التصنيفات
الطب البديل والتكميلي

تعميق إحساسك بالرحمة والشفقة: التأمل ج18

أثناء تأملك، ربما تجد أن شخصاً معيناً يظهر لك في خواطرك بشكل دائم. قد يكون هذا الشخص فرداً من أفراد عائلتك، أو قد يكون صديقاً لك، أو أي شخص تكن له مشاعر. إذا كانت المشاعر التي تكنها لهذا الشخص إيجابية، فمن الطبيعي أن تستمتع باللحظة التي يخطر فيها على بالك. وإذا لم تكن المشاعر التي تكنها لهذا الشخص إيجابية، فربما تحاول أن تبعده عن ذهنك. في كلتا الحالتين، ستكون قد ابتعدت عن التأمل نفسه واستغرقت في عملية فكرية.

وبعد فحص مشاعرك، سواء كانت جيدة أو سيئة، فإنك ستجد أنك تستقر وتعود إلى التأمل بسهولة أكبر. في حالة الشخص الذي تكن له مشاعر إيجابية، لا يوجد المزيد الذي تحتاج إلى فعله. أما في حالة الشخص الذي يثير فيك مشاعر سلبية، يمكنك أن تستفيد من فهمك لديناميكية العلاقة بينكما. بعض الناس يجدون صعوبة في الصفح عن الآخرين والتعاطف معهم. هذا التدريب سيساعدك على التخلص من مشاعرك السلبية وإحلال مشاعر أكثر إيجابية مكانها، مما يساعدك على تغيير عاداتك الذهنية إلى الأفضل.

تدريب على الشفقة والرحمة -1

هذا التدريب مكون من ثلاثة أجزاء: الأول تفكر فيه في العملية ككل، والثاني تدخل فيه بالفعل في العملية، والثالث تمارس فيه الرحمة والحنو على أي شيء يخطر على بالك. الخطوات التالية تختص بالجزء الأول.

1. في عقلك، حدد الشخص الذي تكن له مشاعر سلبية، مثل الامتعاض أو الغضب.

2. فكّر في هذا الشخص وفي الحدث الذي جعلك تكن له هذه المشاعر السلبية.

3. حاول ألا تحكم على مشاعرك، فقط لاحظها. تلك المشاعر ليست ممتعة أو مريحة، ورغم هذا فإن الكثيرين منا يقضون جزءاً كبيراً من وقتهم في تلك العمليات الفكرية السلبية. الآن لديك الفرصة لكي تغير من هذه العملية.

4. جهّز نفسك للتأمل.

5. ابدأ التنفس بإيقاع منتظم.

6. أثناء استرخائك، تخيل شيئاً يثير فيك مشاعر إيجابية. يمكن أن يكون هذا الشيء مكاناً مفتوحاً أو زهرة أو رمزاً. أتح لنفسك بعض الوقت لكي تعثر على رمز قوي.

7. أثناء تركيزك على الشيء الذي اخترته، لاحظ دفء المشاعر التي تحيط بك. لاحظ الألوان المرتبطة بالشعور القوي الذي تشعر به.

8. الآن فكر في الشخص الذي تكن له مشاعر سلبية. انتقل من تفكيرك في هذا الشخص إلى التفكير في الشيء الذي يثير فيك مشاعر إيجابية. تنقل بين التفكير في الشخص ذي المشاعر السلبية والشيء ذي المشاعر الإيجابية.

9. استمر في ذلك لعدة دقائق.

لاحظ الآن أنك عندما تفكر في هذا الشخص فإن لمحات من المشاعر الجيدة ستتسرب إلى إدراكك. قد تكون هذه المشاعر خافتة للغاية. وعندما نستمر في التنقل بين الأفكار والمشاعر السلبية والإيجابية فإن أذهاننا ستتغير. وعندما تتدرب على هذا الأسلوب، ستجد أن التنقل يحدث بسهولة وبسرعة. لاحظ أن بعض الأفكار السلبية تتغير بسهولة أكثر من البعض الآخر. بعض المشاعر تكون قوية للغاية وتتطلب التزاماً أشد. وبعض هذه المشاعر سيبدو تغييرها مستحيلاً.

يقارن الدلاي لاما تغيير المشاعر بعملية النمو التي يتعرض لها الطفل الصغير حتى يصبح شاباً يافعاً. إن النمو يجب أن يمر بمراحل ويستغرق وقتاً. وكذلك تحويل المشاعر وتغيير التوجه الذهني يتطلب وقتاً ولا يمكن أن يحدث بين عشية وضحاها.

تدريب على الشفقة والرحمة -2

1. جهّز نفسك للتأمل.

2. ابدأ في التنفس المنتظم، وركز أفكارك على شخص تشعر بالرحمة تجاهه. قد يكون هذا الشخص طفلاً صغيراً يحتاج إلى الدفء والحب، وربما يكون صديقاً مريضاً أو أحد أفراد عائلتك تعلم أنه بحاجة إلى مساعدة. ربما تشعر بالحنو والشفقة تجاه ضحايا زلزال ما.

3. ركّز على الشخص الذي تشعر تجاهه بالرحمة لعدة دقائق. فكر فيما تثير فيك المشاعر الإيجابية تجاه هذا الشخص.

4. استمر في ذلك لعدة دقائق، واسمح لنفسك بالاطمئنان إلى المشاعر التي ترتبط لديك بهذا التفكير الإيجابي.

لاحظ أن شعورك سيختلف بطريقة ما بعد هذا التدريب القصير. ستتذكر تفاصيل وجه الطفل الصغير وهو يلعب، أو تتذكر كيف تحسن شعورك كثيراً عندما تمكن صديقك المريض من الاسترخاء والنوم، أو تتذكر الفعل الصغير الذي قمت به وجعلك تشعر بأنك تقوم بواجبك في هذا العالم.

تدريب على الشفقة والرحمة -3

1. جهّز نفسك للتأمل مرة أخرى.

2. أثناء تنفسك، ركز على التأمل.

3. اسمح لأي أفكار بأن تخطر على بالك.

4. عندما تلاحظ فكرة حول أي شيء، اربطها بإحساس الرحمة والشفقة الذي تكوّن لديك. افعل هذا مع أي فكرة أو شعور يراودك.

5. استمر في هذا لعشر دقائق أو أطول.

لاحظ كيف يختلف شعورك بعد هذا التدريب عن شعورك بعد التدريبات الأخرى. هل ثار لديك العديد من الأفكار والمشاعر؟ هل أصبحت قادراً على التركيز على فكرة واحدة لفترة أطول عند ربطها بمشاعر وأحاسيس الرحمة؟ كيف قامت تلك العملية البسيطة بتغيير شعورك تجاه عملياتك الذهنية؟

إن قدرة الرحمة على الشفاء هائلة. وستصبح قادراً على الإحساس بهذا الشعور من لحظة إلى أخرى إذا تدربت عليه. معظم الناس تتكوّن لديهم مشاعر سلبية من وقت إلى آخر، وهي مشاعر لا نحتاج إليها في الواقع. واستبدال هذه المشاعر بأخرى إيجابية يساعدنا ويساعد المحيطين بنا أيضاً. سنجد أننا أصبحنا نحب الآخرين أكثر، وأنهم أصبحوا يحبوننا أكثر أيضاً. وسنجد أننا نقدر نشاطاتنا اليومية بصورة أفضل. وأخيراً، سنجد أننا ننهمك فيما نقوم به من مهام بشكل مباشر نتيجة لسعينا لاستكشاف ما يسعدنا فيه.

يصف الدلاي لاما مشاعر الرحمة والعطف بالطريقة التالية:

يجب أن تفهم أن الشعور الذي أتحدث عنه ليس له غرض، فأنت لا تقدمه بهدف أخذ شيء في المقابل. بنفس الطريقة، فإن الرحمة الحقيقية ليس لها شروط. انتبه لهذه النقطة، فهي تخالف ما اعتدنا عليه. إن الرحمة لا يجب أن تكون مرتبطة بموقف معين، أو بشخص معين نختاره. يجب أن تتدفق الرحمة داخلنا بصورة تلقائية، وبشكل كامل، وبدون أمل في تلقي شيء في المقابل. فنحن يجب أن نقدم هذه الرحمة بشكل عام وبلا شروط (The Path to Tranquility، ص 385).

وعندما تعاود التفكير في الشخص الذي يثير فيك المشاعر السلبية، فكّر في هذا الشخص على أنه من بين الأهداف التي يجب توجيه إحساسك بالرحمة تجاهها. فإذا لم تكن قادراً على الشعور بالرحمة تجاهه، فربما عليك أن تتجنب التفكير فيه في الوقت الحالي وتقوم بتنمية إحساسك بالرحمة والشفقة بشكل عام أولاً. وعندما ترى هذا الشخص في المرة التالية، ربما تجد أن إحساسك بالانزعاج يحدث بتكرار أو بحدة أقل. اعترف بأنه من الصعب عليك أن تحب هذا الشخص. بهذا الشكل، أنت تُظهر الشفقة والرحمة تجاه نفسك. فإذا كنا نقول إنك يجب أن توجّه إحساسك بالرحمة إلى الناس بشكل عام، فمن الواضح أنك يجب أن تشمل نفسك بهذا الإحساس أيضاً.

في الفصل 15، تعرفنا على مبادئ تأمل الكي وكيفية تلقي وإرسال التأمل. في تأمل الكي، تدربت على توسيع إدراكك تجاه نفسك لكي يشمل الغرفة التي تجلس فيها، والمبنى الذي توجد به، والحي الذي تقطن فيه، والكرة الأرضية كلها، والنظام الشمسي، والكون بأكمله. لقد تدربت في هذا الفصل أيضاً على كيفية الغوص في أعماق نفسك، والإحساس بالأصوات والحركات والمشاعر الموجودة داخل جسمك. وعندما تتدرب على هذا التأمل -الدخول إلى نفسك والخروج منها إلى العالم من حولك- فإنك ستشعر بأن علاقتك بالعالم من حولك قد اختلفت. فبدلاً من أن تشعر بأنك مفصول عما حولك فإنك تشعر بأنك تندمج معه. وبالطبع سيصبح من الأسهل أن تشعر بالرحمة تجاه الأشخاص الذين تندمج معهم.

إن تلقي وإرسال التأمل مبني على الرحمة والشفقة من بدايته. إن التدرب على تحمل معاناة الآخرين يعد تدريباً جيداً على تحملك لمعاناتك الشخصية. فإذا كنت تدرب نفسك على تحمل معاناة الآخرين، وتجد هدوءاً وسلاماً في فعل ذلك، فإنك تستطيع أن تفعل ذات الشيء مع نفسك. فعندما تقول لنفسك: “إنني سأتحمل الألم في هذه اللحظة”، فإنك تواجه معاناتك بوضوح. إن مواجهة المعاناة الآن أفضل من تجاهلها ثم الاضطرار إلى مواجهتها فيما بعد. إن مواجهة المعاناة لن تؤدي بالضرورة إلى التخلص من الألم، ولكنها تجعلنا نتعامل مع الألم بطريقة جديدة ومتكاملة.

أتذكر عندما قامت حفيدتي بابتلاع بعض الدواء بالخطأ مما كان من الممكن أن يتسبب لها في ضرر كبير. لقد أسرع والداها بنقلها إلى المستشفى حيث بدءوا بعلاجها على الفور. كان جزء من العلاج يتضمن نقل بعض الدم لها. إن التجربة بكاملها كانت شديدة الوطأة ومثيرة للرعب ومؤلمة. لم يكن باستطاعة والدها أن يفعل أي شيء ليحل المشكلة الطبية التي تمر بها ابنته، رغم ما كان يشعر به من إحساس دافق بالرحمة والشفقة من أجلها. وما فعله هو أنه احتضنها وكرر على مسامعها المانترا المفضلة لديها. لقد شاركها الخبرة المؤلمة التي تمر بها وساعد على تخفيف إحساسها بالخوف والوحدة.

ملخص

لا تقلل من قوة الرحمة والتعاطف والحب في حياتك. إننا لا نستطيع أن نرفع الجبال من أماكنها، ولكننا بالحب والرحمة نستطيع أن نرفع جبال المعاناة عن كواهلنا ونزيحها من مسارنا، ومن مسار الآخرين أيضاً. إن الرحمة تزيد من ثراء حياتك وتحل محل الأفكار والمشاعر السلبية.

الفصل التالي يناقش العملية الإبداعية ويعلمك كيف تصبح أكثر إبداعاً.

اسأل طبيب مجاناً