التصنيفات
طب نفسي | علم النفس

تأثير الإدمان على الأسرة والطفل: علاج الإدمان – ج17

لقد تعبت جداً من تحملي مسؤوليات الأسرة، وأعبائها المالية، وكل شيء آخر بنفسي”، “إنها لا تحاول بعزيمة كافية الابتعاد عن رفاق المخدرات”، “إذا ظهر هنا مرة أخرى، سأطرده قبل أن يخطو عتبة الباب الأمامي”، “إنها حتى لا تتذكّر صفعها للأولاد باستمرار! كيف يمكن ألا تتذكر؟”، “ذهبت إلى بعض جلسات الاستشارة الغبية معه. أخبرني الأخصائي النفسي الأحمق أنني كنت مساعداً وألمح إلى أنّ هذا المرض قد أثّر فيّ أنا أيضاً”.

لقد سمعت تعليقات كثيرة مثل هذه التعليقات من أسر مرضاي وقد أوضحوا حقيقة حزينة: الإدمان ليس مشكلة شخص واحد فقط؛ إنه يدمّر أسراً بأكملها. حين يقع أحد أفراد أسرتك فريسة للإدمان، فإنك قد تشعر أنك مهجور من قبله وقلق ومتخوف وحزين ومحرج ومذنب، هذا بالإضافة إلى انفعالات أخرى. ويعمّ الأذى الأسرة كلها حين تصارع لإخفاء المشكلة، وتجنّب المدمن، وتتعامل مع عواطفك السلبية الذاتية وتتحمل المسؤوليات التي تخلّى عنها المدمن، وتقوم بالأدوار التي لم يقم بها. ويصبح كل من أفراد الأسرة، من دون رغبة منه مساعداً، ويعين المدمن على الاستمرار في سلوكه أو سلوكها الضار بالحفاظ على الإدمان. لهذه الأسباب كلها، من الضّروري أَن تكون في المعالجة مساوية تماماً لحالة المدمن، بالرغم من أنّك قد لا تدرك بأنّك تحتاج إلى مساعدة.

إن أهم شيء بالنسبة إليك، كأحد أفراد أسرة مدمن، أن تفهم أن الإدمان هو مرض وليس عيباً أخلاقياً أو إثماً فطرياً. وهذا أمر جيد، لأن مرض الإدمان قابل للمعالجة والتدبر عن طريق الحصول على مساعدة طبية مناسبة، بينما الإثم ليس كذلك. قد يكون من الصعب بلوغ هذا الفهم الحديث، وقد يكون من الصعب عليك ترك سنوات الغضب والاستياء المتراكم، ولكن تذكر دوماً أن فهمك الجديد للأمر وكذلك المهارات الجديدة التي ستكتسبها، ستساعد الشخص المدمن الغالي على قلبك على الشفاء؛ وستساعدك على تحسين حياتك بشكل كبير.

في هذا الموضوع، سأركّز على تأثير علاج الإدمان في أسرة الشخص المدمن، وأشرح كيف يستطيع أفراد الأسرة أن يعملوا معاً ليدعم كل منهم الآخر خلال هذه المسيرة الصعبة.

تعريف الأسرة

حين كنا في الأيام الماضية نتكلم عن الأسرة، كنا نقصد عادة الأم والأب والأطفال وربما أيضاً الجد والجدة والعمة والعم والخالة والخال. اليوم، أصبح تعريف الأسرة – في المجتمعات غير الإسلامية. المترجمة – أوسع بكثير ويشمل الأشخاص الذين يعيشون معاً من دون أن يكونوا متزوجين، ويشمل شخصاً أعزب يعيش مع الأطفال، وثنائياً طبيعي العلاقة أو شاذاً، وثلاثة أجيال تعيش معاً في منزل واحد، وأشخاصاً لا تربطهم رابطة دم أو زواج يتشاركون الحياة في منزل واحد، هذا من ضمن تركيبات وترتيبات أخرى غير ذلك. وبصورة عامة، يعتبر الأشخاص الذين يعيشون معاً في منزل واحد ويرتبطون مع بعضهم برابطة الدم هم الأسرة المباشرة، وإذا لم يرتبطوا برابطة الدم فهم أسرة.

يكون أعضاء الأسرة أحياناً موزّعين جغرافياً بسبب الانفصال الزوجي أو الطلاق. في بعض الحالات، فإن والدَي الطفل أو الأطفال لم يعيشوا البتة تحت سقف واحد. وقد غدت الأسر المدمَجة، التي هي مجموعة من أسرتين نتجت عن الطلاق أو عن موت الزوج، والزواج مرة أخرى، مألوفة أكثر وأكثر هذه الأيام. وباختصار، هناك طرائق عدة لتعريف الأسرة. ولكن أياً كان الشكل الذي تتخذه الأسرة، فإن كل فردٍ فيها يحتاج إلى أن يكون محبوباً ومعتنىً به وكلٌّ منهم يتأثر بإدمان الآخر.

كيف يؤذي الإدمان الأسرة

إن أفراد الأسرة قد يعانون، بل هم يعانون فعلاً مشكلات متنوعة ترتبط بإدمان أحد أحبائهم. وتضم هذه المشكلات:

–  الأذى جسدياً وعاطفياً وجنسياً (كضحية و/أو كمرتكب جريمة).
–  صعوبة السيطرة على الغضب.
–  الضعف في تقدير الذات.
–  اضطرابات القلق.
–  الكآبة.
–  الأمراض الطبية المتكررة.
–  الصعوبة في إقامة العلاقات والحفاظ عليها.
–  مشاكل زوجية/الطلاق.
–  وقوعهم أنفسهم في الإدمان.

ليست الأسرة المباشرة فقط أو أفراد الأسرة الذين يعيشون مع المدمن هم وحدهم من يتأثر بإدمانه؛ بل إن التأثير يطال الأفراد البعيدين. إذ لا يغير من الواقع شيئاً إذا كان أحد الأبناء يعيش على بعد خمسين ميلاً ويرى أمه المدمنة في نهاية الأسبوع فقط، أو إذا كانت الأخت تلتقي أخاها المدمن مرة واحدة فقط في السنة. حين يكون المدمن جزءاً من الأسرة الصغيرة المباشرة أو الأسرة الواسعة أو جزءاً من أي ترتيب أسري، فيجب على كل فرد أن يشعر بنتائج سلوكه. وهذا هو السبب الذي يبرر حاجة أفراد الأسرة، وبخاصة أولئك الذين يعيشون مع المدمن، إلى العلاج، وإن كان علاجاً مختلفاً عما يُقدَّم إلى المدمن. يجب أن يتعلم أفراد الأسرة كيف يتعرفون إلى المشكلات التي يسببها الإدمان، وأن يتفهموا الأدوار التي لعبوها عن غير قصد في عملية الإدمان، وأن يقيّموا الأذى النفسي الذي عانوا منه، ويطوّروا مهارات جديدة للعلاقات بينهم وبين الآخرين. ولحسن الحظ، فإن معظم الأذى الذي يسببه الإدمان لأفراد الأسرة يمكن رده بالمعالجة المناسبة.

قضايا من أجل أسر المدمنين

على أفراد الأسر أن يتقنوا مهارات تكيُّف وتواصل جديدة، فهُم يتعلمون حماية أنفسهم من سموم إدمان أحد أحبائهم، ويتعلمون دعمه خلال عملية الاستشفاء. فعلى نحو ما، إنهم هم أيضاً في مرحلة معالجة ومن المهم بالنسبة إليهم تماماً، كما هو مهم بالنسبة إلى المدمن، أن يتجاوزوها بنجاح.

سنتأمل في ما يلي الضريبة العاطفية التي يفرضها الإدمان على الأسرة، إضافة إلى نشوء علاقات الاعتماد المتبادل، أو تأثير الإدمان في الأطفال، أو مسألة الأذى الجسدي والجنسي.

الضريبة العاطفية التي تتحملها الأسرة

يشعر كل فرد من أفراد الأسرة السليمة، التي تسير أمورها بشكل جيد، بالحرية في التواصل مع الآخر، والتعبير عن مشاعره، والوثوق بالآخر، وإخباره الحقيقة. ولكن، وبكلّ بساطة، ليس الحال كذلك في معظم أسر المدمنين، لأنّ الأفراد بدلاً من ذلك يطوّرون مواقف وسلوكيات، مثل الإنكار، وضعف تقدير الذات، والإذعان، والرغبة بالسيطرة، مما يساعدهم على النجاة في الجانب العاطفي ولكن بالتأكيد ليس إلى درجة النجاح الباهر.

يُظهر أناس كثيرون هذه المشاعر والأفكار والسلوكيات، ولكنك إذا وضعت إشارة أمام ثمانٍ من الجمل أو أكثر، فإنك على الأغلب، تعاني كثيراً من الضيق العاطفي المتعلق غالباً بالإدمان في الأسرة. الخطوة الأولى على طريق الشفاء هي الاعتراف بالمشكلة: عندها فقط يمكن اتخاذ خطوات في سبيل علاجها.

اختبار أفراد الأسرة

إن الاختبار التالي موجه إلى أفراد أسرة المدمن. فاكتشف كم من المشاعر والأفكار والسلوكيات مما سيذكر هنا تتمتّع بها. ضع إشارة أمام الجمل التي تنطبق عليك.

الإنكار:

ـ     إنني أنكر الاحتياجات والمشاعر الخاصة بي باسم الأسرة وأفضل مصلحة الآخرين.
ـ    أواجه صعوبة في تحديد مشاعري.
ـ     إنني أنكر، أغير، أو أقلل من شأن ما أشعر به حقيقة.

تقدير الذات المنخفض:

ـ     إنني أقيّم بشكل جيّد موافقة الآخرين على مشاعري وأفعالي وتفكيري أكثر من موافقتي أنا شخصياً عليها.
ـ     إنني لا أعتبر نفسي شخصاً محبوباً أو ذا قيمة.
ـ     أجد صعوبة في اتخاذ القرارات.
ـ     أعتقد أن كل ما أفعله أو أقوم به أو يخطر في بالي ليس جيداً كفاية.
ـ     إنني أشعر بوجودي عندما أتلقى لفتات إيجابية أو هدايا من الآخرين.
إنني لا أدافع عن نفسي، ولا أطلب إلى الآخرين احترام احتياجاتي ورغباتي.

الإذعان:

ـ     إنني أخشى التعبير عن آرائي الخاصة أو مشاعري، وبشكل خاص إذا كانت مخالفة للآخرين.
ـ     إنني أتجاهل مصالحي ورغباتي الخاصة في سبيل فعل ما يريده الآخرون.
ـ     إنني أعرّض نفسي لعلاقة حميمة عندما أشعر بحاجة إلى الحب.
ـ     إنني مخلص جداً لدرجة أحبذ معها البقاء في موقف هدام على أن أغادر.
ـ     إنني أقدر مشاعر وآراء الآخرين أكثر من تقديري لمشاعري وآرائي.
ـ     كي أتجنب إغضاب الآخرين والمغامرة بنبذهم لي، فأنا أغيّب قيمي الخاصة واستقامتي.

التحكم:

ـ     أشعر بالامتعاض عندما يرفض الآخرون مساعدتي.
ـ     إنني أستخدم الجنس كوسيلة للحصول على القبول والموافقة.
ـ     إنني أقدم الاقتراحات والنصائح إلى الآخرين من دون أن يطلب إليّ ذلك.
ـ     يجب أن أشعر بحاجة الشخص الآخر إليّ قبل أن أدخل معه في علاقة.
ـ     إنني أغدق على الناس الذين أهتم لشأنهم من العطايا والخدمات.
ـ     أحاول إقناع الآخرين بما أعتقد أو أشعر أنه يجب عليهم أن يفعلوا.

الاعتماد المتبادل

إن إحدى المشكلات الرئيسة التي نجدها في أسر المدمنين هي الاعتماد المتبادل، وهو علاقة معقدة بين المدمن وأحد أفراد الأسرة (أو في بعض الحالات بين المدمن وصديق) والتي تبدو محبة ولكنها في الواقع خطرة ومؤذية لكل من يتورط فيها.

الاعتماد المتبادل هو نمط معتاد من آليات التعامل مع الواقع على نحو محبط للذات. يقدم الشريك إلى المدمن المساعدة، ولكنها مساعدة أكثر من اللازم وهي غالباً غير مناسبة. فيتعلم المدمن الاعتماد على الشريك في إصلاح مشكلاته. على سبيل المثال، قد يقدم الشريك إلى المدمن المال أو المكان للسكن، يدفع الكفالة للخروج من السجن، يتصل برئيس العمل للاعتذار عن المدمن، يصقل العلاقات مع أفراد الأسرة الآخرين حين يسيء المدمن التصرف، وعدا عن ذلك فإنه ينظف الفوضى التي يخلفها المدمن وراءه. وبما أن الشريك يحمي المدمن من عواقب الإدمان السلبية، فإن المدمن يستطيع أن يستمر في الشرب أو التعاطي مما يدفعنا إلى القول أحياناً بأن فرداً في الأسرة يعمل كميسّر للمدمن كي يستمر في إدمانه. يمكن أن يكون سلوك الشريك فاعلاً، مثل منح الابن المدمن سيارة جديدة بعد أن شرب حتى الثمالة وحطّم القديمة. ويمكن أن يكون أيضاً سلبياً، كما يحصل حين يتظاهر أنه لم يلاحظ أن الأم تثمل عادة وتلقي بالتعليقات الفظة وغير المهذبة في حفلات العشاء وسواها من المناسبات الاجتماعية.

إن الاعتماد المتبادل هو مجموعة من السلوكيات المختلة وظيفياً يتبناها أفراد الأسرة لتجاوز الألم العاطفي والإجهاد اللذين يسببهما الإدمان. فالمرأة التي يدمن زوجها على الكوكايين قد ينتهي بها الأمر بتنشئة أولادها وحدها. ولا يذكر أبداً أن الأب لا يشترك بالمناسبات المدرسية أو بنشاطات رعاية الطفل أو أنه قد فقد وظيفته لأنه لا يستطيع النهوض صباحاً. وتضم السلوكيات المختلة الأخرى تحميل الأطفال مسؤوليات الكبار، والتقليل بحدة من مشاركة الأسر بالنشاطات الاجتماعية كي لا يلحظ أحد سلوك الإدمان، وإنكار أفراد الأسرة لاحتياجاتهم الذاتية لأن المدمن لا يستطيع أن يؤمّنها لهم.

قد تقلل سلوكيات التيسير هذه مؤقتاً من النزاعات وتخفف من التوتر في الأسرة، ولكنها على المدى البعيد ذات نتائج عكسية. فهي تحمي المدمن من العواقب الوخيمة وتمنحه الإذن للاستمرار في السلوك الهدام. ففي حين يخفي كل فرد من أفراد الأسرة مشاعره السلبية أو ينكرها تجاه المدمن والموقف معاً، غير أن هذه المشاعر لا تزول. فهي تظهر غالباً مرة أخرى على شكل:

–  الاكتئاب.
–  استشاطة الغضب.
–  السلوك المتسلط.
–  الارتياب.
–  توخي الكمال.
–  تجنب المشاعر (وبخاصة تلك المرتبطة بالإجهاد والألم العاطفي اللذين يسبّبهما الإدمان).
–  مشاكل تتعلق بالعلاقات الحميمة.
–  الرعاية المفرطة.
–  المرض الجسدي المرتبط بالإجهاد.

تأثير الإدمان في الأطفال

بالرغم من أن الإدمان يأخذ أشكالاً عدةً، ويتبدّى بطرائق مختلفة، فالمؤكد هو أمر واحد: يفرض الإدمان على الدوام ضريبة عاطفية على أولاد المدمن. حتى وإن كان الولد لا يقيم مع أهل يمارسون التعاطي الإدماني بسبب الانفصال، أو الطلاق، أو الهجر، أو السجن، أو الموت، فإن الطفل سيستمر في المعاناة. وإن لم يتلقَّ الولد المعالجة، فمن الممكن أن تستمر آثار الإدمان المدمرة حتى وإن توقف الوالدان عن إدمانهما.

في الأسر التي يتم احتساء الكحول أو تعاطي المخدرات فيها، لا يمكن توقع سلوك الوالدين، كما يكون التواصل بين أفرادها غير واضح. وتتصف حياة الأسرة بالفوضى وعدم الثبات. ففي لحظة قد يكون أحد الوالدين محباً ومهتماً وفي أخرى منسحباً وغير منطقي أو بصراحة، مجنوناً. وتتصف بنية الأسرة وقواعدها بأنها صارمة، أو متضاربة، أو غير موجودة، أو بالصفات الثلاث معاً.

حين لا يفهم الولد أن سلوك أحد الوالدين ومزاجه تحددهما كمية الكحول أو المخدرات التي تمّ تناولها مؤخراً، فإنه سيشعر، ولهذا ما يبرره، بأنه مشوش ويفتقد الأمان. وفي حين يحب الولد والديه ويشعر بالاهتمام بهما، فإنه سيشعر بالغضب والألم لأنهما لا يحبانه بما يكفي للتوقف عن تناول المخدر. وينتج عن ذلك أن ابن المدمن قد يتَّخذ مهارات تأقلم شاذة تؤدي بدورها إلى ما يلي:

–  الكآبة.
–  الانسحاب.
–  الغضب.
–  الانعزال.
–  ضعف تقدير الذات.
–  الأرق و/أو النوم المفرط.
–  المشاكل السلوكية مثل الاهتياج، وفرط النشاط، والسلوك المعرقل، والتخريب.
–  الصعوبات في المدرسة تشمل التأخر، والتغيّب المفرط، والنقص في التركيز، والعادات الدراسية السيئة، والأداء المتقلب.
–  رعاية المدمن أو رعاية الأطفال الآخرين في الأسرة الذين أهملهم المدمن.
–  المظهر المهمَل والشعر الأشعث بشكل غير لائق، بسبب إهمال الوالدة أو الوالد المدمن لا سيما يوم الاثنين وهو غالباً يوم القذارة بسبب تعاطي الأهل المخدرات في نهاية الأسبوع.
–  الإعياء بسبب مجادلات آخر الليل الأبوية أو بسبب السلوك العنيف.
–  الكدمات والحروق غير المفسرة بسبب الافتقار إلى الإشراف العائلي أو سوء المعاملة الجسدية من قبل الوالد/ة المدمن.
–  التحدث عن مواقف تصف العنف وسوء المعاملة في البيت.
–  الآلام في المعدة، والآلام في الرأس، أو أمراض أخرى من دون سبب واضح، والتي تظهر غالباً يومياً في الوقت ذاته الذي يفكّر فيه الولد أن عليه العودة إلى البيت.
–  نبذ الطفل من قبل أقرانه، الذين يعلمون بتعاطي أحد والديه لموادّ إدمانية ما.

يخجل كثير من الأبناء من ثورات الغضب أو حتى من تعاطي أحد والديهم. وهم يصدقون أحد الوالدين حين يصيح بهم متهماً إياهم بالغباء أو الكسل، أو يصر على أنه كان ليتوقف عن الشرب أو عن تعاطي المخدرات بهذه الكثرة لو أنهم توقفوا عن العراك، وحافظوا على غُرفهم نظيفة، أو حصلوا على درجات أفضل.

فيحاول بعض الأبناء السيطرة على إدمان أحد والديهم بالالتزام بالاستقامة مثل الحفاظ على المنزل بوضع ممتاز، أو بأن يكونوا ممتازين مع إخوتهم، وآخرون ينسحبون آملين ألا يثيروا أي إزعاج قد يتسبب بانفجار الأمور. قليل فقط من الأبناء يدركون من دون استشارة مختصة أن ثورات الغضب هي في الواقع نتيجة لمعاقرة أهلهم الخمر وتناولهم المخدرات، وليست بسبب عيوب فيهم. فهم لا يدركون أنهم لا يستطيعون السيطرة على سلوك الأهل أو مداواة الإدمان بالتصرف بطريقة معينة أكثر مما يستطيعون معالجة مرض القلب لأحد والديهم أو مرض السكري. يشعر أبناء المدمنين غالباً بالخوف، وهم محقّون في ذلك. فمعاقرة الكحول وتعاطي المخدرات يسيران يداً بيد مع العنف المنزلي، لذا، فهناك احتمال كبير لأن يكون هؤلاء الأبناء شهوداً على حصول العنف أو أن يكونوا ضحاياه أو ضحايا سوء المعاملة الجسدية أو الجنسية. وكنتيجة لذلك، يمكن أن يعاني أبناء المدمنين من متلازمة الكرب التالي للأذى، مارّين بالخبرات ذاتها التي يتعرض لها الجنود بعد الحروب، من اضطرابات في النوم، وارتجاع الذكريات المؤلمة، والقلق والاكتئاب. لا يعاني الأبناء من الخوف على حسن أحوالهم وحسب، بل يتوجّسون جداً من أن المدمن من الوالدين قد يمرض أو يموت كنتيجة للشرب أو استعمال المخدرات.

بالرغم من أنه يمكن للأصدقاء في الواقع أن يقوموا بدور المصدات مقدمين حلولاً للمشاكل الموجودة في البيت، إلا أن الحياة الاجتماعية لكثير من أبناء المدمنين ضيقة. وقد يتحاشون دعوة أصدقائهم إلى البيت أو الظهور مع الأسرة في المجتمع العام بسبب سلوك أحد الوالدين المدمن غير المناسب. وقد يحجمون عن إقامة صداقات البتة لأنهم يخشون أن يكتشف أحدهم كم هي غريبة حياتهم في الواقع. ومما يزيد الطين بلة، أن الأهالي الأصحّاء قد يحذّرون أولادهم للابتعاد عن هؤلاء الصغار بسبب أُسرِهم المضطربة، محددين دوائرهم الاجتماعية أكثر وأكثر.

من ناحية أخرى، يستخدم بعض أبناء المدمنين الأصدقاء كحواجز ويستخدمون مهاراتهم القيادية لكسب مراكز رئيسة في المدرسة وفي الأنشطة اللاصفيّة، مما يعني أنهم يستطيعون أن يمضوا وقتاً أقل في البيت. يظهر هؤلاء الأطفال كأشخاص من ذوي الإنجاز العالي حسني التأقلم، ولكن منجزاتهم الهامة على الأغلب لا تلغي مخاوفهم الراسخة عميقاً.

ويبقى لإدمان أحد الوالدين على الكحول أو المخدرات عواقب عميقة المدى تدوم طويلاً وتؤثر في أبنائهم إلى حدٍّ بعيد. حيث إن المشكلات في الواقع قد تستمر في الظهور بعد أن يكبر الأبناء ويغادرون المنزل بفترة طويلة. فمثلاً، يمكن لابن المدمن الذي أصبح راشداً أن يحذر من الزوج أو الشريك الذي يتوقف ليحتسي مشروباً مع أصدقائه بعد العمل، معتقداً أن هذا السلوك قد يتحول إلى إدمان.

قد يكون هناك بعض من مخلَّفات الخوف من الهجران أو سوء المعاملة التي تتدخل في العلاقات الشخصية المقربة. (ينطبق هذا بخاصة إذا كان الزوج أو الشريك من جنس أحد الوالدين الذي كان مدمناً). قد توجد هناك حاجة قوية إلى التحكم في سلوك الزوج أو الشريك والأفراد الآخرين في الأسرة في محاولةٍ لتلافي تكرار الأداء السيئ والسلوك الفوضوي اللذين وقعا في حياته الأسرية السابقة.

لحسن الحظ، فإن أبناء المدمنين غير مضطرين إلى تكرار أنماط السلوك غير المجدية. حيث يمكن بالمعالجة المناسبة أن يمتلك هؤلاء الأطفال الراشدون مهارات للتعامل بنجاح قد تقود إلى كسب علاقات بين الأشخاص وحياة أسرية مُرضية.

قضايا سوء المعاملة في أسر المدمنين

إن سوء المعاملة الجسدية والجنسية لهو تهديد قائم دوماً لأبناء المدمنين، وقد حدث هذا كثيراً في أسر سيطرت عليها الفوضى وأخفقت في القيام بأدوارها حيث تهدمت جسور التواصل وأصبحت الأدوار غير واضحة. حتى وإن لم يكن الابن أو الابنة هدفاً لسوء المعاملة، إلا أنه من المرجح أن يكون شاهداً على سوء المعاملة الزوجية بست مرات أكثر من غيره من الأبناء، مما يكوّن له عواقب عاطفية هدامة في نفسه.

يميل الأطفال الذين يأتون من بيوت تسودها النزاعات الصاخبة إلى ضعف تقدير الذات ويعتقدون أن أقدارهم تحت سيطرة قوى خارجية أو كيانات أقوى منهم. وبالتالي، فهم أضعف من أن يدافعوا عن أنفسهم، وسيقبلون بأي نوع من الاهتمام، بما في ذلك السلبي أو المؤذي، مما يزيد إلى درجة كبيرة خطر وقوعهم كضحايا في المستقبل. فبنات المدمنين الصغيرات هن بشكل خاص أكثر احتمالاً للتورط مع رجال يعاقرون الكحول أو المخدرات، مما يزيد من احتمال إساءة معاملتهن كراشدات.

وكنتيجة لهذه الضغوطات وغيرها، يلاقي أبناء المدمنين غالباً صعوبات في المدرسة. فقد يكونون غير قادرين على التركيز على الأعمال المدرسية أو على إنهاء واجباتهم البيتية بسبب الصدامات والصراعات في البيت. وهم مرشحون أيضاً أكثر من أندادهم ليعانوا من عجزِ التعلم، فيتغيّبون عن المدرسة بغير إذن، ويرسبون في صفوفهم وينتقلون من مدارسهم أو يطردون منها.

وقد يلحق الأذى بهؤلاء الأطفال بطرائق أخرى. فعلى سبيل المثال، سيعانون من انخفاض المستوى الاقتصادي للأسرة حين يفقد أحد الوالدين عمله بسبب الشرب أو تعاطي المخدرات. وقد تظهر لديهم أمراض ترتبط بالإجهاد مثل الاضطرابات المعوية، أو آلام الرأس، أو الشقيقة، أو الربو. وقد تغدو زيارة الطبيب وطبيب الأسنان الدورية غير واردة، فضلاً عن كون اللقاحات وسواها من إجراءات الرعاية الطبية الروتينية منسيّة بالنسبة إليهم. وقد يتعرضون إلى شتى الإخفاقات إن أهمل الوالد المدمن واجبه في الإشراف على طفله بشكل مناسب، أو أغفل أمر تأمين المنزل له من الأخطار، أو تراخى في تلبية حاجات الأطفال اليومية.

والحقيقة المؤلمة هي أن واحداً من كل أربعة من أطفال المدمنين يصبح، هو نفسه، مدمناً. ومع ذلك، يكافح معظم هؤلاء الأطفال ضد ظروفهم بنجاح ويتابعون الحياة. ومن الممكن بالنسبة إليهم، بالتأكيد، أن ينمّوا قوتهم الداخلية وأن يستخدموها. ألأنون (أو ألاتين للأشخاص الأصغر عمراً) هو مجموعة ذات برنامج من اثنتي عشرة خطوة شُكلت لأولئك الذين أصيبوا بعدوى تناول المخدرات من شخص آخر. إنه مكان جيد للبدء بإيجاد “حلٍّ يقود إلى الحياة الصاحية”. يمكن أن يساعد ألأنون وألاتين أفراد الأسرة على إيجاد طريقة أفضل للحياة واكتشاف السعادة سواء أكان المدمن مستمراً في الشرب والتعاطي أو توقف.

فوائد علاج الأسرة

حين يكون فرد واحد في الأسرة مدمناً، يعاني كل فرد من أفرادها: الزوجان، الأطفال، الإخوة والأخوات، الوالدان والآخرون، ويمكن أن تكون المشكلات قاسية وطويلة الأمد. لحسن الحظ، إن الأسرة ليست مرغمة على البقاء في القبضة الحديدية للكحول أو المخدرات، فما إن تدرك أنها في أزمة، حتى يستطيع أفرادها أن يجدوا المعونة. فهناك مداخل علاجية عديدة متوفرة للمساعدة على إعادة توجيه الأسرة ووضعها على الدرب الصحيح باتجاه الشفاء والحياة بأسلوب سليم.

يشمل علاج الأسرة بعض الخطوات، منها:

–  الوصول إلى الحالة الطبيعية:بدايةً، يجب أن يكمن الهدف الرئيس في تشجيع المدمن على الدخول في المعالجة. يستطيع المرشد تحضير الأسرة لتدخّل فعّال.

–  تعديل الأمور اتجاه حالة الصحو: يجب تغيير العادات القديمة وتطوير أدوار أسرية جديدة، وقواعد وعلاقات تقوم أساساً على الثقة المتبادلة. يشمل هذا فتح قنوات التواصل بين أفراد الأسرة والسماح لكل منهم أن يقول ما يفكّر فيه من دون خشية تحريضه على الزلل والانتكاس. كما يشمل أيضاً جعل المدمن مسؤولاً عن سلوكه. يتطلب إنجاز هذه الأمور كلها تطوير مهارات تعامل جديدة للتعامل مع المواقف المرهِقة، تعلّم التواصل بانفتاح، رعاية المرء لنفسه وتلبية حاجاته الخاصة، والتغذية الجيدة، والتدرب كثيراً، وممارسة تقنيات إدارة الإجهاد مثل اليوغا أو التأمل.

–  الإبقاء على الحالة الطبيعية على المدى البعيد: تنمية الأسرة لعادات صحية وممارستها تشجع المدمن على البقاء صاحياً، وتساعد الأسرة على الحفاظ على توازنها حتى إذا عاد المدمن إلى الشرب أو التعاطي.

ما إن تبدأ التغيرات الإيجابية، حتى تسير عمليات العلاج الفردي والأسري بشكل عام متوازية الواحدة مع الأخرى، حتى وإن لم تكن تعمل دوماً في انسجام تام. إذا حدث زلل أو انتكاس، فإن من المهم، أكثر من أي شيء آخر، أن يستمر أفراد الأسرة في ممارسة أدوارهم الخاصة الصحية الجديدة. هذه العادات الصحية الجديدة يمكن أن تساعد على إيقاف تقدّم الزلل والانتكاس.

المهارات الصحية في حلّ المشكلات

إن أحد مفاتيح أداء الأسرة الناجح هو تنمية مهارات سليمة لحل المشكلات واستخدام هذه المهارات. يتم في أسر المدمنين عادة تجاهل المشكلات أو تغطيتها، إنما في الأسر التي تسير في طريق العلاج، فيجب عليها مواجهة المشكلات وحلها بشكل منفتح وسليم. مثلاً:

حل المشكلات
الموقف التصرف في ما مضى المهارة الجديدة
يفقد الوالد وعيه من شدة السكر على طاولة الطعام. تجاهله، والتحدث عما حصل في المدرسة، أو الجو، أو أي أمر آخر،
إنما من دون التعريض بما حدث.
يغادر الجميع المائدة ويجتمعون في مكان آخر للتخطيط لما ستفعله
الأسرة إن أبى الوالد التوجه إلى المعالجة بشكل فوري. ومواجهة الوالد بذلك في
الصباح التالي عندما يكون صاحياً.
تنفق الوالدة المال المخصص للطعام على شراء الكحول. تستدين الأسرة المال من العم جون (مرة أخرى) فقط كي تستطيع أن
تقيم أودها.
لن يسمح للوالدة بالوصول إلى المال بأي شكل، وبذلك تتأكد الأسرة
أن بمقدورها على الدوام شراء الطعام بالإضافة إلى تسديد ما عليها إلى العم جون.
فُصِلت الابنة المراهقة عن المدرسة لتعاطيها هناك. يواجهها الوالدان، فتلقي بلائمة ما حدث على أصدقائها وتعدهم
بعدم تكرار ذلك.
تعاقب الابنة لمدة شهر بمنعها من الخروج وحيدة من المنزل، ويتم
اصطحابها إلى استشاري متخصص في تقييم الإدمان.
يلقى القبض على الابن المراهق لقيادته السيارة وهو ثمل. يخرجه والداه بكفالة من السجن، ويدفعان أجوراً باهظة للمحامي كي
يخرجه من القضية. يتم معاقبته لعطلة أسبوع واحدة ثم يعود إلى قيادة سيارته.
يترك الابن ليمضي الليلة في السجن، فيشعر برهبة شديدة هناك
ويغدو مستعداً لفعل كل ما يلزم لتجنب تلك التجربة. ويتم إدراجه في برنامج معالجة
تماماً بعد إطلاق سراحه.

من أجل إتقان هذه العادات، يحتاج كل فرد في الأسرة إلى تبني مجموعة جديدة من المواقف، والأفكار، ومهارات التواصل التي تشمل ما يلي:

–  أنا لا أتوقع أن يقرأ الآخرون ما يجول في عقلي.
–  لن أدع الآلام والمشكلات تزداد. سأواجهها بأسرع ما يمكن.
–  سأتوقف وأفكّر قبل أن أعبّر عن سخطي.
–  سأدلي بنقد بناء (وليس بنقد هدام).
–  سأتوجه نحو سلوك معين وليس نحو صفات شخصية.
–  سأعبر عن أي نقد بعبارات مستقاة من مشاعري ذاتها.
–  سألتمس تغييرات في سلوك معين.
–  سأعرض استعدادي للمساومة.
–  سأعبر عن مشاعري الإيجابية.
–  سأعني ما أقول وأقول ما أعني.
–  سأتعلم استراتيجيات جديدة صحية للتهدئة وأمارسها.

لضمان التواصل الواضح وحل فعّالٍ، للمشكلات لا بدّ من أن تكون أدوار الأسرة وقواعدها واضحة، وعلاوة على ذلك مرنة إلى حدٍّ ما للسماح لهذه التغييرات الأكيدة بالحدوث في الحياة اليومية. يجب أن يمسك الوالدان بزمام الأمور في الأسرة وليس الأبناء؛ في حين يكون الأبناء محترَمين، فإنهم يملكون سلطة أقل من الوالدين بشكل ظاهر.

ينبغي لكل فرد من أفراد الأسرة أن يكون قادراً على تخفيض الإجهاد الذي يعاني منه بالاستعانة بدعم الآخرين وتفهمهم ومساعدتهم. يجب أن يمضي التغيير بسرعة تسمح بالتبني السليم لمهارات التعامل الجديدة من قبل الأفراد جميعاً.

الهدف هو إعادة بناء أسرة صحية فعالة يشعر فيها الأفراد جميعاً بأنهم أحرار في التعبير عن عواطفهم، والتحدث إلى بعضهم بعضاً، ومواساة بعضهم بعضاً، وإخبار بعضهم بعضاً بالحقيقة.

اتفاقية عواقب الزلل والانتكاس

في وقت ما سيطلب المعالج من المدمن وعائلته تدوين اتفاقية عواقب الزلل والانتكاس، التي تؤكد أن عواقب الانزلاق هي عودة إلى تعاطي المادة الإدمانية.

إن أحد أسباب استمرار المدمنين في الشرب أو التعاطي هو أنهم يُنكرون إدمانهم. ومن السهل الاستمرار في هذا الإنكار حين يحمي أعضاء الأسرة والأصدقاء المدمنين من عواقب سلوكهم الضار. ولكن ما إن تبدأ المعالجة، فمن المهم أن يفهم المدمنون بأن أي زلل وانتكاس سيؤذيهم ويلحق الضرر بأسرهم، وأن عليهم مواجهة نتائج مثل هذه الأفعال.

هنا يأتي دور اتفاقية عواقب الزلل والانتكاس. توضّح هذه الوثيقة المكتوبة اتفاقاً بين المدمن وشخص آخر، يكون عادة الزوج أو أي شخص مهم آخر كأحد الوالدين أو الإخوة والأخوات، أو الابن/ة أو الصديق. توقّع الاتفاقية ويحتفظ كل من الطرفين بنسخة منها كي لا يكون هناك أي خلاف على العواقب. ليست هذه الاتفاقية للمدمن فقط؛ بل هي للطرفين، بحيث يتشجّع كل منهما على الانفصال عن الأدوار القديمة للمدمن والضحية/الميسّر، مما يحول دون إنكار المدمن ويساعد عضو الأسرة/الصديق على اكتساب بعض السيطرة.

يدوّن الطرفان خلال عملهما معاً لائحة من العواقب (العقوبات) لكل زلل وانتكاس. يجب أن تكون العواقب جدية وغير سارة، ولكن لا أن تكون ثقيلة إلى درجة تحطم العلاقات أو تقضي على فرصة بناء حياة صحية وسعيدة. مثلاً يمكن أن تكون إحدى العقوبات مغادرة المدمن للمنزل لثلاثة أيام، يذهب خلالها إلى ستة اجتماعات للمدمنين المجهولين، وأن يلتقي مع راعيه ثلاث مرات، وأن يوثق هذه النشاطات وأن يأخذ التواقيع عليها على ورقة من قبل الأفراد المعنيين. وعندها يسمح له بالعودة إلى المنزل.

لا يجوز أن تعتبر اتفاقية عواقب الزلل والانتكاس كممارسة أكاديمية: فتدوين الاتفاقية والالتزام بها يفرضان على كل شخص مواجهة الواقع.

سيواجه المدمن عواقب عمله أو عملها مع كل حادثة زلل وانتكاس، وسيرى أفراد الأسرة والأصدقاء أن المطالبة بالعواقب قد تساعدهم تماماً كما تساعد المدمن.

وهذه اتفاقية عواقب الزلل والانتكاس بين جينيت وزوجها جيريمي.

اتفاقية جينيت لعواقب الزلل والانتكاس

السلوك الواجب تجنبه: شرب أي مقدار من الكحول على الإطلاق.

عواقب الزلة الأولى: حضور ثلاثة اجتماعات إضافية لدى المدمنين المجولين (AA) خلال خمسة أيام. وخلالها لا يسمح لجينيت بالبقاء في المنزل أو مقابلة أولادها. وعليها الالتقاء براعيها بشكل يومي بقدر ما يعتقده الراعي ضرورياً.

عواقب الزلة الثانية: على جينيت العودة مباشرةً إلى برنامج معالجة خارجي مكثف، وأن تعيد البرنامج مرة أخرى من البداية. وعليها أن تحضر اجتماعات (AA) يومياً لثلاثين يوماً. كما لا يسمح لها بالبقاء في المنزل أو مقابلة أولادها لعشرة أيام. يتوجب عليها أن تتبع توجيهات راعيها ونصائحه كافة كي تقي نفسها من انتكاسة مستقبلة. كما يجب عليها مقابلة طبيبها النفسي الخاص بالإدمان، والموافقة على توصياته بخصوص الأدوية.

عواقب الزلة الثالثة: على جينيت أن تضيف استشارة فردية للمسائل المتعلقة بالإدمان إلى برنامج المعالجة القائم حالياً. عليها أن تحضر تسعين اجتماعاً في تسعين يوماً، وأن تلتقي براعيها يومياً ولمدة ثلاثين يوماً وتتّبع توصياته جميعها. لا يسمح لها بالبقاء في المنزل أو مقابلة أولادها مدة خمسة عشر يوماً. عليها أن توافق على استخدام الأنتابيوز إن كان طبيبها ينصح بذلك، وعليها كذلك أن توافق على أن تدع جيريمي يراقبها وهي تتناول الأنتابيوز يومياً.

التوقيع: جينيت جيريمي

والآن حاول أن تدوّن اتفاقية عواقب الزلل والانتكاس الخاصة بك. اسحب عدة نسخ من الورقة التالية. ثم املأها وحدّثها بانتظام.

ورقة عمل لاتفاقية عواقب الزلل /الانتكاس:

السلوك الواجب تجنبه:……
عواقب الزلة الأولى:……
عواقب الزلة الثانية:……
عواقب الزلة الثالثة:……
التوقيع:……

الحصول على مساعدة

يستطيع المستشارون في أيّ مركزٍ لمعالجة الإدمان أن يوصوا بمعالجين فرديين، ومعالجي أسر ومجموعات تقدم المساعدة إلى الشخص المدمن، وإلى أسرته أو أسرتها، وإلى الأصدقاء. يركّز معالجو الأفراد عادة على قضايا معينة تخص الحياة الصاحية ويعلّمون المدمن طرائق جديدة وأكثر فعالية للتعامل مع الإجهاد. ويتعاملون أحياناً أيضاً مع قضايا عائلية. يُشرك معالجو الأسرة عادة أفرادها جميعهم للمساعدة في تحديد نماذج السلوك غير الصحية واستبدالها بنماذج سلوك جديدة أكثر صحة. وتُشرك المعالجة الجماعية عادة عدة أسر في الوقت نفسه، على نحو تستطيع الأسر فيه أن تتشارك في الأفكار والحلول حول مشاكلها المشتركة، بينما تقدم الدعم إلى بعضها بعضاً.

بالإضافة إلى الاستشارة الفردية والأسرية والجماعية، توجد منظمات تختص في معالجة أفراد الأسر. وهي تضم:

–  ألأنون؛ Al-Anon: أسستها زوجة الرجل الذي أسس زمالة مدمني الكحول المجهولين، ألأنون مجموعة ذات اثنتي عشرة خطوة تقدم الدعم إلى أسرة المدمن وأصدقائه. يتم تعليم المشاركين إدراك السلوكيات المشجعة على الإدمان التي تمارسها أسرهم، وأن يعرّفوها كجزء من مسيرة مرضهم، وأن يُدركوا أنه قد أُلحق بهم الأذى من هذا المرض، وأن يسامحوا الأطراف كلهم: المدمن وأنفسهم.

–  ألاتيين؛ Alateen: هي مجموعة أخرى ذات اثنتي عشرة خطوة، ألاتيين هي بالأساس ألأنون؛ Al-Anon، ولكنها موجهة إلى المراهقين (ما بين الثانية عشرة إلى العشرين من عمرهم). هذه الفئة العمرية قد تكون بحاجة إلى دعم أكبر من أي فئة أخرى غيرها لأن أفرادها يمرون بمرحلة من حياتهم يعصف بها التوتر وتتصف بالتغير المستمر. فإن أضفت إلى هذا الجمع فرداً من الأسرة مدمناً، فقد تغدو الأحوال عسيرة جداً.

–  نارأنون؛ Nar-Anon: برنامج ذو اثنتي عشرة خطوة مصمم لأسرة وأصدقاء مدمني المخدرات، وهو مماثل لبرنامج مجموعة ألأنون.

علاج لعنة الأسرة

يتّصف الإدمان بمركّب وراثيّ قويّ جداً: فأولاد المدمن معرضون على الأقل بنسبة خمسين بالمئة لأن يصبحوا هم أنفسهم مدمنين.

على كل الأحوال، فإن الميل الوراثي يعطي إشارة فقط إلى وجود خطرٍ واحدٍ. لكن هؤلاء الذين لم يعاقروا الكحول أو يتعاطوا المخدرات البتة، فإنهم لا يمكن أن يصبحوا مدمنين. لذا، فمن المهم جداً أن يتعلم أولاد مدمني الكحول وأولاد متعاطي المخدرات أن الامتناع عن تناول تلك المواد هو خير وقاية منها.

ومن المثير للاهتمام أننا نلاحظ أن الإدمان على الكحول و/أو تعاطي المخدرات يتخطى الجيل التالي. وقد يحدث هذا لأن أطفال المدمنين يشهدون بالدرجة الأولى أثر الإدمان في المدمن والأسرة فيختارون عدم الشرب أو عدم تعاطي المخدرات نهائياً. ومع ذلك، فإن أولاد هؤلاء – الذين لعلهم قد ورثوا الميل الوراثي نفسه نحو الإدمان الذي اصطلى به أجدادهم – لا يعرفون ماذا يعني أن يعيش المرء مع مدمن، ولا يخشون الإدمان كما شأن أهليهم. وعليه، فإن الأحفاد معرضون للانزلاق بسهولة في الإدمان إذا بدأوا بالشرب أو التعاطي. والطريقة المثلى للوقاية هي أن يقوم الأجداد المدمنون والوالدان بنقاشات مستمرة منفتحة وصادقة مع الأحفاد، ومنذ صغرهم. وعلى الوالدين والأجداد أن يعرضوا الوقائع من دون مبالغة أو إثارة الوقائع، وأن يوضحوا للأحفاد أنهم ربما ورثوا ميلاً نحو تطوير مرض خطير وأحياناً مهلك، وأن الطريقة المثلى للوقاية منه هي الابتعاد عن الكحول والمخدرات بشكل تام.

ليس من أجل المدمنين فقط

حين ارتبطت أم جينا، الفتاة البالغة من العمر ست عشرة سنة، بشكل حاسم بالاستشارة الفردية بسبب إدمانها على الكحول، طُلب إلى جينا أن تكون طرفاً في المعالجة، وهو ما يستلزم ذهابها إلى ألاتيين. في البداية، كانت جينا مسرورة جداً ومتعاونة، ولكن بعد أسبوع تقريباً بدأت تتغيب عن الاجتماعات وترفض الذهاب إلى ألاتيين. وكانت تغضب جداً كلما حاول فريق المعالجة إشراكها في علاج والدتها. وكانت تقول: “لِمَ علي أن أمضي هذا الوقت كله من عطلتي الصيفية في ملاطفة أمي أو أي شخص آخر؟ أريد أن أكون مع أصدقائي وأن أستمتع قليلاً! إنها مشكلة والدتي وليست مشكلتي أنا! أعطوني فسحة!”.

نعم، أن يكون عليك الذهاب للعلاج أو إلى ألأنون أو ألاتيين لأن شخصاً مدمناً آخر في الأسرة، قد يشكل عبئاً ثقيلاً فعلاً. وقد سألني أفراد أسر كثيرون: “لِمَ عليّ أنا بالذات أن أعاني الأمرين لأجلهم؟! إنهم هم من أساؤوا التدبير وليس أنا!” الجواب هو أن على أفراد الأسرة أن يقوموا بذلك من أجلهم هم أنفسهم. فقد أمضوا سنوات من حياتهم يعيشون مع المدمن ومن أجله. ومن المحتمل أنه ليس لديهم فكرة كيف شجّع سلوكهم نفسه المشكلة وأيّد استمرارها وجعل الحياة أشد قسوة على الجميع (بمن في ذلك هم أنفسهم). والآن جاء الوقت ليتفحص أفراد الأسرة أفعالهم نفسها ويراعوا صحتهم العقلية والنفسية.

إذا كنت فرداً في أسرة، تذكر أن علاج الأسرة هو أكبر هدية تقدمها إلى نفسك يوماً ما: إنها خطة عمل مدروسة بشكل جيد، ستخفّض أو تمحو الإجهاد، والفوضى، والتعاسة التي تأتي من حب شخص مدمن.

ليس المعالجون جميعهم متشابهين

سواء أكنت تكافح الإدمان، أم كنت تحب أحداً يعاني من هذه المشكلة، لا يمكن أن نفي الحصول على العلاج الجيد حقّه من الاهتمام. من الناحية المثالية، معالج أو معالجو الفرد، الأسرة أو المجموعة الذين تعمل معهم سيتعاملون مع قضاياك الخاصة بحساسية وحرفية. لسوء الحظ، قد تفلت زمام الأمور أحياناً من أيدي المعالجين ولو كانوا واسعي الاطلاع ومجربين، أو أنهم ببساطة قد لا يكونون ملائمين لمهمتهم بشكل جيد.

إذا حصل هذا، فرجاءً، لا تجعل من هذه الخبرة غير السارة عذراً للانسحاب من العلاج. نعم، إن العلاج السيئ قد يشكل خبرة مأساوية، تحطم آمالك وتضيع وقتك ونقودك. لكن العلاج الجيد هو أمر ضروري من دون شك! إذا لم تسر الأمور بشكل جيد مع المعالج الأول، ابحث عن معالج آخر. فالإدمان يهدد حياة المدمن ويهدد سلامة الأسرة. أما العلاج فهو الأجدى والأنفع. لذلك، تابع البحث إلى أن تجد الشخص الذي يستطيع مساعدتك.

مراجعة النقاط المفتاحية

– ليس الإدمان أبداً مشكلة شخص واحد؛ إنه يجر الخراب على أسر بأكملها.

– تكافح أسر المدمنين لتغطية المشكلة، والإحاطة بالمدمن، والتعامل مع عواطفها السلبية الخاصة، وحل المشكلات الناجمة عن مسؤوليات المدمن المهملة والأدوار التي يخفق في توليها.

– يصبح أفراد الأسرة، من دون قصد، مسهّلين للإدمان، بمعنى أنهم يساعدون المدمن على الاستمرار في سلوكه المدمر ويحافظون على الإدمان نشطاً داخل أسرتهم.

– قد يعاني أفراد الأسرة من المشكلات المرتبطة بالإدمان بما في ذلك سوء المعاملة الجسدي والنفسي والجنسي، ومن صعوبات في السيطرة على الغضب، ومن نقص في تقدير الذات، ومن القلق والاكتئاب والمرض المتكرر، ومن صعوبات في العلاقات، ومن الطلاق.

– قد يسبب الأهالي المدمنون على الكحول أو المخدرات لأولادهم مشاكل عميقة وطويلة الأمد وبعيدة الأثر.

– يلوم كثير من الأولاد أنفسهم على نوبات غضب والديهم العارمة الناجمة عن الكحول أو المخدرات، أو حتى على مشكلة التعاطي لدى الوالدين برمتها.

– تماماً كما هو الحال مع المدمن، يجب على الأسرة أيضاً أن تمر عبر عملية الشفاء.

– إذا تلقى أولاد المدمنين المعالجة المناسبة، فلن يكون عليهم أن يكرروا أنماط الاختلال السلوكي التي وقعت لأهاليهم.

– يتم في أسر المدمنين عادة تجاهل المشكلات والتغطية عليها. أما في الأسر التي هي في طور الاستشفاء، فينبغي التوجه إلى هذه المشكلات وحلها بطريقة منفتحة وسليمة.

– العمل باتفاقية عواقب الزلل والانتكاس هو عقد بين المدمن وشخص آخر له أهميته. يدوّن الطرفان معاً لائحة من العواقب (العقوبات) لكل انزلاق تراجعي نحو سلوكيات الإدمان.

– يمكن أن تأتي المساعدة لأسر المدمنين على صورة علاج فردي، أو علاج أسريّ أو علاج مجموعة.

– المنظمات المختصة في مساعدة أفراد أسرة المدمنين تشمل ألأنون، وألاتيين، ونارأنون.

– العلاج مجد حقاً، وهو حيوي لشفاء المدمن وأسرته. لذا، تابع البحث حتى تعثر على المعالج الذي يستطيع المساعدة.

اسأل طبيب مجاناً استشارات طبية مجانية