجسم قسطاً من الراحة: يفضل للإنسان، وكل حسب طبيعة عمله أو مهنته إعطاء جسمه فترة، ولو قليله، من الراحة خلال العمل، بواسطة الاسترخاء مثلاً لدقائق معدودة أو التمدد على الظهر مع محاولة الصفاء الذهني أو القيلولة بعد تناول وجبة الغداء (لمن تسنح لهم الظروف بذلك!). كل ذلك يؤدي إلى التخفيف من ضغط الحياة اليومي ويبعث على الشعور بالراحة الجسدية والنفسية، ويمكن أن يساعد على تحمل الجهد الفكري، التعب الجسدي أو الإرهاق النـفـسـي.

4 ـ نختم بالحديث عن عامل مهم له تأثيره الإيجابي على سلامة الجسم، وهو الصحة الفكرية (إذا جاز التعبير) وذلك بمحاولة الترفيه عن النفس بأن يقوم الإنسان بمزاولة هواية محببة إلى نفسه ويرتاح إليها: المطالعة مثلاً أو الرسم، الكتابة أو الرياضة الذهنية (الشطرنج، كلمات متقاطعة، لعبة الداما، السكرابل…)؛ خصوصاً في أوقات الفراغ للاستفادة منها بتغذية الروح وملء الوقت ـ وليس قتله!ـ كما اعتدنا التعبير في مجتمعنا الشرقي؛ ويسترعي انتباهنا في هذا المجال طريقة التعبيرـ والتصرف أيضاً ـ في المجتمعات الأوروبية حيث نرى طرقاً أخرى للاستفادة من الوقت: الإنكليز «يعتبرون الوقت من ذهب» والفرنسيون «يستفيدون من وقت الفراغ».

اسأل طبيب مجاناً