ويجب أن أعلم أنني عبد محض، فإذا اختبرني رب العباد سبحانه وتعالى، فلا أتسخط جريان الأحكام عليه.
و إذا كان كل واحد منا يدعي محبة الله، فالمحب الصادق راض بكل ما يعمله به حبيبه، حتى وإن لم يفهم.
ثم إنني عبد محدود الفكر محدود العقل، لا أدري ما الغيب؟ ما هي عواقب الأمور؟ فأنا إنسان أجهل عواقب الأمور، والله عز وجل هو سيدي ومولاي، هو الذي يعرف مصلحتي في صغير الأمر وكبيره.
كل واحد فينا يقول: أنا مسلم أنا مسلم، هل ندري ما معنى أنني مسلم؟ مسلم، يعني: سلمت نفسي لله رب العالمين، فقد بعت نفسي ومالي لله، كما في قول الله عز وجل: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) (التوبة: من الآية111). فإذا باع الإنسان نفسه وما له لله، فلماذا لا يسلم نفسه لله عز وجل؛ ليفعل الله عز وجل به ما يشاء، ولن يفعل الله به إلا خيراً.
وبعدين العبد عندما يشكو لا تحل المشكلة، بل المشكلة ربما تزداد تعقيداً وربما تذهب بي بعيداً، لكن إذا أنا رضيت، تخف حدة المشكلة. وهنا الرضى ينزل على القلب السكينة، فتبرد حدة الشكوى ويفتح لي باب السلامة، ويجعلني عندما أرضى أخرج هواي من قلبي، يعني: يكون هواي تبعاً لما يرضي الله عز وجل.
فاعلم أن كل إنسان يخالف الشرع عديم الرضى؛ لأن الإنسان الذي يرتشي، ويأخذ حراماً، لم يرض بما قسمه الله له من راتب أو من مال، الإنسان الذي يتكسب من سحت ومن حرام، والعياذ بالله رب العالمين، لم يرض بما قسمه الله له من مال.الإنسان الذي يتعدى على حدود الآخرين، سواء بالنظر إلى ما حرم الله، أو غير ذلك، لم يرض بما قسم الله له من حلال عنده، ولذلك ندعو رب العباد عز وجل، ونقول في كل دعاء: ماض في حكمك عدل في قضاؤك.
الإنسان كلما أعمل قلبه في مسألة الرضى فقضية الشكوى تختفي، إن العبد المتسخط الشاكي كلما جلست معه يشكو دائماً في صغير الأمر وكبيره، فيجب أن يرضى ويعلم نفسه الرضى. قال أبو الفوارس جنيد بن أحمد الطبري:
العبد ذو ضجر والرب ذو قدر والدهر ذو دول والرزق مقسوم
والخير أجمع فيما اختار خالقنا وفي اختيار سواه اللوم والشوم
"فالعبد ذو ضجر والرب ذو قدر": العبد قليل الرضى، يتضجر من الأمور ويمل كثيراً، وخلق من عجل، ويريد أن يحقق الأمر كما يريد بهواه هو، ولا يعلم أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يختار له ما يعود عليه بالخير.
الإنسان الكثير الشكوى، هو إنسان يتعب نفسه، ويتعب من حوله، يعني: أنت جلست تشكو من زوجتك مثلاً، أو من أبنائك لصديق أو لأخ لك، بعد أن انتهت المسألة ما الذي كسبته؟! ما الذي عاد عليك؟! فلن يستطع أخوك أن يغير لك سوء خلق زوجتك مثلاً. أنت أخت الإسلام جلست في كل صغيرة وكبير ة مع صديقاتك، أو مع أمك، أو مع أختك، أو جارة لك، فجلست تشكو لها من صنع أهل زوجك معك مثلاً، هل حلت المشكلة؟! أبداً لم تحل المشكلة، بل على العكس هتكت الأستار، الأسرار أصبحت خارج البيوت، أصبحت هناك تحت عنوان الخيانة؛ كما قال رب العباد سبحانه وتعالى: (وامْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ) (التحريم: من الآية10).هذا الأمر لم يعد عليك ولا على بيتك بالخير، بالعكس أدخلت نفسك في غيبة، وفي نميمة، وفي تصغير أهل الزوج أمام الآخرين، أو العكس.
نقول هذا الكلام للأزواج كليهما، سواء الزوج أو الزوجة، سواء الرجل أو المرأة، الصغير أو الكبير، عندما تشكو للإنسان فأنت تشكو الذي يرحم للذي لا يرحم، تشكو من يرحمك إلى من لا يرحمك؛ لأن من الذي يعطيني؟! الإنسان إذا ألزم نفسه الرضى تبتعد الشكوى عن لسانه.
ولذلك العلماء قسموا الرضى إلى رضى العوام ، ورضى الخواص، ورضى خواص الخواص.
فالعوام رضاهم أن يرضى بما قسمه وأعطاه ربه.
أما الخواص فيرضون بما قدره الله سبحانه وتعالى وقضا.
أما رضى خواص الخواص فهو رضاهم بالله سبحانه وتعالى بدلاً من كل ما سواه، فلا يرضى بغير الله رباً ولا يرضى بغير دين الله ديناً.
إذا أخوة الإسلام، هلا ملأنا قلوبنا رضى حتى تختفي آفة الشكوى من فوق ألسنتنا؟!
عسانا نصنع هذا ونستعين بالله رب العالمين