التصنيفات
صحة ورعاية الطفل

الاستراتيجيات والتقنيات الأساسية في ضبط سلوك التلاميذ في المدرسة ج3

من الأهمية بمكان أن نفكر بالسبب الذي يدفعنا إلى ضبط سلوك أولادنا في المقام الأول. سلامتهم هي بالطبع من الأسباب الهامة. ولكن السبب الأساسي للحاجة إلى حسن السلوك هو تركيزهم على الدراسة. ومعرفة كيفية ضبط السلوك لا تدل على ولع بالسيطرة، بل الهدف منها هو مجرد التمكن من تأدية مهمة التدريس. كلما تعددت الاستراتيجيات التي تملكها لتحقيق ذلك، كلما تعاظمت ثقتك بنفسك. وحين تواجهك المشاكل، ستتمكن من تجربة مقاربة تلو الأخرى إلى أن تجد ما يناسبك.

في الواقع، إن ضبط مجموعة كبيرة من الناس هو أمر صعب مهما كانت الظروف. ولكن حين يكون بعض تلاميذك غير راغبين بالمجيء إلى المدرسة أساسا، تصبح حياة المعلم صعبة بالتأكيد. بالإضافة إلى التقنيات الأساسية المذكورة في الفصل الأول، ثمة طرق أخرى منوعة من شأنها أن تنتج جوا من النظام والاسترخاء في الصف وتحافظ عليه. وتعتبر التقنيات العشر التي سنتطرق إليها في ما يلي سهلة نسبيا للفهم والتطبيق، كما أنها توفر عليك كثيرا من التوتر.

–   تعلم قراءة الصف

–   انتظر حتى يسود الصمت

–   كرر عبارات معينة

–   أعطهم الخيار

–   كن منطقيا ولكن لا تتبع منطقهم

–   استعمل الجمل الصريحة عوضا عن الأسئلة

–   استعمل التكرار

–   ضع أهدافا وحدد مهلا

–   استعمل روح الدعابة

–   ضع نفسك مكانهم

تعلم قراءة الصف

صحيح أن الصف مؤلف من أفراد، إلا أنه كيان بحد ذاته. ستمر أيام يكون فيها الصف سهل الانقياد وأيام أخرى يكون التعامل مع الصف نفسه أشبه بالكابوس، وثمة عوامل عديدة من شأنها أن تؤثر على سلوك الصف، منها:

–   الوقت من النهار.

–   نهار الأسبوع.

–   الطقس (احذر من الأيام الغائمة أو الممطرة).

–   حضور أو غياب تلاميذ معينين.

–   ما حدث في الحصة السابقة.

–   حوادث وقعت في الملعب في فترة الاستراحة أو الغداء.

–   مجال التدريس الذي تعمل فيه.

–   الموضوع الذي يغطيه الدرس.

–   مزاج المعلم.

–   حوادث خارجية (كمباراة كرة قدم هامة عرضت على التلفاز ذلك المساء).

وتشتمل القدرة على قراءة الصف على استعمال المرونة التي ورد ذكرها في الفصل الأول. إنها من المهارات الحاذقة التي تكتسب بسهولة أكبر مع الخبرة. إذ ينبغي عليك أن تحكم على الأرض وخلال الدرس ما إذا كانت مقارباتك ناجحة أم لا. فقد تضطر إلى تعديل النشاط الذي يتضمنه الدرس ليتلاءم مع مزاج التلاميذ، وربما احتجت لبعض المرونة في تطبيق العقوبات في يوم تكون فيه حدة التوتر مرتفعة في الصف.

في الواقع، إن معرفة كيفية قراءة الصف مهمة جدا للمعلمين المناوبين أو الثانويين الذين يعطون درسا في صف لا يعرفونه. فخلال الدقائق القليلة الأولى مع المعلم المناوب، يطلق التلاميذ أحكاما سريعة عن السلوك الذي سيتبعونه. في الوقت نفسه، سيكون عليك أن تتخذ قرارات فورية عن الأسلوب المناسب للتعاطي مع هذا الصف بالذات. ذلك أنه إن كنت شديد الصرامة، ستجد نفسك في مواجهات لا ضرورة لها، وإن كنت بالغ التسامح، سيستغل الأولاد موقفك.

انتظر حتى يسود الصمت

انتظار الصمت هو من أهم التقنيات التي يمكن للمعلم أن يلجأ إليها لضبط الصف. وانتظار الصمت يعني عدم مخاطبة التلاميذ ما لم يلتزموا بالصمت التام، ويركزوا تماما عليك. لا ينطبق ذلك فقط على بداية اليوم أو الدرس، أو حين تدون أسماء الغياب مثلا، بل في أي وقت تود فيه التكلم مع الصف.

فطلبك للصمت والانتباه يبعث رسالة واضحة جدا: التعلم مهم ولن تسمح بإضاعته. إن تحدث التلاميذ في الوقت نفسه معك، لن يتمكنوا من سماع شرحك أو تعليماتك. أفهم تماما مدى صعوبة الحصول على هذا الصمت، ولكن فكر بالإشارات التي ترسلها إن سمحت لهم بالتحدث وأنت تشرح الدرس. وكأنك تقول لهم في الواقع: “تابعوا الحديث، أنا لا أمانع”.

في سعيك لفرض الصمت على الصف، من الأفضل عند الإمكان استعمال التقنيات غير اللفظية عوضا عن اللفظية، إذ إنها أقل ضغطا على المعلم ولا تزيد من ضجيج الصف. كما أنها تضفي إحساسا بالسيطرة وبثقة المعلم بنفسه. فما من شيء أسوأ من معلم يصرخ في الصف: “اهدأوا! اهدأوا!” لأنه يظهر بأن السيطرة في أيدي التلاميذ لا المعلم. ويمكنك إيجاد استراتيجيات بحسب السن للحصول على الصمت والانتباه في الفصلين 13 و14. وفي ما يلي بعض المقاربات العامة لتجربتها:

–   قوة شخصيتك: إن كنت تدرس صفا منضبطا بشكل معقول، قد يكفيك أن تقف بكل بساطة مكتوف اليدين مع نظرة انزعاج في عينيك. أمسك أعصابك، وارفض أن تباشر الدرس قبل أن يسود الهدوء. وستجد أن كثيرا من الصفوف تلتزم الصمت من تلقاء نفسها خلال بضع دقائق.

–   قوة التوقف: حين تكون في خضم الشرح ويبدأ أحد التلاميذ بالتحدث، توقف لتشير إلى أنك تنتظر أن يصمت. قد يبدو الأمر في البداية وكأنك تضيع الكثير من الوقت، ولكنك في النهاية ستدرب تلاميذك على السلوك الذي تتوقعه منهم.

–   الإشارات البصرية: أضف عنصرا بصريا مثيرا للاهتمام إلى الأوقات التي تتوقف فيها وذلك عبر استعمال ساعة رملية. في كل مرة تتوقف فيها منتظرا أن يلزم التلاميذ الصمت، اقلب الساعة ليبدأ الرمل بالانسياب عبرها. وحين يصمتون، اقلب الساعة على جانبها ليبقى الرمل في مكانه. هذه الطريقة تعطيهم إشارة بصرية إلى مدة الوقت الذي أضاعوه وكم من الوقت عليهم تعويضه (إما بالجد والسلوك الحسن أو بالاحتجاز).

–   طلب الصمت بأمر غير لفظي: في بعض المواضيع أو الحالات، قد تحتاج إلى استعمال إشارة متفق عليها للحصول على الصمت. على سبيل المثال، قد ينخرط التلاميذ في صفوف التمثيل في نشاط مليء بالضجيج في مكان مفتوح. وفي صفوف الحضانة، قد يستغرق الأولاد في اللعب ولا ينتبهون للإشارات غير اللفظية. درب الصف على الاستجابة بسرعة إلى الإشارات التي تختارها، مرنهم واثن عليهم إلى أن يتجاوبوا بالطريقة الصحيحة. وإليك بعض الأمثلة عن أوامر الصمت:

–   صفارة أو جرس

–   الطرق ثلاث مرات على الطاولة.

–   رفع الأيدي؛ يرفع المعلم إحدى يديه وينبغي على التلاميذ حينها أن يتوقفوا عما يقومون به وأن يرفعوا أيديهم ويلتزموا الصمت.

–   مقعد الصمت؛ يجلس المعلم على مقعد معين وعلى التلاميذ أن يجلسوا عندها على السجادة بصمت.

–   جملة منتقاة بعناية: في بعض الصفوف، من شأن الإشارات اللفظية أن تكون فعالة، ولكن احرص على عدم الصراخ أبدا في وجه التلاميذ. عند الضرورة، كرر الجملة عدة مرات، وتوقف قليلا لقياس ردة فعل التلاميذ. حاول استعمال بعض الجمل التالية طلبا للصمت:

–   أريدكم أن تنظروا جميعا بهذا الاتجاه وأن تصغوا إلي جيدا.

–   انظروا إلي وأصغوا لما أقوله رجاء.

–   أريد صمتا تاما قبل أن أتابع.

–   أريد الصمت خلال خمسة… أربعة… ثلاثة… اثنان… واحد.

خلال حصتك الأولى مع الصف، أخبر التلاميذ عن السبب الذي وضعت لأجله هذا القانون الذي يجب عليهم أن يتعلموا احترامه. بالإضافة إلى الإصغاء إليك بصمت، أصر على أن يصغوا إلى بعضهم البعض بصمت أيضا. وقد ترغب بالتحدث معهم عن سبب أهمية ذلك. إليك بعض الاقتراحات:

–   لكي يتمكن الصف من سماع التعليمات.

–   لكي يتمكن التلاميذ من التعلم بشكل جيد.

–   احتراما للمعلم.

–   احتراما لبعضهم بعضا.

–   لأنهم سيرغبون بأن يصغي الآخرون إليهم بصمت.

–   لسلامتهم (في حال أردت إعطاءهم أمرا ملحا).

–   لأن ذلك من أصول الأدب.

استعمل التلميح

كثير من الإجهاد الذي يشعر به المعلم يكون ناجما عن سوء السلوك، كأن يصرخ الأولاد بالإجابة عوضا عن رفع أيديهم، أو أن يبدأوا نشاطا ما قبل أن تنهي شرح ما تريد. والفكرة من استعمال التلميحات هي فرض السلوك الذي تريده على التلاميذ عوضا عن تركهم يتصرفون بشكل خاطئ أولا لتضطر بعد ذلك إلى ردعهم. يمكنك استعمال التلميحات لأي سلوك يتكرر بانتظام، ومن شأنها أن تكون لفظية أو غير لفظية. وغالبا ما تتغير مع الوقت لتتحول تدريجيا إلى نوع من الاختزال المفهوم من قبل المعلم والتلاميذ على السواء. إليك بعض الأمثلة على ما أعنيه:

–   الإجابة عن الأسئلة: ابدأ أي سؤال تطرحه على الصف بأكمله بعبارة: “من يعرف يرفع يده”. بتحديد السلوك الذي تريده (رفع اليد)، تستبق الاستجابة الخاطئة (الصراخ) وتتغلب عليها. ينبغي أن يختصر هذا الأمر إلى ارفعوا أيديكم. ولاحقا، يمكن للمعلم أن يكتفي برفع يده قليلا إن صدرت إجابة بصوت مرتفع عن أحد التلاميذ.

–   إعطاء التعليمات: من شأن بعض التلاميذ الأذكياء أن يبدأوا بالعمل قبل أن تنهي تعليماتك. استعمل الجملة التالية: “حين أقول انطلقوا أريدكم أن تبدأوا..”.. وحين تنهي شرحك، أصدر الأمر للتلاميذ بالبدء بقول: “1، 2، 3، انطلقوا”. وهنا أيضا يمكن اختصار هذه الجملة مثلا بأن يسأل المعلم: “هل قلت انطلقوا؟” إن بدا له بأن أحد الأولاد بدأ العمل باكرا.

أعطهم الخيار

في الواقع، لا يمكننا أن نجبر الأولاد على الانضباط، غير أننا نستطيع أن نجعل حسن السلوك يبدو وكأنه أفضل الخيارات. وهذا شرط هام لإحداث بيئة إيجابية وفعالة للتعلم. كما أنه حيوي في إعداد الشباب لحياتهم بعد المدرسة، حين تصبح الخيارات المتعلقة بالسلوك أكثر أهمية بكثير (“هل يجدر بي الذهاب مع أصدقائي للسطو على ذاك المنزل أم لا؟”).

هنا تأتي تقنية الخيار. إذ يملك التلاميذ خيارين أساسيين في الصف: إما أن ينفذوا ما يطلبه المعلم، أو أن يقبلوا بعواقب التمرد. إن كانت الخيارات والعواقب بسيطة وواضحة بما يكفي، غالبا ما يحول ذلك دون سوء السلوك أو تصاعده. كما أنه يشجع التلاميذ على التفكير بتصرفاتهم السلبية وتغييرها لتجنب العواقب غير المحمودة في المستقبل.

حين يستعمل المعلم الخيار، يمكنه أن يتجنب تحول بعض المواقف إلى مواجهات شخصية. في الواقع، أنت تقول لهم إنك مسؤول عن تطبيق الأنظمة المفروضة في المدرسة، وإن رفض أحد التلاميذ الانصياع لها، فإنه يجبرك على تطبيق العقوبات المناسبة، عوضا عن الإيحاء بأنه قرارك أنت. عند استعمال الخيار:

–   حدد السلوك الذي تريده.

–   أوضح فوائد تنفيذ ما تقوله.

–   أوضح عواقب رفض الانصياع لما تطلبه.

–   أعط التلميذ وقتا للتفكير بقراره.

–   إن قرر التلميذ عدم الانصياع؛ طبق العقوبات التي حددتها.

إليك مثالان عن معلم يستعمل الخيار لإظهار ما سيكون عليه الوضع:

إزعاج خفيف

سامي يلعب بلعبة إلكترونية تحت الطاولة.

المعلمة:      سامي، اترك اللعبة من يدك على الفور من فضلك، لكي تتمكن من متابعة عملك.

سامي:  دعيني أنهي هذه اللعبة، أرجوك آنسة؟

المعلمة:      سامي، الخيار لك. أريدك أن تضع اللعبة من يدك على الفور، أو ستجبرني على مصادرتها منك. أنت قرر. سأعود للتحقق خلال لحظات.

تنحني المعلمة لمساعدة التلميذ الجالس قرب سامي. يضع سامي اللعبة من يده بتكاسل.

حادث خطير

سمر في مزاج سيئ جدا. حين دخلت إلى الصف، مرت عبر مجموعة من التلميذات ودفعت إحداهن على الأرض.

المعلمة:      [وهي تشير إلى الباب] سمر! هذا السلوك غير مقبول. أريدك أن تخرجي معي على الفور، من فضلك، لكي نناقش ما فعلت.

سمر:   لا، لن أخرج. هل ستجبرينني؟

المعلمة:      سمر، لديك خياران. أريدك أن تخرجي معي على الفور لنحل هذه المشكلة. أما إن رفضت، سأرسل بطلب معلم أعلى لإخراجك من صفي، وأنا حقا لا أرغب بذلك. سأنتظرك في الخارج حتى تتخذي قرارك.

حين تدرك سمر أن ليس لديها مجال لتكسب هذه المواجهة، تتبع معلمتها إلى الخارج.

كن منطقيا ولكن لا تتبع منطقهم

تلقيت هذه النصيحة من معلم في مدرسة أسكتلندية. وقد أعجبت بها لأنها تختصر بشكل رائع مقاربة فعالة ومتوازنة لضبط السلوك. فما دمت منطقيا مع تلاميذك، وليست لديك توقعات غير واقعية حول عملهم أو سلوكهم، لا حاجة بالتالي لأن تتبع منطقهم حول ما تطلب منهم فعله.

فمن المنطقي تماما، على مستوى الصف بأكمله، أن تطلب الصمت التام وأنت تشرح الدرس، ما دمت لا تستمر بالتحدث إليهم لعشرين دقيقة متواصلة. كذلك، من المنطقي أن تطلب تأدية عمل معين بصمت، ما دمت لا تتوقع من الأولاد أن يعملوا بصمت طيلة الحصة من دون إعطائهم فترات استراحة.

حين يتم الاعتراض على تصرف فردي، غالبا ما يحاول التلميذ جر المعلم إلى مناقشة عوضا عن تحمله مسؤولية ما حدث. ويتمتع بعض الأولاد بذكاء حاد في تحويل انتباه المعلم. بالتالي، من الأهمية بمكان أن تتمسك بموقفك عوضا عن الانجرار إلى جدل لا ينتهي حول من هو المخطئ. على سبيل المثال، تلاحظ بأن أحد الأولاد لا يقوم بأي عمل. وحين توجه له ملاحظة، يلقي باللوم على تلميذ آخر لأنه سرق قلمه. ثم يتم جرك إلى مناقشة مع هذا التلميذ الآخر الذي ينفي مسؤوليته عما جرى. وقبل أن تدرك ذلك، تنسى كل شيء عن سوء السلوك الأساسي الذي كنت تعترض عليه.

في الواقع، إن الجزء المتعلق بكن منطقيا من المعادلة قد يبدو صعبا بعض الشيء بالنسبة إلى المعلمين. علينا أن نتخذ قرارات صعبة حول التوازن المناسب الذي يتعين علينا تحقيقه. وبينما نسعى إلى وضع معايير عالية وتوقع أفضل النتائج من جميع تلاميذنا، علينا أن نحافظ على حس الواقعية. فحين يكون المعلمون شديدي الصرامة في مطالبهم، من شأن المواجهات والمصاعب أن تنشأ عن ذلك. أما إن كانوا بالغي التعقل والاسترخاء، فسيستغل التلاميذ تسامحهم على الأرجح.

استعمل الجمل الصريحة عوضا عن الأسئلة

من الأخطاء التي يقع فيها المعلمون أثناء ضبطهم سلوك تلاميذهم استعمال الأسئلة البلاغية؛ أعرف أنني أقع أنا شخصيا في هذا الفخ. إنه السيناريو الكلاسيكي: ينعتك تلميذ بكلمة بذيئة فتكون ردة فعلك: “ماذا قلت؟” مما يجعل التلميذ يكرر الإهانة للإجابة عن سؤالك. أعتقد أن هذه مسألة عادة بحتة، فكثرة استعمالنا للأسئلة في تعليمنا اليومي تجعلنا نعتاد على هذا النوع من التعبير اللفظي. أما الطريقة المثلى للتخلص من هذه العادة فهي التالية: “لا تطرح سؤالا لا تريد جوابا عليه”.

أفضل الطرق لتحقيق ذلك هي استعمال الجمل الصريحة لشرح ما تريد عوضا عن الأسئلة لتبيان ما لا تريد. وهذه المقاربة مفيدة أكثر بالنسبة إلى التلاميذ. لأنها تحدد ما عليهم أن يفعلوا عوضا عن التذمر مما لا يفعلوه. كما أنها تعطي انطباعا بأن المعلم يعرف ما يريد، وهو واثق من أن الأولاد سينصاعون لأمره. بالطبع، في بعض الحالات يكون استعمال السؤال مناسبا وسترغب بالحصول على إجابة عنه. على سبيل المثال، إن سؤال أحد التلاميذ: “هل ثمة مشكلة اليوم؟” قد يكون نقطة انطلاق جيدة لمناقشة حول سوء السلوك.

في ما يلي بعض الأمثلة عن أسئلة يمكن استعمالها في جمل صريحة، لأبين قصدي بشكل أوضح:

–   “لماذا لا تقوم بعملك؟” تصبح: “أريد منك أن تقوم بعملك حتى ننصرف في الوقت المحدد”.

–   “لماذا تتصرف بسخف؟” تصبح: “أريد منك الجلوس جيدا في مقعدك والانتباه إلى الدرس، من فضلك”.

–   “لماذا لا تصغي إلى الشرح؟” تصبح: “أرجو من الجميع النظر إلي والإصغاء بصمت لو سمحتم”.

استعمل التكرار

نتوقع في معظم الأحيان أن يسمع الأولاد ويفهموا كل ما نقوله في الصف من المرة الأولى. غير أن الإصرار على هذا التوقع غير العقلاني قد يؤدي إلى سوء تفاهم ومواجهات غير ضرورية. فمن شأن الصفوف أن تكون أماكن صاخبة ومربكة لتلاميذنا، ما يولد أسبابا عديدة لعدم تجاوب التلاميذ فورا مع توجيهاتنا. إليك بعض الحالات التي يجب عليك فيها استعمال التكرار:

–   للحصول على انتباه التلميذ قبل إعطاء التعليمات.

–   لضمان إصغاء التلميذ عند تحذيره من عقاب محتمل.

–   لأن تلاميذك لم يسمعوا تعليماتك ربما من المرة الأولى.

–   لتفسير سوء تفاهم محتمل وإيضاح رغباتك تماما.

–   للتأكيد على تعليماتك وتوضيح ضرورة اتباعها.

يعتبر التكرار مفيدا على نحو خاص عند معاقبة أحد التلاميذ. في هذه الحالة قد تعمد إلى تكرار:

–   اسم التلميذ أو التلميذة للحصول على الانتباه.

–   التوجيه الذي أعطيته أو السلوك الذي تريده. (تستطيع الطلب من التلميذ إعادته للتأكد من فهمه له).

–   الخيارات المتاحة لتجنب العقاب.

–   العقاب المفروض في حال عدم انصياع التلميذ.

في ما يلي مثال عن كيفية استعمال التكرار أثناء حادثة سوء تصرف. في هذا المثل، يثرثر تامر مع رفيقه عوضا عن القيام بعمله.

المعلمة:      تامر.

تنتظر المعلمة لكن ما من جواب.

المعلمة:      تامر. أريد منك النظر إلي والإصغاء لما أقوله.

تامر:   ماذا يا آنسة؟

هو لا يزال ينظر إلى زميله.

المعلمة:      تامر. لقد طلبت منك النظر إلي والإصغاء، من فضلك.

أخيرا يلتفت وينظر إلى المعلمة.

المعلمة:      شكرا تامر. أريد منك الآن إكمال عملك. كفى ثرثرة لو سمحت.

تامر:   حسنا إذا.

يلتفت ويتابع حديثه.

المعلمة:      تامر؟

تامر:   نعم؟

المعلمة:      هل لك أن تعيد ما قلته؟ ماذا طلبت منك؟

تامر:   أن أعود إلى عملي وأكف عن الثرثرة.

المعلمة:      جيد. يسعدني أنك فهمت. فأنا لا أود احتجازك، ولكنني سأفعل إن لم تكف عن الثرثرة وتتابع عملك.

حدد الأهداف والوقت

يحب الأولاد الأهداف الواضحة. يحبون إعطاءهم هدفا محددا يسعون إلى تحقيقه. تساعد الأهداف على تحفيز روح المنافسة الطبيعية لديهم ربما تجاه تلاميذ آخرين في الصف ولكن أيضا – وهذا هو الأهم – تجاه مستوياتهم السابقة. فالحصول على مقدار واضح من العمل لإنجازه، ضمن مدة معينة، يساعد على إنتاج إحساس بالإلحاح والسرعة في العمل. فهو يعطي بنية واضحة ومحددة يعمل التلاميذ على الوصول إليها. ومن شأن الأهداف أن تساعد أيضا التلاميذ الأقل مقدرة على الشعور بحس الإنجاز، فحينما يطلب المعلم تذكر خمس كلمات في ثلاث دقائق، فسيتمكن حتى التلاميذ الضعفاء من إنجاز هذه المهمة.

ثمة أنواع كثيرة من الأهداف التي يمكن استعمالها. يمكنك أن تضع هدفا لعدد الكلمات أو الأجوبة التي ينبغي على التلاميذ إكمالها. كما تستطيع تحديد وقت لإتمام العمل. بوسعك أيضا تحديد هدف لتحسين السلوك، كبقاء الأولاد في مقاعدهم أو رفع أيديهم. وعند تحديد الأهداف، استعن بالنصائح التالية:

–   احرص على أن تتناسب أهدافك مع الصف والتلاميذ: لا تجعلها مستحيلة الإنجاز ولا فائقة السهولة.

–   أبق أهدافك قصيرة ومحددة للحصول على التأثير الأكبر: خمس كلمات، ثلاث دقائق وما إلى ذلك.

–   استعمل وسائل بصرية للمساعدة على الفهم، كرفع اليد لتوضيح خمس كلمات.

–   استعمل الموسيقى لإنتاج جو من الإلحاح والسرعة، كموسيقى فيلم المهمة المستحيلة مثلا.

–   استعمل مفردات تزيد من حماسة تلاميذك: منافسة، جائزة، تحد.

–   احرص على أن تكون مكافآت بلوغ الأهداف جذابة فعلا للصف أو التلميذ.

لمزيد من التوضيح حول هذه التقنية، نعرض بعض الأمثل لمعلم يحدد أهدافه:

عمل ذو هدف جماعي

“حسنا. سنجري اليوم منافسة. كما ترون، لقد كتبت على اللوح عشرة أسئلة عن عملنا في الحصة السابقة. الشخص الأول الذي يجيب عن الأسئلة العشرة، في جمل صحيحة، يكون أول المغادرين عندما يرن الجرس. استعداد، انطقوا!”

عمل ذو هدف فردي

“حسنا، مصطفى. أريد منك اليوم التركيز على وضع النقاط في كتاباتك، لكن ينبغي أن تكون في أماكنها الصحيحة. ولا تهتم للأخطاء الإملائية، إذ إن تركيزنا اليوم سيكون على استعمال علامات التوقف. وإن تمكنت من وضع النقاط كلها، تستطيع اختيار واحدة من هذه الملصقات الرائعة.

هدف سلوكي جماعي

“حسنا أيها الصف انظروا إلي، وأصغوا بانتباه لو سمحتم. هذا رائع. سنقوم اليوم باختبار.همهمات من الصف. لا! ليس ذلك النوع من الاختبارات. هذا اختبار لمعرفة التلميذ الأكثر انضباطا في الصف. وسيحصل الرابح على جائزة مميزة جدا. أريد أن أرى من يستطيع العمل بهدوء لأطول وقت ممكن، والأفضل بينكم سيأكل لوح الشوكولاته هذا أمام الصف كله!”

هدف سلوكي فردي

“الآن سامي، أعرف أنه من الصعب عليك الجلوس ساكنا في مقعدك، لهذا السبب سأضع لك تحديا اليوم. إذا استطعت البقاء جالسا طوال الحصة، من دون الوقوف ولو مرة واحدة، ستربح ثلاث تنويهات، وستحصل على تنويه لكل عشرين دقيقة تبقى فيها جالسا. اتفقنا؟”

استعمل روح الدعابة

لروح الدعابة دور لا يستهان به في الصف. فالمعلمون الذين يضحكون التلاميذ ويستطيعون أن يضحكوا معهم في الأوقات المناسبة، يكونون معهم حتما علاقات جيدة. بالطبع، سيكون ثمة أوقات لن ترى فيها الجانب المضحك في الأمر. فصباح الاثنين أو بعد ظهيرة يوم الجمعة، قد تكون متعبا أو نعسا أو تشعر بكل بساطة بأنك لست في مزاج للمزاح اليومي. لكن، إن تمكنت من جعل العمل والدروس تبدو خفيفة الوطأة على التلاميذ، سيساعدك ذلك حتما على ضبط سلوك الصف.

بالإضافة إلى الآثار الإيجابية لروح الدعابة على التلاميذ، فإنها تشكل متنفسا للتوتر الذي يتصاعد في صف لا يسوده الانضباط. إن تعلمت الضحك حين تسوء الأمور أو جعل التدريس ممتعا بالنسبة إليك، ستكون أكثر استرخاء بكثير. وستجد أيضا بأنك تتجنب المواقف الدفاعية في المواجهات التي قد تقع وستتعامل مع أية مشكلة تطرأ بأعصاب أكثر برودة.

يمكنك استعمال روح الدعابة لتبديد خطر إهانة شخصية، عبر موافقة التلميذ على ما يقوله. وعلى الرغم من صعوبة الحفاظ على الهدوء حين تشعر بالإهانة، إلا أن هذه التقنية ترد الإهانة عبر رفض الاعتراف بأثرها. هكذا، حين يقول أحد التلاميذ لمعلمته: “تسريحة شعرك سخيفة حقا اليوم”. يمكنها أن تجيب ببساطة: “أجل، أعرف ذلك، وأنا أنوي مقاضاة مزين الشعر”.

تعلم أيضا أن تضحك على نفسك حين ترتكب خطأ في صفك، كأن تتعثر بسلك أو تقول شيئا غبيا. إذ يبدو بأن الأولاد يرحبون كثيرا بالمعلم الذين يملك القدرة على التقليل من قدر نفسه. وهي طريقة ممتازة لهدم صورة المعلم المتسلط، كما تظهر بأنك لا تأخذ نفسك كثيرا على محمل الجد.

يستحسن عموما تجنب السخرية، على الرغم من أنها تشكل طريقة ممتازة لتنفيس الغضب في المواقف الصعبة. كما ينبغي تجنب الضحك على أحد التلاميذ وحث التلاميذ على تجنبه. فمن شأن مهرج الصف أن يسر لجذب انتباه الآخرين ولكن بعض التلاميذ الخجولين قد يشعرون بالحرج إزاء سخرية زملائهم.

ضع نفسك مكانهم

حين تتعامل مع سوء السلوك المستمر، من السهل أن تفقد حس الرؤية البعيد المدى. إذ تبدأ بالشعور بأن التلاميذ يسيئون التصرف عمدا، وكأن دافعهم عداوة شخصية. يؤدي ذلك بدوره إلى ردات فعل مبالغ فيها تجاه سوء تصرف بسيط نسبيا. حاول أن تطور قدرتك على أن تتخطى نفسك، وأن تنظر إلى ما يحدث في صفك من منظور الأولاد. حين تصبح معلما تأمليا وقادرا على تحليل ذاتك، ستنعكس فوائد ذلك على جميع نواحي عملك.

تعتبر هذه التقنية مفيدة حين تعطي الصف بأكمله عملا معينا ولا يتمكن من إنجازه. فحين تنظر إلى الموقف من وجهة نظر التلاميذ، لا بد من أن تكتشف المشكلة التي ينطوي عليها هذا العمل والتي أدت إلى سوء السلوك. هل يشتمل على كثير من الإصغاء وقليل من العمل؟ هل يصعب عليهم استيعاب المفهوم؟ أم أن التلاميذ يجدون الموضوع مملا بكل بساطة؟

بوسعك كذلك أن تحلل أسلوبك في التدريس بواسطة هذه المقاربة. فإن واجهك التلاميذ وأنت تحاول تأديبهم، تراجع قليلا، وانظر إلى طريقة تعاملك مع سلوكهم من الخارج. هل تقول أو تفعل ما يزيد الوضع سوءا؟ هل ثمة عوامل خارجية تؤثر على سلوكهم، كالوقت مثلا؟

حين تبدأ بتأدية دور المعلم الراشد، لا تنس ما كنت عليه وأنت ولد. في بعض الأحيان، يشاغب الأولاد لمجرد كونهم أولادا. ولطالما سعى التلاميذ إلى إثارة أعصاب المعلمين منذ أن وجدت المدرسة!

تأليف سو كولي

اسأل طبيب مجاناً