التصنيفات
القلب | جهاز الدوران | أمراض الدم

كيفية الوقاية من أمراض القلب | مرض الشريان التاجي | دراسات

مرض الشريان التاجي هو مرض قاتل ينال من كل من ينشأ على النمط الغذائي الأمريكي.

إن القاتل الأكبر في الولايات المتحدة هو الترسبات الدهنية في جدران شرايينك والمسمى التصلب العصيدي, وبالنسبة لمعظم الذين ينشئون على النمط الغذائي التقليدي، يتراكم هذا التصلب داخل الشريان التاجي – الوعاء الدموي الذي يتوج القلب ويمده بالدم المحمل بالأكسجين. هذا الانسداد المتزايد، المعروف ب atherosclerosis ، والمأخوذ من الكلمتين اليونانيتين athere (عصيدة) و sklerosis (تصلب)، هو تصلب في الشرايين ناتج عن جيوب من المواد الغنية بالكوليسترول الذي يتراكم على الجدران الداخلية للأوعية الدموية. إن هذه العملية تحدث على مدى عقود، تتضخم هذه التراكمات في فراغ الشرايين، فتضيق المسار الذي يتدفق فيه الدم, وبالتالي تقلص مرور الدم المتدفق إلى عضلة القلب ما يؤدي إلى ألم في الصدر وارتفاع في الضغط، ما يعرف بالخناق أو الذبحة، حين يحاول الناس بذل جهد. إذا انفلق هذا التصلب، يصبح تكوُّن جلطات الدم في الشرايين أمرًا ممكنًا. وقد يؤدي هذا الانسداد المفاجئ في تدفق الدم إلى أزمة قلبية، تؤدي إلى إتلاف أو ربما توقف للقلب.

حين تفكر في أمراض القلب، تتذكر أصدقاء وأحبة عانوا لسنوات آلامًا في الصدر وضيقًا في النفس قبل حدوث الانهيار النهائي. لكن بالنسبة لكثير من الذين يموتون فجأة بالقلب، تكون العوارض الأولى للمرض هي الأخيرة. ويسمى ذلك “الموت القلبي المفاجئ”. ويكون ذلك حين يقع الموت خلال ساعة واحدة من بداية ظهور الأعراض. بعبارة أخرى، أنت قد لا تدرك أصلًا أنك في خطر إلا بعد فوات الأوان؟ قد يكون شعورك بأنك بخير صحة، لكن بعد ساعة واحدة، تكون في آخر لحظات حياتك. ومن هنا تأتي الأهمية الشديدة لمنع مرض القلب من البداية، قبل حتى أن تعرف بالضرورة أنك مصاب به.

كثيرًا ما يسألني مرضاي: “أليست أمراض القلب نتيجة للتقدم بالعمر؟” وأفهم سبب هذه الفكرة المغلوطة عن الأمر، فالقلب يظل ينبض لبلايين المرات خلال حياة الفرد في المتوسط. أفلا يكون طبيعيًّا أن يضعف بعد فترة؟ الإجابة: نعم.

هناك أدلة كثيرة على أن مناطق واسعة من العالم لم تكن تعرف في وقت ما وجودًا لمرض الشريان التاجي، فمثلًا، في مشروع الصين – كورنيل – أوكسفورد الشهير (المعروف بدراسة الصين)، قام الباحثون بدراسة العادات الغذائية ونسب الإصابة بالأمراض المزمنة بين مئات الألوف من القرويين الصينيين، في مقاطعة جوزهو، مثلًا، وهي منطقة تضم مليون نسمة، وعلى مدار ثلاث سنوات كاملة، لم تسجل حالة وفاة واحدة يمكن عزوها لمرض الشريان القلبي التاجي بين الرجال تحت عمر الخامسة والستين.

وخلال الثلاثينيات والأربعينيات، عمل أطباء غربيون في شبكة واسعة من المستشفيات في منطقة جنوب الصحراء الكبرى الإفريقية. وقد لاحظوا أن الأمراض المزمنة المنتشرة بشدة بين الناس في العالم المتقدم منحسرة بشكل كبير في معظم أنحاء القارة، ففي أوغندا، وهي بلد يسكنه ملايين الناس ويقع في شرق إفريقيا، جاء تصنيف مرض الشريان التاجي كمرض “غير موجود تقريبا”.

لكن هل كان أهل تلك البلدان يموتون في سن مبكرة بأمراض أخرى، فلم يصابوا بأمراض القلب أصلًا؟ كلا. لقد قارن الأطباء بين عينات أنسجة لأوغنديين وأخرى لأمريكيين ماتوا في العمر نفسه. وجد الباحثون أنه من بين ٦٣٢ شخصًا أخذت منهم عينات في سانت لويس، ميزوري، كان من بينهم ١٣٦ شخصًا أصيبوا بأزمة قلبية. لكن ماذا عن العدد ذاته والسن ذاتها في أوغندا؟ شخص واحد فقط أصيب بأزمة قلبية من إجمالي ٦٣٢ شخصًا. إن نسبة الأزمات القلبية لدى الأوغنديين كانت أقل من نظرائهم الأمريكيين بمائة مرة. لذلك كانت صدمة الأطباء شديدة حتى إنهم أقدموا على فحص ٨٠٠ حالة وفاة أوغندية أخرى. ومن بين ١٤٠٠ حالة وفاة أخذت منهم العينة وجد الباحثون جثة واحدة بها تلف بسيط متعاف في القلب، ما يعني أنها كانت أزمة قلبية غير قاتلة. لقد كان مرض القلب في العالم الصناعي داء قاتلا، بينما في وسط إفريقيا كانت نسبته حالة واحدة في الألف.

تظهر دراسات الهجرة أن هذه المقاومة لمرض القلب ليست شيئًا مثبتًا في جينات الأفارقة، فحين ينتقل الناس من ذوي نسب الإصابة المنخفضة إلى مناطق عالية الخطورة، فإن نسب إصابتهم ترتفع هي الأخرى بشدة مع تبنيهم النمط الغذائي ونمط حياة الموطن الجديد. إن معدلات الإصابة شديدة الانخفاض بأمراض القلب بين الريفيين في الصين وإفريقيا تعود بالأساس إلى المعدلات المنخفضة جدًّا للكوليسترول في هذه البلدان. ورغم أن الأنظمة الغذائية مختلفة تماما بين الصين وإفريقيا، فإن بينهما مشتبهات: كلتاهما تعتمد أطعمة نباتية بالأساس، مثل الحبوب، والخضراوات. وتناول الكثير من الألياف والقليل من الدهن الحيواني، فإن مستويات الكوليسترول بشكل عام تكون أقل من ١٥٠ ملجرامًا/ديسيلتر، وهو مستوى يقارب ذلك الذي لدى من يلتزمون بنظام غذائي نباتي بالأساس.

فما الذي يعنيه ذلك؟ إنه يعني أن مرض القلب اختيار. فحين تنظر في أسنان البشر الذين عاشوا قبل اختراع فرشاة الأسنان بعشرة آلاف عام، فلن تجد أي آثار للتسوس تقريبًا. ذلك أن قطع الحلوى لم تكن قد اخترعت هي الأخرى. إن سبب إصابة الناس بالتسوس الآن هو أن متعتهم بالمذاق الحلو تطغى على شعورهم بتكلفة وقلق كرسي طبيب الأسنان. أنا كغيري أستمتع بهذا الإغراء أحيانًا – ولديَّ خطة جيدة لأسناني! لكن ماذا لو أنه بدلًا من البلاك المتراكم على أسنانك، كان حديثنا عن الانسدادات العصيدية في شرايينك؟ نحن لا نتحدث هنا عن حك رواسب على الأسنان. نحن نتحدث عن مسألة حياة أو موت.

إن أمراض القلب هي السبب الأول الذي يموت بسببها معظم أحبتنا, والأمر بالطبع عائد لكل واحد فينا ليتخذ قراره الخاص بشأن ما يأكل وكيف يعيش، لكن ألا يجدر بنا أن نجعل خياراتنا هذه واعية بأن نتعرف على العواقب المتوقعة لأفعالنا؟ فكما يمكننا تجنب الحلوى التي تفسد أسناننا، يمكنك كذلك تحاشي الدهون المتحولة، والدهون المشبعة، والأطعمة التي تحوي الكوليسترول والتي تسد مجاري شراييننا.

لنلق نظرة على تطور مرض الشريان التاجي خلال الحياة وكيف يمكن لخيارات غذائية بسيطة في أية مرحلة أن تمنع، وتوقف، وتقضي على مرض القلب قبل فوات الأوان.

هل مايقال عن فوائد لتناول المكملات الغذائية لزيت السمك مجرد أساطير؟

بفضل توصيات جمعية القلب الأمريكية صار على ذوي الفرص العالية في الإصابة بأمراض القلب أن يسألوا أطباءهم أولا بشأن تناول مكملات أوميجا-3 التي يحويها زيت السمك، وصفات زيت السمك صارت تمثل صناعة تقدر استثماراتها بالمليارات، ونحن الآن تستهلك من زيت السمك ما يزيد على مائة ألف طن سنويا.

لكن ما الذي يقوله العلم؟ هل مايقال عن فوائد لتناول المكملات الغذائية لزيت السمك مجرد أساطير لا أساس لها؟ هناك مراجعة منهجية وتحليل تالي نشر في دورية الجمعية الطبية الأمريكية. وقد بحثت هذه المراجعة في أفضل التجارب العلاجية دقة التقييم تأثيرات دهون أوميجا-۳ على العمر، والوفاة القلبية، والموت المفاجئ، والأزمات القلبية والسكتات الدماغية، لم تقتصر هذه الدراسات على مكملات زيت السمك لكن أجريت أخرى على تأثير نصح الناس بتناول المزيد من زيوت الأسماك، فماذا وجدوا؟ بشكل عام لم يجد الباحثون فائدة وقائية لهذا الزيت على نسب الوفاة، ووفيات أمراض القلب، والموت القلبي المفاجئ، والسكتة القلبية والسكتة الدماغية. فماذا عن شخص أصيب فعلا بأزمة قلبية ويريد منع إصابته بأخرى؟ أيضا ما من فائدة لزيت السمك في هذا.

من أين أصلا وصلتنا فكرة وجود فائدة في تناول دهون أوميجا-۳ وزيت السمك؟ كانت هناك فكرة سائدة بأن أهل الإسكيمو كانوا يتمتعون بحصانة من مرض القلب، لكن يبدو أن تلك كانت خرافة لا أكثر. لكن بعض الدراسات المبكرة في الموضوع كانت واعدة فمثلا، في تجربة “دارت” الشهيرة والتي جرت خلال الثمانينيات وشملت ألفي شخص، وجد أن الأشخاص الذين نصحوا بتناول دهن الأسماك قلت بينهم نسبة الوفيات بمقدار 29% نتيجة لافتة بحق، ولا عجب إذن من حصول تلك الدراسة على كل الانتباه، لكن يبدو أن الناس ينسون ما كان من نتائج التجربة المتممة “دارت”، والتي توصلت إلى العكس تماما. إن الدراسة التي أجراها الفريق نفسه وكانت أكبر من الأولى حجما – فقد أجريت على ثلاثة آلاف شخص – نصح المشاركون هذه المرة بتناول السمك الغني بالزيوت وأولئك الذين زودوا بكبسولات زيت السمك على وجه الخصوص، تعرضوا إلى نسب تعرض أكبر للموت القلبي.

بعد وضع جميع الدراسات جنبا إلى جنب، خلص الباحثون إلى أنه لم يكن هنا من مبرر لاستخدام أوميجا-۳ کوصفة علاجية يومية. فما الذي يجب على الأطباء فعله حين يتبع مرضاهم توصية جمعية القلب الأمريكية ويسألونهم عن استخدام زيوت السمك؟ يقول مدير قسم الدهون والميتابوليزم في معهد ماونت سایناي للأوعية الدموية: “بعد العلم بهذه النتائج وغيرها من التحاليل البعدية، تكون مهمتنا (كأطباء) أن توقف التوصية بتناول مرضانا للرائج من مكملات زيوت السمك”

مرض القلب يبدأ من الطفولة

في عام ١٩٥٣ نشرت دراسة بدورية الجمعية الطبية الأمريكية غيرت على نحو كبير فهمنا لتطور مرض القلب، فقد قام الباحثون بأخذ ثلاثمائة عينة من ضحايا الحرب الكورية، بمتوسط عمر يدور حول الثانية والعشرين. والصادم أن نسبة ٧٧٪ من الجنود وجدت في عيناتهم شواهد واضحة على وجود تصلب عصيدي بالشريان التاجي, بل إن بعضهم كانت لديه أوردة مغلقة بنسبة تصل إلى ٩٠٪ ويزيد. لقد “أظهرت الدراسة أن ظواهر التصلب تظهر في الشرايين التاجية قبل عقود من العمر الذي تشخص عادة فيه هذه الأمراض”. دراسات لاحقة لضحايا الحوادث بين عمر الثالثة والسادسة والعشرين أظهرت وجود عروق دهنية – وهي المرحلة الأولى من التصلب العصيدي – في جميع الأطفال الأمريكيين بعمر العشر سنوات. مع بلوغنا فترة العشرينات والثلاثينيات، تتحول تلك العروق الدهنية إلى ترسبات كاملة كتلك التي ظهرت لدى ضحايا الحرب الكورية من الجنود الأمريكيين الشباب. وبحلول الأربعين أو الخمسين، تصبح تلك الانسدادات قاتلة.

فكل من تجاوز العاشرة لا يكون السؤال بالنسبة له إن عليه أن يأكل طعامًا صحيًّا لمنع أمراض القلب، بل هو إن كان يريد أن يحول مسار مرضه القلبي الذي لديه على الأغلب.

لكن متى تبدأ هذه العروق الدهنية في الظهور؟ إن بدايات التصلب تبدأ أحيانًا قبل الميلاد, فقد قام باحثون إيطاليون بفحص شرايين لأجنة تعرضت للإجهاض أو أطفال ولدوا قبل موعدهم وماتوا سريعًا، فوجدوا أن الأجنة التي عانت أمهاتهم مستويات عالية من الكوليسترول كانوا أقرب لتضرر شرايينهم. وهذه النتائج تعني أن التصلب لا يبدأ كمرض سوء تغذية في الطفولة فحسب بل حتى منذ الحمل.

لقد صار من الشائع بين الأمهات الحوامل أن يتجنبن التدخين وشرب الكحوليات، فحري بهن كذلك أن يبدأن تناول غذاء صحي لفائدة الجيل التالي.

وفقًا ل ” ويليام سي. روبرتس”، رئيس تحرير دورية ذا أمريكان جورنال أوف كارديولوجي، فإن عامل الخطورة الوحيد المسبب لتراكم التصلبات العصيدية هو الكوليسترول، خاصة زيادة الكوليسترول البروتين الدهني منخفض الكثافة في الدم. ويطلق على البروتين الدهني منخفض الكثافة الكوليسترول “السيئ”؛ لأنه الوسيلة التي يترسب من خلالها الكوليسترول في الشرايين. أظهرت عينات أخذت من آلاف القتلى الشباب في الحوادث وجود مستويات من الكوليسترول في الدم مرتبطة بشدة بمقدار التصلب العصيدي في شرايينهم. ولخفض مستويات البروتين الدهني منخفض الكثافة بشكل كبير، عليك بتقليل ما تتناوله من ثلاث أنواع: ١) الدهون الثلاثية، التي تأتيك من الأغذية المعالجة ومن اللحوم والألبان؛ ٢) الدهون المشبعة، والتي توجد بالأساس في المنتجات الحيوانية والأطعمة السريعة؛ ٣) الكوليسترول الغذائي، والذي يوجد حصرًا في الأغذية الحيوانية، خاصة البيض.

هل تلحظ نمطًا متصلًا هنا؟ المعززات الثلاثة للكوليسترول السيئ – المثير الأول لأهم أسباب وفاتنا – كلها آتية من تناول المنتجات الحيوانية والطعام المعالج. وهذا ما يفسر سر وقاية الذين التزموا بأنماط غذاء قديمة تقوم على الغذاء النباتي من أمراض القلب الوبائية.

إنه الكوليسترول

لم يكن الدكتور روبرتس رئيس تحرير دورية ذا أمريكان جورنال أوف كارديولوجي لما يزيد على ثلاثين عامًا فحسب، بل كان المدير التنفيذي لمعهد بايلور للقلب والأوعية الدموية وصاحب أكثر من ألف منشور علمي ومؤلف أكثر من عشرة كتب في طب القلب. ويعلم ما يقول.

ففي مقاله الافتتاحي: “إنه الكوليسترول، أيها الأحمق!،” يزعم الدكتور روبرتس أن عامل الخطورة الوحيد لأمراض القلب هو الكوليسترول. قد تكون مفرطًا في وزنك، ومصابًا بالسكري، ومدخنًا شرهًا، ومع هذا لا تكون مصابًا بالتصلب الشرياني ما دامت – بحسب زعمه – مستويات الكوليسترول في الدم منخفضة بما يكفي.

المستوى المثالي لكوليسترول البروتين الدهني قليل الكثافة هو ما بين ٥٠ و٧٠ مليجرامًا/ديسيلتر، وكلما كان أقل كان ذلك أفضل. وهو المستوى الذي تبدأ به حياتك حال المولد، وهو المستوى الذي يسجل بين الشعوب التي لا تكثر فيها أمراض القلب، وهو ذلك المستوى الذي يتوقف عنده التصلب الشرياني في تجارب خفض مستويات الكوليسترول. إن مستوى الدهن النباتي قليل الكثافة البالغ ٧٠ مليجرامًا/ديسيلتر يعادل قراءة كوليسترول عامة مقدارها ١٥٠، وهو المستوى الذي لم يسجل فيما دونه حالات وفاة بأمراض القلب الشريانية بحسب دراسة فرامنجهام الشهيرة للقلب، وهو مشروع بحثي بامتداد جيل كامل بهدف تحديد عوامل مخاطر مرض القلب. فيجب أن يكون المستهدف العام إذن الوصول بمستوى الكوليسترول إلى ما دون ١٥٠ مليجرامًا/ديسيلتر. يقول الدكتور روبرتس: “إذا تحقق هذا الهدف، فإن البلاء الأعظم للعالم الغربي يكون قد تلاشى”.

إن متوسط مستوى الكوليسترول لمن يعيشون في الولايات المتحدة أعلى بكثير من ١٥٠؛ إنه يدور حول ٢٠٠ ملجرام/ديسيلتر. إن خرجت تحاليل الدم الخاصة بك بمعدل كوليسترول إجمالي قدره ٢٠٠، فإن طبيبك غالبًا ما يطمئنك بأن مستوى الكوليسترول لديك طبيعي. لكن في مجتمع يكون فيه طبيعيًّا أن تموت بالقلب، فإن مستوى الكوليسترول “الطبيعي” لن يكون بالأمر الجيد بالنسبة لك على الأرجح.

لكي تكون فعليًّا بمنأى عن الأزمة القلبية، يجب أن تصل بمستوى البروتين الدهني منخفض الكثافة إلى ما دون السبعين. وقد أشار الدكتور روبرتس إلى أن هناك سبيلين لا ثالث لهما لإنجار هذا الهدف: إما أن نضع أكثر من مائة مليون أمريكي تحت العلاج طيلة حياتهم أو أن نوصيهم جميعا باتباع نظام غذائي يرتكز على الأطعمة النباتية.

إذن: إما العقاقير أو الطعام. فجميع الخطط العلاجية تتضمن عقاقير الستاتين لخفض مستوى الكوليسترول، فما الذي يدعوك لتغيير نمطك الغذائي إن كان بالإمكان تناول حبة دواء كل يوم لما تبقى من حياتك؟ للأسف، هذه الأدوية لا تحدث الأثر الذي نتصوره، وقد تحدث آثارًا جانبية غير مرغوب فيها.

عقار ليبيتور lipitor

إن عقار ليبيتور الخافض للكوليسترول (الاسم العلمي Atorvastatin) أصبح العقار الأكثر رواجًا على الإطلاق، محققًا حجم مبيعات قدره ١٤٠ بليون دولار حول العالم. وقد أحدثت هذه الفئة من العقاقير قدرًا هائلًا من الحماسة داخل الوسط الطبي حتى إن بعضًا من السلطات الطبية في الولايات المتحدة دافعت عن إضافة ذلك العقار إلى مصادر المياه المنزلية كما يضاف لها الفلورايد. بل إن إحدى مجلات طب القلب اقترحت أن تضيف مطاعم الوجبات السريعة عبوات العقار بجوار علب الكاتشاب في محاولة لمعادلة التأثير السلبي للخيارات الغذائية غير الصحية.

أما بالنسبة لأولئك الذين تزيد نسبة احتمالات إصابتهم بمرض القلب ولا يقدرون أو غير مستعدين لخفض مستويات الكوليسترول بشكل طبيعي من خلال التغييرات في النمط الغذائي، فإن فوائد تناولهم لعقارات مادة الستاتين تفوق ما تحتويه المادة من مخاطر. إلا أن لهذه العقاقير آثارًا جانبية مثل تضرر الكبد أو العضلات. والسبب الذي يدفع الأطباء لطلب اختبارات دم دورية للمرضى المتعاطين لهذه العقاقير هي الرغبة في مراقبة مستوى السمية في الكبد. لذا يمكننا طلب تحاليل دم للتأكد من وجود مواد ضارة بالعضلات، لكن العينات المأخوذة من الأشخاص المتعاطين للستاتين أظهرت تلفًا بالعضلات رغم أن اختبارات الدم تبدو طبيعية ولا تظهر أية أعراض لآلام في العضلات أو ضعف بها. التداعي في القوة والأداء العضلي المصاحب لتناول هذه العقاقير قد لا يكون ذا شأن في حال الشباب، لكنه قد يعرض الكبار منهم لمخاطر السقوط والإصابة.

وحديثًا ظهرت مواطن قلق أخرى، في عام ٢٠١٢، أعلنت إدارة الطعام والعقاقير الأمريكية عن وضع تنويه أمان معدل على عبوات العقاقير المحتوية على الستاتين لتحذير الأطباء والمرضى من آثاره الجانبية ذات الصلة بالمخ، مثل فقدان الذاكرة والتداخل. كما أن عقاقير الستاتين تزيد كذلك على ما يبدو من احتمالات الإصابة بالسكري. وفي عام ٢٠١٣، ذكرت دراسة على بضعة آلاف امرأة من المصابات بسرطان الثدي أن التعاطي طويل الأمد للستاتين يضاعف حظوظ المرأة في الإصابة بسرطان الثدي. إن القاتل الأول للنساء هو مرض القلب، وليس السرطان؛ ولذا تبقى فوائد تناول الستاتين أعلى من مخاطره، لكن ما الداعي للقبول بأية مخاطرة إذا كان بالإمكان خفض مستوى الكوليسترول بشكل طبيعي؟

إن الأنظمة الغذائية النباتية تخفض مستوى الكوليسترول بنفس فاعلية عقارات الستاتين، لكن من دون مخاطر تعاطيه. و”الآثار الجانبية” للغذاء الصحي هي آثار طيبة في العادة – حيث توجد احتمالات أقل للإصابة بالسرطان والسكري وحماية للكبد والمخ.

الجوز البرازيلي للتحكم في الكوليسترول

هل يمكن لمرة واحدة تتناول فيها الجوز البرازيلي أن تخفض مستوى الكوليسترول بأسرع مما يفعل عقار الستاتين عقب شهر واحد من تناول هذه الوجبة؟
لقد كان هذا من أكثر ما رأيت من النتائج جنونا, فهناك باحثون من البرازيل – بطبيعة الحال – قدموا لعشرة أشخاص بين نساء ورجال وجبة واحدة تحتوي على ما بين جوزة واحدة وثماني جوزات، المذهل، وبالمقارنة بمجموعة التحكم، أن تناول أربع جوزات فقط ادى على الفور إلى تحسين مستوى الكوليسترول. لقد انخفض مستوى البروتين الدهني منخفض الكنافة – الكوليسترول السيئ – بمقدار عشرین نقطة بعد تسع ساعات فقط من تناول وجبة الجوزة حتى العقاقير لا تعمل بهذه السرعة الهائلة.

واليك الجانب الجنوني بحق في هذه الدراسة: عاد الباحثون لقياس مستويات الكوليسترول للمشاركين في الدراسة بعد ثلاثين يوما، حتى بعد شهر من تناول وجبة الجوز، كانت مستويات الكوليسترول لا تزال منخفضة.

الطبيعي، حين تصدر دراسة في المجال الطبي وتظهر هكذا نتائج رائعة، فإن على الأطباء انتطار تكرار النتائج قبل أن يقدموا على تغییر ممارساتهم العلاجية والبدء بتوصية المرضى بشيء جديد، خاصة إن كانت الدراسة قد أجريت على عشرة أشخاص فحسب، وخاصة حين تكون النتائج اروع من أن تصدق: لكن حين يكون ذلك التدخل المقترح رخيضا، وسهلا، وغير مؤذ، وصحيا – فنحن نتحدث عن أربع جوزات لا اكثر – فالأمر في رأيي أن عبء الإثبات یکون على من أنكر، والصواب في رأيي أن الموقف الصحيح هو أن تقوم بالوصفة إلى أن يثبت العكس.

لكن للوصفة بعض الآثار، فهذا الجوز غني جدا بالسيلينيوم فتناولك لأربع حبات منه كل يوم قد يرفع النسبة المسموح بها في جسدك من هذه المادة، لكن لا داعي للقلق من ذلك إذا اكتفيت بأربع جوزات فقط كل شهر.

يمكننا أن نعكس مسار مرض القلب

ليس هناك وقت مبكر على البدء بتناول الطعام الصحي، لكن هل يتأخر الوقت على تناوله؟ قام رواد طب نمط الحياة من أمثال ناثان بريتكي، ودين أورنيش، وكالدويل إسيسليتين الابن، بأخذ مرضى قلب في مراحل متأخرة وأخضعوهم لأنماط غذائية نباتية كالتي تعيش عليها شعوب آسيا وإفريقيا والذين لا يعانون أمراض القلب. كان أملهم أن يتمكن الطعام الصحي من إيقاف تقدم المرض.

لكن شيئًا مذهلًا آخر هو ما قد حدث. إن حالة قلوب المرضى اتخذت اتجاهًا عكسيًّا نحو التعافي. لقد تحسنت حالة المرضى. بمجرد أن توقفوا عن تناول الأطعمة المسببة للجلطات الشريانية، أصبحت أجسامهم قادرة على تفكيك بعض الانسدادات التي تراكمت. لقد تفتحت مجاري الشرايين دون عقارات أو جراحة، حتى في حالات الشرايين التاجية الثلاث شديدة الصعوبة. هذا يعني أن أجسادهم كانت راغبة في إحداث الشفاء لكنها لم تمنح الفرصة قط.

دعوني أشارككم ما يطلق عليه ” أفضل أسرار الطب المحفوظة”: إن حافظت على الظروف الصحيحة، فإن بإمكان الجسد أن يعالج ذاته. إذا حككت ذقنك بشدة في طاولة قهوة، فإنه سيحمر، ويتورم، ويؤلمك. لكن ذقنك سوف يشفى بشكل طبيعي إن تراجعت عن فعلك وسمحت لجسدك بأن يقوم بعمله. لكنك ماذا إن تابعت الحك في المكان ذاته ثلاث مرات كل يوم – مثلًا، مع الإفطار، والغداء، والعشاء؟ فلن يشفى أبدًا.

يمكنك الذهاب لطبيبك والشكوى له من ألم ذقنك، فيقول لك: “لا توجد مشكلة”, مستخرجًا ورقة يكتب لك فيها وصفة لتسكين الألم، فتعود للبيت، وتستمر في حك ذقنك ثلاث مرات في اليوم، لكن المسكنات تشعرك بتحسن كبير، فالحمد لله على نعمة الطب الحديث! هذا ما يفعله الناس حين يأخذون النيتروجلسرين لعلاج آلام الصدر. حيث يوفر الطب قدرًا هائلًا من الارتياح، لكنه أبدًا لا يعالج السبب الأصلي للألم.

يريد جسدك أن يستعيد صحته بنفسه إن سمحت له بذلك؛ لكنك إن واصلت إصابة نفسك في ثلاث مرات في كل يوم، فإنك بهذا تعوق عملية الشفاء الطبيعية، فكّر في التدخين وخطر الإصابة في السرطان: من أكثر ما أدهشني مما عرفت خلال دراستي للطب أنه في خلال خمسة عشر عامًا من ترك التدخين، فإن خطر الإصابة بسرطان الرئة يقترب من خطر إصابة من لم يسبق له التدخين قط بالمرض نفسه. فبإمكان رئتيك أن تتخلصا نهائيًّا من كل القطران المتراكم فيهما، فتبدوان بالنهاية كأنك لم تدخن قط.

جسدك يريد أن يبقى صحيحًا. وكل ليلة لك في حياتك كمدخن، وحين تنام، تبدأ عملية الاستشفاء الطبيعي إلى أن … بوووم!- تشعل أول سيجارة لك في الصباح التالي. وكما أنك تعيد إصابة رئتك مع كل نفس دخان، فإنك تؤذي شرايينك مع كل لقمة تتناولها. يمكنك اختيار الاعتدال وضرب نفسك بمطرقة أصغر ، لكن لم تضرب نفسك من الأساس؟ يمكنك اختيار التوقف عن تدمير جسدك، والخروج على روتينك المعتاد، وتسمح لعملية الاستشفاء الطبيعية بإعادتك إلى مسار الصحة.

السموم الداخلية تعطل شرايينك

الأغذية غير الصحية لا تؤثر على تركيب شرايينك فحسب؛ بل تؤثر كذلك على وظيفتها. شرايينك ليست مجرد أنابيب جامدة يتدفق من خلالها الدم, بل هي أعضاء ديناميكية حية. ونحن نعرف طيلة عقدين أن وجبة سريعة واحدة – السجق وساندويتش الماكمافين واللذين استخدما في الدراسة – يمكنها إحداث تيبس في شرايينك في غضون ساعات، قاضية على نصف قدراتها على الاسترخاء الطبيعي. وبمجرد بدء هذه الحالة الملتهبة في الهدوء في غضون خمس أو ست ساعات يكون وقت الغداء قد حان. وقد تعاود استفزاز شرايينك بوجبة أخرى من الأطعمة الضارة، ما يترك العديد من الأمريكيين بشكل دائم في نطاق مخاطر الإصابة بالالتهاب المزمن المنخفض. إن الوجبات غير الصحية لا تحدث فقط ضررها على مدى العقود المتتالية بل تحدثه على حاله وفورًا، وخلال ساعات من دخولها إلى جوفك.

في العادة, كان الباحثون يلقون باللائمة على الدهون والبروتينات الحيوانية، لكن الانتباه تحول مؤخرًا إلى السموم البكتيرية المعروفة باسم “السموم الداخلية”. يبدو أن أطعمة مثل اللحوم تجلب إليها أنواعًا من البكتيريا التي تثير بدورها حالة من الالتهاب بكل طريقة ممكنة، حتى لو كان الطعام كامل الطهو. لا تزول السموم الداخلية بحرارة الطهو، أو أحماض المعدة، أو الإنزيمات الهاضمة؛ ولذا فإنه عقب تناول وجبة من اللحوم قد تنتهي الحال بهذه السموم داخل أمعائك، ثم ساد اعتقاد أنها تحمل بواسطة الدهون المشبعة عبر جدار المعدة إلى تيار الدم، حيث يمكنها إثارة تلك الحالة الالتهابية في شرايينك.

وهو ما يفسر سر التعافي السريع الذي يبديه مرضى القلب حين يوضعون على برنامج غذائي مكون بالأساس من أطعمة نباتية، تشمل الفواكه، والخضراوات، والحبوب كاملة العناصر، والفول. أورد الدكتور أورنيش أن حالات الذبحة الصدرية تقلصت بنسبة وصلت إلى ٩١٪ خلال أسابيع معدودة بين المرضى الذين اعتمدوا النمط الغذائي النباتي مع أو بدون برنامج رياضي. إن الارتياح السريع من ألم الصدر حصل قبل أن يقوم الجسد بتنظيف جميع الانسدادات داخل الشرايين، ما يعني أن التغذية النباتية لا تساعد فقط على تنظيف الشرايين بل تحسن من وظائفها بشكل فوري. على النقيض من ذلك جاءت نسبة مجموعة التحكم التي طلب منها اتباع نصائح الأطباء المعتادة متزايدة بمقدار ١٨٦٪ في نوبات الذبحة. لا عجب في تدهور حالتهم، فقد استمروا في اتباع ذات النمط الغذائي الذي عطل عمل شرايينهم من البداية.

طيلة عقود ونحن نعلم بأمر القوة الهائلة للتغييرات في النظام الغذائي، فمثلًا، صدرت ورقة بحثية بعنوان “الذبحة والطعام النباتي” نشرت في مجلة القلب الأمريكية في عام ١٩٧٧. والأنظمة الغذائية النباتية تقوم حصرًا على نباتات وتتلافى تناول اللحوم، والألبان، والبيض. فقد وصف الأطباء حالات مثل حالة السيد إف. دبليو (غالبًا ما تستخدم الأحرف الأولى من الأسماء حفاظًا على خصوصية المريض)، وهو رجل في الخامسة والستين من عمره بحالة خناق شديدة تضطره للوقوف كل تسع أو عشر خطوات. لا يستطيع حتى الوصول إلى صندوق بريد منزله. وقد بدأ الرجل نظامًا غذائيًّا نباتيًّا، فتحسنت حالته خلال أيام. وخلال أشهر، بدأ صعود الجبال بلا ألم على الإطلاق.

اسأل طبيب مجاناً