التصنيفات
الباطنية

مهيجات الجهاز الهضمي

كثير من المواد التي يستهلكها بعض الناس بصفة يومية (ناهيك عن تلك الأطعمة التي نعاني الحساسية منها) تعتبر مهيجات هضمية (أي مهيجات للجهاز الهضمي). وتشمل الكحول، والمضادات الحيوية، ومسكنات الألم، وبعض المواد الحريفة (أو التوابل)، والقمح، والقهوة، والشاي. فإذا زادت كمية هذه المواد، فإنها يمكن بمفردها أن تكون سبباً في حدوث مشكلات هضمية.

الكحول

الكحول مهيج معوي، يسبب التهاباً وإتلافاً لجدار القناة الهضمية. وهذا يزيد خطر حدوث نفاذية معوية غير طبيعية، والذي بدوره يزيد احتمال حدوث تفاعل تحسسي، لاسيما تجاه مكونات المشروب الكحولي. ولهذا السبب، يظهر في واحد من كل خمسة من شاربي البيرة والنبيذ (عند إجراء اختبار لهم) حساسية للخميرة. وشاربو النبيذ يصابون بالحساسية للسلفيتات التي تضاف إلى العنب كمادة حافظة للسيطرة على عملية تخمره. وتوجد السلفيتات أيضاً في أبخرة العادم الناتج من السيارات والمصانع، ويعتمد الإنزيم الكبدي الذي يزيل سمية السلفيتات على عنصر الموليبدينوم، وهو عنصر نادر يعاني كثير من الناس نقصاً فيه.

وبالإضافة إلى تسبب الكحول في زيادة النفاذية غير الطبيعية للأمعاء، فإنه يلحق الفوضى بمستعمرة البكتريا المعوية النافعة. فهو يجعلها تتحول إلى نواتج أيض ثانوية تؤدي إلى زيادة نمو وتكاثر خلايا القولون مما يمكن أن يبدأ حدوث السرطان. كما يمكن أيضاً أن يمتص مباشرة عن طريق خلايا الطبقة المخاطية التي تبطن القناة الهضمية، ويتحول إلى ألديهيد، وهذا بدوره يعوق تجديد مادة DNA الوراثية ويعزز نشوء الأورام. وعلاوة على هذا، فإن بعض المشروبات الكحولية تحتوي على مادة اليوريثان المسرطنة. وهي تتكون أصلاً كنتيجة للتفاعل الكيميائي الذي يحدث أثناء عمليات التخمير أو الإنضاج أو التخزين، وقد وجدت بالفعل في أنواع كثيرة من الخمور.

وتبعاً لما ذكرته منظمة الصحة العالمية WHO، فإن شرب الكحول يرتبط بسرطانات الحلق والفم والحنجرة والبلعوم والمريء والمثانة البولية والثدي والكبد، مع وجود زيادة كبيرة في قابلية الإصابة بها لدى المدخنين الذين يشربون الخمر. وقد توصلت هيئة تمويل أبحاث السرطانات العالمية إلى نفس الاستنتاجات وأشارت إلى أن زيادة خطر الإصابة بسرطانات القولون والثدي تحدث حتى عند استهلاك كميات قليلة جداً من الخمور. وفي حالة سرطان الثدي يبدأ هذا الارتباط عند استهلاك أكثر من أربع جرعات في الأسبوع، أما بالنسبة لسرطان القولون فتزداد قوة هذا الارتباط عند استهلاك أكثر من جرعة واحدة يومياً. ومن المؤكد أن استهلاك الكحول بانتظام يسبب أضراراً شديدة للهضم ويزيد خطر الإصابة بالسرطان. وبصفة خاصة، فإنه يزيد قابلية حدوث النفاذية المعوية غير الطبيعية وحدوث حالات الحساسية ويجب الامتناع عنه تماماً في جميع الأحوال والظروف.

المضادات الحيوية

اخترعت المضادات الحيوية أصلاً لقتل البكتريا، وكلما كان المضاد الحيوي أوسع مدى كان ضرره أشد على البكتريا الحيوية المنشطة للصحة في القناة الهضمية. وفوق هذا، فإن تناولك لكميات كبيرة من المضادات الحيوية للحصول على مستوى في الدم يكفي لمكافحة البكتريا في حالات مثل عدوى الجيوب الأنفية، يسبب زيادة كبيرة في تركيز المضادات الحيوية في القناة الهضمية لاسيما في جزئها العلوي. ونظراً لأن البكتريا المعوية النافعة تحمي القناة الهضمية، فإن هلاكها يؤدي سريعاً إلى حدوث التهاب وإحساس بتعب في البطن (يشعر به أغلب من يتناولون مضادات حيوية في خلال 48 ساعة).

والمضادات الحيوية تزيد النفاذية المعوية وتزيد قابلية حدوث حالات الحساسية وتزيد شدتها. فمثلاً، إن معالجة طفل مريض بحالة عدوى بالأذن بالمضادات الحيوية يزيد احتمال إصابته بحالة أخرى من عدوى الأذن بمعدل خمس مرات. وهذا يرجع إلى أن حالات عدوى الأذن تكون غالباً ناتجة عن حالة حساسية، وتكون الحساسية موجهة غالباً لمنتجات الألبان، مما يؤدي إلى زيادة في إفراز المخاط.

ومع ما يحدث عالمياً من استخدام 50 ألف طن من المضادات الحيوية كل عام، فقد صار كل من الإنسان والحيوان أقل مقاومة للأمراض بصورة متزايدة، كما صارت البكتريا الضارة أكثر مقاومة للمضادات الحيوية بصورة متزايدة. ولا شك أن هذه المشكلة قد لعبت دوراً في تزايد حالات التسمم الغذائي الذي يقتل اليوم أكثر من مليون شخص سنوياً في العالم.

مسكنات الألم

إن مسكنات الألم الأكثر استعمالاً والتي تعرف باسم العقاقير غير الاستيرويدية المضادة للالتهاب NSAIDs تعتبر شديدة الضرر بالجهاز الهضمي. وهذه تشمل الإيبوبروفين (موترين)، والفينوبروفين (فينوبرون)، والفلوربيبروفين (فروبن)، والكيتوبروفين (ألرومات، وأوروديس، وأوروفيل)، والنابروكسين (نابروسين)، والتولمتين (تولكتين)، والسولنداك (كلينوريل)، والأزابروبازون (روموكس)، والإندوميثاسين (إندوسيد)، والفينيل بيوتازون (بيوتازوليدين)، وحمض المفيناميك (بونستان)، والديكلوفيناك (فولتارول وفولتارين وكاتافلام)، والفنبوفن (ليدرفن)، والبيروكسيكام (فلدين)، وحمض التيابروفنيك (سورجام)، بالإضافة إلى الأسبرين. وفي انجلترا وحدها يتم وصف 18 مليون وصفة طبية تتضمن هذه العقاقير كل عام!

ومن المعروف أن أول عقار منها استخدم لتخفيف الألم والالتهاب هو الأسبرين، ويمكن أن يكون فعالاً في هذا المجال ولكنه يلحق أضراراً بالجهاز الهضمي. ففي عام 1980 أعلن مؤتمر التغذية العالمية السادس أن مجرد تناول حبة أسبرين واحدة يمكن أن يسبب نزيفاً معوياً لمدة أسبوع كامل. وتخيل معي ما يمكن أن يحدثه تناول جرعات عالية بصفة يومية على مدى سنوات طويلة!

والـ NSAIDs تزيد النفاذية المعوية بصورة غير طبيعية كما تزيد تكون القروح في الأمعاء الدقيقة، مما يمكن أن يؤدي إلى نشوء مضاعفات خطيرة. وقد أجريت في جامعة أيوا بالولايات المتحدة دراسة على الرياضيين الذين كانوا يتناولون الأسبرين لمنع حدوث الالتهابات في أجسادهم، وقد وجدت الدراسة أن الأسبرين يزيد بشكل ملحوظ درجة النفاذية المعوية لديهم.

وقد تكون هذه العقاقير المسماة NSAIDs سبباً في حدوث نسبة غير قليلة من قروح الأمعاء الدقيقة. ولقد تم سحب تسعة على الأقل من عقاقير الـ NSAIDs من الأسواق ومنع تداولها واستخدامها، ومنها عقار أوبرين Opren، واعتبرت مسئولة عن ربع عدد حالات التفاعلات الضارة المسجلة رسمياً. وفي الولايات المتحدة نجد أن ما تنفقه هذه الدولة على إنتاج عقاقير الـ NSAIDs يساوي تقريباً تكلفة علاج آثارها الجانبية، وكثير منها عبارة عن تفاعلات معدية-معوية!

والشكل التوضيحي المقابل (الشكل 6) يظهر نسبة الأشخاص الذين أصيبوا بمشكلات معدية-معوية (أي في الجهاز الهضمي) من جراء هذه النوعية من العقاقير. وأما عقار الأسيتامينوفين (باراسيتامول) فهو وإن كان لا يسبب نفس الدرجة من التأثير التهيجي الذي تسببه عقاقير الـ NSAIDs، إلا أنه ضار بالكبد. ويشكل التهيج المعدي-المعوي بسبب العقاقير المسكنة للألم عبئاً على قدرة الكبد على إزالة سمية المواد السامة وهذا الضرر يمكن أن يزداد سوءاً من خلال استخدام ذلك العقار المسمى أسيتامينوفين.

القهوة والشاي

تحتوي القهوة على مجموعة من المواد تعرف بالميثيل زانثينات، وتشمل الكافيين والثيوبروفين والثيوفللين. وهي تهيج القناة الهضمية كما ترتبط أيضاً بالمعادن، مزيلة إياها ومسببة لضياعها قبل امتصاصها. لذا، فإن من عواقب الإفراط الشديد في شرب الشاي والقهوة حدوث تهيج معوي ونقص في امتصاص العناصر الغذائية (لاسيما المعادن).

ونفس الشيء ينطبق إلى حد ما على الشاي. إلا أن الكيميائيات التي توجد فيه مختلفة بعض الشيء: فالشاي به كافيين أقل ولكنه يحتوي على المزيد من التانين الذي يرتبط بالمعادن ويجعلها تخرج معه في البراز دون أن تمتص.

إن تناول قدح واحد من الشاي أو القهوة لا يتوقع أن يسبب مشكلة. ولكن نوصي كل من يعاني اضطرابات هضمية ويتناول في الوقت نفسه الشاي أو القهوة بانتظام أو بإسراف بالإقلاع عنهما عند اتباعه لبرنامج علاجي للقناة الهضمية.

ورغم أن أنواع الشاي العشبي وشاي الفواكه لا تحتوي على مهيجات للجهاز الهضمي، فإن أي مشروب ساخن جداً يسبب توتراً وضرراً للقناة الهضمية. إن معدل حدوث سرطان المريء ومشكلات المعدة يكون أعلى لدى من اعتادوا احتساء مشروبات ساخنة جداً بصفة منتظمة. لذا من الأفضل أن تتجنب تلك المشروبات الساخنة.

التوابل

ليست كل التوابل متساوية فيما يتعلق بالهضم. ويقع الفلفل الحار (أو الشطة) على رأس قائمة المواد الحريفة الضارة. فهو يعمل كمهيج معوي، خاصة عند تناوله بكميات كبيرة، وكثير من الناس يعانون حساسية له. فإذا لم تكن تتفاعل بشكل جيد مع الأطعمة الحارة جداً، فمن المرجح أن تكون لديك حساسية للفلفل الحار.

ومع ذلك، توجد أنواع أخرى من التوابل لا تهيج القناة الهضمية بل قد تكون مفيدة للصحة. وهي تشمل الفلفل الأحمر (الكايين أو الكابسيكم) الذي يحتوي على الكابسيسين وهو عامل مضاد للالتهاب معروف علمياً. وقد ظهر في دراسات كثيرة أن الكابسيسين يقلل الالتهاب بكفاءة. ففي إحدى الدراسات تبين أن 42 مريضاً بالالتهاب المفصلي حدث لهم انخفاض ملحوظ في الألم والإعاقة بعد تناولهم مركبات التوابل الحارة لمدة ثلاثة أشهر، بينما، في دراسة أخرى، قل التهاب أقدام الفئران المصابة بالتهاب مفصلي بدرجة كبيرة بعد إعطائها كلاً من الكابسيسين والكركمين. وقد يكون وضع الكابسيسين موضعياً فعالاً أيضاً في تخفيف آلام الالتهاب المفصلي العظمي. والكركمين هو ذلك الصبغ الأصفر الفاتح الذي يوجد في تابل الكركم ويتميز بآثار مضادة للالتهاب قوية ومتنوعة؛ وقد أظهرت التجارب التي تم فيها إعطاؤه إلى المرضى بالالتهاب المفصلي أنه تقريباً في مثل كفاءة العقاقير المتخصصة المضادة للالتهاب، ولكن دون آثارها الجانبية، كما ظهر أيضاً أنه يعزز إزالة السموم.

الألياف ومشكلات الصمام اللفائفي-الأعوري

بينما أن تناول غذاء غير مكرر غني بالألياف يكون مفيداً لك بصفة عامة، فإن بعض الناس يتضررون عند تناولهم أنواعاً معينة من الألياف مثل النخالة (الردة)، وحتى الأطعمة النيئة (مثل السلطة الخضراء وبعض الفواكه). فإذا كان هذا يحدث لك، وكانت الحركات المعوية لديك غير سليمة –كأن يحدث لك إسهال أحياناً وإمساك أحياناً أخرى- فأنت تعاني مشكلة في الصمام اللفائفي-الأعوري. وهو حلقة عضلية دائرية تشبه الصمام وتفصل الأمعاء الدقيقة عن الأمعاء الغليظة وموضعها بالنسبة لسطح الجسم يقع عند منتصف المسافة بين عظمة الورك اليمنى وسرة البطن. فإذا كانت هذه المنطقة من سطح البطن تؤلمك عند الضغط الخفيف عليها، فهذه دلالة إضافية على أنك قد تكون مصاباً بالتهاب في الصمام اللفائفي-الأعوري.

وإذا لم يكن الصمام اللفائفي-الأعوري ينفتح وينغلق بشكل سليم، أو إذا كان مفتوحاً بشكل زائد عن الحد، يمكن أن تتحرك البكتريا والسموم من الأمعاء الغليظة إلى الأمعاء الدقيقة بسهولة أكثر من اللازم، مما يؤدي إلى حدوث خلل في التوازن البكتيري وتسمم ذاتي. ويمكن أن تختل وظيفة هذا الصمام إذا تعود الشخص على تناول غذاء مليء بدرجة زائدة بالمهيجات الهضمية ومنها الألياف الخشنة جداً، أو إذا كان يصاب كثيراً بالإمساك، أو إذا حدث له نقصان للقوة العضلية السليمة وللحركة التمعجية الفعالة التي تحرك الفضلات البرازية بشكل طبيعي.

وفي هذه الحالات، يمكن استعادة وظيفة الصمام اللفائفي-الأعوري بوسيلتين: إحداهما وسيلة أو تقنية جسمانية أو يدوية يمارسها المعالجون بالطبيعة وبعض أخصائيي التغذية والمعالجون بالحركة. والوسيلة الأخرى هي باتباع نظام غذائي منخفض جداً في المهيجات الهضمية على مدى أسبوعين. هذا يعني أن تحذف جميع الأطعمة والأشربة المذكورة في هذا الموضوع بالإضافة إلى نخالة القمح وأية أطعمة نيئة. وبدلاً من إضافة الألياف أو تناول أطعمة أضيفت إليها نخالة القمح التي تعتبر من الألياف زائدة الخشونة نسبياً، من الأفضل كثيراً أن تحصل على الألياف التي تحتاجها من الأطعمة الكاملة، (كالحبوب الكاملة)، وإذا احتاجت تلك الأطعمة إلى نقعها في الماء، فافعل. فمثلاً، إذا نقعت فليكس الشوفان لتجعلها تتشرب بالسائل وتنتفش، فإن أليافها الطبيعية تكون في هذ الحالة أكثر ليونة ولطفاً بكثير على القناة الهضمية. وبالمثل، فإن الأطعمة النيئة وإن كانت مفيدة بالنسبة لكل الناس تقريباً في كل الأحوال، فإن تعريضها للبخار أو طهيها بخفة يحدث تحليلاً جزئياً للألياف الأكثر خشونة.

تلخيصاً لما سبق، إذا أردت أن تكون رفيقاً بقناتك الهضمية، فاتبع ما يلي:

•    قلل من الشاي والقهوة، ولا تتناولهما بصفة مستمرة. وتجنب الكحوليات نهائياً.
•    قلل استخدامك للعقاقير المسكنة لاسيما NSAIDs.
•    لا تستخدم المضادات الحيوية إلا كملاذ أخير، وبعد فترة علاجية من المضادات الحيوية تناول المنشطات للحيوية (من البكتريا النافعة) لتستعيد وجود تلك البكتريا في الأمعاء.
•    لا تتناول الطعام متبلاً بالشطة بصفة منتظمة.
•    تجنب إضافة نخالة القمح، ولكن تناول الأطعمة الكاملة غير المكررة بدلاً منها.

اسأل طبيب مجاناً