التصنيفات
الباطنية

مرض الأمعاء الملتهبة

على عكس التشخيص الأكثر اتساعاً وغموضاً لمتلازمة الأمعاء المتهيجة، فإن مرض كرون والتهاب القولون والالتهاب الردبي كلها أمراض التهابية يمكن بالفعل تشخيصها بوجود الالتهاب على طول القناة الهضمية. وعلى الرغم من أن النصائح المتعلقة بمتلازمة الأمعاء الملتهبة تنطبق أيضاً على هذه الحالات المذكورة، فإن التركيز عند تصحيح هذه الحالات يجب أن يكون على إزالة أسباب الالتهاب وتقليل الالتهاب نفسه وعلاج القناة الهضمية.

والردوب Diverticula هي جيوب تتكون في الأمعاء الغليظة ويمكن أن تلتهب، مما يسبب حالة الالتهاب الردبي Diverticulitis. ويحدث أساساً كعاقبة لتناول غذاء سيئ قليل الألياف. وهذا يمكن أن ينطبق أيضاً على الحالات الأخف وطأة من التهاب القولون التي تكون مختلفة تماماً عن مرض كرون والتهاب القولون التقرحي. وهذان هما النوعان الرئيسيان لما يعرف بمرض الأمعاء الملتهبة أو IBD على سبيل الاختصار. وهما أكثر تعقيداً بكثير، ويشملان ردود فعل غير طبيعية من جهاز المناعة، وربما حالات من الحساسية والنفاذية المعوية وعوامل وراثية. واليوم نجد مرض كرون والتهاب القولون التقرحي يصيبان واحداً من كل ألف شخص، وإذا لم يتحقق العلاج السليم، فقد يستلزم الأمر إجراء جراحة لاستئصال الجزء التالف من القناة الهضمية.

ويعتمد تشخيص حالة شخص ما باعتبارها مرض كرون أو التهاب القولون التقرحي على موقع الالتهاب ونوعه بالإضافة إلى الأعراض. فالتهاب القولون التقرحي يسبب التهاب بطانة القولون فقط، والأعراض التقليدية هي نزول دم ومخاط، وحدوث ألم قبل التبرز، وإحساس عام بالتعب، وفي الحالات الأكثر شدة يحدث إسهال. أما مرض كرون فيمكن أن يصيب أي جزء من الأمعاء (وإن كان يصيب الجزء الأخير غالباً من الأمعاء الدقيقة وهو المعي اللفائفي) بصورة أكثر شدة؛ إذ يحدث تغلظ للجدار المعوي، مع بقاء الأجزاء الواقعة فيما بين الأجزاء الملتهبة سليمة في الغالب.

مرض الأمعاء الملتهبة: معادلة معقدة

في حين أنه لا يوجد علاج شامل لمرض الأمعاء الملتهبة، فإن الصورة المعقدة لهذا المرض تبرز من عدد من العوامل المسببة التي تؤدي معاً إلى التهاب الأمعاء. وهذه العوامل تشمل:

– ميلاً وراثياً لحدوث الالتهاب.
– حالات معينة من الحساسية للأطعمة.
– الديسبيوزيس، ويشمل اختلال التوازن البكتيري وحالات العدوى.
– زيادة النفاذية المعوية.
– مشكلات إزالة السمية.

وفي دراسة أجريت على الأطفال في منطقة نيوكاسل وجد باحثون من مستوصف فيكتوريا الملكي أن المصابين بمرض كرون لديهم زيادة مقدارها ستة أضعاف في النفاذية المعوية. وفي دراسة أخرى أجريت في مستشفى سانت بارثولوميو في لندن على أطفال مصابين بمرض كرون وبارتفاع في النفاذية المعوية تم إطعام أولئك الأطفال بغذاء مكون من عناصر غذائية خالصة (أي ليس طعاماً عادياً أو طبيعياً) لمدة ستة أسابيع. ونتيجة لذلك كان ثمة تحسن جذري في أعراضهم المرضية وفي درجة نفاذية أمعائهم. وبالفعل فقد وجد كثير من الباحثين أن النظم الغذائية قليلة المواد المسببة للحساسية يمكن أن تحقق تفريجاً ملحوظاً لكل من مرض كرون والتهاب القولون التقرحي. وقد لوحظ أن أكثر الأطعمة تسبباً في الحساسية هي القمح واللبن والخميرة، وإن كان النظام الغذائي المثالي يتفاوت من شخص لآخر.

وعلى هذا، فإن أول خطوة في تصحيح المرض هي التعرف على الأطعمة المسببة للحساسية والامتناع عنها. والخطوة التالية هي تصحيح الديسبيوزيس وإعادة تطعيم القناة الهضمية بالبكتريا النافعة السليمة. وهناك بعض الدلائل على أن اختلال التوازن البكتيري يمكن أيضاً أن يؤثر بالضرر على الوظائف المناعية؛ مما يؤدي إلى زيادة الالتهاب في القناة الهضمية، لذا فإن موازنة البكتريا أمر مهم. والحمض الأميني “الجلوتامين” مهم بصفة خاصة في معالجة القناة الهضمية.

إن العلاج الطبي الرئيسي للمرض هو استخدام العقاقير المضادة للالتهاب لتهدئة الالتهاب، أو أدوية للحد من التفاعلات المناعية للجسم. وهذه العقاقير فعالة ولكنها لا تفعل شيئاً للتعامل مع الأسباب الحقيقية للالتهاب. يقول دكتور جيفري بلاند، أحد الرواد في مجال الوسائل الجديدة في مواجهة الالتهاب: “بدلاً من التفكير بطريقة أن معاناة الألم تعني استخدام العقاقير، فلنفكر في أن الالتهاب هو أسلوب يتبعه الجسم ليقول إن شيئاً ما خطأ. الالتهاب هو مشكلة “جهازية” أي معممة في أجهزة الجسم المختلفة وليست ظاهرة موضعية أي مخصصة لموضع معين بالجسم، وفي إطار هذه المشكلة نجد أن فسيولوجية الجسم قد تحولت إلى حالة من الإنذار”. فكأن هناك سلسلة من الاختلالات الأساسية في كيميائية الجسم تتراكم وتتنامى ثم تنفجر فجأة حينما لا يعود الجسم قادراً على مواجهة مجموعة من الظروف والأحوال. والألم الحقيقي هو انكسار الموجة، رغم أن الموجة كانت آتية منذ وقت طويل.

ومن هذا المنظور، فإنه توجد عوامل عديدة تمهد الطريق للالتهاب، ثم عوامل تطلق عيار الأعراض المرضية. حقاً إن معظم النار من مستصغر الشرر، وكثيراً جداً ما نجد القشة التي قصمت ظهر البعير هي الملومة في هذه المشاكل. ومن الأقوال الشائعة على ألسنة أولئك المرضى: “لقد بدأ التهاب القولون لدي حينما تفككت أواصر زواجي” أو “منذ أن أصبت بالأنفلونزا بدأت أشعر بألم في بطني”. وهذه المسببات مهمة؛ وقد تشمل: صدمة ما، أو حالة حساسية، أو حالة عدوى، أو أحد السموم، أو التعرض لكثير من المؤكسدات. وحقاً، إن الأبحاث الحديثة تشير إلى أن اللقاح الثلاثي المستخدم بغرض الوقاية من الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية MMR، والذي يسبب كل تلك الحالات من العدوى بشكل فعلي، يزيد أيضاً قابلية الإصابة بمرض كرون. وكنت آمل لو أن شخصاً سليماً هو من يتعرض لتلك التحديات الصحية، ولكن ما حيلتي لو كان من يتعرض لها شخصاً يعاني من مشكلات أضعفت قواه أو قدرته على المقاومة أصلاً، مثل العوامل الوراثية السيئة، أو سوء الحالة الغذائية. والتي قد تجعل ذلك الشخص لا يمتلك “رصيداً كافياً في بنك الصحة”. وفي هذه الحالة قد يصيب أقل توتر ذلك الشخص بحالة التهابية مؤلمة. فيجب الالتفات إلى كل هذه العوامل من أجل استعادة الصحة الضائعة.

العملية الالتهابية

العوامل الطبيعية المضادة للالتهاب

لحسن الحظ أن هناك عدداً من العوامل الطبيعية المضادة للالتهاب. وهذه تشمل:

– البوسويليا سيراتا: يعرف أيضاً باللبان (البخور) الهندي. وقد ثبت أنه عامل طبيعي قوي جداً كمضاد للالتهاب، فضلاً عن خلوه من الآثار الجانبية التي تتصف بها العقاقير السائدة. فالعقاقير المضادة للالتهاب والمسكنة للآلام مثل الأسبرين والفينيل بيوتازون تهيج القناة الهضمية، مما يسبب أعراضاً سيئة في أكثر من 20% من مستخدميها على المدى الطويل. وهي تعمل عن طريق إعاقة قدرة الجسم على إنتاج الكيميائيات الالتهابية المشتقة من الدهون الغذائية. وتحقق الأحماض البوسويلية التي في هذا العشب آثاراً مضادة للالتهاب يمكن مقارنتها بما تحققه العقاقير ولكن دون الآثار الجانبية الضارة بالأمعاء.

– الكركمينات: هي مستخلصات من الكركم، وقد وجد أن لها خصائص قوية مضادة للأكسدة ومضادة للالتهاب. والكركمينات Curcumins لها طريقة تأثير أو كيفية فعل مثل حمض البوسويليك، وإذا أضيف إلى استعمالها تطبيق برنامج للتغذية المثالية الجيدة ويشمل تناول أحماض ضرورية مضادة للالتهاب، فهذا قد يحقق فعالية مثل العقاقير على الأقل.

– زيوت السمك: غنية بدهون الأوميجا 3 لاسيما EPA و DHA، وقد عرفت بتأثيرها في مكافحة الالتهاب. وهذه الدهون الطبيعية المضادة للالتهاب تكون متوفرة بصفة خاصة في الأسماك المفترسة (أي آكلة اللحوم) التي تأكل الأسماك الصغيرة التي تأكل بدورها البلانكتون (وهو الغذاء البحري المكون من كائنات نباتية دقيقة). وكل خطوة إلى أعلى في سلسلة الغذاء تلك تعمل على تركيز هذه الزيوت (وعلى هذا، فإن سباع البحر التي تتغذى على الأسماك آكلة اللحوم تكون لحومها غنية جداً بهذه الزيوت المفيدة).

– عرق السوس والبابونج: لهما مفعول مشهور كمضادين للالتهاب.

هذا الأسلوب الطبيعي للتغلب على مرض الأمعاء الملتهبة هو أمر معقد بالفعل، مثل المشكلة نفسها، ويفضل تطبيقه بالتعاون مع أخصائي مؤهل في التغذية الإكلينيكية. وأخصائي التغذية يمكنه أن يجري لك الاختبارات الضرورية، وأن يسدي لك النصيحة فيما يتعلق بالنظام الغذائي والمكملات اللازمة لكل مرحلة تتعلق بالتخلص من سبب الالتهاب، وتهدئة الالتهاب، والمساعدة في إصلاح الأمعاء التالفة. وهذا الأسلوب مبني على فهم حقيقة أن الالتهاب والألم هما طريقة الجسم في طلب النجدة، وأن النظام الغذائي الذي يتبعه الشخص المريض والعوامل المتعلقة بنمط حياته قد تعدت قدرة الجسم على التأقلم. فبدلاً من تثبيط الالتهاب باستخدام العقاقير، فإن الوسائل الطبيعية تهدف إلى التعرف على العوامل المسببة للمرض لتلافيها واستعادة التوازن في الجسم.

اسأل طبيب مجاناً