التصنيفات
طب نفسي | علم النفس

الأمراض النفسية عند الأطفال: مقدمة

المحتويات إخفاء

إن الأطفال الذين يعانون من المشكلات النفسية يبدون وكأنهم يتصرفون بشكل صعب أو عنيد، وليس نتيجة لذهن مريض مشوش؛ وعلى هذا فمن السهل أن تفقد أحاسيس الطفل أو سلوكه أهميتها ومدلولاتها. إن التفرقة بين التصرف “الاعتيادي أو الطبيعي” وذاك المرضي هو أمر هام، حيث إن الطمأنة هي شيء مناسب في الحالة الأولى وخطير في الثانية.

بالإمكان تصنيف العلة النفسية عند الطفل على أنها شذوذ في السلوك أو الأحاسيس أو آليات التفكير – وهي المظاهر الأساس الثلاث لوظيفة التفكير – طويل الأمد أو حاد أو كلاهما معا يؤثر على حياة الطفل اليومية. وهي عائق له، أو لمن يهتمون به. وعلينا أن نأخذ بعين الاعتبار مرحلة النمو أو التطور التي يعيشها الطفل إلى جانب البيئة الاجتماعية/الثقافية التي تظهر فيها تلك العلة.

من النادر أن تدفع الحالة الذهنية أحد الأطفال كي يتصرف بشكل شاذ أو شديد التطرف مرة واحدة فقط. وبهذا نستدل أنه يعاني من مرض عقلي أو نفسي ما.

إن الأمراض النفسية أو العقلية عند الأطفال كما هو معرف أعلاه لا تتجاوز العشرة بالمئة من كل السكان سنويا، وهي ذات النسبة عند البالغين أو الراشدين. وتتأثر بعدد من عوامل المخاطرة والحماية.

تعريف الشذوذ المرضي عند الأطفال

التصرفات أو الأحاسيس أو الأفكار الشاذة عند الطفل التي تستمر لفترة لا تقل عن أسبوعين والتي هي من الحدة بحيث تؤثر على حياة الطفل اليومية.

وجود عائق لدى الطفل أو من يرعونه أو لدى كل منهم مع أخذ مرحلة النمو أو التطور التي يعيشها الطفل بعين الاعتبار.

أخذ البيئة الاجتماعية/الثقافية بعين الاعتبار.

مسببات الأمراض النفسية عند الأطفال

عوامل الخطر التي يتعرض لها الطفل

تساعد الدراية بالعوامل الأساس التي تتسبب في ازدياد خطر المرض النفسي في تتبع أموره.

إن كل عامل خطر يتآزر مع العوامل الأخرى فيكون الخطر الناتج أكثر ضررا من المجموع الكلي لتلك العوامل. فعلى هذا قد لا يعاني طفل العاشرة مصاب بداء الصرع إضافة إلى مصاعب في تلقي العلوم والتقدم فيها، من صعوبات حتى يبدأ أصحابه في السخرية والتندر على كونه بطيئا في التعلم، مما يثبط من عزمه على المثابرة في اكتساب العلم.

عوامل خطر إصابة الأطفال بأمراض نفسية

فيما يلي أهم التأثيرات الجوهرية أو المنبثقة عن الطفل التي تضعه في مكمن خطر. إن معظم الأطفال المصابين بأمراض نفسية قد تعرضوا سلبا إلى أكثر من عامل خطر واحد.

– الحاصل المنخفض لقسمة العمرين IQ:
إن IQ هو حاصل الذكاء وفقا لمقياس ستانفورد-بينيه وهو نسبة العمر العقلي إلى عمر الفرد الزمني مضروبا بمئة.
إن معدل تعرض الطفل لداء نفسي هو أربعون بالمئة إذا كان هذا الطفل يعاني من صعوبة فائقة في تلقي العلوم.

– المزاج السيئ

– الأمراض الجسدية- تزداد خطورة نشوء المرض النفسي لدى الأطفال المصابين بالصرع على نحو كبير، وعلى نحو أقل عند الإصابة بمعظم باقي الأمراض

– التأخر المحدد في نمو الطفل كالصعوبة في النطق والاتصال

– الفشل الدراسي

– الشعور بالنقص

يمثل التأثير المتراكم للوطأة والضغط على الطفل تأثيرا سلبيا حادا. يصبح الطفل الذي قد قاسى أكثر من حادثتين معاديتين في حياته مؤخرا معرضا لمشكلات عاطفية أو سلوكية. هناك قرائن واضحة بأن عوامل الوطأة لدى الطفل قد تكمن ساكنة للعديد من السنوات (التأثير النائم) ثم تبدي أثرها بعد أن (تستيقظ) جراء تجربة عدائية ذات علاقة بتلك العوامل. قد تظهر تلك القابلية المتزايدة للمعاناة من الوطأة في التصرف غير العادي لبعض المراهقين الذين قد عانوا من ظلم أو أذية جنسية ما، أو أنهم كانوا قد تعرضوا في الماضي البعيد لتأثيرات قاسية أخرى في أيام طفولتهم.

يكون الصبية أكثر عرضة للإصابة بالأمراض النفسية، كما هم أكثر عرضة لأي حدث عدائي في حياتهم. إن الفارق في نسب تعرض الصغار من  الذكور والإناث للأمراض النفسية يكون أقل وضوحا في أيام ما قبل المدرسة. ثم تصبح الفتيات في سني المراهقة، بالرغم من هذا، أكثر عرضة لتلك الأمراض بسبب أنهن أكثر عرضة للتأثيرات والمشكلات العاطفية. ولكن الأطفال الذكور أكثر عرضة لمشكلات النمو والسلوك والتصرف.

عوامل الخطر العائلي وغيرها من العوامل الخارجية

تتصف عوامل الخطر العائلي بالتعقيد، لأنها عرضة للكثير من التفاعلات. يشكل التفكك العائلي مثالا جيدا على سلسلة من الأحداث والتفاعلات السيئة التي تكرس أخطار الأمراض النفسية. وعلى هذا الأساس، من الممكن لأطفال البيت المدمر أن يحذوا حذو أبويهم في العلاقات الفاشلة والتواصل الرديء. ويضحون أصعب فأصعب على التنشئة. يقود سلوك الأطفال بعد هذا إلى أن يتصرف الأبوان بشكل كثير الانتقاد وعدائي، وهذا ما يجعل الأطفال أكثر تشوشا. ترتفع نسبة الاضطرابات النفسية لدى الأطفال إلى ثمانين بالمئة خلال السنة الأولى بعد الطلاق. وترتفع نسبة الإصابة بالأمراض النفسية لدى الأطفال قبل افتراق الأبوين وبعده لسنين عدة. وهذا ما يتناقض وفقدان أحد الأبوين عن طريق الوفاة، وهذا الأخير قد يتسبب في إصابة الأطفال بالأمراض النفسية بشكل قليل.

إن العلل النفسية التي تتعرض لها الوالدة (وليس الوالد) تزيد من خطر إصابة الطفل بالأمراض النفسية. إن الخطر الذي يتهدد الطفل نتيجة لاكتئاب الأم قد يزداد خلال فترات نمو الطفل وتشكل شخصيته، خصوصا، على سبيل المثال، عندما تكون الأم ترعى طفلها الوليد في الأسابيع الأولى من ولادته (أو ولادتها). وهناك أيضا من الدلائل بأن بعض الأطفال يستمرون بالحس بالمشكلات النفسية حتى بعد نهاية اكتئاب الأم، مما يدل على أنه قد تشكل لدى الطفل نمط من التصرف السالب قد يكون من الصعب التخلص منه. من المعروف أن الأطفال بعد ولادتهم بأسابيع يتأثرون أيما تأثر بمزاج آبائهم وأمهاتهم، ولكنهم عندما يكبرون قليلا تبدأ عوامل أخرى في العمل على تكوين شخصيتهم، كالمدارس وأولي الأمر والبيئة الثقافية. يقضي الأطفال ما يقارب الخمسة عشر ألف ساعة في المدرسة.  فليس من المستغرب أن نرى أن ما قد يمر به الطفل فيها من مشاكسة، أو نمط إدارة، أو تحقيق لهدف مدرسي ما، قد يؤثر على القدر الذي قد يتعرض إليه الطفل من آفات المرض النفسي.

العوامل العائلية التي تزيد من خطر الأمراض النفسية

–  انحلال العائلة
–  اضطراب الأم النفسي
–  جنوح الأب للإجرام، الكحول، أو المرض النفسي
–  القسوة أو الاضطهاد
–  الفاقة، مهما كانت أسبابها
–  صدام الوالدين المستمر
–  السلوك المتناقض، المبهم، أو الدائم الانتقاد
–  العلاقات العدائية أو الرافضة
–  الفشل في التماشي مع متطلبات الطفل النامي
–  الموت والفقدان بما في ذلك موت وفقدان الأصدقاء

العوامل الخارجية التي تزيد من حدة الاضطراب النفسي

– المدرسة: سوء الإدارة وعدم وضوح الأنظمة، عدم تمييز التلاميذ كأفراد، التبديل الدائم للمدرسين، والمعنويات المنخفضة
– ضغوطات المجموعات المتعالية
–  المشاكسة
–  فقدان الاختلاط الاجتماعي
–  التأثيرات الاجتماعية/الثقافية

العوامل الوقائية ضد الاضطرابات النفسية عند الأطفال

يتعرض الكثير من الأطفال لعوامل المجازفة الملخصة أعلاه، ولكنه لا يتأثر إلا القلة منهم باضطراب نفسي معلوم. فلم إذا يسلم البعض من أية اضطراب نفسي وهم يواجهون المصاعب الكثيرة؟ إن من أقوى العوامل التي تقيهم تلك الاضطرابات المحتملة هو الثقة بالنفس. تتشكل فكرة الإنسان عن نفسه ببطء وتصبح ثابتة نوعا ما في السنة السابعة إلى الثامنة من العمر. وهي تعتمد بلا ريب على الطريقة التي كان أبواه وغيرهم يتعاملان معه (أو معها). وعلى هذا فإن وجود علاقة مع شخص بالغ عطوف وواثق يشكل عامل حماية للإنسان ضد العلل النفسية. فالمزاج المستقر ومستوى جيد من الذكاء سيمكنان الطفل من التعامل مع الوضعيات الصعبة ويجنبانه خطر الإصابة باضطراب نفسي ما.

العوامل التي تحمي من الاضطرابات النفسية

–  الفكرة الجيدة عن الذات
–  العلاقات الحميمة
–  العلاقات الداعمة مع الراشدين
–  الشخصية المستقرة
–  امتلاك مهارة ما
–  حاصل ذكاء مرتفع وتحقيق هدف مدرسي معين
– تأمين الأبوين لمعايير واضحة للانضباط ومستويات عالية من الإشراف

تقييم الاضطرابات النفسية عند الأطفال

قد يفكر البعض بأن قياس درجة الاضطراب النفسي لدى الأطفال هو من الأمور العقيمة حيث إن أفكارهم ومشاعرهم ما تزال تتكون وتتغير بشكل سريع لا يمهل. وعلى هذا فيجب على التقييم المراقب للأطفال الصغار أن يركز بشكل دقيق على الكيفية التي يتصرف فيها الأطفال في وضعيات مختلفة. هناك عامل معقد آخر في عملية تقييم الصغار، وهو أنهم يميلون إلى تقليد القائمين على تربيتهم في أمزجتهم ووجهات نظرهم. تشكل العلاقة بين الطفل وأحد الوالدين وذهنية هؤلاء الآخرين جزءا هاما من عملية تقييم الاضطرابات النفسية لدى الأطفال.

إن تقييم الأطفال أو صغار السن وعلاقاتهم الاجتماعية هو موضوع شائك، حيث يجب أن تلعب فيه الملاحظات عن الوالدين والأساتذة دورا كبيرا. ويجب جمع المعلومات عن الطفل من العديد من المصادر ما أمكن. وبالرغم من هذا، فإن القلق الفكري والنفسي للطفل هو وضع خاص، تكون معه التقارير عن تصرفاته الإشكالية جانبا واحدا من بين جوانب عدة. لا تعني الأعراض المرضية لطفل ما – التي تظهر في حالة معينة – أن سبب المشكلة يكمن في موقع تلك الحالة. فقد يكون الطفل صعب المزاج في المنزل بسبب فشله العلمي في المدرسة أو أن يقوم بأعمال غير مرضية في المدرسة بسبب قمعه أو سوء تربيته أو معاملته في المنزل.

على هذا، يجب أن تأخذ عملية التقييم بعين الاعتبار، وبشكل تام، خلفية ما يحصل وكيف يتفاعل كل مسبب مرضي مع المسببات الأخرى لتوليد المشكلة برمتها. ومن المفيد أن يبدأ الباحث في التحقق من إسهام الطفل في تسبب مرضه واستفحاله، ومن ثم التعرض لما قد يكون هناك من عوامل أخرى عائلية أو مدرسية أو عامة.

التنقيب عن الاضطراب النفسي

يبقى الوالدان والأساتذة على الدوام مصدرا هاما للمعلومات في هذا الصدد، ولكن عندما يكبر الأولاد تزداد أهمية المعلومات المفصلة التي يدلون بها عن الصدد نفسه. يجد الأولاد دون سن السابعة أو الثامنة صعوبة في الإفصاح عن مشاعرهم أو أن يدلوا برأيهم عن كيفية تفهمهم العالم من حولهم. ومع ذلك، فمن الجدوى بمكان أن يسألوا عن رأيهم عن هذا الموضوع، إن أدرجت أجوبتهم تحت بند نموهم الفكري والشخصي. وبناء على هذا، وبغض النظر عن عمر صغير السن، يبقى هو المصدر الأهم للمعلومات مقارنة مع تقارير الآخرين.

يمكن استخدام كراسات الاستبيان والفحوصات المماثلة الأخرى للتنقيب عن الاضطرابات النفسية لدى الأطفال. تلك معدة خصوصا للأبوين والأساتذة، ولكن هناك الجديد منها الآن يعد للأولاد الأكبر سنا لتقدير أعراض مرضهم إن وجدت. فظاهر الأمر أن كراسات الاستبيان قد تبدو الجواب لحل مسألة التنقيب عن الاضطرابات النفسية لدى الكثير من الأطفال، ولكن على المرء أن يحتاط هنا، لأن كل الموازين معرضة للخطأ، وتظهر نتائج إيجابية ونتائج سلبية مغلوطة. فبالإمكان تقييم الأطفال الصغار باستخدام كراس الاستبيان المعد للأطفال قبل التحاقهم بالمدرسة. ومن الممكن إجراء الفحوصات على الفتيان/الفتيات وهم في سن الالتحاق بالمدرسة عن طريق كراس الاستبيان المعد على أساس القوى والصعوبات (SDQ)، ويملأ هذا من قبل الوالدين والأساتذة والأولاد نفسهم، وهو معد لقياس المشكلات العاطفية والسلوكية. يعتبر SDQ مقياسا راسخ السمعة الجيدة ويمكن الركون إليه، فهو قصير وسهل الإجراء. هناك مقياس آخر، أكثر طولا، ولكنه على قدر السمعة الجيدة نفسها، وهو فحص سلوك الطفل (Child Behaviour Checklist).

الإشارات المبكرة للاضطراب النفسي

من الممكن إدراك خصوصيات المزاج السيئ لدى الوليد بعيد الولادة، ومن الممكن أن ترتبط لاحقا بخطر مشكلات التصرف الشاذ. هناك عوامل أخرى – كشكل وجنس الطفل – تلعب دورا ما في تحديد إدراك الأبوين ورد فعليهما. إن البذور التي تقوم على أساسها مشكلات العلاقات بين الولد وأحد الوالدين قد تزرع  إبان هذه المرحلة المبكرة، ولكنه من المهم أن لا ترى تلك العلاقات على أنها ثابتة ولا تتأثر بتأثيرات خارجية.

يزداد خطر الرعاية المبكرة الرديئة للطفل ومشكلات العلاقة بين الطفل والوالدة، إذا كانت هذه الأخيرة قد تعرضت لرعاية سيئة وهي طفلة. فالوالد الذي كان قد تلقى وهو طفل دورات تعليمية خاصة للصعوبة التي كان يجدها في التحصيل العلمي والأبوان الصغيران جدا يجدان صعوبات فائقة في رعاية أولادهما. ومن حسن الحظ أن القصور عند الأمهات في هذا المجال قد يستعاض عنه عن طريق أب مساند أو أي راشد آخر يقدم الرعاية.

بالرغم من أنه من الأهمية بمكان عدم الافتراض بأنه سيكون هناك بالضرورة مشكلات إذا وجد هناك عامل أو عوامل خطر في هذا الخصوص، يجب استمرار المتابعة والملاحقة الدقيقتين حتى يتأكد المرء من أن تقدما جيدا يتم تحقيقه. تكون الملاحظة المباشرة لتصرف الأبوين تجاه الطفل أكثر مصداقية مما قد يقولانه. يجب أن تركز المتابعة خلال الأسابيع القليلة الأولى على التفاعل بين الولد وأحد الوالدين، وعليها أن تأخذ بعين الاهتمام رد فعل الأبوين. قد لا تكون مشكلة ما من المشكلات التي تمت ملاحظتها بين الابن وأحد الوالدين في هذه الفترة المبكرة على درجة عالية من الأهمية -حيث إن معظم الآباء يستطيعون حل أي مشكلة خلال أشهر قليلة- ولكن هذه المرحلة المبكرة هي فترة هامة عندما يكون الدعم والتشجيع للأبوين الضعيفين أمرا غاية في الجدوى.

العوامل التي تجعل رعاية الطفل أكثر صعوبة

– أحد الوالدين وحيد لا عون له
– الاكتئاب عند الأمهات
– انخفاض الملكات العقلية عند الأبوين (IQ) أقل من 70%.
– حمل المراهقات
– العلاقات الأبوية السيئة
–  سوء طفولة الأبوين
–  فقدان الاكتراث الأبوي
–  الرفض المستمر للطفل بعد الشهور الثلاثة من عمره

اختبار لتقييم رعاية الأطفال الصغار السن جدا

–  الإطعام
–  الاهتمام بالشؤون الأساس للطفل
–  اللعب والتكلم مع الطفل الرضيع
–  التصرف عند حزن الطفل وبكائه
–  حماية الطفل من المخاطر
–  إبداء الاهتمام بالطفل

الطفل ما قبل سن المدرسة

جوانب البحث والتحقق لأطفال ما دون سن الدراسة

فيما يلي الجوانب الأساس في عملية الملاحقة للاضطراب النفسي عند أطفال ما دون سن الدراسة

–  نمطا الطعام والنوم
–  مستوى النشاط والمقدرة على التركيز
–  مقدرة السيطرة على الأمعاء والمثانة
– مقدرة السيطرة على المزاج والنزوات
– القلق جراء الانفصال
– التجاوب مع الملاحظات  والنصائح الاجتماعية
– المقدرة على التعبير عن الحاجات الأساس

إن مجال الأعراض العاطفية والسلوكية في هذا المضمار – وفي سنوات ما قبل الدراسة – هو مجال ضيق. ففي تلك المرحلة من النضوج السريع يتسبب أي ضغط عاطفي أو جسدي في ارتداد واضح إلى أنماط من التصرف أقل نضوجا. وعلى هذا فمن المهم ألا نتأثر جدا بظاهر الأمر من ارتداد السلوك الكبير عند المرض الجسماني أو بالحزن أو التهيج العاطفي. ومع هذا، إن التصرف أعلاه سيعود إلى طبيعته خلال أيام أو أسابيع قليلة بعد زوال الضغط. إن المعرفة السليمة الأساس لتطور ونمو طفل ما هي أمر ضروري لوضع حالة عدم النضوج في مكانها المناسب، ومن ثم المقدرة على التمييز بين النمو الذهني المتأخر للطفل، والتأخر المحدد لهذا النمو والارتداد الذهني والسلوكي له.

يكون الطفل قد وصل إلى درجة معقولة من قبوله في المجتمع عندما يصبح في سن الدراسة الابتدائية، وفي هذه المرحلة تكون الاضطرابات النفسية عبارة عن تصرف غير ناضج.

إن المشكلات العاطفية والسلوكية لدى الأطفال ما دون سن الدراسة ليست تامة التحديد. والمجال الذي يتضمن التصرفات الطبيعية هو مجال واسع لدرجة أنه ليس من السهل تقرير ما هو غير طبيعي. ومن الأفضل أن يعتنق الباحث وجهة نظر عملية في تشخيص الاضطرابات النفسية لدى أطفال ما دون سن الدراسة. ومن المفيد أن يطرح الباحث على نفسه السؤال: “هل ردة فعل هذا الطفل/الطفلة لا تتناسب وما قد يكون متوقعا في تلك الظروف، وهل أعيق الطفل/الطفلة أو ولياهما من جراء هذا؟”

الطفل في سن الدراسة

إن دور الأبوين والعائلة في التسبب في مشكلات نفسية للطفل/الطفلة هو من الأدوار الهامة، ولكنه عندما يكبر هؤلاء الأطفال تصبح العوامل الأخرى أكثر أهمية تدريجيا، وتصبح المدرسة والأطفال، على سبيل المثال، أكثر أهمية نسبيا. يجب على من يقوم بالتحقق في هذه الحالة أن يأخذ بعين الاعتبار ما يحصل في مدرسة الطفل/الطفلة، وخارج منزل العائلة، إضافة إلى الديناميكية الموجودة بين أعضاء العائلة.

يعد البدء في الدراسة لطفل/طفلة ما تجربة للنضوج هامة. فيقيم الأطفال وفقا لذاتهم بطريقة أكثر نقدا وأقل تعلقا مما قد يراه الأبوان ممكنا. قد تؤدي تلك الطريقة إلى صعوبات مؤقتة كمشكلات البعد الشخصي أو عدم الانصياع. بمقدور الإدارة الرشيدة في المدرسة متعاضدة مع عائلة الطفل/الطفلة أن تؤمن حلا سريعا يميز بين تلك الصعوبات العابرة وبين الاضطراب النفسي الخطر.

يبدي الأطفال مقدرة مميزة على سهولة التكيف، ولكنهم حين يكبرون في السن ويصبحون أكثر وعيا لأنفسهم، يضحون أكثر تأثرا بآراء الآخرين. عندما يبلغ الأطفال الثامنة تتكون لدى معظمهم فكرة واضحة عن أنفسهم، وكيف يقارنون مع الآخرين من قبل الآخرين من أعمارهم. فقد يتكون لدى طفل حس بالنقص أو بالفشل، الأمر الذي سيزيد كثيرا من حدة مشكلاته العاطفية والسلوكية.

إن الارتداد والسلوك غير الناضج أكبر أهمية عند الفتيان. فالتبول اللاإرادي عند الفتيان الذين تخطوا السابعة أو الثامنة يسبب لهم حسا بالنقص؛ وهذا قد يتسبب في فشلهم في المدرسة، على سبيل المثال. والنشاط المفرط هو عارض آخر قد يزيد من فداحة الأمر عندما يبلغ الأطفال سن الدراسة. يتدخل سلبا الذهول وقلة الانتباه في التعلم، وهو ما قد يثير ردود فعل سلبية لدى الأساتذة وباقي التلاميذ. وقد ينجم عن هذا سريعا تشكل حلقة مفرغة من الفشل والحزن والتخلي والسلوك الفوضوي المعطل.

يجب على من يقوم بالتحقق من المشكلات العاطفية والسلوكية ومتابعتها لدى الفتيان البالغين سن الدراسة أن يأخذ بعين الاعتبار العوامل المتخذة في حال الأطفال (الأصغر سنا)، ويجب عليه أيضا أن يركز على أمور أعمق من العيش، مثل طريقة إدارة الفتى علاقاته ورؤيته لذاته ومقدرته على التحكم بنزواته. يلعب الإنجاز المدرسي دورا حرجا في هذه المرحلة، وعلى هذا يكون للمقدرة على التركيز وللمقدرة على الكتابة والقراءة كما يملي عليه عمره أثر بالغ في وضعه الفكري.

جوانب البحث والتحقق لأطفال سن الدراسة

–  التقدم الدراسي، خصوصا المقدرة على القراءة
–  العلاقات مع البالغين والأطفال
–  تقدير الذات
–  طول فترة التركيز
–  المزاج
–  التحكم بالنزوات

الأعراض التي تدل على أمراض نفسية جدية

إن معظم الحالات النفسية المرضية في الصغر ما هي إلا حالات خلل في عمليات التفكير، وليست بالأمراض الحقيقية. والفرق بين الأمرين هو أن الخلل المذكور هو مبالغة في الأعراض الطبيعية إلى حد تصبح معه معيقة -وهذا هو فرق كمي- أما المرض فما هو إلا فرق نوعي بينه وبين الوضع الطبيعي. وعلى هذا الأساس لا تكون معظم الأعراض العاطفية والسلوكية قابلة للتحديد، ولا يعطي عارض وحيد إلا النزر اليسير من البلاغ عن جدية المرض النفسي الكامن. أما ما يقدم دليلا أفضل على هذا الأمر فهو مخطط من الأعراض المترابطة والسياق الذي تأتي ضمنه. ولكن – وبالرغم من هذا- فإن بعض الأعراض ترتبط ارتباطا شديدا مع مرض ما من الأمراض النفسية، بالرغم من أنها تحصل بشكل منفرد.

لائحة بالأعراض المرضية الجدية

–  الرغبة المستمرة والمدركة في التحطيم
–  العدائية التي تؤدي إلى الأذى
–  إيذاء الذات المتعمد
–  النشاط الجنسي غير الملائم للعمر
–  التسبب في الحرائق
–  التحرر الاجتماعي المطلق
–  الانعزالية المستمرة
–  السلوك المنحرف
– الهلوسة والهذيان

الأعراض المرافقة لإنذار بالغ السوء لتطور المرض

تدل الأعراض الجدية المخالفة لوظيفة التفكير السليم على مرض نفسي شديد، ولكنها لا توحي بإنذار سيئ للمرض وتطوره إذا خطط للمريض جدول شفاء جيد بالسرعة المطلوبة. ومع هذا، فهناك بعض الأعراض التابعة لمرض الأطفال التي يتبعها إنذار شديد السوء على المدى البعيد.

أمراض يرافقها إنذار سيئ لتطورها

–  التصرف العدائي المستمر بعد سن السادسة – السابعة
–  النشاط المفرط المقترن باضطراب السلوك
–  الاكتئاب الشديد المستمر
–  السلوك الشائن
–  المعنويات المنخفضة المرافقة للظلم
–  التهرب الدائم من المدرسة، خصوصا من المدرسة الابتدائية
– الهرب المتكرر من الأماكن أو محاولات الانتحار

ماذا بعد تحديد هوية المرض؟

يظهر البرنامج الناجح للتنقيب أو البحث عن المشكلات النفسية أن هناك عددا غير قليل من الأطفال يحتاجون إلى الرعاية الطبية النفسية. لا تصبح معرفة أسى هؤلاء الأطفال ذات فائدة إلا إذا توفر بعض العون والمساندة.  يجب أن يبت بمسألة ما يجب عمله تجاه هؤلاء من عمل وتخطيط قبل أن تبدأ عملية التنقيب والتقصي. يجب اتخاذ سلسلة من القرارات مسبقا يتوفر فيها العلاج المناسب لأكثر الأطفال مرضا. وفي الوقت ذاته يجب تجنب القول إن الطفل مضطرب إن كانت الأعراض طفيفة أو عابرة.

ما يتعلق بنمو الأطفال وتطورهم

مجالات التأخر المحدد

–  القراءة (عدم التمكن منها)
–  السيطرة على الحركة (فقدانها)
–  التبول اللاإرادي (والتبرز في أحيان كثيرة)
–  صعوبات تعلم اللغة والاتصال بالآخرين
–  السيطرة على الذات (اضطراب فرط النشاط – قلة الانتباه)

الخصائص المتعلقة بالتأخر المحدد في النمو

–  أكثر شيوعا لدى الذكور – عادة 4 إلى 1
–  يحدث للعائلة كلها – وربما هو وراثي أو نتيجة لأثر اجتماعي/ثقافي
–  يتطور بشكل طبيعي ولكنه بطيء
–  يتحسن مع الوقت
–  يتجاوب بشكل جيد مع التمارين التدريبية
–  يجعل الطفل عرضة للإحساس بالإجهاد
–  يبدو واضحا أكثر فأكثر حتى يتمكن المريض من اكتساب المهارة
–  تتعلق جوانب النمو المتأخر المحدد بعضها ببعض

يلعب النمو والنضوج السريعان للأطفال أدوارا هامة في صياغة التقرير عن اضطرابات الأطفال النفسية، فينتج عن نمو الأطفال المزيد من المهارات الإضافية أو خصوصيات الشخصية، وينتج عن نضوجهم زيادة في ما كان لديهم أصلا أو تطورا له. فعلى سبيل المثال يظهر الغضب عند أطفال سن الثانية أو الثالثة على نحو غير ناضج، حيث إنه ليس هناك من سيطرة على تلك النوبة من الغضب أو توجيهها ضد أحد. يرافق تقدم الطفل في العمر نضوج تدريجي لغضبه، ويستطيع بعدها السيطرة عليه وتوجيهه. ومن الناحية الأخرى إن المهارات الأخرى كالمشي والقراءة هي مهارات جديدة مكتسبة. هناك بالطبع تفاعل معقد بين النضوج والتطور، وكلاهما يقع تحت تأثير متغيرات المحيط كالعداوة الاجتماعية، والنمط الأبوي للتربية.

من الضروري أن يميز المرء بين التأخر العام في النمو والتأخر المحدد في النمو؛ فالسابق يظهر وكأنه صعوبة عامة في اكتساب العلم (تعرف أيضا على أنها عائق ذهني)، حيث إن هناك تأخرا في كل جوانب النمو. ولكن التأخر المحدد يطرأ على مظهر من مظاهر النمو أو القليل منه، ويبقى نمو الطفل بشكل عام مرضيا. ينبغي أن تكون الهوة بين المستوى الفعلي للنمو وذاك المتوقع %20 على الأقل. وعلى هذا يكون الفتى في سن العاشرة لا يستطيع أن يقرأ في عمر للقراءة لا يتجاوز الثامنة (عسرة القراءة)، بالرغم من أن مقدراته الأخرى تشابه تلك الخاصة بالفتيان الطبيعيين.

يكون التأخر المحدد في نمو الأطفال عاملا سلبيا هاما في صحتهم العقلية، حيث تتكون لديهم أوهام عن الشعور بالنقص أو الإحساس بالفشل، مما يؤدي بهم إلى سلوك غير اجتماعي أو اكتئاب.

من المفيد أن يتصور المرء فترة حرجة يتم خلالها اكتساب مهارة ما. عندما يكون المرء فوق العتبة المخطوطة أعلاه يكون قد اكتسب المهارة المطلوبة ويكون أي تطور آخر هو بمثابة نضوج وتدعيم. تبقى المهارة المكتسبة مهددة بالضغوط العاطفية والجسدية، ما دامت قريبة من تلك العتبة. فعندما يكون الطفل قد تعلم لتوه المشي يكون معرضا للسقوط أرضا جراء أي عارض مرضي طفيف أو انزعاج. والتدريب مهم جدا إبان تلك الفترة الحرجة، فعلى سبيل المثال، عندما لا يكون الطفل قد تعرف إلى الطعام الصلب قبل بلوغه سن الثالثة أو الرابعة يجد تناوله عسيرا عندما يقدم إليه. ويظهر الرسم أيضا كيف تتسع فجوة النمو مع مرور الزمن.

يواجه عشرة بالمئة من الأطفال على الأقل تأخرا ليس بالقليل في أحد نواحي نموهم. ولكن تلك النسبة قد تتجاوز الأربعين بالمئة في مؤسسة الخدمات الطبية النفسية للأطفال المراهقين. وهذا ما يدل على ازدياد تعرض هؤلاء الأطفال لأشكال هذا التأخر.
إن الأطفال المتأخرين في النمو يضيعون وقتا أطول للمرور بتلك الفترة الحرجة التي يواجهون فيها، بشكل أكثر وضوحا، المشكلات العديدة خلال تدريباتهم.

اضطرابات الطيف أو الاضطرابات المتصلة

هناك من الاضطرابات النفسية لدى الأطفال ما يمكن تصوره على أنه يحدث على طول خط نمو متصل بين نقطتين. الأولى منهما طبيعية، والأخرى شاذة. ومن الأمثلة الجيدة على هذا اضطراب فرط النشاط الحركي ونقص الانتباه
(ADHD). يتعلم الأطفال كيف يسيطرون على أنفسهم بشكل تدريجي، ولكن البعض يجد صعوبة أكثر من الآخرين. وأحيانا يأتي وقت يكون فيه فقدان السيطرة على الذات مشكلة يجب حلها. سوف يعتمد هذا على وجهة نظر المهتمين بالطفل وأي شخص آخر قد يؤثر سلوك الطفل عليه؛ وسيعتمد أيضا على الظروف التي يمر هذا الطفل فيها. فعلى سبيل المثال قد تنشأ مشكلات في حيز مغلق حيث يتوقع من الطفل أن يتصرف فيه بشكل جيد، أكثر من نشوئها في حيز منفتح كالهواء الطلق حيث بإمكانه الركض بحرية. وعلى هذا يكون العامل الذي يحدد المشكلة عشوائي محض. تعنى كراسات الاستبيان وجداول الاختبار الأخرى بهذه المشكلة. وعلى هذا فإنه من الأهمية بمكان أن يحصل الباحث على صورة غير منقوصة للمشكلة ما أمكن، مستخدما مخبرين مختلفين وأن يراقب الطفل في ظروف مختلفة. وما يجعل الوضع أكثر تعقيدا هو أن أهم النقاط الثلاث التي يعتمد عليها تشخيص ADHD تتبع سلسلة من الأمور تعنى بشؤون النمو، يتعلم الأطفال من خلالها كيف يسيطرون على نشاطهم أولا، ثم على انتباههم، وأخيرا على نزواتهم. هذا يوفر تفسيرا للسؤال: لم قد يبدو الأطفال الكبار المصابون باضطراب ADHD أطفالا طبيعيين أثناء تقييمهم الطبي النفسي، ولكنهم يتصرفون بشكل طائش في حياتهم اليومية. إن الطريقة الوحيدة لتشخيص وضع من الأوضاع هي ملاحظة نموذج الخصائص العائدة للأعراض المرضية في سن مبكرة من الطفولة.

أنماط علاج الاضطرابات النفسية

قد يحاول محترفو الصحة العقلية تغيير الظروف أو “السياق” الذي تتم فيه صعوبات السلوك بعد أن يقوموا بتقييم طبيعة معضلة ما. بمقدور هؤلاء فعل هذا قبل أن يتم اتخاذ إجراءات العلاج المحدد أو خلاله. قد تتخذ “السيطرة على العلاج” أشكالا عدة بناء على ما قد حدد من متطلبات الطفل المفردة.

يغطي التعبير “معالجة نفسية” كل السبل العلاجية المستعملة لشفاء الأطفال الذين يعانون من اضطرابات سلوك.  من الممكن تقسيم بعض أنماط العلاج إلى طرق علاج نفسية و طرق علاج جسمية.

السيطرة على السياق

في المدرسة:

– خفض المشاكسة
– خفض الضغط المدرسي
– توفير منهاج أقسى للتعلم

في المنزل:

– التشجيع على انضباط أشد
– التشجيع على أسلوب معاملة أكثر تسامحا
– التشجيع على الاستماع إلى الطفل أكثر

العلاجات النفسية

تطلق على العلاجات النفسية صفة “سلوكي”  إذا كانت ترمي إلى تغيير ما قد تفعله العائلة أو الطفل بالتعرض إلى الأعراض مباشرة دونما مراعاة للأفكار أو المشاعر. فعلى سبيل المثال قد يعالج خوف ما بشكل ناجع عن طريق برنامج إزالة أو إضعاف الحساسية، يوجه نحو زيادة ألفة الشخص مع الشيء المخيف عن طريق الخيال أو في واقع الحياة.

يسعى  العلاج السلوكي الإدراكي إلى إحداث تغيير سلوكي عن طريق ربط أنماط التفكير السيئة التكيف مع السلوك، ويركز العلاج الإدراكي على تغيير أنماط التفكير السيئة التكيف فقط. فعلى سبيل المثال، قد تبقى حالات الاكتئاب كما هي عن طريق أفكار مغلوطة عن الطريقة التي يفكر بها الآخرون عن المريض. من الممكن التأثير على تلك الأفكار بتشجيع الطفل كي يذكر الظروف التي نشأت فيها تلك الأفكار، ثم التأكد من أن معتقداته تقوم على أساس صحيح.

يهدف بعض العلاجات النفسية إلى كشف نزاعات خفية، أو حالات توتر ورغبات قد لا يدركها الطفل وأفراد عائلته، وقد تكون هي السبب الكامن وراء المشكلة. فعلى سبيل المثال، قد يتكون لدى الطفل حس بالقلق الشديد، لأنه يشعر بعداوة تجاه أخ له أو أخت، وتم في وقت سابق كبح تلك العداوة، وقد يظهر العلاج هذا الحس. قد يتطلب هذا مراقبة الطفل، الاستماع إلى ما يقوله، والتكلم أو اللعب معه. يطلق تعبير تحليل نفساني على تلك الوسائل، خصوصا إن كانت مستوحاة مما عمل عليه المحللون القدامى مثل سيغموند وآنا فرويد وميلاني كلاين. يطلق اسم علاج بالتحليل النفساني على العلاج المكثف (من ثلاث حتى خمس جلسات منفردة أسبوعيا). ومن الجائز أن تدعى المداواة النفسانية  أو المداواة الدينامينفسية إذا كانت المفاهيم واحدة ولكن العلاج ليس بالكثافة أعلاه. تستعمل جلسات النصح القائمة على أساس جلسة واحدة أسبوعيا أو أقل وفق النهج ذاته.

مع هذا يمكن تصنيف العلاج النفسي على أساس الجهة التي يراد معالجتها (كشخص أو عائلة أو مجموعة من الأشخاص). قد يستخدم العاملون على علاج عائلة ما مفهوم الدينامينفسية، أو مفهوم السلوك، أو مزيجا من الاثنين. وقد يستخدمون أيضا طرق معالجي العائلات. وعلى هذا فمن الممكن أن نقول إن علاج المنظومات  يقوم على أساس أنه بالإمكان اعتبار العائلات وحدات متوازنة بين عناصرها، فإن قمنا بتغيير أحد العناصر تلك تغيرت باقي العناصر.

قد كان، في الماضي القريب، نزاع ليس باليسير بين المعالجين الدينامينفسيين ومعالجي السلوك، حيث يعتقد السابقون بأن السلوكية ما هي إلا عبث يترك المشكلات الحقيقية على حالها، ويعتقد اللاحقون بأن الدينامينفسيين يقومون بتطبيق جملة لا برهان لهم عليها من النظريات مع القليل من الاهتمام بالنجاح أو تحقيقه. لا يزال النزاع المتبادل هذا قائما بعض الشيء في يومنا هذا، ولكنه قد نشأ تقدير جلي للواقع بأن الطرق المختلفة للعلاج هي على قدر ما من الأهمية والجدوى في ظروف مختلفة.

العلاجات الجسمية

قلما تستخدم العلاجات الجسمية مقارنة بالعلاجات الشائعة. تشتمل تلك العلاجات على وصف العقاقير، وتحديد حمية ما للطعام، والعلاج بالصدمات الكهربائية. ولا يستخدم هذا الأخير إلا نادرا، وأحيانا لا يستخدم حتى بلوغ سني المراهقة المتأخرة، ومع ذلك فهذا أيضا يكاد يزول بسرعة.

سبل أخرى

يقدم محترفو الطب العقلي للأطفال علاجا غير مباشر بالاستشارة دون مقابلة مباشرة في العيادة. يقوم بهذا النحو من الاستشارة والاتصال أطباء الأطفال، العاملون الاجتماعيون والأساتذة.

ختاما، هناك العديد من طرق العلاج النفسي التي ليس بالإمكان تصنيفها وفقا للنظام أعلاه. فالتنويم المغناطيسي، على سبيل المثال، يهدف إلى تمكين الأطفال من السيطرة أكثر على سلوكهم بأساليب تستخدم أثناء رقودهم في حالة من الإدراك المتغير.

أمكنة العلاج وهيآته

مخطط الخدمات ذو صفوف المدرجات الأربعة

فيما يلي هيكلية الخدمات للأطفال المرضى نفسيا وعائلاتهم

–  الصف الأول: خدمات الاتصال المباشر أو الخدمات الابتدائية
–  الصف الثاني: مداخلات الفريق الانفرادية أو فريق خدمات الصحة العقلية للأطفال والمراهقين CAMHS
–  الصف الثالث: مداخلات الفرقاء من CAMHS
–  الصف الرابع: الرعاية والمداخلات الشديدة التخصص

يتألف صف المدرج الأول من محترفي العناية الصحية الابتدائية، وخصوصا أطباء العائلات، وزائري المرضى، إضافة إلى الأساتذة وآخرين على صلة مباشرة بالأطفال. يقوم بمبادرات التدخل في صف المدرج الثاني أطباء النفس، الممرضات/الممرضون، أو أطباء النفس الذين يقدمون خدمات انفرادية، إما في العيادة أو في مقر إقامة المرضى. تقام خدمات صف المدرج الثالث، كما هو تقليدي، في عيادات الطب النفسي للعائلات أو الأطفال. يتألف صف المدرج الرابع من الخدمات المتخصصة كهؤلاء الذين يعنون باضطراب فرط النشاط – قلة الانتباه (ADHD) أو اضطراب تناول الطعام. ينضوي تحت هذا العنوان أيضا المقيمون من المرضى الأطفال والمراهقين.

في السابق كان يطلق على الخدمات المقدمة في صف المدرج الثالث اسم خدمات “عيادات إرشاد الطفل” إن كانت تقدم في مكان وجود الطفل، أو خدمات “عيادات الطب النفسي للأطفال والمراهقين” إن كانت تقدم في المستشفيات. أما الآن، فيطلق عليها أسماء شتى، فعلى سبيل المثال: “مركز الطفل والمراهق” أو “الخدمة الاستشارية للطفل والعائلة”. ولكن اسم CAMHS أصبح الآن – بازدياد-  الاسم الشائع.

أضحت الآن دوائر الطب النفسي أو الصحة العقلية للطفل والمراهق عبارة عن مواقع في المستشفيات العامة، أو في مستشفيات الطب النفسي، أو في مستشفيات الأطفال، أو في المجتمع بشكل عام. تقبل وحدات المرضى المقيمين دخول الأطفال من سن السادسة إلى السابعة، وحتى سن المراهقة الصغيرة، أو قد يقبلون مراهقين في سن متقدمة. وهناك وحدات للراشدين الصغار تقبل مراهقين أكبر سنا أيضا. قد تقبل وحدات المرضى المقيمين نسبة معينة من المرضى، وهناك عدد صغير نسبيا من مراكز الطب النفسي للأطفال المرضى الذين لا يقبلون بقاءهم بل زياراتهم فقط. هناك العديد من أفراد فريق CAMHS الذين يعملون في مواقع مختلفة، كالمدارس الخاصة بذوي الأمراض أو المشكلات العاطفية أو السلوكية (مدارس EBD) وعيادات نمو الطفل، أو مراكز الخدمات الاجتماعية.

قد يعمل أعضاء الفرقاء المحترفون في أي من تلك المراكز ذات المناهج المتعددة والمختلفة للعمل، وقد يقدم العلاج من قبل أي عضو من هؤلاء الأعضاء المحترفين. لدى أطباء النفس للطفل والمراهق مهارات خاصة في صياغة شروح عن المشكلات السريرية التي تكون فيها العوامل البيولوجية والنفسية معا على قدر ما من الأهمية. فمن بين جميع أعضاء فريق CAMHS نجد هؤلاء هم الوحيدون الذين بمقدورهم تدوين وصفات للأدوية تعمل على التأثير على النواحي الفكرية لشخص ما، وهم عادة يسيطرون على الدخول إلى مرافق  العلاج للمرضى المقيمين والخروج منها.

قد يضم الفريق أطباء نفس سريريين بالإضافة إلى كونه يضم أطباء نفس للطفل والمراهق، بالإضافة إلى كونهم أطباء بالمعنى الشائع للكلمة. بالرغم من التقليد القائم على أن أطباء النفس قد أمضوا كثيرا من الوقت في إجراء الفحوصات على الأطفال، فهم الآن يمضون جزءا طويلا من الوقت في إجراء تقييم الأطفال والعائلات، ومن ثم يستنبطون، وفي بعض الأحيان ينفذون برامج للعلاج. لا يشكل أطباء النفس التربويون (الذين قد مارسوا مهنة التدريس) أي جزء من أجزاء فريق عمل CAMHS حيث إنهم يفضلون العمل في الخدمة التدريسية، وغالبا ما يمضون وقتا طويلا في معالجة تقارير لحاجة تعليمية ما. يعمل أطباء نفس العائلات وغيرهم من المختصين بالشفاء كعناصر في فريق CAMHS خصوصا في لندن والأقاليم الكبيرة للبلد. بالرغم من أن كثيرا من العاملين الاجتماعيين لدى الإدارات المحلية يتخذون من عيادات ودوائر الطب النفسي للأطفال والعائلات مقر عمل لهم، فقد سحب بعضهم منها، ويعنى البعض –  بشكل رئيس – بحماية الأطفال وشؤونهم القانونية، حتى لا يبقى لديهم أي متسع من الوقت للعمل على الشفاء النفسي لهؤلاء الأطفال، وقد بقي البعض –  بالرغم من هذا –  يعمل كمعالجين نفسيين للعائلات.

من المرجح أن يقوم أطباء نفس الأطفال والسريريون منهم بتطبيق سلسلة من تقنيات الشفاء، بما في ذلك معظم تلك المذكورة آنفا. إضافة إلى ذلك، هناك تطور هام وجديد، هو تواجد ممرضات/ممرضي الطب النفسي في تلك الحالات. بالرغم من أن هؤلاء ما يزالون يعملون، في معظم الأوقات، في وحدات المرضى المقيمين أو المراكز اليومية، فمن المرجح الآن أنهم يستعملون مهاراتهم في البيئة الاجتماعية بشكل عام. لقد تم تدريب معالجي نفس العائلات تدريبا خاصا على العلاجات التي تضم أفراد العائلة كافة. بالرغم من أنه قد تم تدريب معالجي الأطفال النفسيين على تقنيات التحليل النفسي الانفرادي، فهم الآن معنيون أكثر فأكثر بالعمل العائلي وأحيانا الابتدائي أو عيادات الأطفال غير المقيمين.

هل لعلاج الطفل النفسي من أثر؟

هناك تأكيد متزايد في مضمار المزاولة الطبية بشكلها العام على تقديم العلاج المبني على القرائن. تعتمد الدرجة التي بمقدور المرء أن يقرر أن العلاج النفسي لطفل ما هو مبني على قرائن جيدة على تعريف تلك القرائن أو الدلائل، وعلى التشخيص المرضي لهذا الطفل، وعلى طبيعة التدخل الطبي المزمع القيام به. حري بنا هنا أن نتذكر أن كل العلاجات ستكون أكثر فاعلية إذا أضمر الطبيب الصدق، والثقة، والعطف، وهي أمور كانت لخمسين سنة مضت أساسا لنجاح العلاج، كل هذا قبل أن نقوم بإطلاق النعوت على أنماط محددة من العلاج. تذهب الخصوصيات الخلقية الآنفة الذكر للطبيب بعيدا لتوضيح لم لا نذكر هنا أشكالا أخرى ناجحة من العلاج، حيث إنه لم تتوفر لدينا الدلائل القاطعة على جدواها.

اللجوء إلى العقاقير أو الحمية

ليس من الصعب أن يجري المرء دراسات عشوائية على تناول العقاقير. هناك إثباتات قوية ناتجة عن فحوص صارمة لجدوى العلاج القائم على المنبهات للأطفال المصابين باضطراب فرط النشاط الحركي مع نقص الانتباه ADHD أو اضطراب فرط الحركة. قليل من الأطفال المصابين باضطراب ADHD يتجاوبون مع التدخل في حميتهم أو الطريقة التي يأكلون بها الطعام. وهناك القليل أيضا من التجارب الناجحة الناجمة عن تناول مثبطات قبط السيروتونين الانتقائية أو SSRI لعلاج المراهق المكتئب. ولكن تسويغ تناول هذا الدواء قد نجم عن تجربته على الراشدين. من الظاهر أن مضادات الاكتئاب الثلاثية- الحلقات لا تؤثر إيجابا على الاكتئاب في هذا العمر، وإن كانت تنجح في تخفيف القلق وتساعد على النوم. يخفف تناول العقاقير المضادة للهوس من شدة العرة (الحركة العصبية اللاإرادية)، ولكن تأثيراتها الجانبية تحد من قيمتها.

العلاج الإدراكي والعلاج السلوكي الإدراكي

يصعب على المرء أن يقيم جدوى العلاجات النفسية عن طريق التصاميم المنضبطة، ولكن قد تم مؤخرا إحراز تقدم لا بأس به في هذا المضمار؛ لقد تم إجراء عدة دراسات على الأطفال. وتم البرهان على أن تلك الطريقة مجدية في العديد من الظروف. وعلى هذا، فإن بعض الأطفال المصابين ببعض الاضطرابات – خصوصا الطفيف منها أو المعتدل الشدة – يتجاوبون بشكل مرض مع البرنامج التصحيحي للوالدين. أما الاضطرابات الشديدة فتخف حدتها عند اللجوء إلى ما يسمى بالمعالجة المتعددة النظم. وللعلاج الإدراكي السلوكي أثر إيجابي ملحوظ على بعض الاضطرابات الاكتئابية والقلق الحاد، ولها نفس الأثر على حالات الوسواس القهري، وحالات الاضطراب بعد الشدة. تستجيب ارتكاسات الخوف وحيدة العرض إيجابيا للعلاج السلوكي، والجرس أو منبه الوسادة هو شكل آخر من العلاج السلوكي الفعال في سلس البول الليلي.

التحليل النفسي والإرشاد

من الصعب أن نفرق بين الطريقتين أعلاه، ولكننا نستطيع القول بأن الإرشاد قد يتضمن عنصرا قويا من النصيحة، ولا يعتمد كثيرا على النهج النظري الذي ينطوي على آليات لاإرادية. قد يكون للمعالجة عن طريق التحليل النفسي أثر ايجابي على حالات القلق المفرط لدى البعض. يبدو أن للمعالجة العائلية أثرا فعالا على مجموعة من الحالات، فلها أثر إيجابي على تردد حالات الربو عند الأطفال، وعندما تؤازر بطرق علاج أخرى يكون لها ذات الأثر على القهم العصابي.

العوامل المؤثرة على جدوى العلاج

قد يكون لبعض العوامل التي يتعذر تحديدها، كحماس الطبيب المعالج، والدوافع الكامنة لدى أفراد العائلة أثر أكبر من الأثر الذي تتركه أساليب العلاج المتبعة على بعض الأمراض النفسية الواسعة الانتشار. قد يصاب بعض أطباء الأطفال والأطباء المتدربون الذين يعملون إلى جانب أطباء النفس الذين يتبعون طرقا متعددة للشفاء ببعض الارتباك، ويجب عليهم الإدراك أنه بوسعهم الإفادة الكثيرة جراء رؤيتهم العديد من طرق العلاج المختلفة تطبق على حالات متشابهة. خصوصا قد يفيد هؤلاء من ملاحظة كيفية قيام اختصاصيي الصحة العقلية بتوضيح طبيعة المرض، أو مساعدة الطفل وعائلته على رؤية الصعوبات التي يواجهونها بطريقة جديدة، بنفس القدر الذي يستفيدون منه من ملاحظاتهم الطرق المتبعة للتدخل العلاجي.

من يجب أن يحال إلى الخدمة الصحية النفسية

الاستطبابات التي يحال بموجبها الطفل أو المراهق إلى الخدمة الصحية النفسية

–  الأطفال الذين تراودهم أفكار فعلية للانتحار أو اضطرابات عقلية جدية
–  الاضطرابات العاطفية أو السلوكية التي لا يستجيب حاملها للنصح
–  مشكلات صعبة التشخيص دونما سبب عضوي واضح

لا تشكل إحالة طفل إلى العناية الطبية العقلية أية مشكلة عندما يكون هناك تدبير للخدمة الاستشارية للصف التدريجي الثاني والفريق المختص يذهب لنصح الأطفال أو إرشادهم وعائلاتهم في العيادات الخاصة بالأطفال أو المراكز الاجتماعية الخاصة. هناك دوما فرص لنقاش الإحالات المحتملة. قد يكون النصح هنا مفيدا لهؤلاء الذين هم على صلة أقل بهذا الأمر.

يجب إحالة الأطفال الذين يعانون من مشكلات عاطفية أو سلوكية متوسطة الشدة، أو من أعراض نفسية/عضوية معيقة إلى مركز الخدمة الصحية العقلية للأطفال، إذا لم تنحسر تلك الأعراض بعد فترة من النصح. ويجب أيضا إحالة هؤلاء الأطفال الذين تعيقهم عضويا مشكلات جسمية ملحة ليس لها أي تشخيص أو تفسير عضوي واضح، كلما كانت الإحالة مبكرة كانت النتيجة أفضل. وبشكل مشابه، يجب الإحالة الفورية لهؤلاء الأطفال الذين يفكرون جديا بالانتحار (أي يحاولونه أيضا) وأيضا الذين يعانون من أعراض عقلية غاية في الهلوسة أو التشويش. عندما يبدو في عيادة لطب الأطفال، ومن اللحظة الأولى لحضور الأطفال أنهم يتعرضون إلى أعراض تشخيصية لا تفسير عضويا لها، وقد يكون لها تفسير نفسي، يجب إحالتهم أيضا في هذه الحالة إلى اختصاصيي الطب النفسي، ولو أثناء القيام بالفحوصات الطبية العضوية. يجب أن يتم هذا كي لا تبدو دائرة الطب النفسي، بعد نفاد كل التفسيرات العضوية، (وهو شيء شديد الاحتمال) وكأنها آخر معقل أو كأنها “صندوق للقمامة”. فعوضا عن هذا، يكون الطبيب النفسي قد اشترك في الأمر منذ البداية. إن تعرضنا إلى الحالة النادرة لطفل لديه ورم في المعدة، أو حالة عصبية عقلية متردية، يجب شرحها، على سبيل المثال: آلام المعدة أو الصداع، لا يكون الوجود المبكر لطبيب الأمراض النفسية سببا لانزعاج الوالدين، إن كانوا قد أخبروا منذ البداية بأنه من المحتمل أن يكون للوضع أسباب نفسية.

من الطبيعي ألا يكون عدد أطباء العناية الصحية الابتدائية وأطباء الأطفال الذين يستطيعون إحالة مرضى إلى فريق CAMHS عددا كبيرا. إن هؤلاء الذين ينشطون للحصول على خدمات طبية نفسية إضافية للأطفال سيتمكنون من الحصول على موارد أفضل ضمن فترة زمنية معقولة. يساعد الظهور التدريجي القوي للخدمات التمريضية العائدة إلى الشؤون الطبية النفسية السريرية للطفل، يساعد أطباء النفس الطفل والمراهق على التركيز أكثر فأكثر على عمل المستشفيات والعمل الطبي الاجتماعي الذي قام تدريبهم الطبي والطبي النفسي من أجله.

اسأل طبيب مجاناً